كاتب الموضوع :
شهد عبيد
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
رد: الحب العاصف
ولكن ذلك لم يكن كليا للأسف. فقد اعترفت أنها تخادع نفسها. فهي لا تفتأ تفكر فيه منذ الجنازة متعجبة كيف فتنها بهذه الصورة. لقد ضايقها بلا شك بسلوكه الشاذ. إنها تعلم تباعده عن والدته, وأنه إنسان مجرد من الأحاسيس ولكن لم تكن مستعدة لما أثار به فضولها و أحاسيسها.
وكان الطقص في ذلك اليوم من ديسمبر شنيعا إذ هطلت الأمطار مدرارا وأحتمى كل إنسان بمظلته, عدا "إيثان" لم يبد عليه أنه لاحظ تشبع شعره الفاحم المجعد بالماء حتى أخذ الماء يتساقط على ياقة معطفه الصوفي الأسود السميك. كان كصخرة صماء ناتئة في الشاطىء رافعا وجهه الصارم في ازدراء والمطر يغسل خطوطه الجرانيتية .
لم يكن وسيما بالمعنى المتعارف عليه. فتقاطيعه خشنة تثير الرعدة في البدن بما تحمله من عداء. كان خافضا حاجبيه طوال الطقوس وعيناه الخضراوان تبدوان كحقل على البعيد.
كان شامخا برأسه وكتفيه فوق الجميع وكانت يداه العريضتان مدسوستين في جيبي معطفه, وأخته المتعلقة في ذراعه كبعوضة على قرن ثور. يلكزها بحركة لا تكاد تلحظ حتى لا تزعجه بثرثرتها وشعرت "روكسي " بالأسى لهذه المرأة الهشة التي ليس لها إلا "إيثان" تعتمد عليه وهو يثيرالكدر في نفسها بتباعده.
لم ينظر إلى أحد عدا اللمحة الخاطفة التي رماها بها. وأعطاها انطباعا عن رجل اختار عن عمد أن يعيش بمعزل عن الناس. لقد كان "إيثان تريمين" أشبه بجزيرة صخرية محصنا عاطفيا ضد الحياة والموت منغلقا على نفسه ومكتفيا بها.
وشكت أن تتمكن من أن تمس شغاف قلبه. فهي تخاله رابطا داخل القفص الصدري الضخم ينبض في رتابة لا تخرج عن إيقاعها مهما كانت الظروف.
وقد تمر به النساء مرور الكرام يدخلن ويخرجن دون أدنى تأثير على توازنه.
ورغم هذا المظهر الصارم المتجافي لم تفتا صورته تطارد خيال "روكسي" تحفزها لأن تتحرش به بأية صورة لتجبره على الإعتراف بأدميتها . لا يعنيها أن مظهره ذاك كان يواجه به الكافة. فهي تريد الناس منفعلين تجاهها يضحكون أو يجادلون أو يغضبون المهم أن يبدوا رد فعل بها وكانت تجربة جديدة وغير مريحة لها .
لا عجب أن تنجذب النساء إليه شأن الفراشات حين تنتحر . كان ذلك الصمت المغرق في غرابته يمثل تحديا! وكانت والدتها هي التي أخبرتها بمغامراته النسائية.
وكان أمر يصعب على التصديق أنه لم يكن يبدي أي مجهود لجذب النساء فقد أحست روكسي بهالة من الجاذبية الجنسية تحيط به, رغم ما يلتزم به من صمت. ولكنها كانت ترى أن الأمر معه ليس إلا إشباعا للجسد مجردا من أية لمسة عاطفية.
وكانت القرية تموج بالشائعات حول الفتيلت والنساء اللاتي وقعن ضحية تلك الجاذبية العاطفية له. إذ تتناثر القلوب المحطمة حوله كقشر البيض, وهو يأبى أن يلين لقلب أية معشوقة له, مهما حاولت.
وتوقفت "روكسي" عن النظر في بريدها اليومي . إن "إيثان" و أخته لم يزورا والدتهما حتى في مرضها, وهاهما ذا يشتركان معا في ميراث ضيعتها المترامية الأرجاء بينما هي تقنع من والدتها ببعض الصور , وقطعة أو قطعتين من الحلي وقليل من الذكريات الغالية.
وأغلقت "روكسي" ذهنها عن الماضي وقد بللت عيونها الدموع. إن التفكير في الماضي لن يسبب لها إلا الشقاء. وكانت مقدرتها في التحكم في عواطفها قد جنبتها كثيرا من أن تنهار صريعة لها وهي تعلم جيدا أن في هذا نوع من التزيف وأنها لا محالة ستواجه نفسها يوما ما. ولكن ليس الأن. فأمامها مؤسسة ضخمة تطلب أكبر قدر من التفكير السديد.
وأنجزت عملها اليومي في همة وسرعة.وأخذ منها "جو" ما سجلته من خطابات وتعليمات ثم اتجهت إلى غداء عمل ناجح مع ممولين لمحليها في "مانشستر" و"ليدز".
وقامت بعد ذلك بعدة مشتريات باهظة احتفالا بالمناسبة متأثرة في تبذيرها بما يسري في عروقها من نشوة بسبب ما تناولته من شراب .
واستقلت سيارة أجرة أخذتها إلى مكتبها حيث عادت متأخرة إلا أنها كانت تحت ما تحمله من أكياس تكاد تطير من الفرح. لقد أنجزت إنجازا رائعا تلوح لناظريها . سلسلة من المحال تغطي أرجاء البلاد....اسم ذائع الصيت....وحرية تدفعها لأن تفعل ما تشاء لا يزعجها أحد...يا الله!
واندفعت إلى داخل المحل يدور رأسها بما هي فيه من غبطة..
فوقفت على الفور وقد علتها الدهشة لمرأى ذلك الأسمر الضخم الذي كان واقفا يحملق إلى البائعات العاملات لديها
إن الصخرة الناتئة قد وصلت إلى لندن "إيثان تريمين" !
إنتهى الفصل الأول نلقاكم قريبا مع أحداث جديدة وتصادمات عنيفة "ليلاس أحلى ناس"
|