المنتدى :
خواطر بقلم الكتاب العرب والعالميين
مناجاة القمر مصطفى لطفي المنفلوطي
مناجاة القمر
أيها الكوكب المطل من علياء سمائه ،
أأنت عروس حسناء تشرف من نافذة قصرها , وهذه النجوم المبعثرة حواليك قلائد من جمان ؟
أم ملك عظيم جالس فوق عرشه , وهذه النيرات حور وولدان ؟
أم فص من ماس يتلألأ , وهذا الأفق المحيط بك خاتم من الأنوار ؟
أم مرآة صافية , وهذه الهالة الدائرة بك إطار ؟
أم عين ثرة ثجاجة , وهذه الأشعة جداول تتدفق ؟
أم تنور مسجور , وهذه الكواكب شرر يتألق ؟
أيها القمر المنير :
إنك أنرت الأرض , وهادها ونجادها, وسهلها ووعرها , وعامرها وغامرها , فهل لك
أن تشرق في نفسي فتنير ظلمتها , وتبدد ما أظلمها من سحب الهموم والأحزان ؟
أيها القمر المنير:
إن بيني وبينك شبها واتصالا , أنت وحيد في سمائك , وأنا وحيد في أرضي ,
كلانا يقطع شوطه صامتا منكسرا حزينا , لا يلوي على أحد , ولا يلوي أحد عليه ، وكلانا يبرز للآخر
في ظلم الليل ، فيسايره ويناجيه .
يراني الرائي فيحسبني سعيدا , لأنه يغتر بابتسامة في ثغري , وطلاقة في وجهي , ولو كشف له
عن نفسي , ورأى ماتنطوي عليه من الهموم والأحزان لبكى لي بكاء الحزين إثر الحزين ،
ويراك الرائي فيحسبك مغتبطا مسرورا , لأنه يغتر بجمال وجهك , ولمعان جبينك , وصفاء أديمك ,
ولو كشف له عن عالمك , لرآه عالما خرابا , وكونا يبابا , لاتهب فيه ريح , ولايتحرك شجر ,
ولاينطق إنسان ، ولا يبغم حيوان .
أيها القمر المنير :
كان لي حبيب يملأ نفسي نورا , وقلبي لذة وسرورا , وطالما كنت أناجيه ويناجيني بين سمعك وبصرك
، وقد فرق الدهر بيني وبينه ،
فهل لك ان تحدثني عنه ، وتكشف لي عن مكان وجوده ؟ فربما كان ينظر إليك نظري ، ويناجيك مناجاتي ,
ويرجوك رجائي .
وهاأنا ذا يخيل إلي أني أرى صورته في مرآتك , وكأني أراه يبكي من أجلي كما أبكي من أجله ،
فأزداد شوقا إليه ، وحزنا عليه . فأبق في مكانك طويلا تطل وقفتنا , ويدم اجتماعنا .
أيها القمر المنير :
مالي أراك تنحدر قليلا قليلا إلى مغربك كأنك تريد أن تفارقني ؟
ومالي أرى نورك الساطع قد أخذ في الانقباض شيئا فشيئا ؟
وما هذا السيف المسلول الذي يلمع من جانب الأفق على رأسك ؟
آه لقد طلع الفجر , ففارقني مؤنسي , وارتحل عني صديقي , فمتى تنقضي وحشة النهار ،
ويقبل أليّ أنس الظلام !!.
***
الأديب العملاق :
مصطفى لطفي المنفلوطي
|