لاحظت جويل تجهم وجه ليو كانت مسحة من الظلال القاتمة قد خيمت على ملامحه البرونزية الجميلة . وجعلتها كبرياءه المتغطرسة تتوقع الأسوأ فاندفهت تقول:"لا أصدق بأنك تعطى هذه المسألة أهمية كبرى . على أى حال إنها مسألة صغيرة جداً و لا أهمية لها على الإطلاق فى مسار الأمور"
أطلق ليو شتيمة بصوت خفيض ثم أمسك ذراعها بقوة قائلاً :"لا أصدق بأنك تتكلمين بهذه الطريقة . لو أن جدتك سمعتك لأصيبت بالإغماء"
حاولت أن تحرر ذراعها من قضبته وهى تقول :"أنت لم تلتقٍ جدتى من قبل أبداً , ولا تعرف أى شئ عنها , وحتى لو كنت قد ألتقيتها فهى لم تعد موجودة بيننا , أليس كذلك؟"
و بدلاً من أن تحرر ذراعها جذبها ليو نحوه إلى درجة شعرت معها بأن صدرها سينسحق . شعرت بقوة جسده إزاءها , كما شعرت برعشة تسرى فى جسدها. شبك ليو أصابعه فى خصلات شعرها المقعوص فوق رقبتها بينما أسند رقبتها براحة يده ثم رفع رأسها نحوه و طلب منها جواباً على سؤاله :"لماذا رحلتِ قبل أن أستيقظ؟"
حاولت بيأس أن تتشبث بغضبها على الرغم من شعورها بتجمد الدم فى عروقها . إلا أن التوتر الذى أصاب جسدها جعلها تدرك بألم بأنه قد غير كل شئ فى حياتها . جعلها ليو تشعر بأشياء و ترغب بأشياء لم تكن ترغب بها فى السابق و قالت له:"لقد أخبرتك"
ــ فى تلك الرسالة القصيرة؟
ــ كان يمكننى أن أغادر بدون أن أترك أية رسالة
فجأة أحنى ليو رأسه وعانقها بقوة وهو يقول :"ستدفعين ثمن تصرفك ذاك يا جوسية"
فأجأها عناقه و أحرقها لهيب الغضب و الانفعال اللذين ينضحان منه. وما لبث أن تلاشى الغضب و تحول إلى شوق أشد لهيباً و أكثر خطراً من أى غضب موجود على الكرة الأرضية بأكملها.
غمرها شعور مفاجئ بأنها ملكه و عرف ذلك هو أيضاً . عرف بأنه سيد الموقف هنا. تمنت جويل بأن يستمر عناقه لها لمدة أطول . بدا كل ما فيه قوياً ,دافئاً ,لكنه يهددها و هو ليس وحده فى ذلك بل إن شوقها إليه يهددها كذلك.
ابتعدت عنه فجأة بينما راحت نبضات قلبها تتسارع . أخذت نفساً عميقاً ثم أتبعته بآخر و قالت وهى تتلفت نحو قاعة الرقص :"لقد انصرفوا جميعاً"
ــ علينا أن ندخل إذن.
هزت رأسها وهى تبتسم بمرارة ثم قالت :"لن أدخل . أبلغ اعتذاراتى لجدى وتستطيع إخباره بما شئت.....بأننى مريضة و أشعر بدوار"
ضحك ليو قائلاً:"لن أبلغه أى شئ من هذا القبيل. و عدناه بأننا سنكون هناك و هذا ما سنفعله"
ــ لا أستطيع يا ليو, لا أستطيع أن أدخل.
ــ لسوء الحظ أن جدك ينتظرنا
أحست بنبرة صوته الآمرة و كأنها صفعة على وجهها . تطلعت نحوه و حدقت بعينيه فاستطاعت أن ترى الشوق الذى يغلى فيهما . وأيقنت بأن كل ما حاولت فعله فى نيو أورلينز قد فشل و فشلت معه محاولاتها بالحصول على مغامرة تخصها وحدها .
قالت جويل بنظرة متحدية :"لن أتزوج منك, إذا ما ظننت بأننى سأدخل و ألعب دوراً ما و أتظاهر بأننى خطيبتك المدللة السعيدة فأنى اخبرك بأن هذه الفكرة خاطئة تماماً "
ــ وتسمحين لأنانيتك بأن تفسد احتفال جدك بعيد ميلاده؟
أجابت جويل متشبثة بموقفها :"سوف يعتاد الفكرة"
ــ أحقاً؟ كان مريضاً جداً فى الأشهر القليلة الماضية
ــ هذا ليس صحيحاً !
أطلق ليو ابتسامة ساخرة و قال :"كيف لك أن تعرفى بذلك يا حلوتى فأنت لم تكونى هنا؟"
ــ لا تتجرأ على توجيه اللوم لى فأنت غريب هنا و هذا ليس منزلك. إنه منتديات ليلاس منزلى و هذه اسرتى
ــ لو كان الأمر كذلك فلِمَ لم تعودى إذن عندما أصيب جدك بالحمى؟ و لماذا لم تستقلى الطائرة عندما ظنوا بأنه لن ينجو من مرضه ؟
أحست جويل بأن قلبها يكاد يتوقف. لابد أن ليو يختلق قصة مرضه لكى يجرح مشاعرها فقط فقالت :"لم يكن مريضاً إلى هذا الحد"
ــ أوشك أن يموت
انهمرت الدموع من عينيها من جراء كلماته الجارحة فقالت:" إنك تبالغ"
ــ ليتنى كنت أبالغ لكنى أنطق بالصدق . أترين يا عزيزتى ؟ أنا كنت هنا بخلافك أنت التى كنت بعيدة عنه, جلست بقرب سريره فى المستشفى و أمسكت بيده عندما ظن الكثيرون انه لن ينجو فى تلك الليلة
ــ لم يبلغنى أحد بذلك و لم يتصل بى أحد.
ــ وهل أتصلتِ أنت و لو لمرة واحدة؟
منتديات ليلاس
شعرت جويل بالهواء البارد يتغلغل فى شعرها . أرجعت خصلة شعر شاردة إلى خلف أذنها بيد مترددة و فكرت أن ما تقوم به و لا يعنيه و لا يتوجب عليها تفسير أى شئ له, ومع ذلك قالت :"أعطيت لنفسى إجازة سنة...."
كم تبدو هذه الفكرة مجنونة الآن و كم أصبح من الصعب عليها الدفاع عنها! لكنه لم يفهم مدى حزنها على موت جدتها و لن يفهم أبداً الخسارة التى مثلها موت جدتها بالنسبة لها :"بالطبع لو أننى علمت بمرضه لعدت على الفور"
انقبضت قسمات وجه ليو استهجاناً و قال :"إنه رجل عجوز و قد فقد زوجته منذ سنة و تقولين أنك كنت بحاجة إلى عطلة؟"
فكرت جويل بأنه قد يكون على حق لكن من المؤكد بأنه لا يعرف كل شئ عنها . فهو لم يعرف الحزن الذى هزمها و مزقها و سلبها كل شئ . لم يعرف مدى صعوبة ظهورها أمام الناس فهى لم تعد تستطيع الذهاب إلى الكنيسة او إلى المقبرة بدون ان تكتب الصحافة مقالات عنها , مقالات تتحدث عن الأميرة الصغيرة المكسورة القلب.
بالطبع يستطيع ليو أن يقول ما يشاء عن إخلاصها و عن التزامها . لكن السبب الوحيد الذى حملها على الموافقة على ذلك الزواج المدبر هو رغبتها فى إعادة البسمة إلى جدها فى المقام الأول . أرادت أن تجعله سعيداً حتى لو استلزم الأمر التضحيات القصوى من جانبها و سألته :"لماذا تفعل بى هذا؟ ماذا تريد؟"
أطلق ليو ضحكة ساخرة :"ماذا أريد؟ أريدك يا جميلتى أن تقومى بما هو صائب"
ــ وما هو الشئ الصائب بنظرك؟
ــ أن تحترمى التزاماتك التى تعهدت بها.
منتديات ليلاس