كاتب الموضوع :
زهرة منسية
المنتدى :
سلاسل روايات احلام المكتوبة
رد: 383 - همسات الندم - جين بورتر
استغرقه الأمر بضع دقائق لكى يُعد القهوة السريعة. وعندما عاد حاملاً القهوة وقطع البسكويت عاد معه قناعه القاسى قناعه المتحجر ذلك القناع الخالى من العاطفة.
قال وهو يجلس مرة اخرى قابلتها:" سأروى لك قصة"
استند ليو إلى المنضدة و قد شمر عن ساعديه و بانت كتفاه العريضتان ثم تابع:"لكن عليك ان تعدينى بألا ترويها لأحد بعد ذلك"
لم تستطيع منع حاجبيها من التقوس :"ألا أستطيع قول أى شئ؟"
ـ لا ! سأروى لك هذه القصة لكن عندما تنتهى يجب أن تعتبريها منتهية , ولا أريد أى أسئلة أو تعليقات. لا أى شئ يشعرنى بالإحراج و لا أى شئ يستدعى شفقتك.
ترددت جويل قليلاً فرفعت فنجان قهوتها ثم نفخت بلطف بإتجاه البخار المتصاعد منه :"لا يبدو ذلك عدلاً تماماً"
ـ الحياة نفسها ليست عادلة.
وضعت فنجان قهوتها على الطاولة و حدقت به وهى لا تفهم شيئاً مما يقول و لا أى شئ يتعلق به. فماهى دوافعه؟ وما هى العواطف التى تدخل فى حسباته؟ وماذايريد من الحياة؟
بدا لها معقداً,معقداً جداً. فيما مضى ظنت بأن سكوته و إصراره على السيطرة كانا نوعاً من الغرور و هو الغرور الذى ينتج عن حياة السلطة والنفوذ لكنها بدات الآن ترى أن الأمر يتعدى الغرور.كان هناك الكثير من الألم فى حياته.
أخيراً قالت:"حسناً, اخبرنى قصتك.أعد بعدم النطق بأية كلمة بعد انتهائك"
لاذ ليو بالصمت و بدا كأنه لا يمتلك الكلمات المناسبة. ثم بدأ بالسرد راح يتحدث بهدوء و وضوح و كأنه مصمم فقط على إنهاء قصته:"أنفصل والداى فى وقت مبكر لأسباب لن أدخل فيها.ثم تقرر أن الأفضل لى أن أكون مع والدتى. لم أر والدى بعد ذلك إلا مرات قليلة"
ـ لكنك مقرب منه الآن
سدد ليو باتجاهها نظرة طويلة قاسية فشعرت جويل بالتوتر فى معدتها:"حسناً, لا أسئلة و لا تعليقات, اليس كذلك؟ انا آسفة"
ـ لا تحب والدتى أن تعتمد على نفسها, فهى لا تحسن العيش لوحدها.كما انها لا تتصرف مثل بقية الناس و لا تأخذ الخيارات التى يأخذها الآخرون. وبما أنها امرأة جميلة وهى تعرف بأنها كذلك فهى لا تستطيع أن تمضى ليلة السبت يائسة كى لا يفوتها شئ.
التوت زاوية فمه عندما ابتسم ابتاسمة فيها ذكريات كئيبة :"كنا نرتدى ثيابنا. نرتدى أفضل ما لدينا من ثياب ثم نغادر المنزل و كأننا على موعد.كنا نذهب إلى مكان جميل....مطعم فائق الحداثة أو فندق فخم أو أى مكان آخر حيث يتواجد رجال أثرياء و وسيمون....و عندما تجد لها مكاناً فى الملهى تتركنى جالساً فى الخارج على مقعد مقابل الباب بحيث تستطيع رؤيتى"
بدأت جويل تشعر بالغثيان. تمنت لو أن ليو يتوقف عن الكلام لأنها لم تستطيع أن تتخيل امرأة تصطحب أبنها إلى مجتمع البالغين تاركة إياه فى الخارج.
طرق ليو بأصبعه على المنضدة و كانه يستحضر ذكريات فى رأسه: "كنت أمضى الساعات فى الخارج, قد تصل إلى ثلاث أو أربع ساعات. وفى نهاية الأمر كان أحدهما يشفق علىّ و يحضرنى إلى طاولته و غالباً ما يكون هذا الشخص أماً أو رجلاً عجوزاً لا يستطيع أن يتحمل رؤية أحفاده فى حالة إهمال"
تقوس فمه وتابع حديثه :"وعند هذه النقطة كانت أمى تتذكرنى و دائماً فى الوقت المناسب و قبل أن يُخطر مدير المطعم او الفندق بوجودى, و بالطبع كانت أمى تستغرق فى الضحك بحبور و تُعرب عن امتنانها لأن أحداً خصص وقته لتحدث معى"
خيم الصمت على المكان و تمسكت جويل بمقعدها و راحت أصابعها تضغط على قضبانه المجدولة.فكيف يمكن لأم أن تكون قاسية الفؤاد هكذا؟وكيف يمكنها أن تكون بهذه الأنانية؟أجابت نفسها بصمت أن الأميرة مارينا كانت يائسة.وفكرت فى أن أمها هى كانت مختلفة تماماً. فقد تمسكت بتقديم الرعاية لأطفالها بطكل جوارحها. لقد ضحت بكل شئ :مهنتها,هوايتها,ثقافتها وبلدها من أجل توفير الأستقرار لأولادها.
ـ المرعب فى الأمر هو الطريقة التى كان ينظر بها هؤلاء الناس بها إلى أمى.كنت أرى نظراتهم إليها و بدأت أفهم....
و فجأة ألتزم الصمت فخيم السكون على المطبخ.وشعرت جويل بأن مئات الفراشات تضرب صدرها وكل واحدة منها تحمل شفرة و كلها تضرب مكان قلبها و همست :"لـيـو"
هز رأسه وضحك و مع ذلك أستطاعت جويل أن ترى التماعاً فى عينيه كان ذلك أثراً من دموع لم يسمح لنفسه بسكبها أبداً. ثم قال :"اعطينى يدك"
رفع معصمها و فتح قفل السوار الفضى ثم رمى به فى سلة النفايات و يابع:"لم يعد من الضرورة لبقائه فى يدك بعد الآن"
إنه يسمح لها بالمغادرة. فكل شئ قد أنتهى الآن.
قال بخشونة:"انا آسف . سامحينى"
شعرت جويل بحرقة وحرارة فى عينيها.ورمشت بأجفانها و أومأت:"يمكنى أن أفهمك"
ـ أنك تستحقين الأفضل, أنك تستحقين شخصاً يحبك بشكل مناسب ويقدم لك الحنان.
شعرت بأنها ممزقة ما بين رغبتها بإخباره بأنهما يستطيعان المحاولة مرة أخرى, وبين معرفتها بأن بأن لكل منهما حاجات لا يستطيع الآخر تلبيتها.فهو لم يثق بها, و لعله لم يكن أبداً قادراً على ذلك و بصراحة هى أيضاً لم تثق به .
مع ذلك برغم من علمها بأن كل شئ قد أنتهى الآن و أنها تستطيع بكل بساطة أن تنهض من مكانها و تنصرف إلا أنها لم تقدر على المغادرة .
قال ليو و هو يدفع مقعده إلى الخلف :"لنخرج ونستنشق الهواء الطلق.يمكننا الذهاب إلى الشاطئ"
لم تكن جويل تحمل سالعة فى يدها و مع ذلك فقد قدرت بأن الوقت يقارب الواحدة بعد منتصف الليل. ومع أن الوقت متأخر فقد وجدت فكرة المشى مناسباً جداً و أفضل من التقلب فى السرير.\
فكر ليو بأنه فقد السيطرة على نفسه مرة أخرى.ما كان يفترض به أن يقع فى غرام جويل لقد سار فى مشروع ذلك الزواج المدبر سلفاً لأنه بالتحديد لم يرد ان يقع فى الحب.لكنه وقع فى غرامها!
ذكرت جويل ليو بجوهرة فريدة...غنية....ملتمعة....مثيرة ومليئة بالأنوار.لكن عيوبها لا تقلل من جمالها . بل أن تلك العيوب تجعلها أكثر فرادة . لقد رأى ليو العالم بصورة مختلفة من خلال عينيها,ورأى الأشياء التى عجز عن رؤيتها فى السابق.و بطريقة ما وجد نفسه بحاجة إليها...راغباً فيها...وجد نفسه يحبها!
استدارت جويل لتنظر إليه و كان ضوء القمر الشاحب بالكاد ينير وجهها:"من بين كل الأميرات لماذا اخترتنى أنا؟"
لم يرها بمثل هذا الجمال من قبل, لم تكن أكثر صدقاً أو أكثر أشراقاً... أدرك ليو مرة أخرى حجم الغلطة التى أرتكبها. فـ جويل لم تشبه أمه فى يوم من الأيام.مع أنها متسرعة و بحاجة إلى الرعاية. إلا أنها باختصار ما زالت شابة.فقد نشأت فى حضن عائلتها فى القصر و نشأت فى ظلال شقيقاتها و لم يتسن لها أبداً أن تكون المرأة المسؤولة عن نفسها.
فهم ليو الآن أنه و جدها ريمى كانا متسرعين جداً فقد حاولا دفعها و فرض احتياجتهما الخاصة عليها.
لا عجب فى هروب جويل لو كان هو مكانها لفعل الشئ نفسه.و فى الواقع ذلك هو ما فعله يوماً فقد هرب من عائلته و اضعاً أبعد مسافة ممكنه بينه وبين أمه و حتى والده فى محاولة لاحتواء شعوره بالألم.
أصد أنيناً صامتاً و قد شعر بالقهر و القسوة وقال :"لو نجحت الأمور لكنت إضافة مثالية لإمبراطوريتى"
تساءلت جويل إن كان ذلك صحيحاً ثم أنحنت لتلمس الماء.وفكرت أنها تحتاج إلى زوج و ميليو تحتاج إلى حفل زواج بأستطاعة ليو ان يكون ذلك الأمير المناسب
لم تكن جويل واثقة من أنها ستلتقى بشخص مثل ليو مرة أخرى,لا سيما بعد بلوغها عامها الثانى و العشرين . فهى تحتاج إلى شخص يجعلها تشعر بأنها حية, واعية, و فائقة الجمال . لكنها بالطبع لا تستطيع أن تبنى مستقبلاً على مجرد أحلام واهية.
منتديات ليلاس
و نظراً لأنه لم يبق سوى أسبوعان فقط يفصلانها عن موعد الزفاف فهى لا تملك الوقت الضرورى للوصول إلى معرفة ليو معرفة جيدة فتبنى العلاقة الكفيلة يجعل زواجهما سعيداً و مكتملاً قدر الإمكان.
مهما بدا الزواج الذى تريده مستحيلاً و رومانسياً و غير مقنع فهى مصرة على أن يكون زواجها مثل زواج والديها.أرادت أن تحظى بمثل تلك العلاقة التى كانت تربطهما مع بعضهما البعض.صحيح أن والدتها كانت نجمة مشهورة لكن والدها كان يمتلك قلباً قوياً و طيباً كما يقول الجميع أحب والدتها كما هى لا كما ظن بأنها يجب أن تكون.
لم تكن جويل تتذكرهما أحياء و لم تعرف وجهيهما إلا من صور المجلاتو الصور العائلية و القصص التى تُروى عنهما فوالداها بالنسبة إليها يشبهان بطلى قصة خيالية : الفتاة التى تعيش فى الحى الفقير من المدينة تلتقى أميراً وسيماً و يهربان سوياً من دون ندم أو شكوك...ثم ينجبان ثلاث بنات ليعيش بعدئذٍ الجميع سعداء.
أخذت نفساً عميقاً متجاهلة الأسى الذى ملأ قلبها .وتمتمت فى تلك اللحظة لو أنها نيكول أو شانتال .فأختاها تملكان ذكريات حقيقية عن والدتها و والدها . وهما تمتلكان شيئاً تتمسكان به.أما جويل فليس لديها سوى الصور بالإضافة إلى القصص التى يرويها الآخرون.
شبكت ذراعيها فوق صدرها و قد شعرت بالتعب فجأة :"هل سننهى ليلتنا؟"
خيمت برهة من الصمت المتوتر عليهما بعد عودتهما إلى المنزل فاكتفيا بالنظر إلى بعضهما البعض .كلاهما يعرف بأنهما وصلا إلى النهاية و أن المسألة مسألة شكليات.
سيسمح لها ليو الآن بالمغادرة و لن يعترض بل سيكون مرتاحاً.لكنه لم يُعرب عن موقفه هذا بعد. وهما يتطلعان إلى بعضهما البعض و الشوق و اللهفة يترددان بينهما و لذلك فهى لم تعرض مغادرتها.
سألته وهى تدرك بأن الفجر على وشك البزوغ :"هل أستطيع قضاء الليلة هنا؟"
تقدم ليو بإتجاها و أمسك بيدها ثم قربها نحوه:"أتعنين البقاء حتى الصباح؟ أتعرفين أن معظم الرجال يقلقون بشأن ذلك"
ـ أحقاً؟
راحت تغالب دموعها التى أوشكت على الانهمار بكل ما استطاعت من قوة:"هل سنتمكن من رؤية بعضنا البعض فى يوم من الأيسام؟"
أحاط ليو وجهها بيديه و مرر إبهامى يديه على خديها ثم همس وهو يحنى رأسه:"لربما"
قالها بنعومة قبل أن يعانقها بشدة.
بدا عناقه هذا فريداً من نوعه.كان عناقاً مفعماً بالحلاوة و الشوق و بالبراءة و الطيبة, إلى حد أنها شعرت بحرقة الدموع تحت جفنيها.انتابهما فى تلك اللحظات مشاعر جميلة جداً و تمنت جويل لو أنهما ألتقيا فى وقت آخر أو فى ظروف أخرى أو بعد أن يحصلا على حكمة أكثر.ربما لو ألتقيا كما يلتقى الآخرون فى مطعم او مقهى أو تعرفا على بعضهما بواسطة الأصدقاء...
لم تعرف جويل فى أى ساعة استغرقت بالنوم إذ غفت و هى تحتضن الوسادة و وجهها مبلل بالدموع بعد أن شعرت بوحدة قاتلة.
عندما أستيقظت صباحاً و تحركت قليلاً محاولة الوقوف شعرت بأن صدرها يؤلمها و كأن شيئاً ما قد حدث و سرعان ما أدركت ما هو سبب شعورها هذا! لم يكن هناك أثر لـ ليو
فقد غادر بينما كانت تغط فى نوم عميق
لم يستغرقها الأمر طويلاً قبل أن تكتشف الرسالة القصيرة التى تركها لها.
فقد أختار صفحة من دفترها و أستعمل أسلوب تواصلها المفضل .فاضت دموعها بسخاء و هى تقرأ رسالة تقول:"أنطلقى بحرية فى هذا العالم يا حلوتى"
|