كاتب الموضوع :
زهرة منسية
المنتدى :
سلاسل روايات احلام المكتوبة
رد: 383 - همسات الندم - جين بورتر
ارتفعت يدها لتلامس ياقة قميصه . وقالت له :"سوف نذهب...."
لقد قالت ما أراد أن يسمعه هو . عندئذٍ أخفض ليو رأسه و أسكتها بعناق طويل . أحست بأنفاسه الباردة و بجسمه القوى المتصلب فتجمدت من المفاجأة فهى لم تمر بمثل هذه التجربة من قبل . لم يكن عناقه هذا مجرد عناق عادى بل إنه جعلها تشعر بإحساس لم تختبره من قبل.
يا لهذا الرجل! أنه يسيطر على مشاعرها و أحاسيسها بسهولة . ما حصل حتى الآن كان البداية فقط, إذ لم تشعر جويل إلا بعناقه و قد إزداد عمقاً ليصبح متطلباً وعنيفاً.
بدا عناقه قوياً جداً و ملحاً إلى درجة صعقتها و شعرت معها بأنها غير قادرة على استيعاب كل ما يحصل لها أو السيطرة عليه . ومع ذلك أدركت بأنها ترغب فى قضاء بقية الأمسية معه بل تريد ذلك بكل قواها
علمت منذ البداية بأنها لن تستطيع مقاومته و أيقنت منذ اللحظة الأولى بأنها ستضعف أمامه . لكنها مع ذلك تشعر بالأمان و هى ليست خائفة منه فهو بالطبع لن يتسبب لها بالأذى . إنها واثقة من ذلك بطريقة ما .
اخترقت أنفاسها الدافئة كيان ليو و جعلته يستفيق فجأة و يعى ما يقومان به . كان ينوى ان يعانقها عناقاً لطيفاً ليمنحها قدراً من الطمأنينة لا أكثر , فإذا به يتمادى فى عناقه لها حتى كاد ينسى نفسه . يا الهول! بما كان يفكر بحق السماء؟
هكذا خاطب ليو نفسه و تراجع إلى الوراء و هو يمرر يده فى شعره بقوة محاولاً أن يهدئ الفوضى فى جسده وعقله . لكنه شعر بصعوبة كبيرة فى إعادة تنظيم أفكاره و تنظيم كيانه ككل . فهو لم يشعر منذ سنوات بالضياع الذى يشعر به فى هذه اللحظات.
سألته جويل بتردد و قد بدا وجهها مغطى بالظلال :"ما الأمر ؟"
يا لصوتها العميق المؤثر ! لكن صوتها هذا بدا متناقضاً و غير متناسب مع عينيها الزرقاوين المتسعتين . بدت فى تلك اللحظة فتية جداً كفتاة صغيرة بحاجة إلى الحماية . ما جعل ليو يشعر باندفاع مفاجئ لغريزته الدفاعية .
أين هم بحق السماء حراسها الشخصيون ؟ أين جدها و أختاها الأكبر سناً؟ أين هم هؤلاء الذين يتوجب عليهم مساعدتها و إرشادها ؟
فالأميرة جويل لا تعلم سوى القليل عن هذا العالم . ويفترض بعائلتها الانتباه لها و رعايتها . ولكنهم بدلاً من ذلك سمحوا لها بالمغادرة بمفردها إلى مدينة كبيرة مثل نيو أورلينز مدينة ملؤها الصخب و الإثارة .
ــ ما الذى تفعلينه يا صغيرتى؟
سألها و أصابعه تمسد تلك الإنحناءة اللطيفة على خدها . بدت بشرتها ناعمة و دافئة بشكل لا يقاوم .
هزت كتفيها بلا مبالاة و قالت له:"أنت تعلم ما الذى يُقال ليو فالفتيات يرغبن فقط فى قضاء وقت ممتع"
إلا أن صوتها جاء متقطعاً بسبب ملامسته لخدها . فكرت جويل بأن ما قالته لا يخلو من الصحة إلا أنه ليس الحقيقة بعينها . وعلى الفور أخفض ليو عينيه محدقاً بها و قد شعر بأنه لا يفهمها بل ربما لم يكن يفهم نفسه .
فهو يريد بقاءها معه بقدر ما تريد هى ذلك . لِمَ إذن يشعر بالغضب لتعلقها به؟
ــ إذن فأنت تريدين قضاء وقت ممتع؟
ردد ليو بنعومة و بدا صوته عميقاً منخفضاً و بقيت تلك الجملة التى تلفظ بها معلقة فى الهواء بينهما كأنها تحدٍ لكليهما .
أخفض ليو بصره محدقاً بعينيها لفترة طويلة ما جعلتها تشعر بأنها غير قادرة على التنفس و أنتشر شعور من الرعب داخلها مثيراً فيها الارتباك و الحيرة
شعرت بتقلص فى معدتها و بتشنج فى جسدها بأكمله . كما أحست بفراغ غريب و مؤلم . لقد أردت أى شئ إلا الفراغ و الألم.
ــ أجل
رأته يبتلع ريقه كما رأت عضلة فكه تتصلب و هو يجيبها قائلاً :"أعتقد أن من الأفضل لك أن تذهبى إلى منزلك و تتناولى شطيرة من الجبنة و المعكرونة"
شعرت جويل بالإحراج لدرجة جعلت خديها يحترقان من الاحمرار بسبب جوابه هذا. إنه ينصحها بتناول شطرية من المعكرونة و الجبنة, أى ما يتناوله الأطفال عادة. أشاحت بنظرها بعيداً بعد إحساسها بالإهانة و أجابته قائلة :"أنا لست طفلة"
ــ أنا لم أقل أنك كذلك.
و فجأة عادت يده لتعبث بشعرها الطويل الداكن فراح يلف خصلات شعرها حول قبضة يده مرة بعد مرة ثم أخفض رأسه باتجاهها و رفع وجهها بقوة ليعانقها من جديد. صعقها عناقه المفاجئ كما أن لمسته هذه المرة كانت مختلفة عن المرة السابقة.
منتديات ليلاس
شعرت جويل بأنها ضعيفة واهنة . إن تجاوبها مع هذا الرجل قوى وغريب جداً . شعرت وكان عضلات جسدها على وشك التمزق و أن تيارات من الحرارة تتلاحق فى كيانها كما شعرت بضعف مفاجئ فى أطرافها.
خاطبت نفسها قائلة أن باستطاعتها الحصول على وقت قصير لنفسها و لكن لم يكن ليو فورتينو رجلاً لطيفاً و سهلاً فهو ليس من ذلك النوع من الرجال اللذين يسمحون للمرأة بالابتعاد عنهم فى الوقت الذى تقرره بنفسه .
ذكرها صوت فى داخلها بحدة : لا تنسى بأنك قطعت وعداً و لا يمكنك أن تتراجعى الآن وتقومى بفسخ الخطوبة.
فأجابت ذلك الصوت قائلة فى سرها: و لكننى لن أفعل . لن أنكث بوعدى . إنها أمسية واحدة....أمسية واحدة فقط . إنه وعد!
لا بد أن ليو شعر بترددها و بالصراع الذى يدور فى داخلها وبعدم قدرتها على اتخاذ القرار فسألها بنعومة :"هل غيرت رأيك؟"
ألا أن أذنها التقطت نبرة التوتر فى صوته على الرغم من نعومته
فكرت جويل بأنها إذا قررت قضاء بعض الوقت مع رجل ما فيجب أن يكون هذا الرجل لطيفاً وسهل المعشر . ولكن ليو يبدو بعيداً كل البعد عن هذه الصفات فهو يمتلك شخصية قوية و طبعاً محباً للسيطرة ما جعلها تشعر بالخوف.
مع هذا رفعت ذقنها و شعرت بفمها يرتعد كاشفاً عن ابتسامة واهنة و أضافت :"فى الواقع أنا أتوق إلى الجلوس على شرفتك فى الفندق و تناول القهوة معك"
نهاية الفصل الثالث
أنتظرونى فى
سهر ,و نهر , و أضواء
|