كاتب الموضوع :
زهرة منسية
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
رد: 408 - عندما يتكلم الحب ـ كاترين روس
كان ذهن كارى منشغلاً عندما جلس رجل فى المقعد إلى جوارها . نظرت إلى الأعلى مستعدة لتبتسم بأدب قبل العودة إلى مطالعة الأوراق الموضوعة أمامها لكن شيئاً ما حدث عندما نظرت إلى عينيه السوداوين....اهتز مزاجها بقوة فقد بدا الرجل فائق الوسامة إلى أبعد الحدود.
حاولت أن تعود للتركيز على العمل لكنها وجدت نفسها سارحة الفكر بوجوده . فقد تنبهت حواسها بشكل لم تعرفه من قبل لذاك الجسد القوى الطويل الذى يجلس على بعد سنتيمترات منها فقط . لم تشعر يوماً فى حياتها بانجذاب غامر كهذا تجاه أى رجل , حتى أن الرائحة الرقيقة لعطر ما بعد الحلاقة الذى يضعه جعلت أحاسيسها تتمايل
راحت تختلس النظر إليه من حين إلى آخر بنظرات أطلعتها على كل ما يختص به : بنية وجهه الوسيمة القوية الصارمة , كثافة شعره الأسود, تفصيلة بذلته الباهظة الثمن, وحتى يديه الضخمتين اللتين تبدوان كفؤتين . لاحظت أيضاً طريقة تبسم مضيفات الطيران و هن يمرن بجانبه . وبناء عليه أدركت كارى أنه رجل أعتاد أن تلاحظه النساء , فكانت ردة فعلها أن تحاول جاهدة تجاهله.
عند غقلاع الطائرة اضطرت كارى أن تضع أوراقها جانباً و تدس حقيبتها تحت المقعد الموجود امامها . وضعت يدها على مقبض مقعدها فأحتكت يدها عرضاً بيد الرجل .
ـ عذراً !
نظرة إليه بينما تبسم الرجل لها. ابتسامته تلك تركت أعذب تأثير على جسدها فكأنما غرق قلبها بخفة إلى معدتها ثم عاد و أرتفع . بادلته ابتسامته بنصف ابتسامة مهذبة ثم أشاحت بنظرها بعيداً فقد كرهت إحساس الاهتياج الذى أثاره فى أعماقها .
تمالكى نفسك بحق السماء! قالت لنفسها بحدة. فأنت امرأة أعمال فى التاسعة و العشرين من عمرها و ليست مراهقة يحمر وجهها خجلاً .
ما ان أستوت الطائرة فى مسارها مدت كارى يدها لتفتح حقيبتها مجدداً و أخرجت اوراقها . شعرت بنظراته تتأملها و هى تحاول القراءة . وأدركت تماماً أنه يتفحصها عن قصد نوعاً ما . تمنت فى تلك اللحظة لو أنها لم تشد شعرها الطويل الأشقر إلى الخلف بأسلوب صارم هذا الصباح.
سألها:"هل أنت ذاهبة إلى برشلونة فى عمل ؟"
ــ كلا بل أنا أعيش هناك. أنا عائدة من رحلة عمل
لاحظت لهجته الأسبانية الجذابة و صوته الأجش ففكرت أنهما يفسران لون شعره الشديد السواد و عينيه النافذتين.
سألته غير قادرة على احتواء فضولها :"ماذا عنك؟ هل تعيش فى برشلونة أم تزورها بهدف العمل أيضاً ؟"
ــ قليلاً من كلا الاحتمالين.
رغم أن الفضول راح يتآكلها إلا أنها تمنعت عن سؤاله عن مهنته . من الواضح أنه بارع فى عمله , مهما كان هذا الأخير . فمظهر السلطة البادى عليه يجهر بالكثير عنه ى. لذا عادت كارى تكرس نفسها للعمل و لكنها صارت تقرأ الفقرة ذاتها مراراً و مراراً. رفض ذهنها بعناد ان يركز على العمل بين يديها بل ركز على الرجل و على كل حركة يقوم بها.
أصغت إليه و هو يتسامر بود مع إحدى المضيفات باللغة الأسبانية . رغم ان كارى بريطانية بالولادة إلا إنها تتقن العديد من اللغات . فهى تتحدث الإسبانية بطلاقة لذا لم تواجه اى مشكلة فى متابعة ما يدور من حديث.
تغزلت المضيفة بالرجل بشكل فاضح و هو لم يبدُ رافضاً كلياً لاهتمامها . فى الواقع بدا انه يغازلها أيضاً و لا عجب فى ذلك فتلك المرأة هى إسبانية سمراء جذابة جداً.
عبست كارى و هى تنظر إلى الأوراق أمامها ثم أمرت نفسها بأن تتوقف عن الإضغاء إليهما . فما يقولانه لا يهمها فى شئ كما أن الموضوع لا يعنيها .
ما يهمها فى الواقع هو حصولها على هذا العقد مع شركة سانتوس غداً . وإذا قامت بإنهاء عملها الآن سيتسنى لها الوقت اللازم لتقوم بتنظيف شقتها هذه الليلة , ثم تتحضر للقاء جدة مولى غداً.
سألها فجأة :"هل ترغبين بمشروب؟"
و عندما رفعت نظرها لاحظت أن مضيفة الطيران تنتظر أخذ طلبها .
أغراها قبول الدعوة لكنها تبسمت و هزت رأسها معتذرة :"شكراً , لكنى لا أستطيع . على التركيز على هذا العمل"
رد مبتسماً :"منطقى جداً"
اللعنة ! كم تبدو ابتسامته رائعة . فكرت كارى باضطراب
تمايلت الطائرة فجأة فأنزلقت بعض أوراقها على جانبى طاولتها , ووقعت على الأرض عند قدميه فالتقطها بسرعة و أعادها إليها .
ــ شكراً
و فيما همت بأخذ الأوراق منه تلامست يداهما عرضاً ما جعل أنفاسها تنقطع فجأة . ما خطبها؟ لقد قابلت العديد من الرجال الوسيمين خلال الأعوام السابقة و لم يؤثر بها أحدهم بهذا الشكل.
سألها الرجل بعد أن لمح رمزاً على إحدى الأوراق :"هل تعلمين لدى شركة سانتوس؟"
ـ ليس تماماًَ . فأنا أعمل لدى وكالة إعلانات و آمل أن أقوم بسلسلة إعلانات تلفزيونية لمنتجاتهم
ــ أحقاً؟ هذا مثير للاهتمام . إنهم ينتجون عصيراً ممتازاً.
ــ هل هو ممتاز حقاً؟
تبسمت كارى ابتسامة عريضة فجأة و شئ ما جعلها تخفض حدودها العادية فى التحفظ لتعترف :"فى الواقع أنا لم أجربه أبداً....لكن ربما يجب ألا أقر بذلك"
رد بابتسامة صبيانية جذابة جعلت قلبها يقفز من مكانه :"ربما لا!"
حاولت أن تبقى عملية جداً منزعجة من نفسها لتجاوبها معه بهذا الشكل فعادت تقول :"لكننى سأتمكن من تسويقه مهما كان طعمه.فأنا بارعة فى ابتداع أفكار جديدة مبتكرة لأى منتج سواء كان جيداً أو سيئاً.....ذلك هو عملى"
ــ لكن , الا يساعدك أن تكونى مقتنعة؟
ــ نعم , بالطبع !
منتديات ليلاس
أومأت كارى سريعاً قائلة :"سأدرس كل ما يتعلق بمنتجات سانتوس غداً و سأقوم بزيارة إحدى مزارعهم لأتحدث إلى المسؤول عنها"
تجولت عيناه بسرعة عليها متفحصة كل ما يختص بها بدءاً من الطريقة الأنيقة التى عقدت بها شعرها الأشقر بعيداً عن وجهها إلى الخلف وصولاً إلى بذلتها السوداء ذات التنورة و القميص الأبيض
شعرت كارى بالحرارة تدب فى دمها نظراً لطريقته فى تأملها إذ بدا الأمر و كانه يلمسها بعينيه.
ــ حسناً ! على أى حال أرجو أن تعذرنى....
انتزعت عينيها بعيداً عنه و تابعت :"من الأفضل أن أعود إلى عملى"
ــ بالطبع
أومأ بأدب فتساءلت كارى أن كانت قد تخيلت ما رأته من بصيص اهتمام فى عينيه منذ لحظات
وصلت المضيفة حامله مشروبه بينما ركزت كارى بصرامة على عملها.
بعد فترة قصيرة تم تقديم وجبة طعام ما أجبرها على وضع أوراقها جانباً .
سألها و هى تخرج أدوات الطعام :"إذاً كيف يسير العمل؟"
فتظاهرت بجد أنها مهتمة بطعامها و قالت :"أنه يسير على ما يرام , شكراً لك"
ــ ذلك أمر جيد.
وصلت مضيفة الطيران جاملة زجاجة عصير فقال :"آه ! الآن لا يمكنك رفض تناول كوب من هذا العصير"
و لاحظت انه طلب زجاجة من عصير سانتوس الفاخر و تابع قائلاً :" بإمكانك مزج المتعة مع العمل الآن و القيام بالقليل من البحث أيضاً"
ــ ذلك كرم من قِبلك....ولكن....
قال وهو يسكب العصير :"ليس تماماً . فلدى دافع آخر مخفى"
سألته مترددة و هى تلقى نظرة سريعة إليه :"أى نوع من الدوافع؟"
ــ حسناً أريد أن أعلم ان كنت تحبين هذا العصير حقاً.
ابتسم ابتسامة عريضة فيما تابع يقول :"مع أنك قلت إنه لن يشكل أى فرق بالنسبة لحملتك الدعائية . ولكن....."
هز كتفيه بطريقة إسبانية و أردف :"أنا فضولى لأكتشف الحقيقة"
تجنبت كارى بحذر لمس يده و هى تتناول الكوب الذى قدمه لها .
راقبها وهى تأخذ رشفة صغيرة منقلاً عينيه بتمهل على وجهها الرقيق البيضاوى الشكل ملاحظاً عظمتى خديها المرتفعتين و الانحناءة السخية لشفتها . لاحظ أيضاً أنها لا تضع الكثير من مساحيق التجميل, إذ لم تكن فى الواقع بحاجة إليها . فبشرتها رائعة أما عيناها الكبيرتان ذات اللون الأزرق السماوى فلستا بحاجة إلى أى تجميل أبداً
ــ حسناًً....
انتظرت كارى لحظة لكى تتطور النكهة فى فمها ثم قالت :"إنه منعش جداً....يتمتع بطعم الفاكهة الممتاز و هو ليس شديد الحلاوة"
تناولت رشفى أخرى و أضافت :"نعم ,أنه جيد جداً . لا أعتبر نفسى حكماً مدرباً فى هذا المجال و لكنى قد أنصح الأصدقاء بهذا العصير و أظن أن ضميرى سيكون مرتاحاً عندما أسوقه....هذا إذا حصلت على عقد الإعلان"
سكب لنفسه كوباً و هو يقول :"إذاً , أخبرينى قليلاً عن وكالتك . هل هى كبيرة أم صغيرة؟"
ــ إنها تدعى "إيماج" و هى كبيرة جداً فلديهم مكاتب فى لندن و نيويورك , باريس مدريد و منذ أثنى عشر شهراً خلت افتتحوا مكتباً فى برشلونة , حيث أعمل الآن . تأسيس الوكالة كان تحدياً كبيراً أما الأن فنحن نحصل على عقود جيدة حقاً لذا فهى تتوسع سريعاً
ــ أستنتج أنهم نقلوك من مكتب لندن
ــ نعم تم تعيينى هنا مع مديرى خوسيه ثم استخدمنا موظفين محليين إنه مركز عظيم و أنا أستمتع حقاً بإقامتى فى برشلونة.
ــ إنها مدينة جميلة و أنا أشعر بالسعادة دوماً بعودتى إليها.
إلى من يعود؟ تساءلت كارى . فإذا كان قياس الجاذبية ممكناً على مقياس مرقم من واحد إلى عشرة فهو حتماً سيتخطى المقياس
أكملت حديثها بسرعة لتغطية شعورها المفاجئ بالغرابة :"إذا أردت أى إعلان لعملك عليك أن تتذكر إيماج"
هل تلعثمت بكلامها؟ تساءلت فجأة . عادة لا تشعر كارى بالارتباك برفقة الرجال فهى مسيطرة على نفسها على الدوام . فى الواقع هى مسيطرة جداً إلى درجة تزعج أحياناً أصدقاءها الحميمين
ــ أنا بالتأكيد سأتذكر
ابتسم ثم تابع :"ما هى أفكارك لشركة سانتوس؟"
ترددت قبل الإجابة عن ذلك السؤال فطمأنها بابتسامة عريضة :"أنا لست أعمل فى مجال الإعلانات"
سألته مدركة فجأة أنه يطرح الكثير من الأسئلة :"ما هو عملك؟"
ــ أنا محام
ــ أحقاً؟
و شعرت أنها ترغب بسؤاله إذا ما كان يعرف أى شئ يتعلق بقوانين التبنى ثم تمالكت نفسها فمناقشة عملها بدا لا بأس به لكن الأمر يختلف عن البدء بحديث شخصى عن مولى مع شخص غريب تماماً
استغربت كارى أنه محامٍ إذ لم يبدو عليه انه يعمل داخل مكتب فهو يتمتع بجسد رائع . قدرت انه يكبرها بست سنوات لذا فهو تقريباً فى الخامسة و الثلاثين أو السادسة و الثلاثين من عمره لكن من الواضح أنه يهتم بنفسه . فجسده يظهر ذلك بصورة جيدة.
ــ أعمل فى مجال القانون المشترك و غالباً ما أتعامل مع مؤسسات كبرى
ــ آه ! أرى ذلك
قال برقة :"علينا أن نعرف عن أنفسنا "
ثم تابع :"أنا ماكس"
ــ كارى مايكلز
ابتسم قائلاً "أنا سعيد بلقائك كارى"
حثها بلطف:"إذاً كنت تخبيرنى عن مخططاتك لشركة سانتوس"
بدا أنه مهتم حقاً بالموضوع , وجدت كارى نفسها تتوسع فى أفكارها :"حسناً أنها مؤسسة عائلية و فكرت أننا يجب أن نعمل على تلك الناحية"
أخرجت مسوّدة رسمه كانت قد خربشتها مولى على إحدى اوراق العمل فى الأسبوع الفائت.
ــ فى الواقع هذه الرسمه أوحت لى بالفكرة
أخذ الرسمه و تمعن فيها باهتمام. فرأى فيها أشكال أشخاص من عيدان الكبريت ترقص فى ما يشبه أشجار الفاكهة بينما تشرق شمس كبيرة صفراء فوق رؤوسهم
ــ فنى جداً
تبسم ابتسامة كبيرة و سألها :"هل هى من رسمك؟"
تبسمت كارى :"رسمتها ابنة أخى ذات الأربع سنوات فى الأسبوع الفائت . لم أكن سعيدة جداً حينها لكننى أخذتها لاحقاً , و فكرت...هذه هى ! إنها ما أريده تماماً. فعلى شركة سانتوس أن تغيير صورتها و ان تتوسع فى فكرة العائلة و فى الوقت نفسه عليها أن تبدو شركة متطورة و عصرية"
لم تدرك كارى مقدار الحديث الذى دار بينهما إلا عندما أضاءت إشارة وضع حزام الأمان و أعلن القبطان أنهم يتهيأون للهبوط
تمتمت :"آمل أننى لم أسبب لك الملل بإخبارك الكثير عن عملى"
ــ على العكس , وجدته مدهشاً.
تساءلت إن كان يقول ذلك من باب الأدب الزائد , إذ لا يمكن أن يكون مهتماً حقاً بموضوع إعلان سانتوس
انطفأت إشارة وضع حزام الأمان فوقف الجميع للملمة أغراضهم و لاحظت كارى أن طوله يتخطى الست أقدام .
نظرت سريعاً إلى ساعة يدها محاولة إنهاء تفكيرها به فهو ليس سوى غريب عابر و على الأرجح لن تلتقيه أبداً مجدداً. الأمر الأهم بالنسبة إليها هو الوقت فبالكاد يمكنها الوصول إلى المدرسة لاصطحاب مولى.
قال لها و هى تهم بالوقوف لجمع أغراضها :"كانت رحلة مثيرة جداً للاهتمام. لقد استمتعت برفقتك"
ــ نعم.و أنا أيضاً...
تراجع فى وقفته ليسمح لها أن تتقدمه خلال نزولهما من الطائرة . لاحظت كارى فيما كانا يمران من الباب أن مضيفة الطيران ثبتت نظرها عليه فقط . دفعها فضولها لإلقاء نظرة سريعة إلى الخلف فلاحظت ان المضيفة وضعت يدها على كتفه لتستمهله و تقول له شيئاً ما. ربما تقول له على سبيل المثال : هل ترغب فى أخذ رقمى؟ كما فكرت كارى بجفاء.
ذكرها هذا المشهد بزوجها السابق فلطالما تهافتت عليه النساء للفت انتباهه أينما يذهب, أما هو فلم يكن يأخذ بعين الاعتبار أنها ترافقه .
جعلتها هذه الفكرة تتابع سيرها من دون أن تنظر إلى الخلف
لفحتها حرارة الشمس الإسبانية ما إن خطت على الدرج خارج الطائرة .
مدهشة هى زرقة السماء الصتفية أما النسيم الجاف المغبر فكان يهب من الأرض شديدة الجفاف على المدرج.
حملت كارى جواز سفرها عالياً وهى تسير عبر المطار العصرى. لم يكن لديها أى حقائب لتتسلمها فذهبت إلى الخارج مباشرة.
منتديات ليلاس
منتديات ليلاس
|