و جاء إيثان بعد قليل, و خيل إليها انه يتأملها بعينين والهتين و نظرت إليه و قالت في وداعة:
ـ اننى احبك.
انحنى عليها بعينين تفيضان حبا و حناً و طبع قبلته على خدها و قال:
ـ و انا احبك ايضا.
و سرت كلمته في بدنها مسرى الدم, دافئة تشفى كل الجراح. و قالت و هى تفكر بصوت عالى:
ـ لقد احببتك طوال عمرى.
اسندها إلى الوسادة, و قال برقة:
ـ إن معى ضيفا في انتظارى.
ـ جو, انه شخص لطيف... لا افهم كيف تكون اعمالى في لندن و انا مقيمة هنا. لقد ذكرت لى الممرضة اننا في كورنوول.
اعتدل واقفاً, و تجهم وجهه بطريقة غريبة:
ـ انها قصة طويلة زهرة منسية. اطول من ان تقص هذه الليلة. تصبحين على خير يا روكسي, سوف اراك في الصباح.
نامت ليلتها دون الحاجة إلى حبوب منومة. و استيقظت منتعشة, و رأت في نفسها قوة ان تنهض من الفراش بعد الفطور الذى قدمته لها مسز بولرون, مدبرة المنزل.
و اكتشفت روكسي ان مسز بولرون تعمل لدى ايثان و حاولت استخلاص اكبر قدر من المعلومات. و لكن المرأة كانت اكثر نضجاً من ان تستدرج للحديث عن ايثان, أو عن حقيقة ان روكسي تعيش في ذا المنزل الضخم دون خدم او مساعدة.
و اخذ تصلب ظهرها و صداع رأسها ينقشعان تدريجياً على مدار الأيام التالية. و هى لا تزال عاجزة عن تذكر الماضى و لكنها لم تهتم, فالمستقبل امامها رائع.
و في صباح يوم مشمس من شهر مايو كانت هى و ايثان جالسين في الشرفة. و كانت الشجيرات التى تمثل سياجاً حول الحديقة قد ازهرد بالأزاليا و الرودويندرون, بينما تبرز انصال من نبات قفاز الثعلب الارجوانية من العشب. و كان الهواء يحمل اصوات افراخ طائر غراب الزيتون و هى تصيح طلبا للغذاء.
و كان إيثان قد جلب لها بعضاً من الفراولة التى بدأت تنضج في الحديقة قائلاً ان انابيل ترفض اكلها.
و وجدت روكسي انه امر غريب ان انابيل لم تزرها ابداً.
و حين ذكرت ذلك لـ ايثان على تردد منها, قالت بهدوء:
ـ إن انابيل تنفر من الناس كما كانت امى تفعل بالضبط.
قالت مستحثة, و هى تغطى يده بيدها:
ـ خبرنى عن والدتك.
ـ انها كانت تجد الناس لا يعيشون طبقاً للمعاير الصحيحة الصارمة التى كانت تضعها, لقد كان ذلك مرضا فيها. و قد كانت غاية في الأنانية, لا تهتم ابداً باحتياجات غيرها و قد اصبحت عصابية, وتعرضت انا لشتى انواع العذاب معها...... بأكثر من طريقة على ما اعتقد.
ـ لم يكن ذلك سهلا بالتأكيد, صبي يعيش في الريف, مع ام مفرطة في قواعد الصرامة.
و قال بهدوء:
ـ لقد كانت حياتى شقاء. لقد حاولنا ان نتعايش معها, و استخدم والدى شتى صور الرقة, لكنه ضاق ذرعا باتهاماتها و مطالبها المستحيلة في النهاية. و لذا انفصلا, و عشت انا مع والدى
ـ انهمت متوفيان الآن؟
نظر في عينيها:
ـ نعم. كانت جنازة امى في يوم مطير من ايام ديسمبر الماضي. و كنت احاول لقاءها في ايامها الأخيره. لأقف ما تثيره حولى من شائعات.
قالت بدهشة:
ـ اتعني انها هى التى كانت تنشرها؟ يا له من موقف فظيع!
ـ اوهـ. على مدى سنوات طوال و هى تختلق القصص عن والدى و عنى. و عن الفجور الذى نعيش فيه. و كان اهل القرية يتناقلون هذه القصص بالسنتهم. و قد تركتها انابيل منذ حوالى سبع سنوات, فمن الصعب على فردين انانيين ان يعيشا معاً. و رأت امى في ذلك ضربة انتقامية موجهة منى ضدها.
ـ و ماذا فعلت؟
ـ لقد زلزلت الصدمة كيانها, فلزمت الفراش لا تغادره. ثم كانت الإشاعات بأنى اغريت اختى بهجرها لاقدمها لأصدقائى امتاعا لهم.
امتلأ قلبها بالشفقة عليه, فبالاضافة إلى تلك الشائعات, فقد كان شقاء له ان تضمر له امه كل هذه المشاعر السيئة, و هى على فراش المرض.
و استطرد بمرارة :
ـ و اخذت حالتها تزداد سوءاً و تقطعت اخر خيوط المودة بسيل من المكالمات التليفونية و الخطابات, ممتلئة كلها بكل ما ينفر النفس فهى لم تغفر لى على الاطلاق اختيارى للمعيشة مع والدى, مدعية اننى انتمى إليها خى. و الآن على ان اراقب انابيل ايضاً. إن صديقها طبيب نفسي, و هو يعالجها, و استطيع انا ارى فرقاً كبيراً الآن.
تنهدت:
ـ يالها من مسكينة, و يالك من مسكين. و اربد وجهها إذ رأت انه لن يفكر في الزواج طالما بقى عليه عبء رعاية اخته.
و رأى ايثان منها ذلك, فقال:
ـ لا تشغالى بالك بـ انابيل فانا متعود عليها, و كتفاي قويتان لحمل المشاكل. و اسلوبى معها هو ان ادعها تفعل ما تشاء داخل المنزل, و اقضي اغلب وقتى خارجه. انها لن تؤثر علينا.
ـ علينا؟
قال برقة:
ـ اريد ان اتزوجك باسرع ما يمكن. اريد ان اعتنى بك. و احبك بجنون, إلى آخر رمق في حياتنا.
ـ ضمنى إليك, فأنا محتاجة إليك بكل جوانحى.
و اودعها احضانه التى تفيض حباً و امنا, و آن آنة خافتة, ثم قال:
ـ فلنتزوج الآن. لا استطيع الانتظار اطول من ذلك. غمغمت:
ـ اوهـ يا ايثان.... و لكن.....
وجدت وجهه قد تجهم, و سألها:
ـ لأكن؟
و دب الرعب في قلبها. إنها لم تعهد فيه صلابة كمثل هذه و قالت في تردد:
ـ إننى سعيدة هنا في كارنوك و لا اريد مغادرتها.
و انبسطت اساريره على الفور و قال:
ـ و هذا شعورى ايضاً. إن انابيل يمكنها البقاء بمنزل تريمينز نعيش نحن هنا, و يمكننى انا اواصل رعايتها. و قد تتزوج من صديقتها فهو مناسب لها جداً.
و اخذت روكسي انطابعاً أنه لا يميل إلى صديق اخته, و لكنها لم تشغل بالها بالأمر, فلديها من السعادة ما يكفيها.
همس ايثان لها:
ـ اريد ان تبرئ باسرع ما يمكن, حتى نتمكن من الزواج.
و مضت بما اللحظات حلوة هنيئة يتطارحان الغرام و يبنيان
احلام السعادة, و تذكر ايثان ما كان بينهما, فقال:
ـ الم اعدك بأننى لن اهدأ, حتى نشبع ما نحس به من جوع.
و صرخ عقلها بالتذكر, فقد كانت كلماته اشبه بزناد قدح ذاكرتها.
لقد عرفت من هو. و عرفت من هى, فصرخت صرخة يأس, ضد جسدها الذى يصر على خيانتها.
ايثان تريمين, عدوها. ذلك الذى يمزقها بين رغبات الجسد, و رفض العقل ان تستمر في حبه بكب حرارة و حماس و يستمر هو في استغلالها.
منتديات ليلاس
نهاية الفصل العاشر
قراءة ممتعة