بسم الله الرحمن الرحيم
ايميليا داير .. حاشا ان تكون من النساء !
كانت ليلة ماطرة حالكة الظلام حين جلست إيفيلينا مورمون قرب مهد طفلتها الرضيعة ذات الشهرين، أخذت تحدق إلى ذلك الوجه الملائكي الصغير بوجه يقطر أسى وحزن، تزاحمت في رأسها المخاوف والآمال، وتنازعت نفسها المضطربة مشاعر متناقضة ما بين اليأس والرجاء، ثم سرعان ما تداعت تحت وطأة ذلك البحر المتلاطم من الأفكار ففاضت عينها بالدمع وضجت روحها بالآهات وامتدت يدها المرتجفة بلهفة تحمل الصغيرة النائمة وتضمها إلى صدرها بقوة كأنما تخشى أن ينتزعها منها أحد. احتضنتها واستغرقت في نحيب طويل، وراحت تتأمل الأقدار التي حملتها من مزرعة والدها الفلاح البسيط إلى المدينة الكبيرة التي تعج شوارعها بالناس وتزدحم أرصفتها بالحوانيت والبضائع .. المدينة الصاخبة التي تلقفتها وحولتها من فتاة قروية مغمورة إلى ساقية للخمر في إحدى حاناتها الفاجرة، وما لبث شعرها الأشقر وقوامها الممشوق وحسنها الفائق أن جذب إليها أعين وأفئدة الرجال فراحوا يخطبون ودها بالهدايا والأموال، ولم تبدي هي كبير مقاومة، بل استسلمت سريعا لبريق المال والكلمات المعسولة والوعود الكاذبة، وسرعان ما تمخضت علاقاتها العابرة عن طفلة جميلة أسمتها دوريس.
إيفيلينا أحبت طفلتها حبا جما، لكن الاحتفاظ بطفلة غير شرعية في انجلترا القرن التاسع عشر لم يكن بالأمر الهين، فالمجتمع المحافظ آنذاك كان ينظر للأمهات العازبات بعين الريبة والاحتقار، والكثير منهن وجدن أنفسهن مجبرات على التخلص من أطفالهن درءا للفضيحة والعار، فعلن ذلك بطرق وأساليب شتى، حسب إمكاناتهن المادية وحالتهن الاجتماعية، أسهل تلك الطرق كانت تتمثل في نبذ الطفل خلسة عند ناصية رصيف أو على باب كنيسة أو مؤسسة خيرية، كانت الأم تترك طفلها للحظ والقدر، فقد يجده شخص ما ويعتني به، أو قد يصبح طعاما للكلاب والقطط المشردة!.
أمهات أخريات، يمتلكن العزم والمال، اخترن مصيرا مغايرا لأطفالهن، عن طريق عرضهم للتبني، وقد جرت العادة في ذلك الزمان على أن يقدم الأب أو الأم مبلغا من المال لمن يتبنى طفلهما، وأدى هذا الأمر بالتدريج إلى نشوء تجارة ومهنة ارتبطت مباشرة بتربية الأطفال الغير مرغوب فيهم، مهنة ظاهرها رحمة وباطنها شر ونقمة.
مهنة إنسانية أم تجارة ؟
لا يخفى على أي إنسان حصيف عرك الحياة وعركته، بأن صفة الخيرية والإنسانية تنتفي تلقائيا عن أي عمل تخالطه وتشوبه غاية الربح والتكسب، فلا يمكنك أن تشيد مستشفى أو ملجأ أو روضة للأطفال ثم تضع كلمة خيري على واجهة ذلك البناء بينما هدفك الأصلي منه هو جني الأرباح الطائلة، إذ لا يمكنك أن تكون أنانيا ومضحيا في آن واحد. وعليه فأن مزارع الأطفال التي أنشئت لغاية التكسب كانت بالطبع الأسوأ والأشنع في مجال عملها، وكانت هذه المزارع تجني المال من عدة مصادر، فبالإضافة إلى التبرعات والهبات من الأثرياء والمحسنين، كان أهل الطفل يدفعون أيضا، أما بشكل دوري، أي في كل موسم أو سنة، وأما على شكل مبلغ مقطوع، أي مرة واحدة عند استلام الطفل، وهذه الأخيرة كانت هي الطريقة الفضلى، وهذا المبلغ المقطوع كان يتراوح ما بين 10 – 80 جنيها إسترلينيا، وهو مبلغ كبير في حساب تلك الأيام، لكنه لم يكن ليسد تكاليف العناية بالطفل لفترة طويلة، لذا كانت صاحبة المزرعة تحاول الادخار عن طريق تقليل كمية الطعام المقدمة للأطفال، وهكذا فأن موت الكثير منهم جوعا لم يكن بالأمر المفاجئ. كما أن مسألة العناية بعدد كبير من الأطفال معا في منزل واحد لم تكن بالمهمة السهلة، فكان إهمال الأطفال أمرا شائعا في تلك المزارع سيئة الصيت، وغالبا ما كانت صاحبة المزرعة تتخلص من عناء مراقبة الأطفال والعناية بهم عن طريق سقيهم بكميات كبيرة من المسكنات الرخيصة المصنوعة من الأفيون، وهي مسكنات قوية كانت رائجة الاستعمال في ذلك الزمان، كانت تجعل الأطفال ينامون كالملائكة لساعات طويلة، وما كان الطفل يصحو قليلا من تأثير المخدر حتى يسقى به مرة أخرى، وهكذا فأن الموت نتيجة التسمم بجرعات زائدة كانت هي النهاية الحتمية لحياته.
نسبة موت الأطفال جراء سوء التغذية والمرض والإهمال كانت كبيرة كما أسلفنا، لكن بعضهم كانوا يموتون لأسباب أخرى، فبعض صاحبات المزارع قررن اختصار الطريق مرة واحدة، فبدلا من انتظار الموت البطيء للطفل جراء الجوع والمخدر، كانت صاحبة المزرعة تقوم بقتل الطفل مباشرة بعد استلامه من أمه، عن طريق خنقه أو إغراقه أو تسميمه، وبهذا كانت تحتفظ بكل المبلغ الذي أخذته من دون أن تصرف منه قرشا واحدا على الطفل.
المصيدة
بالعودة إلى المسكينة ايفيلينا، فقد احتضنت طفلتها وبكت طويلا في تلك الليلة المشئومة، كأنما أرادت أن تهيئ نفسها لفراق مؤلم وطويل، فهي مثل العديد من الأمهات العازبات، توصلت بعد صراع نفسي مرير إلى قرار عرض طفلتها للتبني، لم يكن أمامها خيار آخر، كان عليها أن تعمل لتعيش، وما كانت لتستطيع العمل بوجود طفلة، وقد منت نفسها باسترداد الطفلة بعد شهور عدة حين تتحسن أمورها المادية.
ايفيلينا نشرت إعلانا مقتضبا في إحدى الجرائد المحلية تقول فيه : "مطلوب .. امرأة محترمة للاعتناء بطفل رضيع". وتشاء الصدف والأقدار أن تتضمن نفس تلك الجريدة، وفي نفس الصفحة، تحت إعلان ايفيلينا مباشرة، إعلانا آخر يقول : "زوجان من دون عائلة يسكنان في منزل ريفي جميل يرغبان بتبني طفل بصحة جيدة. المبلغ المطلوب، 10 جنيهات"، وكان ذلك الإعلان مذيلا بأسم "السيدة هاردنك". وفور قراءتها لهذا الإعلان شعرت المسكينة ايفيلينا بأن السماء قد استجابت لرجائها سريعا، فكتبت للسيدة هاردنك تعرض عليها تبني طفلتها دوريس. ولم تمض سوى أيام قلائل حتى استلمت برقية جوابية من السيدة هاردنك تقول فيها : "سأكون سعيدة جدا لتبني طفلة صغيرة محبوبة، طفلة أربيها وتكون بمثابة أبنتي .. نحن أناس بسطاء وحالتنا جيدة، أنا لا أريد الطفلة من أجل المال، ولكن من أجل الرفقة والسعادة المنزلية .. أنا وزوجي مولعان بالأطفال، ليس لدينا طفل من صلبنا، لهذا ستنعم الطفلة معنا بحنان العائلة ودفء المنزل".
هذا الرد بعث الطمأنينة في نفس ايفيلينا، شعرت بالسعادة لأن كل شيء أتى مطابقا لما تمنته، باستثناء مسألة المال، فايفيلينا أرادت أن تدفع مبلغا شهريا للعناية بابنتها، وكان غرضها من ذلك هو البقاء على اتصال مستمر معها، فمن يدري .. ربما تتحسن أحوالها فتتمكن من استعادتها قريبا. لكن سرعان ما خاب ظنها، فالسيدة هاردنك أصرت على تسلم مبلغ العشرة جنيهات مرة واحدة ومدفوعة بالكامل، وقد رضخت ايفيلينا في النهاية، أقنعت نفسها بأنه لا ضير من ذلك مادامت تملك عنوان السيدة هاردنك.
وخلال أسبوع واحد فقط على تبادلهما للرسائل، وصلت السيدة هاردنك إلى بلدة شلتنهام حيث تعيش ايفيلينا، أتت لاستلام الطفلة والمال، وقد شكلت رؤيتها مفاجأة وصدمة حقيقية، فقد كانت سيدة متقدمة في السن، قاسية الملامح، لم تكن بالصورة التي رسمتها ايفيلينا في مخيلتها، لكن تلك الهواجس التي دارت في نفسها سرعان ما تبددت حينما شاهدت طريقة تعاملها مع الطفلة، فقد بدت في غاية الرقة والحنان.
وهكذا تم كل شيء بسرعة، فبعد أن استلمت الطفلة ومبلغ العشرة جنيهات مع حقيبة كاملة من الثياب للطفلة، أرادت السيدة هاردنك المغادرة سريعا للحاق بالقطار، لكن ايفيلينا المسكينة لم تطق مفارقة طفلتها بسهولة، بدا كان جزءا من روحها يغادر مع دوريس، لذا أصرت على مرافقة السيدة هادرنك إلى المحطة، بل وركبت معها القطار حتى المحطة التالية، هناك ودعت أبنتها بالدموع والحسرات ثم قفلت عائدة إلى مسكنها وهي امرأة محطمة بالكامل. وبعد أسبوع استلمت رسالة من السيدة هاردنك تخبرها بان كل شيء على ما يرام وبأن دوريس تنعم معها بالسعادة والأمان.
لندن .. فندق الموت
على العكس من ادعاءها، فالسيدة هاردنك لم تتوجه إلى منزلها الريفي المزعوم، بل ذهبت بالطفلة إلى العاصمة لندن، مضت خلال الشوارع المبللة بالمطر حتى وصلت إلى فندق متداعي قديم عند أطراف المدينة، هناك في إحدى الغرف كانت تنتظرها فتاة شابة في العشرينات من عمرها تناولت الطفلة منها ومددتها على طاولة خشبية قذرة كانت تتوسط الغرفة، أما السيدة هاردنك فقد انحنت والتقطت حقيبة صغيرة من تحت السرير، قلبت محتوياتها بيدها قليلا ثم أخرجت منها شريطا لاصقا أبيض اللون استلت جزءا منه بيدها ثم تقدمت نحو الطفلة وطوقت عنقها النحيل بذلك اللاصق، أحكمت لفه مرتين ثم عقدته بقوة، وحين انتهت من ذلك ارتمت على الكرسي الوحيد الموجود في الغرفة ترتاح من وعثاء السفر وراحت تتبادل أطراف الحديث مع الفتاة الشابة التي لم تكن في الحقيقة سوى ابنتها الوحيدة بولي، أما الطفلة المسكينة، فقد ظلت تتخبط وتنتفض على الطاولة بينهما، شحب وجهها الرقيق الجميل بالتدريج ثم شابته زرقة، لم تتمكن حتى من الصراخ، ماتت ببطء وصمت وسط ثرثرة السيدة هاردنك وابنتها، ثرثرة لم تخلو من قهقهة هنا وضحكة هناك، فبالنسبة للأم القاتلة وأبنتها كان منظر موت الطفلة شيئا روتينيا وعاديا، فتلك لم تكن المرة الأولى التي تقدمان فيها على هذا العمل الدنيء .. ولن تكون الأخيرة طبعا.
وما أن توقفت دوريس عن التنفس وغادرتها الحياة حتى نزعوا ملابسها عنها ثم قامت بولي بلف جثتها بخرق الحفاضات ودستها داخل حقيبة أخفتها لاحقا تحت السرير.
وفي صباح اليوم التالي غادرت السيدة هاردنك مجددا، ألقت التحية على صاحبة الفندق الشابة وقدمت لأبنتها الصغيرة ثوبين من أثواب دوريس كهدية، أما باقي الثياب فقد وجدت طريقها لاحقا إلى متجر الثياب المستعملة.
ولم تغب السيدة هاردنك عن الفندق طويلا، عادت عصر ذلك اليوم وهي تحمل صيدا جديدا، هذه المرة طفل عمره 13 شهر سرعان ما أجهزت عليه بنفس الطريقة التي قتلت بها دوريس في اليوم السابق، ومرة أخرى قامت بولي بلف جثة الطفل بالحفاضات ثم دستها إلى جانب جثة دوريس داخل الحقيبة القماشية التي حملتها معها مساء ذلك اليوم حينما غادرت الفندق برفقة أمها، فالسيدة هاردنك لم تكن تطيل المكوث في مكان واحد لفترة طويلة لئلا يفتضح أمرها، وكالعادة أجزلت الأجرة والبقشيش لصاحبة الفندق الغافلة عن حقيقة ما جرى في فندقها من جرائم فظيعة، ثم مضت مع أبنتها إلى المحطة، ركبتا القطار إلى بلدة ريدنج القريبة من لندن، هناك حثتا السير بخطى مسرعة ومحترسة حتى وصلتا إلى بقعة خالية ومظلمة على ضفاف التايمز، لبثتا لفترة حتى تأكدتا من خلو المكان، ثم قامت بولي بربط الحقيبة إلى حجر وتعاونت مع أمها في إلقائها إلى مياه النهر الباردة.
وفيما كانت ايفيلينا الحزينة تروح عن نفسها بتخيل الحياة الهانئة السعيدة التي تنعم بها طفلتها في منزل السيدة هاردنك الريفي الجميل، كانت جثة دوريس تغوص إلى قاع نهر التايمز في حقيبة رخيصة من القماش!.
من هي السيدة هاردنك ؟
أسمها الحقيقي هو ايميليا داير (Amelia Dyer )، ولدت عام 1838 في بلدة صغيرة بالقرب من مدينة بريستول الانجليزية، كانت الأصغر من بين خمسة أشقاء، وعلى العكس من معظم المجرمات والقاتلات المحترفات، فان ايميليا لم تعاني من الفقر والتفكك الأسري في طفولتها، بل ولدت في عائلة ميسورة الحال، حيث كان والدها يمتلك مصنعا للأحذية، وقد حضت بتعليم جيد في صغرها وعرف عنها ولعها بالأدب والشعر، لكن الشيء الوحيد الذي نغص طفولتها وترك أثرا كبيرا في نفسها هو مرض أمها بالتيفوس الذي أفقدها صوابها قبل أن يقضي عليها تماما عام 1848.
ايميليا غادرت منزل العائلة بعد موت والدها عام 1861 أثر خلاف نشب بينها وبين أشقاءها حول الميراث، وسرعان ما تزوجت برجل يكبرها بثلاثين عاما، ثم بدأت العمل في مجال التمريض، وهي مهنة كانت تحظى بالاحترام في ذلك الزمان لكنها لم تكن تدر الكثير من المال، إلا أن ايميليا وجدت الوسيلة لكسب المزيد بعد تعرفها على سيدة تدعى ايلين دان، وهي صاحبة مزرعة أطفال جنت ثروة صغيرة عن طريق توفير المأوى للنساء الحوامل خارج أطار الزواج، وكذلك عن طريق رعاية وتربية الأطفال غير الشرعيين الذين كانوا يولدون في منزلها، أو يرسلون أليها لكي تتبناهم.
ايلين التي هاجرت إلى الولايات المتحدة فيما بعد هربا من ملاحقة الشرطة، لم تعلم ايميليا كيفية إدارة المزرعة والاعتناء بالأطفال فقط، وإنما علمتها كيف تتخلص منهم أيضا!. ولم يمض وقت طويل حتى تفوقت ايميليا على معلمتها في دناءة النفس وخبث المسلك، فافتتحت مزرعة أطفال خاصة بها في منزلها، ولم تأل جهدا أو وسيلة للتخلص السريع من الأطفال تحت رعايتها، فكانوا يتساقطون واحدا بعد الآخر
نقطة الضعف الوحيدة في نشاط ايميليا الإجرامي انحصرت في حاجتها إلى شهادة وفاة قانونية للطفل الميت حتى تستطيع دفنه من دون جلب الشبهات لعملها المربح، ولهذا الغرض كان عليها عرض جثة الطفل على طبيب متمرس ليؤكد بأن الوفاة حدثت لأسباب طبيعية، وطبعا أغلب أطباء ذلك الزمان ما كانوا يكلفون أنفسهم عناء التحري عن سبب الوفاة الحقيقي، خصوصا عندما يتعلق الأمر بطفل غير شرعي نبذه أهله، فكانوا يعزون الوفاة ببساطة للمرض وسوء التغذية نتيجة فقدان حليب الأم.
لكن حدث في عام 1878 أن ارتاب احد الأطباء في سبب موت طفل من مزرعة ايميليا وتقدم بشكوى أدت إلى إلقاء القبض على ايميليا وتقديمها للمحاكمة، لكنها لسوء الحظ لم تحاكم بتهمة القتل وإنما بتهمة الإهمال، وهكذا حصلت على حكم مخفف بالأشغال الشاقة لمدة ستة أشهر فقط، وبالرغم من كونها عقوبة مخففة جدا قياسا بعقوبات ذلك الزمان، إلا إنها تركت أثرا مدمرا في نفس ايميليا، حتى أنها قضت ردحا من الزمن في مستشفى للأمراض العقلية. وبعد تلك التجربة المريرة قررت ايميليا أن لا تلجأ إلى الأطباء مرة أخرى، وبدأت تتخلص من جثث الأطفال بطريقتها الخاصة، غالبا عن طريق رميهم في النهر القريب من منزلها. لكن ايميليا تعرضت للمشاكل مجددا بسبب عودة بعض الأمهات ومطالبتهن برؤية أطفالهن، فراحت تتبع سياسة جديدة قائمة على استعمال الأسماء المستعارة وتبديل محل سكناها من حين لآخر بحيث يصعب على الشرطة وعلى أمهات الأطفال تتبعها وملاحقتها. وهكذا ظهرت إلى الوجود شخصية السيدة هاردنك التي أوقعت ايفيلينا في شرك حبائلها، إلى جانب أسماء وشخصيات أخرى استعملتها ايميليا عبر السنين للتمويه عن حقيقة شخصيتها.
شخصيتها.
أخيرا .. التايمز يتكلم ..
في الثلاثين من آذار / مارس 1896 عثر ربان أحد قوارب الشحن التي تمخر عباب التايمز على حقيبة صغيرة كانت طافية فوق مياه النهر بالقرب من بلدة ريدنج الانجليزية، داخل الحقيبة كانت هناك رزمة ورقية تحتوي على جثة متحللة لطفلة رضيعة. الربان أخطر الشرطة حول الحقيبة، وبدأت في الحال تحقيقات مكثفة للوصول إلى رأس خيط يمكن أن يقود إلى كشف لغز الرضيعة الميتة، وبتفحص الأدلة، لاحظ المحققون وجود كتابة دقيقة جدا على حاشية الرزمة الورقية التي كانت داخل الحقيبة، وباستخدام العدسات المكبرة أستطاع المحققون قراءة تلك الكتابة التي تضمنت أسم امرأة تدعى "السيدة سميث" إلى جانب عنوان منزل في ريدنج، وقد قادهم ذلك العنوان إلى منزل ايميليا داير مباشرة، لكن الشرطة لم تطرق الباب على الفور وإنما راحت تراقب المنزل لعدة أيام، فالمحققون كانوا يرتابون في طبيعة عمل ايميليا منذ فترة طويلة، لكنهم لم يكونوا يملكون دليلا قويا يقودهم إلى إدانتها في حال إلقاء القبض عليها، لذا قرروا نصب كمين محكم لها، فأرسلوا لها خطابا مزيفا من امرأة وهمية تزعم بأنها أم عازبة تبحث عمن يتبنى ابنتها الرضيعة مقابل مبلغ مجزي من المال، وبالطبع ما كانت ايميليا لتفوت صيدا سهلا ومغريا كهذا، لذا سارعت إلى الرد برسالة تعرض خدماتها على تلك الأم الوهمية، وقد ذيلت تلك الرسالة بأسم السيدة سميث، وكان ذلك كافيا لإثبات الجرم عليها في قضية الطفلة الرضيعة التي عثر عليها في مياه التايمز.