كاتب الموضوع :
متمَردة
المنتدى :
الارشيف
رد: علمني حبكِ سيدتي، ما الهذيان؟
الهذيان الرابع
شكرا لحبك
فهو علمني القراءة، والكتابة، وهو زودني بأروع مفرداتي
نزار قباني*
الطرف الآخر بضحكه عاليه: وتراهن عليها، يبه انت لين تفكر تتحرك، البنت بححح .. طارت!!!
بغضب جاهد أن يخفيه: كل تبن، وقل لي من وصلك الخبر؟
بطريقة مستفزه: مايهمك من وصل لي، المهم وصل .. ها راحت عليك بنت طلال عيل
عزيز صمت لبرهه ثم أردف قائلاً بخبث: حتى إن خطبها، بتم لي
أغلق الهاتف ولم ينتظر رد راشد، وتوجه إلى سيارته المركونة في أحد مواقف فيلاجيو وعقله يفكر بأشياء لا تمت للانسانية بصلة .. هل يخطفها؟ أم يقتل ذاك الرجل؟ أم ماذا؟ .. كيف لِك أن تتزوجي رجلاً غيري؟ وأنا الذي أحببتكِ أكثر من نفسي وروحي؟
توجهَ بسيارته إلى إحدى المقاهي المعروفة في قطر، والتي تضج بشباب في مقتبل العمر وهو يعلم أن راشد سيكون هناك .. ما إن رآه حتى توجه إليه بخطوات سريعة
وقف الآخر وبضحكة: يالله وجهك مايبشر بالخير، عسا ماشر؟
نظر إليه عزيز وعيناه كادت أن تخرج من مكانهما: كل تبن وقل لي، شلون عرفت؟
راشد بخبث: كم مرة لازم أقولك؟ أهم شي وصلك الخبر
عزيز بعصبية: رشود لا تحدني أصكك كف اللحين
راشد الذي يتميز بضخامة جسمه ضحك بشدة: من يصك الثاني كف؟
عزيز بقهر: جب، قل لي ولا تجنني
راشد وهو يلاحظ الألم في عين عزيز وبابتسامه خبيثة: أنا أعرفه
عزيز بصدمة: تعرف من؟ زوجها؟
ارتشف الكابتشينو بهدوء: اي اعرفه، مبارك بن ناصر .. يشتغل بالخارجية، رجال سيدة ماله بهالحركات .. يناسبها شوي!
عزيز ووجهه يحتقن بالدماء: يخسي يناسبها .. وين تلاقي أحسن مني؟
راشد: هو أحسن منك! رجال بمعنى الكلمة، ماله بالخرابيط، أبوه منصبه عالي، هو له مكانه بالمجتمع، يصلي كل صلواته في المسجد .. امم بعد ايش؟
عزيز: يالله يالله هاي مطوع وين يناسبها؟ هي وحده فري شوي!
راشد: ههههههههههههههههه لانه يصلي في المسجد سويته مطوع؟ إلا انت الصايع الضايع
استفزه هذا الكلام: كل تبن! مالك خص فيني
لم يعره راشد اي اهتمام ليزيد من غضبه، أما عزيز وبقلة حيله أردف: بوسنيدة تكفى.. تكفى تهز رجال
راشد ولم يبالي بنبرة الترجي: ها اخلص شتبي؟
عزيز: عطني حل، أبيها
راشد بخبث: امم والمقابل؟
عزيز: لك اللي تبي
راشد: اللي أبي؟
عزيز ولم ينتبه لنبرة الخبث في صوته: اللي تبي والله
راشد وعيناه تشع خبثاً: تم، عطني يومين وادبر لك حل يعجبك
‘,
في كافتيريا الجامعة
الزين بقهر وهي تمشي باتجاه المكان المخصص لبيع الأكل: السخيف! شلون يعني يخصم درجاتي ومادري وش يسوي؟ أنا عندي عذر طبي
الأخرى بكره: محسس نفسه على شنو ياحسرة، مالت عليه .. متخلف
طلبت لها وللورا كابتشينو وكرواسون: شكلي لازم أروح له المكتب عشان أشوف شالسالفة .. بتجين معاي؟
لورا: نعم نعم؟ طبعا ماراح أجي عنده، زين مني استحمل كلاسه
اخذتا طلبهما وتوجهتا إلى إحدى الطاولات: افف الله يعين، أحس إنه بيستنذل علي وبينزلني وبيقولي كم كلمة تسم البدن
لورا وهي ترتشف الكابتشينو بتلذذ: عادي، خالد بن فيصل توقعي منه كل شي .. مادري على من طالع
الزين: ترى انا للحين مو مستوعبة إنه هذا خالد ماغيره .. خالد اللي دوم تسبينه
لورا: استوعبي يا حبيبتي .. أنا يوم قالي أبوي خذ مني شهرين لين استوعبت
الزين بضحكة: يقولون مابعد الكره إلا محبة
شهقت لورا بقوه: روححي زين … أحب خالد؟ خلصو الناس؟ عشان احب *وبستهزاء* خ ا ل د؟
الزين: هههههههه هدي حبيبتي، وماعلينا من الدكتور خالد .. الا شخبار سوسو ماكلمتج؟
لورا وحالها تبدل لفرح بعدما تذكرت آخر مكالمة مع سارا: لا ماكلمتني من آخر مرة .. تخاف استلمها .. بس والله وكبرت العيَال وبتتزوج هالمفعوصة
الزين: اي حبيبتي ماصدق .. إن شاءلله عاد هالمبارك يتحمل دلعها
لورا: الله يهنيها ويسعدها
وقفت الزين وهي تترجا لورا للمرة الاخيرة: انزينننن! مابتجين معاي عند خالد؟
لورا وهي تلوح بيدها بمعنى "باي باي": قلتلج مستحيل
توجهت ناحية القسم المخصص لأساتذة الإداره والاقتصاد وتوجهت إلى الغرفة رقم 2046 تحديداً وهي تدعو الله في قلبها أن لا يجرحها خالد بكلمه
طرقت الباب وهي ترى النور من أسفل بابه فافترضت أنه موجود في المكتب
سمعت صوته الرجولي: يس؟
الزين برسمية: بروفسور خالد .. ممكن دقيقة؟
‘,
التفتت إلى السائق وبأمر: الساعة تسع ونص خلك عند الباب
السائق: إن شاءلله مدام
نزلت وهي تلحق بأختها وخلفها الخادمة ودخلن المجمع بغنج، بعبايتهن الضيقة والمكياج الفاضح
اشارت الجوري لإحدى المحلات: بندري أنا بدخل هالمحل، إنتي روحي المحل اللي تبينه
البندري نظرت إلى المحل: امم شكله حلو بجي معاج
دخلن المحل والخادمة خلفهن وهن ينظرن إلى أجدد البضاعة في السوق، اخذت الجوري شنطة وحذاء جديدين والبندري تنتظرها كي يجلسن في إحدى المقاهي
البندري بملل: جوريوو يلا، تعبت وأنا انتظرج!
الجوري: اسبقيني لادوريه وراح أجيج
البندري مشت بتأفف بعد أن اشارت للخادمة لتأتي خلفها وهي ترى هاتفها الذي ينير بإسم والدتها
البندري: هلا يمه
أم سعود: يمه البندري لا تتأخرون، الساعة عشر انتو في البيت .. اليوم أخوانكم راح يتعشون في البيت
البندري: إن شاءلله يمه .. راح نكون في البيت قبل العشر
اغلقت من والدتها وأشارت للنادل بأن يًحضر لهم طاولة لشخصين وطاولة أخرى لخادمتهن.. نظرت إلى قائمة الطعام ومايقدمه هذا المقهى من وجبات لذيذة وطلبت ماتحبه وهي تنتظر أختها بملل .. انتظرت لدقائق طويلة حتى لمحت أختها وبيدها العديد من "الأكياس"
البندري: وين طولتي؟
الجوري وهي تضع "الأكياس" على طاولة الخادمة: شفت غالية بنت محمد
البندري: اففف غاليه؟!! أقدم شوي .. والله من زمان عنها هالمخلوقه .. شحالها؟
الجوري: والله أبد سلمت عليج بعد .. وبسرعة رحت عنها
البندري: اوكي اطلبي .. وقولي حق الويتر ياخذ طلب نينا (الخادمة)
الجوري نظرت لها باستخفاف: وليش ان شاءلله نطلب لها؟ خلها قاعده وتاكل في البيت
البندري باستنكار: يا سلام؟ كم مرة بنفتح هالموضوع .. هي انسانه حالها من حالنا .. يعني تحبين تقعدين في مطعم واتطالعين الناس ياكلون؟ انتي ايش داخلج؟ حجر؟ قلبج عباره عن شنو؟
الجوري بلا اهتمام: خفي علينا ياللي الحنان ينقط منج .. اطلبي اطلبي يام الحنان
البندري: أعوذ بالله منج ..
التفت ناحية نينا واخذت طلبها ثم اكملت: جوري .. كم مرة أقولج إن هالانسانه هدت بيتها وحياتها واشتغلت عندنا .. هالـمية ريال اللي راح تصرفينها عاللقمة اللي بتاكلها ماراح تأثر فيج .. حرام عليج تعاملينها بهالطريقة
الجوري وهي ترفع أحد حاجبيها: يا سلام؟ ولازم يجي عينها في كل شي ناكله؟ والله انا بعد خاطري اعيش مثل الشيوخ والامراء وكل شي تحت ريلي .. لكن كل واحد وله مستواه المعيشي
البندري بقهر: اللحين على لقمة تاكلها بتقولين مستوى معيشي؟ يختي مادري من ايش مصنوعه .. ارحمو من في الارض يرحمكم من في السماء
الجوري وهي تعبث بجهازها: فكيني أقول
لم تجد البندري كلمَة تصف قهرها في هذا الموقف .. هي ليست المثالية كما يعتقد البعض .. ولكن هذا أبسط شيء ممكن أن يفعله المرء من أجل شخص عاش معه أغلب الاوقات .. ويسكن معه في نفس المنزل .. فلما نتجاهل هذه الفئة العاملة؟ ونعاملهم بقسوه؟ ثم نظلمهم عندما يضروننا؟ هي دائماً تفكر أن أخاها إن أغاضها مرة تفكر في قتله أو التخلص منه هذا وهو أخاها من لحمها ودمها، وقد تدعو عليه في لحظة غضب .. فكيف لهذه الخادمة أن تتحمل غضبها على أشخاص يتأمرون عليها ليل نهار؟
‘,
نزل من الدرج وهو يلبس "جينز" داكن اللون مع قميص أبيض وبيده حقيبة صغيرة عمليه للمطار: يممه، عنوودي .. يالله راح نتأخر عالطيارة
نزلت والدته بسرعه وهي تمسك بيد العنود لتستعجلها: جايين يمه، جايين
توجه ناحية السيارة وفتح الباب لوالدته لتجلس في المقعد الخلفي وبجانبها العنود .. ثم جلس بجانب السائق
تركي التفت لهن: ها عنودي! مستعده للطياره؟
العنود بفرحه: اي واخيرا بنروح لندن .. خالد بيكون هناك؟
تركي: اي ان شاءلله خالد بيكون هناك .. هو في اكسفورد يعني نقدر نزوره إذا حبينا
العنود: واااو وحشنننني
نظرت لها والدتها بغصب: عنود!!! كم مرة قلتلج لا تتكلمين عن خالد بهالطريقة؟ انتي ماعدتي صغيرة! وخالد اللحين رجال كبير
العنود بحزن: ماممما… خلاص والله فهمت، بس ماقدر خالد حبيب قلبــ
قاطعتها والدتها بصرامة: احترمي وجودي عالاقل .. وخلاص قلتلج انتي مب صغيرة! باقي لج كم سنة وتدخلين العشرين
قبلت يد والدتها باحترام: إن شاءلله يمه
لم يتدخل تركي في الموضوع، فهو يأس من محاولاته معها كي تضع حدود بينها وبين خالد .. ولكنه لا يستطيع أن يكسر قلب هذه الفتاة بأوامره
اقتربو من مطار الدوحة الدولي، القسم المخصص لدرجة رجال الأعمال .. ثم اكملو اعدادات الدخول وتوجهو إلى القاعة المخصصة لهم وبعد مايقارب العشرين دقيقة توجهو للطائرة التي حلقت بهم نحو سماء لندَن دون والدهم الغائب عن المنزل بشكل دائم فهو كما يردد"الشغل ماخذ كل وقته"
‘,
ألقى بنظره على ساعته: تفضلي.. عندج خمس دقايق بعدها عندي اجتماع
دخلت إلى المكتب وهي لاتعلم ماالذي حل بقلبها عند رؤيتها لعيناه ونظراته الثاقبه ، التي تجزم أنها لم ترى مثل تلك النظرات من قبل
الزين بإرتباك لا تعلم سببه: دكتور خالد أنا جيت أكلمك عن غيابـ…
قاطعها باستهزاء: عن سبب اهمالج وتغيبج عن كلاسي؟
نظرت إليه بصدمه من هجومه المفاجئ ولكن سرعان ماتغلبت على نظراتها وأردفت بثقه: دكتور أنا عندي أسبابي وأعذاري
أعطاها ظهره وهو ينظر إلى النافذة: أظن أنا وضحت للآنسة لورا إن حتى لو كنتي بتموتين، تجين كلاسي وماتغيبين!
لا تصدق وقاحته .. الكلام الذي جهزته لتقولهُ له نسيته ولم تستطع الرد عليه .. فهي لم تعتد على هذا الأسلوب من قبل
أكمل خالد: الدرجتين راحو عليج .. وإن شاءلله تجي بس عالدرجتين .. عندج كلام ثاني؟
الزين وهي تحاول أن تكتم غيضها، وبقلة حيله وضيق قالت: لا أستاذ .. شكراً
خرجت من مكتبه بعد أن أغلقت الباب بقوة وهي تشتمه حتى وصلت عند الكافتيريا في المكان الذي كانت فيه لورا
الزين بغضب: اللحين ممكن أقولج يحقلج تكرهين هالمخلوق اللي أظن إنه عبارة عن … آخ بس! مابي أسبه :)
لورا بضحكة: بشريني شصار معاه؟
الزين: الله ياخذه .. يا جعل مافيه خالد قولي آمين!
لورا: آمييييييين .. امين وامين وامين .. الله يسمع منج!
الزين وهي تجلس بقهر: تخيلي يقولي الدرجتين وراحو عليج، عندج كلام ثاني؟ عندي أعطيك كف يا وقح
قهقهت لورا بشدة وهي ترى ملامح القهر في وجه زينة: صراحة لقطي ويهج .. مسح فيج البلاط
الزين بكره: اسكتي لا أكفخج انتي اللحين!
‘,
أما هو .. لما يبالي بتلك الفتاة التي خرجت وهي تكاد أن تموتَ قهراً من وقاحته.. كل مايفكره به الآن هو تركي وموعد وصوله لـ لندن
هذا هو الصديق الذي لا يتخيَل أن يعيش ويشق طريقه دونه .. هذا الذي إذا غاب عنه يوم يشعُر بالوحدة تمزق قلبه
أمسك بهاتفه وهو يبحث عن إحدى البرامج المخصصة لرحلات الطائرة وموعد وصولها .. رآى أن موعد وصول الطائرة كان قبل عشر دقائق.
دون تردد أمسك هاتفه واتصل بتركي، وما إن سمع صوته ابتسم: هلا وغلا بالشيخ .. الحمدلله على السلامة
تركي بتعب: اهلين يالحبيب .. الله يسلمك
خالد: افف صوتك رايح فيها .. ها شلون كانت الرحلة؟ عسا كل شي تمام؟
تركي: والله الرحلة كانت تمام .. لكن يا إن وحدة مع ولدها طلعو عيني من كثر مايصارخون!
خالد: ههههههههههه ياه عاد في الطيارة حظ ونصيب لو فيه يهال
تركي وهي يأشر إلى العنود ووالدته بأن ينتظرونه حتى يأخذ الحقائب: اي تقول .. اقولك خويلد طير بس اللحين بروح اخذ الشناط ويوم نوصل الفندق بكلمك
خالد: خويلد فـ عينك .. اوكي .. أنا يمكن انزل لندن بكرة وأمر عليكم
تركي: أوكي يالحبيب .. سلام
خالد: سلام
نظر إلى هاتفه وهو يرى إحدى رسائل موظفين شركته في بريَده الالكتروني عن أمور تتعلق بالعمل.. رمى هاتفه بعيداً وهو يفكِر باليوم المناسب كي يذهب إلى لندن ويلتقي بـ تركي وعنوده.
‘,
تشعر بوحدة شديده في هذا اليوم بالذات .. لا تدري لم تشعر برغبة في البكاء .. كل ماتفعله في هذا الحياة هو "الصلاة، النوم، الأكل، والانترنت" لا شيء غيرهم! تشعَر أن حياتها مملة، بلا هدف، دائما تفكر هل هناك أحد سيفتقدها إن ماتت غير الزين؟ هي وحيدة، لا أصدقاء، لا أقارب، لا أم .. وفي بعض الأحيان تشعر أنها بلا أب .. هي الزين فقط من تشعر بحُبها لها .. ياللَه أشعر إني شيء زائد، لا نفع مني ولا ضرر .. أريد أن أعيش كباقي الفتيات .. بين أمهاتهن وصديقاتهن .. يجتهدن للحصول على مستقبل زاهر ولديهن حياتهن الخاصة.
نظرت إلى الباب الذي فتح بهدوء وما إن رأت والدها بمعطفه الرسمي حتى وقفت لتقبل رأسه احتراما له
متعب بن مساعد: صباح الخير يبه .. ليش قاعدة ألحين؟
لجين وهي تجلس على أقرب كرسي: صباح النور .. والله رقدت من وهل أمس، وبس لقيت نفسي قاعدة من ساعة
متعب وهو يتجه لـ مكتبه في الطابق السفلي: زين يبه .. أنا جيت آخذ اغراض مهمة وراجع للشغل
لجين بصدمة: يبه راجع من لندن، مشوار ساعة .. عشان أوراق؟ ليش ما أرسلت واحد من مراسلينك؟
متعب بعد أن خرج من المكتب وبيده الأوراق: لا هذي أوراق مهمة .. ماقدر أرسل أي حد ياخذهم
صمتت لجين، من أجل عمله يبيع الدنيا كلها .. من أجل عمله لا يتردد أن يذهب أمريكا سيراً على الأقدام .. ولكن من أجلنا نحن؟ بناته؟
زفرت بهدوء ثم نظرت له قبل أن يخرج: يبه .. ممكن أكلمك شوي في موضوع؟
التفتَ لها باهتمام: خير يبه؟ صاير شي؟
نظرت إليه وهي ترى الشيب يغطي رأسه ونظرة الحنان التي يحاول أن يخفيها في عينيه التي تشبه عينان الزين .. لمَ يا أبي تحاول أن تظهر الجانب الآخر منك؟ لم لا تحاول أن تغمرني بحنانك؟ لا أريد أن اعترف لنفسي بأني أتمنى حضنك .. فأنا لم أتعود أن أحضنك أو اقترب منك .. أنا متعودة على الرسمية معك .. حتى أشك بأنك رأيتني أبكي مرة أمامك .. لم يا أبي تبعدني عنك وأنت من المفترض أن تكون أقرب الناس لي؟
انزلت رأسها وبعض من خصلات شعرها تغطي عينها اليمنَى: يبه .. أبي أستقر في الدوحة
أما هو .. يكرَه "طاري الدوحة" لا يحب أن يذكره أحد بهذه المدينة، فذكرياته تعصف به لليالي الدوحة الجميَلة وجوها ورائحتها التي تذكره بزوجتِه
متعب بهدوء: ليش؟
لجيَن بصدمة: ليش؟ شنو ليش؟
متعب: ليش تبين ترجعين؟ قاصرج شي هني؟ كل شي تحت يدج .. تسوين اللي تبينه!
لجين بحزن وغضب: يبه! وين كل شي تحت يدي؟ أنا احس بفراغ، بوحدة.. عاجبك حالي وأنا قاعدة مع الطوفة؟ أسولف مع نفسي؟ أكل بروحي؟
متعَب بغضب لا مبرر له: وإذا رجعتي إن شاءلله، من هم البشر اللي بتقعدين معاهم؟ وتسولفين معاهم؟ وتاكلين معاهم؟
لم تخطط لذلك من قبل، ولكن أول ماخطر في بالها: بيت عمي .. ايوا .. بيت عمي فهد
لم يفكِر بهذا من قبل، ولم يجد سبب مقنِع ليمانع هذه الفكرَة: براحتج .. راح أكلم عمج فهد اليوم .. وشوفي متى يناسبج وارجعي!
هزت رأسها وهي مذهوله .. هل فراقي بالنسبَة لك يا والدي العزيز سهل لهذه الدرجَة؟ توقعت أن ترفض وتحاول أن تقنعني بالبقاء معك في نفس المديَنة .. ولكن كما تخيَلت وجودي هنا مجرد "زيادَة عدد"
‘,
امسكت بشعرها المتساقط وهي تنظر إلى تقاسيم وجهها في المرآة .. اصفرار الوجه الواضح ..الشحوب الذي اطفأ نور وجهها .. يالله لا أريد أن يشعر أحد بالذي أمر به .. فأنا لا استطيع أن اتحمل نظرات الشفقة في عينهم! لا أعلم ما الذي يحصل لي في آخر الأشهر .. أشعر بدوار شديد كل أسبوع تقريباً، وغثيان لا استطيع تحمله .. يالله لا أريد لأمي أن تعرف وتقلق .. لا أريد لصديقاتي أن يشعرن بوجعي .. أعلم أنهن سيشاطرنني التعب والألم .. لكن لا أريد نظرات الشفقة! أنا أعلم أن الذي أمر به ليس بالشيء الطبيعي .. أعلم أن تساقط الشعر واصفرار الوجه وانسداد الشهية وتقيء الدم ليس بشيء طبيعي .. نظرت إلى وجهها في المرآة مرة أخرى قبل أن يرتطم جسمها على الأرض بشدة لتغيب عن الوعي على أرض الغرفة
سمَع صوت ارتطام في الغرفة المجاورة لَه، خرج بسرعة وقلبه يخفق بشدَة خوفاً من هذا الصوت .. طرق الباب وهو يهمس حتى لا يستيقظ أحد في المنزل: قممر .. قمممر؟
امسك بـ مقبض الباب وهو يدعي أن لا يكون الباب مقفولا .. زفر براحة عندما فتح الباب وهو يدخل إلى الغرفة .. نظر إلى أرجاء الغرفة وهو يبحث عنها بعينيه .. لم يجد لها أثراً .. توجه ناحية الحمام وما إن وقف عند الباب حتى رآى جسم ضئيل على الأرض
صُعق لمنظرها وخفقات قلبه لم تهدأ .. نسى كل درس تعلمه في مجال الطب .. لا ينكر حتى أنه نسى بأنه طبيب .. توتر وهو ينظر إلى أنحاء الغرفة بحثا عن شيء يسترها .. وجد عبائتها وألقاها على جسدها الهزيل وحملها بين يديه مسرعا إلى السيارة .. وضعها في المقعد الخلفي وبسرعة توجه إلى مستشفى حمد
‘,
في صباح يوم جديد، اكسفورد
نهض بسرعة وهو ينظر إلى الساعة المعلقة على الجدار، همس لنفسه: شِت، تأخرت
توجه إلى الحمام، غسل وجهه وبدل ملابسه بسرعة شديدة .. خرج من الشقة وهو يلبس حذاءه .. لم يستطع أن ينتظر المصعد فركض ناحية السلالم ثم توجه إلى سيارته المركونة في إحدى المواقف .. وبسرعة قصوى توجه إلى الجامعة
ما إن دخل الجامعة حتى تغير حاله وبدا يمشي بهدوء حتى وصل مكتبه .. اخرج هاتفه ووجد رسالة من تركي: "لا تنزل لندن اليوم، أنا وعنودي بنجيك .. الوالدة بتطلع مع وحدة من عماتي"
ابتسم خالد بهدوء: ايوا عيل الوالدة بتطلع وانت وعنودي بتجوني .. اشك انه بتجوني انا .. جاي حق لورا بنت بندر طبعا
‘,
الدوحة، التاسعَة مساءً
اتجهت ناحية المرآة مرة أخرى وهي تحاول أن تتصل بـ قمر، لكن لا مجيب .. تريد منها بعض النصائح لهذا الموقف، هي في أشد الحاجة لها الآن .. متوترة وخائفة .. تشعر وكأن قلبها سيخرج من مكانه .. منذ اللحظه التي سمعت والدتها تخبرها بأن تنزل للنظرة الشرعية .. وهي مرتبكة وخائفة.
نظرت إلى "مكياجها" البسيط والعباءة التي تغطيها، رفضت أن تخلع عباءتها حتى مع اصرار والدتها على ذلك .. هي تعلم أنه ليس حرام فهو من حقه أن يراها قبل أن يعيش باقي عمره معها .. ولكنها تخجل من أن تخلع عباءتها أمامه في أول لقاء بينهم
سمعت طرقات الباب، فتوجهت له لتجد والدتها خلفها وهي تحاول أن تقنعها للمرة الأخيره: يمه سارا، يعني مو ناوية تفصخين عباتج وتلبسين شي ثاني؟ تراه خطيبج ولازم يشوفج عدل!
سارا وهي تقبل رأس والدتها باحترام: يمه تكفين .. والله ماراح ارتاح إلا فيها
أمسكت والدتها بيدها وهم متجهين ناحية غرفة الجلوس: براحتج يمه
وقفت أمام الباب بهدوء وما إن دخلت غرفة الجلوس ونظرت لطرف الثوب أصابتها رجفة شديده وشعرت بأن دقات قلبها مسموعة لـ مبارك ووالدها .. يالله إن لهذا الانسان هيبة وحضور لم أشعر به مع أحد من قبل
وبصوت كاد ينسمع: السلام عليكم
رد والدها بهدوء: وعليكم السلام ورحمة الله، تعالي يبه
جلست بقرب والدها وهي تسمعه يرد السلام ثم سألها عن حالها بصوت رجولي كاد يمزق قلبها
لم تستطع الرد .. فقط هزت رأسها بهدوء
ابتسم والدها: عيل أنا استأذن .. شوي وراجع لكم
تشعر برغبة أن تصرخ بـ "لا" .. لا تريد أن تبقى مع هذا الرجل الذي تشعر أن هيبته ورجولته مسيطرة على المكان
أراد أن يكسر الصمت، فسألها بهدوء: وين تدرسين سارا؟
كادت أن تضحك بعد سماعها لهذا السؤال .. فهل من المعقول أن يخطبها دون أن يعلم أين تدرس؟
ردت بابتسامه وهي تنظر إلى حذائها: في المدينة التعليمية
ابتسم هو الآخر عندما استوعب سؤاله، حاول أن يفتح معها بعض المواضيع .. ولكنه فشل فكانت جميَع إجاباتها تتكون من كلمة أو اثنتان.. وما إن سمعت الباب يفتح حتى نهظت بسرعة وخرجت من المجلس وهي تسمع ضحكات والدها وهو يودع مبارك أو خطيبها الذي أغرمت برجولته
سارا بهمس: اللهم وفقني لما تحب وترضى .. يارب إن كان خير لي فاجعله من نصيبي وإن كان شر لي فاصرفه عني!
‘,
في مكان أخرى، يتحدثون عن الموضوع نفسه
البندري دون اكتراث لوجود سعود: بس شوفي، صراحة أنا البنت ماتعجبني .. يعني مادري ايش شافو فيها عشان يخطبونها
الجوري: بالعككس .. البنت جميلة، وملامحها ناعمة
البندري بشهقه: الله أكبر .. جميلة مرة وحده؟ الجمال شرق وهي غرب .. أنا شفتها مرتين يمكن، حسيت إني أشوف طوفه
الجوري: ههههههههههه، طوفه مرة وحدة؟
البندري بضحكة: اي والله، البنت بيضضضا تقولين طوفة .. ملامحها ماتبين .. وعاد إنتي ذبحتج البياض
الجوري: لا شدخل .. مب بهالبياض البنت .. يعني أحس ملامحها حلوة
البندري: بك بك .. ملامحها حلوة؟ انتي شفتي خشمها؟
سعود وهو يحاول أن يهاتف قمر دون فائدة، رفع رأسه نحوهن: انتو تحشون في من؟
البندري: أظن تعرفها .. سارا رفيقة قمر زوجتك .. توها انخطبت وبس نحش فيها طبعاً
هز رأسه سعود دون أن يرد عليهن وعاود الاتصال بها من جديد
الجوري وهي ترتشف الشاي: تحسين بتعزمنا على عرسها؟ خاطري أشوف الزين ولورا ربع قمر
البندري: وي ياويلها إن ماعزمتنا .. بنقول حق سعود يتوسط لنا عند قمور
دخل عزيز وبيده "موكا فرابتشينو" من ستاربكس، جلس على الكنبة التي تتوسطها الجوري: من هذي اللي بتتوسطون عند سعود وحاله عشان تعزمكم؟
البندري وهي تنظر للفرابتشينو: الللله عزوووز .. ليش ماجبت لي معاك؟
هزت رأسها الجوري بأسى: بسج أكل يالدرام .. نتكلم عن وحدة معاك في الجامعة .. رفيقة قمر زوجة سعود
نبض قلبه بشده وهو يعلم تماما عن من يتحدثون: من هذي؟
البندري: سارا بنت طلال .. معاكم في الجامعة .. خطبها مبارك ولد ناصر الماسي لو تعرفه؟
عزيز باستهزاء: اها .. اي عرفتهم، لايقين على بعض ماشاءلله .. وانتو شلقفكم ترزون ويوهكم في كل عرس .. أعوذ بالله منكم
ابتسمت البندري بشقاوة: تعرف اللقافة؟ هذي في عروق خواتك .. يموتون لو مايعرفون سالفة أو يطوفهم عرس
واستمروا الأخوات يتحدثن عن أعراض الناس أمام اخيهن الخبيث .. أما هو فكان الضيق يمزق قلبه .. أينما ذهب يسمع هذا الخبر .. مبارك لم يعقد على سارا رسمياً لكم لماذا انتشر الخبر بهذه السرعة؟ هل تقصد أن تمزق قلبي بهذا الخبر؟ هي تعلم أني احبها وتريد أن تعاقبني على هذا الحب؟
آآه ما أقسى هذا الحَب.
‘,
جلس في إحدى مقاهي أكسفورد مع العنود وهو ينتظر خالد .. التفت ناحيتها وهو يستمع إلى طلبها .. ثم اشار إلى النادل ليأخذ طلبهم.. لم ينتظر دقائق طويلة حتى أتى خالد مشيا على الأقدام .. حيث أن المقهى يقع بالقرب من شقته
وقف تركي بسرعة متجههاً له: هلا بالحبيييب
ضمه بسرعة ثم لكمه على بطنه، والآخر فعل الشيء ذاته: وحشتني يا حمارر
لم يستمع إلى رده لأن عيناه وقعت على حبيبته وطفلته: عنوودي هنا، يا هلا وغلا بالزين كله
وقفت عنود وبخجل واحترام ردت: أهلين عمي خالد
جلسَ معهم على نفس الطاولة وهو يحادث العنود ولم يكترث بتركي الغاضب لهذا "التطنيش" .. يأس تركي من أن يجاريهم بالحديث فـ أخذ يتأمل العابرون في الشارع وهو يفكر بمحبوبته التي تعيش في هذا المكان .. يتمنى أن يلمحها صدفة .. دائما يقولون "الصدفة خير من ألف ميعاد" يالله أريد هذه الصدفة الآن .. اشتقت لهذه الفتاة .. اشتقت لعينيها وأنفها .. اشتقت لذاك الشعور الذي يجتاحني فقط عندما أراها .. أعلم أنها لا تعرف اسمي وحتى لا تعلم أني موجود في هذه الحياة .. لكن حبي لها فقط يكفي
قطع تفكيره خالد ببرود: شوف تروك .. هذي الزين اللي تقهرني ومعاها حبيبة قلبك
انتهى
اللهم إني أسألك علما نافعا ورزقا طيبا وعملا متقبلا
|