كاتب الموضوع :
زهرة منسية
المنتدى :
سلاسل روايات احلام المكتوبة
رد: 383 - همسات الندم - جين بورتر
لم تكن جويل تملك القوة التى أمتلكها هو شعرت بأنها عاجزة عن المواجهة مثله. أما ليو فهو صاحب خبرة واسعة عندما يتعلق الأمر بالمواجهة. فقالت بقسوة :"سأذهب , لكن بشرط أن تنتزع السوار من يدى ما إن نعود إلى المنزل , هل هذا واضح؟"
بدا الجو فى المقعد الخلفى لسيارة الليموزين السوداء متوتراً جداً أثناء الطريق إلى مطعم هنرى . فقد ابتعدت جويل عن ليو بقدر ما تستطيع فى مقعدها .
ــ تبدين قلقة
كان ذلك تعليق ليو بصوته الأجش و الذى أخترق الظلام المخيم.
ــ لدى الكثير مما يشغل بالى.
ــ وبماذا تفكرين فى هذه اللحظة؟
ــ بكافة الطرق التى تمكننى من قتلك.
ضحك ليو و جاءت ضحكته حقيقية هذه المرة و كأنها صادرة من أعماقه , وقال :"على الأقل أنت لا تشعرين بالضجر"
مجرد قدرته على قول مثل هذا الشئ فى مثل هذا الوقت جعلها تسنشيط غضباً.
بعد مرور عشرين دقيقة تمهل السائق بسيارته أمام مدخل المطعم ذى الوجهات الحجرية . كانت الأنوار الصفراء تلمع داخل المطعم بينما ظهرت الثريات الحديدية المزخرفة القديمة الطراز من خلال بعض النوافذ .
ترجل ليو من السيارة لكن جويل تريثت للحظة فى المقعد الخلفى محاولة استجماع شجاعتها و ثقتها بنفسها . فلا شك أن العشاء مع ليو فى مطعم هنرى لن يكون بالأمر السهل. إذ قبل أن يبدأ هذا لاعشاء شعرت جويل بأنها تجلس على حصيرة من المسامير.
ما أن دخلا إلى المطعم حتى بادر ليو مدير الأستقبال هناك بحرارة شاكراً له حسن ترحيبه به. أجاب مدير الاستقبال فى المطعم وهو ينحنى بقوة:"إنه لمن دواعى سرورى أن نستقبلك هنا مرة أخرى يا سمو الأمير . وأنا لا أعرف أن كان وجود والدتك هنا هو مجرد مصادفة أم أنه أمر مقصود . إنها تتناول العشاء فى إحدى الغرف الخاصة هذه الليلة لكنها طلبت منى ان أعلمك بأنها تأمل بأن تنضم إليك فى وقت لاحق"
لم تتغير التعابير الظاهرة على وجه ليو لكن جويل لاحظت أن البريق أختفى من عينيه و تلاشى دفئه الفطرى . ظل ليو يبتسم لمدير الأستقبال لكنه بدا قاسياً كالصخر و من المؤكد أنه كان غاضباً.
حتى مدير الأستقبال نفسه أحس بأن أخباره قد أدت إلى عكس التأثير الذى توقعه فركن إلى الصمت بعد إنحناءة أخرى ثم قادهما إلى طاولتهما بالقرب من نافذة رائعة الجمال.
نظرت جويل إلى ليو و هو يأخذ مكانه فعندما تلفظ المدير بكلمة والدتك لم تعرف ما إذا كان يقصد الأميرة مارينا أو كلاريسا زوجة والد ليو الحالية.
لم تكترث جويل يوماً بأخبار المجتمع و لن تتعود قراءة المجلات التى تعتنى بالشائعات و التى تنشر مقالات عن مثل هذه الأخبار لكنها مع ذلك علمت بأن طلاق والدى ليو كان من أبشع حالات الطلاق التى سُجلت فى أوساط الأسر المالكة.
بدا ليو مشوش الفكر بل إن كلمة مشوش ليست الكلمة الصائبة تماماً فقد بدا....مضطرباً , انتظرت جويل بهدوء إذ لم يسبق لها أن رأته فى هذه الحالة . لكن الدقائق مضت من دون أن يأتى بأدنى حركة حتى انه لم ينظر إليها.
ــ ليو !
لم يجب فوراً لكنها أنتظرت بضعة لحظات قبل أن تحاول مرة أخرى :"ليو ؟"
تحرك فجأة فى مكانه و قد غير من جلسته ثم أجابها :"نعم؟"
ــ نحن لسنا مضطرين إلى البقاء فى هذا المكان.
رفع ليو رأسه و التقت نظراتهما . تفحصت عيناه عينيها للحظة طويلة قبل أن تتحرك زوية فمه :"لن أدعها تجبرنا على الانصراف من هنا"
هى...من تكون هى؟فكرت أنها قد تكون والدته لكن لم يكن بوسعها التأكد و أرادت أن تعرف . بدا الأمر فى غاية الأهمية :"إنك لا تقصد كلارسيا , أليس كذلك؟"
بدا ليو و كأنه على وشك أن يضحك و قال:"يا إلهى , لا ! تكاد كلاريسا أن تكون قديسة . إننى أقصد مارينا فأمى هى الموجودة هنا"
ــ وهل الأمر بهذا لاسوء؟
اكتفى ليو بالنظر إليها.
بعد دقائق قليلة وقف فجأة و قال :"ساعود حالاً"
عرفت جويل وجهته من تعابير وجهه . ومرة اخرى راحت تفكر بما سيجرى بينه وبين أمه.
لم يتغيب ليو طويلاً و عاد بعد دقائق قليلة . بدا وجهه شاحباً و ملامحه متوترة عندما جلس و أخذ رشفة طويلة من كوبه قبل أن يتنفس ثانية و يقول :"لقد سويت الأمور"
استدارت جويل لتنظر من النافذة ورأت أضواء مرفأ المدينة فى الأسفل كما رأت انعكاس ضوء القمر على صفحة المياه . وفكرت إنها ليلة جميلة جداً, ثم همست :"لكننى لا أفهم"
شعرت بؤخز مؤلم فى راحتى يديها . لقد مرت عائلتها ببعض المواجهات و الصراعات فى بعض الأحيان لكن أياً منها لم يكن بهذا الشكل.
منتديات ليلاس
ــ لاأظنك سترغبين بمعرفة ما حصل.
ــ لكن ماذا لو أردت ذلك؟
أرتخى فك ليو و قال :"لن أخبرك"
سمعها ليو وهى تتنفس بصعوبة و أدرك أنه سبب لها الأذى . لكنه كان عاجز تماماً عن إيجاد الكلمات المناسبة التى تصلح الضرر الذى أحدثه لتو.
فوالدته هنا , والدته الأميرة مارينا و هى أكثر الأميرات جمالاً و حيوية و غموضاً فى زمنها بحسب ما وصفتها إحدى المجلات يوماً. إنها ليست هنا بالصدفة بل لأنها عرفت بأن ليو سيأتى إلى هذا المطعم.
فكر وهو يعض شفته فى محاولة لضبط غضبه أن المجلة نسيت بعض الأوصاف فى مقالتها تلك.إذ كان يجدر بها أن تضيف أوصافاً مثل الشراهة , الأنانية و عدم الاستقرار.....
رفع ليو رأسه فرأى أن جويل تراقبه و قد انعكست أنوار الشموع على وجهها فيما أنعكست صورتها على زجاج النافذة خلفها . بدا واضحاً أنها قلقة من أجله و شعر ليو بالذهول من واقع أنها تقلق بشأنه بطريقة أو بأخرى.
راح يتفحص وجهها فجالت نظراته على عينيها و فمها ورأى أشياء لم يرغب برؤيتها ,شبابها ,جمالها , وعدم خبرتها فقال:"إنك جميلة"
تصلبت ملامحها و رأى ليو التماع الدموع فى عينيها.
ماذا يفعلان بحق السماء ,ماذا يفعل هو؟فمسؤوليته هى أن يتزوج أما هى فمن واجبها أن تنجب الأطفال , لكن هل هذه هى الطريقة المناسبة للقيام بهذه الأمور ؟ وكيف يمكن أن يكون ذلك طريقاً للسعادة؟
لاحظ ليو دموعاً صامتة ترتعش من خلال رموشها و آلمه ذلك . إنه لا يرغب بإيذائها و لا بإيذاء أى شخص آخر . لكن ما من شئ سهل فى هذه الحياة. و هما ليسا شخصين عاديين يفاضلان ما بين خيارات عادية. لم يكن أياً منهما شخصاً عادياً و لا يستطيع أى منهما أن يتجاهل مسؤوليته الملكية .فهما مميزان و ملعونان أيضاً.
و الفرق الوحيد بينهما هو أنه تقبل تلك اللعنة . أما هى فما تزال تحاربها.
كانت واثقة من أنها تستطيع الحصول على ئ مختلف.....شئ مميز . لكن ذلك الشئ ليس موجوداً و هو من بين كل الناس يعرف ذلك.
لكنها منازالت صغيرة فى السن, صغيرة جداً . بدت مثل لوحة زيتية عظيمة رسمها رامبرانت بشعرها المنفلت و عينيها الخضراوين الواسعتين و رموشها المبللة بالدموع.
انحنى بصورة غريزية فوضع يده على رأسها و قربها منه و عانقها.
شعر بتسارع أنفاسها ما جعل جسده يستجيب لجاذبيتها على الفور .
تمنى ليو لو أنهما يستطيعان إلغاء العشاء و الذهاب إلى البيت إلى الفيلا . فهو لم يعد يرغب بأن يجلس و يتحدث و لم يعد يرغب فى البقاء فى مكان عام.
قال بخشونة:"دعينا نذهب"
جلس ليو بقرب جويل أثناء رحلة عودتها إلى المنزل , كان قريباً منها إلى حد انها شعرت بدفء جسده بالطاقة التى تنضح منه.
تذكرت جويل نظراته إليها فى مطعم هنرى . كانت نظراته حميمية و مباشرة إلى درجة جعلتها تشعر بالألم فى داخلها . لقد اعتادت أن يأخذ الناس صوراً لها كما اعتادت انتظارها خارج المطاعم و الأبنية العامة من أجل اختلاس نظرة إليها . لكن لم يسبق لأحد فى الواقع أن نظر إليها بمثل هذا العمق و على الأقل ليس كما فعل ليو عندما ركز نظراته عليها.
سارت السيارة ببطء عبر أبواب الفيلا . وأخيراً أوقفها السائق أمام المنزل. كان المكان مظلماً ما عدا المساحة التى تحيط بالباب , بالإضافة إلى ضوء آخر فى القاعة . بدا من الواضح بأن الموظفين قد أوووا إلى النوم.
ألقت جويل نظرة متلهفة على المدخل الخارجى بينما تحرك ليو ليقفل الباب . إنها تتوق إلى الحرية و هى ترغب بالخروج و الهرب . أشتاقت إلى الحرية التى حصلت عليها فى نيو أورلينز . وأشتاقت لأن تكون مستقلة مجهولة الهوية .
لكن ليو لم يلق بالاً لتوترها . أو أنه فعل ذلك لكنه أختار تجاهله بالكامل .
أغلق الباب الخارجى بحرص شديد و أطفأ أنوار المدخل ثم أنار مصباحاً جدارياً بمحاذة الدرج.
ــ إلى السرير
قال ليو ذلك بنبرة فجة وهو يمسك بيدها.
|