كاتب الموضوع :
زهرة منسية
المنتدى :
سلاسل روايات احلام المكتوبة
رد: 383 - همسات الندم - جين بورتر
منتديات ليلاس
راح يتأملها لبرهة فتحركت جويل فى مكانها و نظرت إليه بعينين واسعتين قائلة :"ما بك؟ هل من خطب؟"
ــ إننى أفكر
قال هذا بينما راح يتحرك بأتجاهها و نظراته تكاد تلتهمها فيما غضبه , رغبته و غيبة أمله قد أجتمعت سوياً فى دوامة من العواطف . تفحص ليو وجه جويل الشاحب و ذقنها الرقيق المرتفع . لم يستطيع أن يفهمها لكنه يعلم بأنه غير قادر على الزواج من امرأة تفتقد إلى الاستقرار و النضوج.
وضع يديه حول كتفيها و هو يجاهد لمقاومة مشاعره المتضاربة . أراد أن يضمها إلى صدره أن يمسك بها أن يلامس بشرتها . مع ذلك أدرك بأن لا مستقبل يجمعهما معاً بعد الآن إذ أنها آخر امرأة فى العالم يستطيع الزواج منها. فهو بحاجة إلى زوجة يستطيع الاعتماد عليها و الوثوق بها . أما جويل فهو لا يثق بها و لن يثق بها مطلقاً.
ليس أمامه سوى الاتصال بجدها و بوالده و بموظفى القصر الرسميين فى الصباح . وهم بدورهم قادرون على نقل الخبر إلى الصحافة بأى طريقة يشاؤون. لا يهمه كيف سيتعاطى رجال الصحافة مع موضوع فسخ الخطوبة , فكل ما يريده هو إنها هذه الخطوبة بأسرع وقت ممكن.
همست جويل بينما قام ليو بجذبها إلى الأمام ليقترب منها :"تبدو أفكارك تلك بالغة الجدية."
ــ أجل
بدت أجابته المقتضبة قاسية جداً و عنيفة و لكنها لا تقارن بنظراته البطيئة المتثاقلة . أبتلعت ريقها بصعوبة فيما تسارعت دقات قلبها و تصاعد الرعب فى داخلها إلى حد جعلها تتمنى لو أنها ذهبت إلى منزلها بدلاً من وجودها معه فى هذا المكان.
سألها ليو و أصابعه تنزلق من كتفيا إلى ذراعيها و تحيط بمعصميها :"لماذا قبلت دعوتى لك إلى هنا يا جوسية؟"
فى اللحظة التى أحاطت أصابعه بأصابعها شعرت جويل كأن تياراً دافئاً يجتاح يديها وصولاً إلى ذراعيها . شعرت بارتعاش حاد فى داخلها كأن كل عصب من أعصابها الواهنة يصرخ لكى تهرب بعيداً . إلا أن جسدها لم يكن قادراً على الحركة كما شعرت بأن عضلاتها ضعيفة جداً و دافئة جداً.
شعرت بأنفاسها تعلق فى حنجرتها و هى تسأله:"أريدك أنت ان تجيبينى عن هذا السؤال"
قالت جويل هذا و هى تشعر بالخوف و الرهبة . فهو يبدو قاسياً , قاسياً جداً .
ــ و ما هو سؤالك؟
ــ قلت لى فى وقت سابق من هذه الليلة بأنك لا تهتم لجسدى فقط و إنما لعقلى أيضاً .حدق إليها ملياً لكنه لم ينطق بكلمة بل انتظرها لكى تكمل كلامها .
شعرت جويل بجفاف فى فمها و اضطرت إلى ابتلاع ريقها ثانية لتخفف من ارتباكها . قبل أن تكمل كلامها قائلة :"كنت أتساءل....أعتذر إذا ما بدوت فظة....و لكن, لماذا تجدينى مثيرة للاهتمام؟أنا أبلغ من العمر أثنتين وعشرين سنة فقط و أنت تكبرنى بعشر سنوات . فما الذى أمتلكه....أعنى ذهنياً و هو قادر على إثارة اهتمامك؟"
لم يجبها ليو , بل أطبق فمه بإحكام و لاحظت جويل أن هذا الفم يحتفظ بتأثيره القوى على الرغم من القسوة التى بدت على شفتيه المشدودتين . وعندما طال صمته أدركت بنفسها الجواب الحقيقى.
إنه يهتم لعقلها فقط لأنه معجب بجسدها . وفى الحقيقة ليس عقلها ما يجذبه إليها بل جسدها فقط.
ــ أنا لم أجب بعد . فلا تبدأى بوضع الكلمات فى فمى.
قال ليو هذا و كأنه أدرك بما تفكر بينما قام برفع ذقنها إلى الأعلى و أكمل قائلاً:"بالرغم من أنك كنت ترتدين ثياباً تليق بفتيات الاستعراض فى لاس فيغاس فى وقت سابق من تلك الليلة ألا أنك تتمتعين بثقافة عالية"
ــ لم أكن أعلم أن الرجال يهتمون لذلك.
تجهم وجه و أجابها قائلاً :"أن بعض الرجال يهتمون لهذا الأمر "
بهتت ابتسامته الساخرة و أضاف قائلاً :"ولكن ما يحدث هنا لا يتعلق بالثقافة بل باللهو . أعتقد أنك تعرفين هذا كما أعتقد بأن ذلك هو ما تريدينه"
أحنى ليو رأسه و أدنى وجهه من وجهها فامتلأت خياشيمه برائحة عطرها . بدا عناقه لطيفاً وناعماً إلى درجة جعلتها تميل برأسها بعيداً عنه خائفة من الحرارة المتأججة الصادرة منه.
قالت :"لديك تأثير كبير علىّ"
دفع بوجهها إلى الوراء و راح يحدق إلى عينيها قائلاً:"أنا أراهن على انك تقولين هذا لكل الرجال"
ــ لا !
حاولت جويل الابتسام لكنها فشلت وبدلاً من ذلك أدنت يدها من وجه و لمسته . أرتجف ليو من جراء لمستها الناعمة ولكنه لم يبتعد عنها . بدا لها كضوء القمر الممزوج بالمسك والياسمين . همست وهى تشعر بالرهبة من ثبات نظراته و خشونة لحيته :"لديك وجه جميل"
ــ هذا ليس صحيح أن وجهى عادى جداً
ــ ما من شئ عادى فى كل ما يتعلق بك.
شعرن بأنه يبتسم فأرجعت رأسها إلى الوراء قليلاً لترى بأن زاوتة فمه قد التوت حقاً كاشفة عن ابتسامة مليئة بالسخرية . لم يسبق لها أن التقت رجلاً مثله يستطيع أن يكون شاباً و مسناً فى الوقت نفسه. كيف يمكنه أن يكون محنكاً جداً وهو لا يزال فى الثانية والثلاثين من عمره فقط؟
بهتت ابتسامته عندما التقت عيناه بعينيها و أحنى رأسه الداكن ليعانقها ثانية . آه ! كم أحبت هذا الشعور . كم أحبت رائحته قوته و خشونته
أغمضت جويل عينيها و فكرت بأن لمسته الدافئة العابرة جعلتها تفقد صوابها فكيف بذلك العناق الحار العميق ؟
أخذت نفساً عميقاً و هى تحاول أن تصفى ذهنها و أن تستفيق من هذا الدوار لكن لمسته بدت دافئة جداً تبعث إلى الخدر فى أوصالها . وهمست بصوت خفيض:"ألن نشرب القهوة؟"
كان ليو قد نسى تماماً أمر القهوة . وبدا وكأنه فوجئ بكلامها إلا أنه قال :"أظنها أصبحت باردة الآن . لكن ما رأيك بأن نستعيض عنها بسماع الموسيقى؟"
توقف قليلاً قبل أن يتابع قائلاً :"تعالى يمكننا أن نسمع الموسيقى و نرقص فى الداخل"
لم يجعلها أحد من قبل أن تشعر بأنها عاجزة و مخدرة كما هى الآن . لم تعرف جويل كيف وصلا إلى غرفة الجلوس و متى أدار ليو الموسيقى كل ما شعرت به هو أنهما يتمايلان على أنغام موسيقى هادئة و كأنهما عاشقان متيمان .
كل ما أرادته جويل هو القيام بمغامرة صغيرة تبقى فى ذاكرتها قبل العودة إلى حياة الالتزام و الارتباط بزواج مدبر و زوج لم تقع عيناها عليه من قبل....
أما ليو فقد تعمد الالحاح فى دعوته لها ليختبر مدى إخلاصها و التزامها بمبادئها و هو لم يتوقع منها أبداً أن تتصرف بمثل هذا الاستهتار مع رجل غريب تلتقيه للمرة الأولى فى حياتها . هذا مع العلم أنه هو نفسه لا يفهم كنة هذه الأحاسيس التى تشده إليها.
منتديات ليلاس
رفعت رأسها ونظرت إلى وجهه و لكنها لم تجد شيئاً مشجعاً فى قسماته المتصلبة فأحست بالدموع تتجمع فى عينيها وتخزها . وأخذت تسأل نفسها :
لماذا تقوم بهذا؟و ما الذى تفعله هنا؟
على الرغم من ذلك كانت مستعدة للمضى فى هذه المغامرة مع ليو فورتينو قبل زفافها الوشيك إلى لويجى بورغارد أمير ميلانو كونت فينيشيو أو مهما ما كان اللقب الرسمى الذى يُطلق عليه. . فهى فى الواقع لا تعرف حتى لقبه الخاص.
عادت بالذاكرة إلى الوراء و دموع الحزن و البؤس تملأ مقلتيها . وحدثت نفسها قائلة :للأسف إن زواجى الوشيك ليس مبنياً على الحب . فأنا لم ألتق لويجى مطلقاً من قبل . وهو لم يحاول أن يلتقى بى حتى قبل إعلان خطوبتنا. وبدلاً من ذلك أرسل بعض الموظفين الرسمين كوكلاء عنه من بورغارد إلى القصر كى يقوموا بتفحصى من رأسى إلى أخمص قدمى و يحملوننى على توقيع الأوراق الرسمية الضرورية.
أحرقت الدموع الملتهبة عينيها و أدركت على الفور لماذا لم تسمح لنفسها مطلقاً بالتفكير فى لويجى بورغاد . أنها تشعر بالغيظ لأنه يعتقد بأنه بإمكانه الدخول إلى عالمها و الانتقال إلى قصرها و النوم فى غرفة نوم والديها القديمة دون أن يسألها وجها لوجه إذا ما كانت موافقة على الزواج منه .
كيف يستطيع أى رجل أى رجل حقيقى أن يرسل وكيلاً عنه لمعالجة مسألة كمسألة الخطوبة؟ و كيف يمكن لرجل حقيقى أن يعتقد بأن أى امرأة ترضى بأن تعامل و كأنها صفقة تجارية؟
أيصعب على الأمير لويجى أن يخصص يوماً من جدول أعماله للقاء زوجة المستقبل ؟ شعرت بحلقها يجف و بالآلم يعتصر قلبها إلى حد يهدد بخنقها .
أعادها صوت ليو من الحياة التى تنتظرها فى اوروبا تلك الحياة التى ستعود إليها غداً :"ما بك؟ هل تشعرين بالسوء؟"
هزت رأسها بقوة . لقد سُلبت منها خيارات و قرارات كثيرة. و الآن لديها هذه الأمسية فقط و هى تريد أن تمضيها مع ليو . تريد أن تشعر بالرومانسية تريد أن تشعر بشئ مميز لأنها بحاجة غليه.
أجابته بصوت متقطع:"أنا....بخير , حقاً"
شعرت بأنه لم يصدقها إذ بدا متشككاً و كأنه توقع منها رداً آخر عندئذٍ رفعت ذقنها بتحدٍ تنظر إلى عينيه تقول له بصمتها: أريد أن امضى الأمسية معك لأنه الخيار الوحيد الذى أستطيع أن أتخذه بنفسى , لأنه الشئ الوحيد الذى لا يستطيع أحد انتزاعه منى . والشئ الوحيد الذى سيعنى لى شيئاً حتى بعد عودتى إلى ديارى.
ضاقت عينا ليو و لم تستطيع قراءة تعابيرهما . إلا أنها طمأنت نفسها : هذا ليس مهماً , المهم أننا معاً الآن . هذا ما أريده حقاً. إنه الشئ الحقيقى و الشعور الحقيقى . ولكن ما الذى تعرفه حقاً عن العلاقات الحقيقية ؟ فى الواقع أنها لا تعرف شيئاً .
لاحت منها التفاتة إلى النافذة فلمحت الأضواء المتراقصة فوق النهر و تنهدت و هى تفكر أنها لن ترى هذا المشهد بعد هذه الليلة .
قال لها ليو و كأنه أدرك ما تفكر به :"هل تودين أن تعودى على الشرفة لمشاهدة الميسيسيبى فى الليل؟"
ــ نعم اود ذلك.
أصدر صوتاً و كأنه يضحك ويزمجر فى الوقت نفسه ثم قال :"يا للنساء ! أنهن لا يعرفن ما الذى يريدنه حقاً "
منتديات ليلاس
|