كاتب الموضوع :
زهرة منسية
المنتدى :
سلاسل روايات احلام المكتوبة
رد: 383 - همسات الندم - جين بورتر
راقبته وهو يتفحص أثاث الغرفة بداءاً من السرير الأثرى الذى تعلوه ستائر مخملية خضراء بلون العشب الطرى وصولاً إلى الصور المعلقة على جدارين من جدران غرفتها الأربعة التى هى بمعظمها لأمها .
تناول ليو إحدى الصور الموضوعة فى إطار عن طاولة التبرج الموجودة قرب السري. و هى صورة صغيرة التقطتها آلة تصوير عادية بالأبيض و الأسود . تفحص الصورة ملياً و قال :"أنها تبدو جميلة فى هذه الصورة"
أومأت جويل موافقة من دون أن تجرؤ على النظر باتجاهه فأمها كانت جميلة على الدوام لكنها أدركت ما يعنيه . إنه يعنى أن أمها قد تخلت عن صورة الفتاة الريفية الصغيرة التى لم تعرف سوى الأوقات الصعبة و الجوع كى تصبح نجمة متميزة بل أسطورية . لكن فى تلك الصورة بالذات و التى أُخذت لها فى أوج شهرتها , كان من السهل ملاحظة صورة الفتاة الريفية البريئة فى المرآة . وكأن آثار الفقر مازالت بادية فى عينيها و ذكرياتها بجناب النهر مرتسمة فوق شفتيها.
أحاطت جويل ركبتيها بيديها بشدة أكثر و قالت :"إنها الصورة المفضلة لدى"
جاء صوتها متهدجاً و تابعت :"عندما أنظر إلى تلك الصورة ينتابنى شعور بأننى عرفتها"
نظر ليو إليها نظرة متأملة و قال:"قالت شانتال بأنها غدت هاجسك الأكب منذ دخولك سن المراهقة"
شعرت جويل بغصة فى حلقها . ظلت للحظات حائرة لا تعلم ما الذى يجدر بها قوله . فما كان ينبغى لـ شانتال أن تفعل ذلك هذا إن كانت فعلاً قد أخبرته . أمسكت بوسادة كانت موضوعة على الأريكة و سألته :"متى أخبرتك بذلك؟"
ــ فى تلك الليلة التى سهرت بها قرب جدك فى المستشفى.
فكرت جويل بأنه أحسن أستغلا تلك الليلة كى يصبح جزءاً من العائلة و قالت بمرارة :"وهكذا باحت لك ببعض الأسرار"
ــ وهل يزعجك ذلك؟
ــ ألن تشعر بالغضب إذا لم يستشرك أحد فى أمورك الخاصة و إذا ما أعتقد الناس بأنهم يعرفون الأمور التى تناسبك أكثر منك؟
سددت جويل نحوه نظرة قاسية وتابعت :"لكن ربما لم يؤذيك أحد ما , وأنت تحجصل على كل شئ بسهولة"
توتر فكه و انسدلت رموشه السوداء الكثيفة لتخفى تعابير عينيه و قال:"لقد تعرضت للأذية لكنى لا أعيش فى الماضى , ولا أسمح له بالسيطرة علىّ"
أشاحت ببصرها عنه وابتلعت ريقها بصعوبة و قد شعرت بأنها وقعت فى الفخ. علقت قائلة:"يا لك من رجل محظوظ !أتعرف بأن شانتال كانت فى الثانية عشر عندما توفى والداى أما نيكول فكانت فى التاسعة من عمرها و أنا كنت فى الخامسة"
ثم أخذت نفساً عميقاً و أكملت كلامها :"نيكول و شانتال تتذكران والدتى أما أنا فلا أتذكر أى شئ"
أرجع ليو الصورة إلى طاولة التبرج و سألها :"هل كلن ذلك سبب رجوعك إلى لويزيانا ؟"
تقدم بأتجاهها و هو يضع يديه فى جيبيى بنطلونه فيما كان معطفه الأنيق مفتوحاً و تابع :"لتدى أمك؟"
احتاجته موجة من العاطفة و أجابت :"ربما"
فى الواقع و فى خضم حزنها لخسارة جدتها لم تعد تعرف ماذا تريد . إلا أنها كانت واثقة من رغبتها فى الذهاب إلى أميركا و من ضرورة توجهها إلى لويزيانا . لم يكن ذلك خيارها هى بل كان حاجة و ضرورة كما لو أن لويزيانا كانت الشمس أو الطعام او الأوكسجين بالنسبة إليها .
بالطبع, إنها تعرف تاريخ أسرة والدها فهى قد كبرت مع اختيها فى ميليو و بعد وفاة والديها سهر الملك ريمى و الملكة أستريد على تنشئتهن فى القصر. لمنها لم تعرف أسرة والدتها, أسرة دوفيل الغامضة . شعرت أنها تحتاج بشدة إلى أسرة دوفيل من باتون روج.
لكن ما أن حطت رحالها فى لويزيانا حتى أكتشفت بأن أقرباءها الأمريكيين لم يفتحوا أذرعتهم لها كما توقعت, فكيف تتوقع أن يفتحوا لها قلوبهم؟ بالطبع هم لم يطلقوا النار عليها , لكنهم أقتربوا من ذلك. و عندما زارت منزلهم المتداعى , نظر أخوالها و أبناء أخوالها بعين الشك إليها , غي واثقين مما أدعته عن قرابتها لهم . ثم بدأوا بالتساؤل عما تريده منهم فى الحقيقة.
ــ يمكنك أن تسخر منى, لكنى أعتقد بأننى إذا أستطعت اكتشاف جذور أمى فقد أكتشف نفسى"
لم يضحك ليو او يسخر منها بل سألها :"وهل نجحت فى ذلك؟"
لم تستطيع أن تنظر فى عينيه و هى تقول :"لا أعتقد ذلك"
تقدم منها و لمس بأصبعه أعلى رأسها قائلاً :"هل نستطيع أن نبدأ من جديد ؟ هل نستطيع ان نمضى قدما على أسس سليمة و متساوية؟"
لم تُجبه عن سؤاله لأنها لم تستطيع . فقد كان يقف قريباً جداً و هو ينضح بالقوة و السلطة و الشخصية القوية وهو ما حير عقلها لهذه الدرجة. لم يكن ليو وسيماً فقط بل كان ثرياً و من أسرة مالكة و كان قوياً أيضاً, من الناحية الجسدية و الناحية الذهنية.
تمنت جويل لو أنه يقول شيئاً أرادته أن يكسر حاجز الصمت لكنه لم يكن ليتكلم حتى يسمع ما عندها . وهكذا فقد وقف بجانبها مكتفياً بالانتظار تماماً ككما فعل فى نيو أولينز و أخيراً قالت :"لا أعرف كيف أبدا من جديد"
وقفت جويل وهى تأمل بالهروب من هذا الموقف لكن جسده قطع عليها الطريق . لم يتحرك ليو من مكانه لأنه كان عازماً على منعها من الابتعاد عنه ثانية.
ــ لِمَ لا؟
ملأت الدموع عينيها و فكرت : لأننى ظننتك الشخص الذى لم تكنه أبداً. ولننى اعتقدت بأنك أردتنى لما أنا عليه ,لنفسى فقط . لكن جويل لم تستطيع أن تقول هذا أبداً , فهى لن تعترف بمدى ضعفها , وكم احتاجت لشخص يحبها لبذاتها . أخيراً قالت بتأن متجنبة النظر فى عينيه:" إن معرفتى بما أعرفه يغير كل شئ , وأنا أتفهم دوافعك"
ــ دوافعى؟
ــ كنت تتحرى عنى و تتفحص كل ما يتعلق بى, ألم كنت تفعل هذا؟
لم يقل ليو شيئاً , ما جعل ألمها يزداد فى داخلها مالئاً كيانها بيأس غامر.
فالأذى الذى تشعر به راح ينتشر كغيمة سوداء داكنة فى داخلها . تابعت تقول :"لم تثق بى وقتها لذا لم تكتشف لى عن شخصيتك . أردت ان تثبت لنفسك أو لجدى او لأى كان بأننى سيئة و ليست بتلك الفتاة الفاضلة التى يرونها أو تلك الأميرة البريئة التى وعدوك بها"
ــ أنا لم أشأ أن أوذيك . ألا أنك على حق فأنا لم أرغب بالوثاق بك, وكان علىّ أن أعرف من تكونين قبل أن نتزوج"
ــ كان فى إمكانك أن تزورنى فى ميليو . كان بإمكانك أن تعطينى فرصة...
ــ لقد فعلت ذلك , فأنا....
اندفعت قائلة و الغضب يتزايد فى داخلها مضاعفاً الألم الذى تشعر به :"متى؟ أفى نيو أورلينز أم الآن؟"
ــ ذلك لا يهم
منتديات ليلاس
ــ بل يهم
شعرت جويل بالهستيريا تتصاعد داخلها. لعل لقاء النار بالجليد أمر عظيم بالنسبة إلى موعد غرامى لكنه لا ينفع فى الحياة الحقيقية . خصوصاً إذا لم يكن فيه أى شئ واقعى ذى معنى . عادة ما تنجح العلاقة إذا ما كانت مرتكزة على اللطف....على الثقة....لكن لا وجود للثقة بينها و بين ليو ولا وجود للأمل أو للحظ بالنجاح.
تقدم ليو نحوها و أنتزع احد المشابك من شعرها . أخذت جويل نفساً عميقاً أثر لمسة يده الحميمة إلا أنها لم تستطيع التحرك فقد أحست بالعجز و الذهول.
انتزع ليو مشبكاً آخر من شعرها ثم مشبكاً ثالثاً و أخيراً أنفلتت خصلات شعرها و أستعاد شعرها حريته.
أمسك ليو بخصلة شعر طويلة , مرر أصابعه من خلالها و هو يقول :"ستصبح الأمور أسهل. ما عليك إلا أن تعطينا فرصة أخرى "
ــ ليو....
ــ سينجح الأمر, ثقى بى.
تثق به! هذه الكلمات بدت بمثابة السم بالنسبة إليها .
و مع ذلك فبينما كانت أصابعه تتلاعب بشعرها جاذبة إياها نحوه أغمضت جويل عينيها و قد شعرت بأنفاسه الدافئة تدغدغ بشرتها.
رفع وجهها بتأن نحوه ثم عانقها عناقاً بطيئاً جعلها ترتعش من قمة رأسها حتى أخمص قدميها . جعلها ليو تشعر كأن جمالها لم يكن نابعاً من الخارج فقط, بل هو جمال داخلى نابع من أعماقها جزء مخبأ فى داخلها.
ليته لم يخف حقيقته عنها! ليته أخبرها من هو و لماذا كان هناك!
قائلاً :"لا تنسى موعد ألتقاط الصور لنا غداً عند العاشرة تماماً"
شعرت بدوار فى رأسها و لم تستطيع جويل أن تتذكر أى شئ يتعلق بالتقاط الصور و سألته :"عن أى صور تتكلم ؟ وأين؟"
ــ صور خطبتنا الرسمية . قال جدك بأن هذه هى العادة المتبعة لدى عائلة دوكاس.
ــ ليو....
ــ تذكرى , عند العاشرة , فى الطابق السفلى.
استمر بتمسيد خدها مرة بعد مرة قبل أن يتوجه نحو الباب قائلاً :"لا تتأخرى"
|