كاتب الموضوع :
زهرة منسية
المنتدى :
سلاسل روايات احلام المكتوبة
رد: 383 - همسات الندم - جين بورتر
نسيت الوقت لبرهة من الزمن. نسيت الماضى, الآلام...و لبرهة وقفت فى مكانها و قد اجتاحها الحنين إليه.لقد أفتقدته كثيراً....حدقت فيه فسحرتها عيناه و جمدتاها فى مكانها. وعلى الفور أدركت ما يريده :أنه يريدها جسداً و روحاً.
اخترقتها موجة من الحرارة المتجمدة مرة بعد أخرى. وتدفق الدم فى شرايينها و اجتاح وجهها مذيباً عظام جسدها و ركبتيها.كل ما أستطاعت القيام به لكى تحافظ على توازنها هو التمسك بعلبة قيثارتها و همست :"لـيـو"
ـ كنت مذهلة !
أسر صوت ليو العميق قلبها,ذلك الصوت المميز و الأجش.قالت :"شكراً لك"
خيم الصمت على المكان.واحتارت جويل ما عليها أن تفعل, وماذا تقول؟ ماذا يفعل هنا؟أذهلها ظهوره بهذه الطريقة فقد مرت سنة بدون سماع كلمة منه, وبدون أية مكالمة هاتفية .فلماذا ظهر هنا الآن؟
سألها :"كيف حالك؟"
ـ بـخـيـر.
لكن عينيه الخضراوين بدتا حزينتين و قاسيتين فى الوقت نفسه.تذكرت أن كل ما يتعلق به هو قاس و عميق,سألها ليو:"هل أستطيع أصطحابك إلى العشاء؟"
شعرت بخفقان غريب فى قلبها :"لا أستطيع, فعلى أن أستيقظ باكراً"
ـ حـسـنـاً !
بدت ملامحه أكثر قسوة و شعرت جويل بطعنة مؤلمة أخرى فى قلبها .
أمسكت بصندوق قيثارتها باليد الأخرى و قالت:"أنى أعمل كنادلة فى مطعم برينان فى صباحات الآحاد. أتذكر برينان؟"
رأته يؤمى,فأسرعت بمتابتة حديثها :"على أن أذهب"
ـ بالطبع لن تذهبى إلى البيت مشياً, أليس كذلك؟"
ـ إنه على بعد مجمعين فقط.
توتر فكه و رأته يشد على شفتيه.ثم قال أخيراً :"سأمشى معك إلى المنزل أعطينى قيثارتك"
ـ لـيـو.....
توقفت عن متابعة كلامها عندما رأت التعابير التى ارتسمت على وجهه و قالت:"حسناً"
مشيا بصمت و كانت الليلة شديدة الرطوبة و قد تجمعت الغيوم فى السماء.من المتوقع أن يبدأ المطر قريباً لأنها الهواء بدا مشبع بالرطوبة.
وصلا إلى المبنى حيث تقع شقة جويل ورافقها ليو على السلالم.عندما وصلت إلى باب شقتها مرت لحظة محرجة فبعد أن أدارت المفتاح فى قفل الباب سألته بتكلف :"هل تريد أن تدخل؟"
فأجاب ليو و هو يستدير مبتعداً :"ربما فى المرة القادمة.تصبحين على خير"
بعد أن أصبحت داخل شقتها أقفلت الباب جيداً.
لقد ذهب...كان من المفترض أن تشعر بالارتياح لكنها بدلاً من ذلك شعرت بالألم يعتصر قلبها.لم يكن يجدر بها أن تدعه يذهب.كان يجدر بها أن....
لا ! فهكذا أفضل.
ملأت الدموع عينيها و هى تفكر,لماذا تظن ان هذا أفضل؟و من يدرى ما هو الأفضل؟تنفست بعمق و حاولت أن تهدئ نفسها لكنها أحست بالضياع.فليو موجود هنا....أنه هنا....لكنها تركته يرحل.
مزقها الألم و غدا ألمها شديداً أشد من ذى قبل.حاولت إقناع نفسها بأن الأمور على ما يرام و أنها هى على ما يرام.فهذه هى الحياة و هذا هو الحب, وهكذا يجب أن يكون الأمر. لكنها أدركت فى قرارة نفسها بأنها تخدع ذاتها.
الطرقات العنيفة على الباب جعلت قلبها يدق بعنف مرة أخرى. لقد رجع! ملأها الارتياح, جهدت جويل لتفتح الباب بسرعة...تدافعت العواطف بداخلها...و عندما فتحت الباب لم تر ليو عند المدخل,بل لاسى.بادرتها لاسى و هى تلهث بشدة :"أشكر الله لأنك عدت إلى المنزل لقد أضعت مفتاحى فى وقت سابق و خفت أن أبقى فى الخارج"
جاء الصباح بسرعة و استطاعت جويل جر نفسها من السرير لتأخذ حمامها الصباحى.سارعت إلى ارتداء تنورة جينز و بلوزة مفتوحة و كانت تسارع إلى تبديلها عند وصولها للعمل لترتدى الزى الرسمى ثم تناولت فنجاناً من القهوة فى المطبخ.
كانت لاسى قد سبقتها فى النهوض.بدت خصلات شعرها فى حالة من الفوضى و سرعان ما بادرتها قائلة :"هل انت بخير؟لم أرك بهذا الحزن الشديد منذ....حسناً حزيران الفائت"
أضافت جويل الحليب إلى فنجان قهوتها ثم أضافت معلقة كبيرة من السكر. لقد أمضت ليلة طويلة, ليلة متعبة جداً....قالت :"لم انم جيداً"
ـ هل حدث شئ معك الليلة الفائتة؟
ـ لا. لماذا؟
ـ كنت أتساءل فقط.
وضعت جويل فنجان قهوتها على الطاولة و غادرت الشقة. وتساءلت و هى تمشى أمام المجمعات السكنية الستة لتصل إلى مطعم برينان, لماذا لم تستطيع إخبار لاسى عن ظهور ليو المفاجئ.لعل السبب يعود إلى أنها لم تتعود بعد على ظهوره.فلم يكن وجوده منطقياً ولا قدومه لرؤيتها إلا إذا..!
ما إن وصلت إلى المطعم حتى أنشغلت بوتيرة العمل المحمومة لطلبات الفطور التى لا تنتهى.
عندما أنهت جويل نوبة عملها و كانت الساعة تقارب الثانية من بعد الظهر شعرت بالتعب الشديد. و بالطبع فكرت بـ ليو و بعد أن ارتدت تنورتها و بلوزتها المفتوحة خرجت من الباب الخلفى.
كان ليو بإنتظارها أمام مطعم برينان و قد وقف فى مكان يمكنه من رؤيتها أينما كانت فى مخارج المطعم كافة. كانت تتوقع أن تراه نوعاً ما لكنها لم تتوقع تلك الارتعاشة التى أصابتها لرؤيته.فقد تراقصت أعصابها و كأن تياراً كهربائياً مسها .كان مألوفاً بالنسبة إليها و مع ذلك شعرت بالتردد, فمع ان جزءاً كبيراً من كيانها يتلهف إلى لقائه إلا أنها مازالت تشعر بالألم عندما تنظر إليه و حتى عندما تفكر به.لم تخف عاطفتها نحوه و شعورها بالخسارة لم يقل أبداً.
تحرك ليو بأتجاهها و لاحظت فى مشيته ذلك الزهو الفطرى الكبير.قال لها :"لا عمل لديك فى المقهى الأزرق هذه الليلة, أليس كذلك؟"
كانت قد نسيت هذا الجانب منه, نسيت اعتداده بنفسه,طبعه الأوروبى .
كان من السهل عليها مسامحته لكن من الصعب جداً نسيانه. بدا من الواضح من طريقة استجابة جسدها بأنها لم تفلح أبداً فى إيجاد مسافة ما بينها و بينه.
أضاف قائلاً و هو يقف أمامها :"اعلم بأنك حرة الآن و أنك لن تعملى مرة أخرى حتى صباح الغد.أخبرتنى لاسى بأن لا خطط لديك لهذا المساء"
شعرت جويل بالحرارة تسرى فى عروقها.فالوقوف بمثل هذا القرب من ليو يشعرها بالارتباك كما أن درجة الحرارة تعدت العشرين درجة منذ هذا الصباح.ذلك أن غطاء الغيوم الداكن الذى يغطى المدينة دفع بالرطوبة إلى ما فوق درجة الاحتمال . شعرت بأن جسمها يتصبب عرقاً حتى إنها وجدت صعوبة فى التنفس.
تنفست بعمق ثم حاولت أن تتكلم بموضوعية:"لا أعرف كيف أعبر لك عن ذلك فقد عملت بجهد كى أنساك إلى حد...."
هزت جويل رأسها و توقفت قليلاً عن الكلام قبل أن تتابع:"....أن أصبحت رؤيتك شيئاً معذباً و لم أتخيل بأن ذلك سيحصل أبداً"
ـ تعرفين بأننى أحبك.
ـ لكنك تركتنى
ـ كلانا يعرف سبب ذلك.
شعرت جويل بتحجر فى حنجرتها و بأن دموعها على وشك السقوط على خديها. أوشك الظلام أن يخيم على المدينة و ساد السكون المكانفأدركت جويل بأن العاصفة المسائية على وشك الأنفجار.أشار ليو إلى مقهى يقع عند زاوية الشارع و قال لها:"أتريدين الدخول؟"
أجابته:"ليست واثقة من ذلك"
بدأ قصف الرعد يتردد فى السماء على شكل سلسلة أصوات بطيئة لكن مستمرة
ـ سينهمر المطر
جالت جويل بعينيها على الرصيف. وكانا قد عبرا عدة مجمعات سكنية مبتعدين عن مطعم برينان لكنهما ما يزالان على بعد عدة مجمعات أخرى من شقتها.بدا الشارع خالياً تقريباً فقد أدرك الجميع بأن المطر قريب , حتى السياح. و من المعروف بأن المطر فى نيو أورلينز يسقط بغزارة شديدة كأنه السيل.
قالت جويل وهى ترفع حقيبة كتفها قليلاُ :"دعنا نكتفى بالذهاب إلى شقتى"
فى تلك اللحظة بدأت قطرات المطر تتساقط و ما لبثت أن أصبحت أكثر غزارة. أمسكها ليو من مرفقها و سحبها خلفه ليحتميا تحت شرفة المقهى المسقوفة بينما بدأ المطر بالأنهمار بغزارة أشد.
و فى أقل من نصف طريقة تحول المطر الغزير إلى ضباب فالمطر الذى يهطل فى الصيف يحجب الرؤية بسبب البخار المتصاعد من الشارع.
بدت الشوارع خالية تمامً و أصبح الحى الفرنسى مدينة أشباح كما أختفت السيارات من الشوارع بعد أن خلت هذه من المارة . أما المحلات فقد أقفلت أبوابها.
بدا المشهد غير عادى فقد غادر الجميع تاركين ليو & جويل وحدهما يراقبان المطر المنهمر.
قال ليو:"يمكننا أن نتناول الطعام بانتظار توقف المطر"
رمقته بنظرة محبطة:"أراك سعيداً لأننا علقنا هنا"
أجابها بجفاء :"جربى أن تفكرى بى كهدية صلح وسلام"
منتديات ليلاس
أطبقت راحتى يديها قائلة:"إذن, لماذا لا أشعر بالطمأنينة و السلام؟"
ضحك بنعومة و التمعت عيناه :"هذا سؤال جوابه عندك فقط يا عزيزتى. تعالى"
قال ذلك بينما أمسك الباب متابعاً :"دعينا ننتقى طاولة قبل أن يبللنا المطر"
طلبا طبقين من حساء البامية الحار و كوبين من العصير البارد ثم انتقيا مقعدين فى زاوية بعيدة. كان المقهى خالياً تقريباً كالشارع تماماً و هكذا فقد كانا وحيدين فى المكان.
لم يكن طبق حساء البامية أفضل ما تناولته جويل على الإطلاق إلا أنه أشبعها . وبعد أخذ النادل صحنيهما توجهت إلى الباب و حدقت بالشوارع التى تملأها السيول فأستطاعت رؤية فوهات أقنية الصرف و قد بدت أشبه بالينابيع الفوارة.حاولت ألا تشعر بالتوتر فجلست مرة أخرى و قالت:"الوضع سئ جداً فى الخارج"
لكنها فى الواقع شعرت بالحرارة الشديدة و بأنها مرتاعة بشكل كبير.
ـ أعتقد بأن لدينا الكثير من الوقت الذى يمكننا أن نملأه بالحديث.
|