كاتب الموضوع :
زهرة منسية
المنتدى :
سلاسل روايات احلام المكتوبة
رد: 383 - همسات الندم - جين بورتر
بعد مضى ساعة من الزمن كانت أشعة الشمس تنعكس على صفحة الماء بينما كانت جويل تنتظر بفارغ صبر انتهاء عملية رسو السفينة . إنها تحب ميجيا و فى الواقع أحبت تلك الجزيرة الصغيرة منذ كانت فتاة صغيرة.
بدا لها قصر ميليو مملاً و رسمياً أما الحياة فى ميجيا فهى أكثر استقلالية و عفوية.
أمسك قبطان سفينة العبور بمرفق جويل و هى تقفز من السفينة المتراقصة بفعل الأمواج. كانت هذه الرحلى بطيئة استغرقت ثلاث ساعات إلا أنها لم تظن بأن أحداً ما عرف من تكون. و من أجل التأكد من ذلك وضعت قبعة قش بيضاء كبيرة على رأسها لتغطى شعرها غير المصفف ووضعت نظارة سوداء كبيرة لتخفى قسمات وجهها.
وضعت جويل حقيبتا الكبيرة المصنوعة يدوياً على كتفها و توجهت نحو صف صغير من سيارات الأجرة . لم تكن الفيلا بعيدة عن المرفأ و لا يستغرق الوصول إليها سوى عشر دقائق بالسيارة
ــ حلوتى.....يا حلوتى....
يا إلهى ! أيكون هو؟ لا, ليس فى هذا المكان!
أخفضت جويل رأسها و حدقت بأتجاه الأرض و كان قبعة القش قادرة على إخفاءها . ماذا يفعل هنا بحق السماء؟
شعرت بيد ترفع ذقنها مجبرة إياها على النظر إلى أعلى لكن ضوء الشمس بهرها . نظرت شزراً إليه لكنها لم تستطيع تميز شئ سوى خطوط شكله الخارجى بدون ان ترى وجهه قالت بصوت مختنق و هى تمسك بشدة بالمقابض الخشبية لحقيبتها :"أتركنى و شأنى"
ــ ماذا تريدين أن نفعل بك يا حلوتى الصغيرة؟
شعرت بتيار من الهواء البارد يتراقص فى خلاياها العصبية و قالت:"عليك أن تنسانى"
ــ ثم ماذا؟ أتتركين قلب جدك ينفطر؟
أطلق ليو صوتاً معترضاً بلسانه و أكمل:"لا أظنك ستفعلين ذلك"
كانا واقفين فوق رصيف المرفأ القديم و قد انتشرت حولهما اليخوت اللامعة و قوارب الصيد الصدئة و جموع الناس . بعضهم يحمل حقائب التسوق و ألعاب الشواطئ و عدة الصيد.
حاولت جويل تجنب نظرات الفضوليين ىالذين تحلقوا حولهما و أجبرت نفسها على الابتسام :"إنك لا تلتقط معنى الإشارات بسرعة , أليس كذلك؟"
ــ سرعان ما ستعرفيننى جيداً
أحاطها ليو بذراعه و قربها منه ثم جذبها برفق نحو سيارة منتظرة و هو يتابع قائلاً :"ومن حسن حظنا أننا نمتلك الكثير من الوقت لنتعرف على بعضنا البعض"
قاومته جويل دون ان تتحرك من مكانها قائلة :"لن أذهب إلى أى مكان برفقتك"
أمسك ليو كتفها برفق و قال:"لا تخافى يا جميلتى سأكون صبوراً جداً معك, و مازال أمامنا أسبوعان قبل أن يحين موعد الزفاف"
ــ لن يكون هناك أى زفاف!
ــ آه بالطبع سيكون هناك زفاف فصحة جدك لا تحتمل تعرضه إلى المهانة علناً.
عندما أقترب ليو و جويل من سيارة صالون فخمة فت السائق الباب الخلفى للسيارة ثبتت جويل قدميها فى الأرض رافضة التقدم و لو خطوة واحدة وقالت :"لن أذهب إلى أى مكان معك"
ــ بل ستذهبين
ــ لن أذهب.
أطلق ليو تنهيدة ثم جذبها إلى ذراعيه و دفعها إلى المقعد الخلفى للسيارة ليتبعها بعدئذٍ برشاقة.
أنطلق السائق بالسيارة كأن شيئاً لم يحدث خارجها . أحست جويل بالغليان فى داخلها و وضعت يديها بقوة على جانبيها بينما أنتهت قبعة القش البيضاء الكبيرة فى حضنها.
ــ لا تملك الحق بذلك , لا يحق لك على الإطلاق!
ــ لعلنى لا أمتلك الحق الآن لكن بعد أسبوعين من الآن....
ـ إطلاقًاً ! لن تمتلك ذلك الحق أبداً
تأوه ليو بلطف و قال :"سيكونان أسبوعان طويلان"
ـ إنك مجنون
ابتعدت بهما السيارة عن المنحدرات الصخرية لتسير صعوداً إلى التلال الخضراء . كانت جويل و اخواتها يمتلكن فيلا جميلة قرب البحر , مع شاطئ خاص بها إلا أنهما لم يسلكا طريق الفيلا فسألته:"إلى أين نتجه؟"
ــ إلى المنزل
أغمضت جويل عينيها وراحت تضغط بإبهامها على حاجبها الأيسر فى محاولة منها لتخفيف الألم الذى كان يتزايد هناك ثم قالت :"إنه ليس بيتى"
لم يجيبها ليو بل أكتفى بمد ساقيه و وضع ذراعه خلف المقعد الجلدى . شعرت بالغليان بداخلها و بدأ جسمها يرتعش من الملامسة الحميمية ليده و جسده فقالت :"اتسمح بإبعاد يديك عنى؟"
ــ جوسيه....
ــ لا تنادينى بهذا الأسم !
و سرعان ما أبتعدت عنه واضعة أكبر مسافة ممكنة بينهما .
أما بقية الرحلة فى السيارة فلم تكن بأحسن حالاً من ذلك . حشرت جويل نفسها فى زاوية المقعد و عيناها مليئتين بالدموع و هى تلعن حظها بصمت . لعنت ليو كما لعنت جدها الذى أحب هذا الإيطالى المتغطرس كثيراً . لم يسبق لأى شخص أن أقترب منها لهذه الدرجة . ولم يستطيع أحد قبله أن يجعلها يائسة بهذا القدر و أن يجعلها مشوشة و فاقدة توازنها بهذا القدر.
شعرت بالرعب لأنه يملك مثل هذه السلطة عليها . جعلها ذلك تشعر بأنها ضعيفة و مهانة و هى تسترخى فى مقعدها , كما أحست بالحرارة تجتاحها مرة أخرى . كيف يمكن لرجل غريب أن يقلب حياتها رأساً على عقب و يتحكم بها؟ و قالت له :"لن أنسى ذلك ما حييت "
ــ إنه أمر جيد.
تمهل السائق عندما وصل إلى فيلا فخمة من الجص الأصفر اللون يعلو سطحها قرميد ذو لون مرجانى و هى تطل على مياه البحر الفيروزية اللون التى تمتد على الجهة الأخرى منها
إذن فهما لا يزالان قرب البحر لكن على الجهة الأخرى من الجزيرة وفى تلك المدينة الساحلية الرائعة التى تدعى ميجيا . أدركت جويل أنهما على الجهة المقابلة للفيلا الجميلة التى تمتلكها أسرتها
خرج ليو اولاً من السيارة و أرسل ابتسامة تسبب الرعب باتجاه جويل قبل أن يقول :"تعالى يا عزيزتى لنستكشف الفيلا"
بادلته نظرته و راودتها نفسها بأن تخلع حذائها و ترميه باتجاه رأسه .
لكنها بدلاً من ذلك أنزلقت بنعومة من مقعدها و وقفت بنعومة اكبر وهى تقول :"آهـ بالطبع فليس من شئ أحب علىّ من القيام بهذا"
و مع ذلك عندما وقفت وتحركت يده لإرشادها أرسلت باتجاهه نظرة خطيرة و كأنها تقول لا تلمسنى و إلا فأنك تواجه خطر الموت.
كانت النزهة فى ذلك المنزل قصيرة و ذات مغزى راح ليو أثناءها يفتح الأبواب و يريها الغرف , الصالون , غرفة الطعام , الغرفة المخصصة لتناول الفطور , المطبخ....ثم صعدا إلى الطابق العلوى ليشاهدا غرف النوم و الحمامات و أخيراً صعدا عدة درجات تقود إلى جناح واسع فى البرج قائلاً لها :"هذه غرفتنا"
شعرت جويل بالبرودة تخترق جسدها و سألته :"غرفة من ؟"
ــ غرفتنا نحن
منتديات ليلاس
شعرت بالقشعريرة مرة أخرى. تلتها موجة من الحرارة و شعرت فجأة أنها بحاجة لبعض الهواء الطلق فتقدمت نحو النافذة و جهدت كى تفتحها لكن الهواء فى الخارج لم يكن أكثر برودة . اتكأت جويل على عتبة النافذة ونظرت إلى الخارج . تقع تلك الغرفة على أرتفاع ثلاثة طوابق عن الأرض أما جدران البرج الخارجية فهى دائرية و ملساء يكسوها الحص السميك دو اللون الأصفر الفاتح فقالت:"أفضل غرفة تقع على مستوى الأرض"
أرخى ليو جسده على إحدى الأرائك فى الجهة المخصصة للجلوس و تمدد على تلك الأريكة و شبك ذراعيه خلف رأسه . كان يرتدى قميصاً حريراً أبيض و قد رفع أكمامه الواسعة إلى ما فوق مرفقيه كاشفاً بذلك عن ساعديه القويين اللذين لوحتهما الشمس فقال :"أعلم بأنك تفضلين غرفة على مستوى الأرض لكنى أشعر بطريقة أفضل إذا ما كنت معى فى أمان و سلامة هنا فى هذا المكان"
استدارت جويل و جلست على عتبة النافذة محاولة إخفاء استغرابها . فـ ليو بدا بقميصه الأبيض و بنطلونه الكاكى و صنداله الجلدى الإيطالى كرجل يستمتع بعطلته . اى كرجل ليس له أى اهتمامات بهذا العالم و سألته:"ألا يتعين عليك أن تكون فى مكان ما ؟ أليس لديك وظيفة أو مهمة أميرية , ربما؟"
ــ لا
ــ من المؤكد بأنك تعمل.
تأوه ليو و هو يرفع ساقيه و يضعهما على مسند الأقدام المقابل له :"نعم . يا للشعور الرائع! عليكِ أن تجربى الجلوس هنا"
ضاقت عينا جويل حتى أصبحت نظراتها مثل طعن الخناجر و قالت :"لست متأكدة مما تحاول فعله و لكن مهما كان ذلك فلن يعجبنى و أعرف بأن جدى لن يوافق عليه أيضاً"
ـت كنت أنوى أن أتحدث إليك عن جدك لكن بإمكاننا تأجيل الموضوع حتى وقت آخر . أما الآن فسنستمتع قليلاً"
نستمتع قليلاً ! رنت هذه الكلمات كجرس إنذار فى أذنيها , أبتلعت جويل ريقها و وضعت يدها على حنجرتها
أضاف ليو بلهجة بريئة :"لقد ارتكبت غلطة فى نيو أورلينز يا جميلتى بالطبع هناك كثير من الرجال الذين بإمكانهم تقديم التسلية إلبيك لكننى ليست واحداً منهم"
ــ من الواضح بأننى أرتكبت غلطة.
ــ أهى غلطة واحدة؟ لقد ارتكبت العديد من الأخطاء . تصرفت بعبث و استهتار و لم تفكرى إلا بنفسك. ومازالت تجهلين مدى المعاناة التى تسببت بها لعائلتك , أو لموظفى القصر عندما هربت إلى أمريكا السنة الفائتة
ــ سمعت شيئاً من هذا القبيل
ــ لا أظن ذلك فجدك قد دعا إلى أجتماع طارئ و طلب من أختيك العودة إلى ميليو . كان ذلك آخر شئ يحتاج إلى القيام به بعد موت أستريد.
توهج خدا جويل إذ لم يسبق لأى رجل أن عاملها هكذا و لم يسبق لأى رجل و لا حتى جدها أن جعلها تشعر بالخجل أو حاول السيطرة عليها, و قالت:"إن كنت تظن بأنك تحبب نفسك بهذه الطريقة فأنت مخطئ"
مع انه بدا هادئاً جداً فى هذه اللحظة لكن جويل أدركت أن خلف تلك النظرة الدافئة ذات اللون الذهبى المائل للخضرة لا اثر للهدوء على الإطلاق . خصوصاً إذا ما أخذنا بالحسبان بأنه قد تعقبها مرتين و جاء باحثاً عنها مرتين.
ــ لن يوصلنا هذا النقاش إلى أى نتيجة
قال ذلك ثم وقف . استطاعت جويل رؤية عضلة تتحرك فى فكه و أدركت أن شيئاً ما لم يكن على ما يرام . ظنت للحظة بأنه على وشك بأنه على وشك التقدم نحوها إلا أنه ابتسم ابتسامة باردة لاذعة تنضح بالقسوة جعلتها ترغب بالصراخ ثم تابع :"سيقدم إليك غداؤك فى الغرفة . أما أنا فسوف أراك لاحقاً هذا المساء"
ــ أنا....
و قبل أن تكمل جملتها غادر ليو الغرفة و أغلق الباب وراءه.
منتديات ليلاس
|