كاتب الموضوع :
زهرة منسية
المنتدى :
سلاسل روايات احلام المكتوبة
رد: 383 - همسات الندم - جين بورتر
1 ــ ما مشكلتك , صغيرتي ؟
منتديات ليلاس
نيو أورلينز , بعد مرور أحد عشر شهراً
ــ أتريدين شراباً أنسة دوفيل؟
طُرح السؤال بصوت ذكورى عميق و بنبرة هادئة جداً ما بعث فى نفس جويل موجات من عدم الارتياح . فصوت كهذا لا يكتسبه صاحبه إلا بعد سنوات من ممارسة القوة و النفوذ . لابد أنه صوت شخص يملك النفوذ و السلطة , هذا النوع من السلطة التى تركته و راءها فى أوروبا...
استدارت جويل مكرهة , ذلك أنها تعرفت على صاحب الصوت..إنه هو.. ذلك الرجل الذى كان يجلس فى الصف الأمامى الليلة و قد غادر المسرح لتوه . استحوذ هذا الرجل على انتباهها طوال السهرة بنظراته الحادة , و إذا لم يشح ببصره عنها مطلقاً.
أضاعت جويل مكانها على المسرح مرتين أثناء استعراضها الغنائى , فوقفت هناك تحت الأضواء الزرقاء و البنفسجية كالبلهاء تماماً , وقد فقدت تركيزها بعد أن ضاعت الأفكار و الكلمات من ذاكرتها . لم يحدث لها نسيت كلمات أى أغنية من قبل و لم تقف مرة على المسرح لتحدق إلى بحر داكن من الوجوه متسائلة عما تفعله مع الميكروفون الذى أمامها .
إلا أن ذلك البحر الممتد أمامها لم يكن داكناً تماماً فقد رأت جويل وجهاً واحداً...رجلاً واحداً طوال الوقت. نظرات تلك الرجل الحادة المركزة عليها نجحت فى ايقاعها فى المصيدة و فى اجتذابها إليه تماماً كما يفعل الآن.
و مع أنها لا تمانع مطلقاً بأن تبدو فاتنة على المسرح لكن تحديقه الغامض بها و هو يقوم بتفحصها ببطء من رأسها حتى أخمص قدميها جعلها تدرك أنه لا يوافق مطلقاً على ما يراه . بدا انتقاده و لومه لها ثقيلاً كثقل حقيبة القيثارة المعلقة على كتفها.
ــ أقلت شراباً ؟
رددت جويل ذلك و هى تحاول أن ترغم عقلها على التركيز, على الرغم من تلك الفكرة المجنونة التى راحت تلح على ذهنها , بأنها إذا ارتبطت برجل ما فلن يكون مثل هذا الرجل الذى ينضح بالرجولة و الذى يبدو متحكماً بنفسه إلى أبعد الحدود .
بدا الرجل طويل القامة داكن البشرة وسيماً و على الأرجح أنه إيطالى الجنسية فلكنته الايطالية تدل على ذلك . قال لها مشيراً إلى طاولته :"هلا أنضممت إلىّ؟"
أذهلتها ثقته المدهشة بنفسه فقالت:"أنا...لدى...مشاريع أخرى"
فى الواقع لم تكن تكذب البتة إذ لديها الكثير من العمل...غسيل و توضيب أمتعة فهى بحاجة للاستعداد قبل العودة إلى المنزل.
ــ إذن بدلى مشاريعك.
هذا الرجل يتميز بشئ ما....شئ غامض...فطرى و بدائى مدهش لا يلائم أبداً البذلة الفاخرة التى يرتديها . فبذلته تلك ذات ياقة ناعمة الملمس و سترة مفصلة بشكل رائع على صدره و كتفيه . أما البنطلون فينسدل بشكل مصقول تماماً ليصل مقدمة حذائه.
عرفت جويل العديد من الرجال فى السنوات الماضية لكن لا أحد منهم لم يكن مثل هذا الرجل .
ــ لا أستطيع.
تغضن جبينه و قست تعابير وجهه ثم قال :"يجب أن تغيرى مشاريعك"
أصبحت نبرة صوته أكثر رقة عندما أضاف:"من المهم أن تفعلى ذلك"
ماذا يعنى بقوله هذا ؟ و لم يهتم للأمر ؟ سألته جويل وهى تنظر إلى عينيه الداكنتين:"هل أرسلك أحد ما ؟"
لم تستطيع أن تشيح بنظرها عنه , فقد استحوذ على انتباهها كله . وفيما هى تحدق به شعرت بذلك الوخز الغريب فى بشرتها مرة أخرى كما شعرت باضطراب كبير و غرابة أكبر
ــ لا
شعرت جويل بتوتر فى أعماقها و انتشر ذلك الوخز فى كيانها كله . إنها لا تعرف هذا الرجل , أليس كذلك؟ هزت رأسها محاولة التخلص من موجات التوتر تلك فقد شعرت بأن هناك شيئاً ما يحدث حولها وهى غير راضية أبداً عنه . أحست بضعف فى جسمها و انقباض فى صدرها و لم تعد تستطيع التنفس بسهولة . مع ذلك لم يكن باستطاعتها الإشاحة ببصرها عنه . وأدرك هو ذلك , إذ راحت عيناه تراقبانها بشكل متعمد من تحت حاجبين أسودين كثيفين.
ــ أننى متعبة , لقد عملت على المسرح لأكثر من ساعتين
ــ أعلم ذلك فقد كنت هنا
ثم تردد قليلاً و كأنه يتساءل إن كان من الحكمة أن يقول جملته التالية و قال:"لقد كنت جيدة جداً"
سرت الحرارة فى أوصالها و شعرتب الدوار
ــ شكراً لك.
قال لها مشيراً إلى طاولة قريبة جداً من المسرح :"طاولتى هناك , أنضمى إلى"
ــ أنا...
حاولت جويل الاعتراض و لكنها وجدت نفسها تسير إلى حيث أشار متخذة مقعداً لها على طاولة صغيرة خالية إلا من شمعة ذات ضوء صغير مرتعش . جلس الرجل مواجهاً لها قبل أن يرفع بصره و ينظر إليها , وعلى وجهه واحدة من تلك الابتسامات التى يستعملها للفوز بما يريد.
فكرت جويل بأن هذا الرجل كالجرافة التى تأخذ كل شئ فى طريقها . و لكنها لم تسمح له بأن يأتى إلى هنا و يأخذ كل شئ . تسارعت دقات قلبها و هى تتوجه نحو طاولته فيما راح حذاؤها الجلدى يصدر أصواتاً على الأرض الخشبية الصلبة. قالت عندما وصلت إلى طاولته :"لن أنضم إليك"
ــ و مع ذلك , ها أنت هنا
كرهت جويل الطريقة التهكمية التى رفع بها حاجبه و هو ينظر إليها . فقالت:"أنا لا أريد إضاعة أموالك دون جدوى"
ــ وُجدت الأموال لكى ننفقها
فكرت جويل بمملكتها و كيف وصلت إلى الإفلاس المالى بشكل سريع....فكرت بأختيها و كيف تزوجتا عن طريق الزواج المدبر لإنقاذ ميليو....فكرت بالجهد الذى بذلته خلال السنة المنصرمة فقد عملت فى وظيفتين معاً لدفع ثمن الأشياء الضرورية
راح قلبها يخفق بسرعة لدرجة شعرت معها أنه سُحق فى داخلها, سألته :"ماذا تريد منى؟"
راح ضوء الشمعة يتراقص على وجهه محدداً الخط الدقيق لشفتيه . لم يكن هناك أى تعابير صبيانية فى ملامح وجهه الدقيقة المنحوتة بال وجه رجل قوى وسيم.
تفحصها الرجل للحظات طويلة متمعناً بها و بسؤالها ثم قال لها:"أعتقد أن السؤال يجب أن يكون على الشكل التالى:"جوسية دوفيل , ماذا تريدين؟"
عبارته جعلت نبضات قلبها تتسارع أكثر فأكثر شعرت بالخوف , بالدهشة و بالقلق . وأندفع الأدرينالين فى خلايا جسمها فتوترت عضلاتها . وإذا بها تقول :"لست أنا المعنية بالسؤال"
أجابها مشيراً إلى الكرسى المقابل له :"من المؤكد أنك كذلك. لقد قطعت مسافة طويلة لكى أراك"
و غدت نبرته أكثر صلابة و هو يقول :"أجلسى أرجوك"
ماذا يقصد بهذا؟ من يكون ؟ وماذا يفعل هنا بالضبط؟ تمنى الجزء الحالم من جويل أن يكون هذا الرجل ملحناً معروفاً أو متعهداً موسيقياً أو ربما منتجاً أو موزعاً موسيقياً . لكنه قد يكون أيضاً جسوساً من القصر....أحد هؤلاء الرجال الغامضين المجهولى الهوية الذين قاموا بملاحقتها كظلها خلال السنة الماضية . فهى واثقة بأن صهريها لن يسمحا بمغادرتها المنزل دون حماية منتديات ليلاس . ملأت الاحتمالات رأس جويل . لكنها جلست ببطء واضعة حقيبة القيثارة على قدميها ثم دفعت بشعرها الطويل إلى الوراء بعيداً عن جبينها الرطب ما جعلها تبدو متوترة . مع أنها غالباً ما تستقر فى جلستها منذ اللحظة الأولى و لكن فى هذه الليلة لا شئ يسير على ما يرام . لم تكن تشعر على الإطلاق بأنها هى نفسها و أضطرت إلى البحث عميقاً فى داخلها علها تجد بقايا من الهدوء الذاتى الذى قد يساعدها على استجماع أفكارها المشوشة حاولت جويل أن تقنع نفسها بأن توتر أعصابها ناتج عن نيتها بالعودة قريباً إلى ديارها و إلى واجباتها المعتادة و زفافها الوشيك من الرجل الذى لم تلتق به مطلقاً. لطالما أحبت جويل عالم الغناء و الأضواء الزرقاء و البنفسجية . أحبت استماع الجمهور إليها و إعجابهم بأدائها.
منتديات ليلاس
|