كاتب الموضوع :
زهرة منسية
المنتدى :
سلاسل روايات احلام المكتوبة
رد: 383 - همسات الندم - جين بورتر
ــ الأهل والأصدقاء يدعوننى ليو و يجب أن تفعلى هذا أنت أيضاً.
ــ أجل , ولكن أنا....
قاطعها قائلاً :"أرجوك نادينى ليو, أتعلمين؟ أنا لم أعش فعلياً فى إيطاليا"
ــ أحقاً؟
رأى ليو بريقاً من الفضول فى عينيها الزرقاوين المائلتين إلى الخضرة و ذكره لون عينيها هذا بلون مياه البحر المتوسط التى تحيط بجزيرتها الملكية, أوحت له عيناها ببراءتها و عدم خبرتها و مع ذلك فكل ما تبقى منها بدا غامضاً جداً . فمن تكون جويل دوكاس الحقيقية؟
اقترب رجل من الطاولة و وقف أمام جويل مباشرة ثم قال لها :"جوسيه!"
تأهب ليو فى الحال لحمايتها و لكن جويل بدت مرتاحة . قال الرجل الغريب لـ جويل وهو يقف أمامها واضعاً يديه فى جيبى بنطلونه :"أنت مذهلة!إنك حقاً رائعة بما يفوق الوصف"
أجابته جويل مبتسمة:"شكراً لك , هذا لطف كبير منك"
ــ هذه ليست مجاملة بل حقيقة لقد سمعتك و شاهدتك تغنين طوال الأسبوع و فى الواقع لم أر أو أسمع أحداً مثلك.
أحس ليو بأن أمعاءه تشتعل من الغيظ بينما أتسعت ابتسامة جويل لتكشف عن غمازة جميلة وهى تسأل الرجل :"ما اسمك؟"
ــ جاك.
تذكر ليو بورغادر وجوه الحضور المستغرقة و المذهولة بما تراه و قد رأى المزيج نفسه من الشوق و الإعجاب فى وجه جاك و هو ينظر إلى جويل . أدت جويل على المسرح الأغانى الرومانسية الحزينة و القليل من أغانى الجاز, بالإضافة إلى بعض الأغنيات التى تتحدث عن الأحلام الكبيرة والهموم و الوعود بأن غداً سيكون يوماً أفضل.
فكر ليو أن جويل فتاة رشيقة فاتنة ذات شعر داكن طويل و رموش كثيفة سوداء . وذلك كله جعلها تبدو جذابة فلا عجب أن تصبح محط أنظار الرجال . التوت شفتا ليو ألا أنه لم يكن مبتسماً بل غاضباً جداً و أراد أرسال جاك إلى الجحيم
ــ شكراً لك جاك
قال ليو ذلك منتصباً بقامته بين جاك و جويل كإشارة جسدية لـ جاك بالابتعاد و أضاف :"من الجميل أن نسمع آراء جيدة عن عزيزتنا جوسيه . نتمى لك سهرة جميلة وإلى اللقاء"
طأطأ جاك رأسه باستياء و رحل بعيداً بعد أن رمق جويل بنظرة أخيرة مليئة بالإعجاب و الشوق. أما جويل فشعرتب الصدمة من طريقة تصرف ليو, بينما جلس هو مختلساً نظرة جانبية إلى وجهها . بدت غاضبة جداً و راحت تتلفظ بكلمات غير مفهومة لشدة الغيظ.
ــ كيف استطعت أن تفعل هذا؟
سألته جويل و هى تغلى من الغضب بل كادت تقفز عن كرسيها لشدة غضبها و قد أضفت الأضواء الخافتة فوق رأسها لمعاناً على بنطلونها الجلدى الأسود.
ــ إنه وقح !
ــ بل هو لطيف.
رمق ليو جاك بنظرة خاطفة من وراء كتفه و رآه و هو يسير ثم يصطدم بإحدى الطاولات فى المطعم.
ــ أنت لا تعلمين ما معنى كلمة لطيف يا صغيرتى.
ــ أنا جوسية و ليست صغيرتك سيد فورتينو . كما أنك تتصرف و كأنك وصى علىّ.
لم ينس ليو صدمته عندما رأى جويل تتبختر على المسرح هذه الليلة مرتدية بنطلوناً جلدياً و قميصاً مطرزاً بالخرز و حذاء ذا كعبين مرتفعين و عُرف عنها بأسم جوسيه . بدا وجهها على المسرح شاحباً بيضاوياً لامعاً تحت الأضواء الزرقاء الداكنة أما أعضاء الفرقة الموسيقية المحيطين بها فبدوا كصور مبهمة غير واضحة .
حملت الأميرة جويل دوكاس الميكروفون و قربته منها كأنه حبيب ضائع منذ أمد طويل . وكل ما أستطاع ليو التفكير فيه : إنها ليست خطيبتى...لا يمكن أن تكون خطيبتى...! شعر بأن دماغه سينفجر من التفكير بأن خطيبته ذات غلإثنتى و عشرون سنة تعمل مغنية فى ناد ليلى و أنها أمضت السنة الماضية و هى تقدم استعراضاً يومياً فى هذا المكان الوضيع المدعو"النادى الأزرق". قال ليو بخشونة محاولاً أن ينسى الطريقة التى تبخترت بها على المسرح:"أنا لا أريدك أن تتعرضى للأذى"
أجابته جويل بفظاظة :"لماذا تهتم لأمرى فأنت لا تعرف شيئاً عنى؟"
ــ هذا صحيح
ــ حاول جاك فقط أن يتصرف بطريقة ودية
ــ أجل....و الكلاب المتوحشة تتصرف بطريقة ودية أحياناً.
أشتعل خداها احمراراً إلا أنها واجهته بصرامة:"أتعلم؟ أنت هو الشخص الذى لا يتصرف بلطف هنا . فأنت مندفع , متغطرس , ومتكبر"
سألها ليو و قد فاجأته صراحتها و تصرفها المباشر :"أكل هذا لأننى شخص صادق؟"
و فكر أن هذه الفتاة بعيدة كل البعد عن الأميرة الناعمة الخجولة التى وُعد بها .
ــ بل لأنك فظ . جاك كان يحاول فقط أن يجاملنى .
سألها غير غير مصدق :"وهل أنت بحاجة إلى تلك المجاملات؟"
أجابته جويل بحدة و بصوت أجش متقطع :"ما أحتاج إليه لا يعنيك على الإطلاق"
أنت مخطئه! أجابها ليو فى سره و هو عاجز عن إشاحة نظره عن النار المشتعلة فى عينيها الزرقاوين المائلتين إلى الخضرة و اللتين بدتا كشمس الغروب وهى تختفى فى البحر المتوسط.
أنت لى , و كل ما تحتاجين إليه يعنينى بكل طريقة ممكنة . هكذا خاطب ليو نفسه. فهذه الليلة و بالرغم من صدمته و غضبه لأنه وقع ضحية خداع الملك ريمى والقائمين على القصر فى ميليو أراد أن يتحدث إليها أن يتقرب منها أن يدعوها لمرافقته لأنها تنتمى إليه.
منتديات ليلاس
المشاعر لم تكن جزءاً من المعادلة عندما وافق على الزواج من أصغر أميرات آل دوكاس . كان الأمر مجرد ارتباط عملى و زواج مدبر . فهو يحمل لقب أمير و لكن ليس لديه مملكة أما هى فأميرة مع مملكة تحتاج إلى وريث, وزواجهما سوف يكون مثمراً و مجدياً . إذ سيحصل هو على مملكة و أولاك وتحصل ميليو على وريث للعرش و هكذا تنجح جويل فى أتمام واجباتها الملكية . أم ان الأمر ليس كذلك؟
أدارت جويل رأسها بعيداً و أشاحت ببصرها عنه و أدرك ليو بأنها تحاول جاهدة السيطرة على أعصابها .
منذ ستة أسابيع تناهت إلى مسامعه إشاعات عن شبيهة الأميرة دوكاس فى نيو أورلينز . قيل له يومها إن تلك المغنية تتمتع بصوت وجمال يسلبان الألباب . أتصل ليو بقصر ميليو مستفسراً عن مدى صحة تلك الإشاعات و أتاه الجواب بأنهم سمعوا تلك الإشاعات أيضاً و لكن لا يمكن لهذا الأمر أن يكون صحيحاً . وأكدوا له بأن جويل تقوم فى مكان آمن فى أوروبا و أنها منغمسة فى دراستها لدى أستاذ موسيقى خاص يُدرس فى المعهد الموسيقى و أنها تخطط بلهفة لزواجها المرتقب . يومها بدت له مثالاً للعروس الخجولة.
أخيراً قال وقد أثار سخطه صمتها العنيد:"كنت أقوم بحمايتك"
أجابته جويل بنبرة حادة:"أنا ليست بحاجة إلى حمايتك"
انتظر ليو ذهاب النادلة قبل أن يقول :"أنت ساذجة"
ــ وأنت إيطالى بامتياز !
ــ وهل هذه مشكلة بالنسبة إليك ؟
ــ أجل
جلس ليو لبرهة يتأملها بصمت قبل أن يسألها :"لماذا؟"
ركز نظراته عليها حتى أن جويل شعرت برجفة داخلية تسرى فى أوصالها. وكأن هناك شيئاً حاداً فى طريقة تحديقه إليها شيئاً قادراً على الوصول إلى داخلها ما يجعلها تتسمر فى مكانها. فى الواقع لم تكن تشعر بالنفور من هذا الرجل بل بالخشية منه , خشيت من تجاوبها معه فقد جعلها واعية لنفسها بشكل مؤلم , واعية لمشاعرها و أحاسيسها , واعية لوجوده بقربها .
ــ ما مشكلتك مع الرجال الإيطاليين يا صغيرتى؟
|