المنتدى :
روايات أونلاين و مقالات الكتاب
ذهبت لطلب يدها فعدت أجر أذيال الخيبة - مقال للدكتور نبيل فاروق
السلام عليكم و رحمة الله وبركاته
مقال لــ د . نبيل فاروق بعنوان ( ذهبت لطلب يدها فعدت أجرّ أذيال الخيبة ):
حاول أن تتخيّل أنك أب لابنة وحيدة، أنجبتها بعد عدة أعوام من الزواج، ويأتيك شخص تخرّج منذ أيام قليلة، ولم يتسلّم عمله بعد، ولا يملك حتى ثمن دبلتين، ليطلب يد ابنتك الوحيدة..
هذا كان موقفي بالضبط، عندما تقدّمت لخطبة من صارت زوجتي فيما بعد..
أضف إلى هذا رفض والدي الفكرة كلها، وإصراره على أن أتحمّل وحدي تبعات هذا الموقف..
ولست أدري ما إذا كانت هذه شجاعة أم حماقة، عندما ذهبت أطلب يد "ميرفت"..
كان والدها ينتظرني، في عدم اقتناع واضح، ولقد استقبلني بأسلوب محترم، وجلس يستمع إليّ في صبر، ثم سألني في النهاية، هل أدرك ما يعنيه الزواج؟!
أجبته بأنني على دراية تامة بالأمر، وأدرك كم من العسير عليه تقبّل شخص في مثل موقفي، ولكنني أعده بأمر واحد فقط.. أن أبذل قصارى جهدي لرعايتها، وتوفير أفضل حياة لها، حتى لو عملت ليل نهار من أجل هذا..
ولكن والدها لم يقنع بقولي..
كل ما فعله هو أن نصحني بالعدول عن فكرة الزواج، حتى يصبح موقفي أفضل، وعندما أصبح مستعدا، يمكنني التقدّم لخطبتها مرة أخرى، لو لم تكن قد تزوجّت بالفعل..
غادرت منزلهم، وعدت إلى منزلي أجر أذيال الخيبة، وأدركت يومها فقط، كم هي ثقيلة أذيال الخيبة هذه، فقد كنت أجرّها في صعوبة بالغة، وذهني منشغل بلقاء والدي، الذي أثبتت التجربة العملية صحة وجهة نظره، وخطأ وجهة نظري..
ولكنه -رحمه الله- علّمني منذ حداثتي ألا أفر من مواجهة أبدا..
وهذا ما فعلته..
عدت إلى منزلي خاسرا، وتحمّلت كل ما قيل، ولجأت إلى أقرب مهرب معروف..
النوم..
لم أكن أيامها أقيم في منزل والدي، وإنما في منزل جدي؛ لرعايته هو وجدتي، في تلك المرحلة المتقدّمة من عمريهما..
وهناك، رقدت في فراشي، محاولا إقناع نفسي بالنوم، ولكن هيهات..
كان الجرح عميقا..
للغاية..
شعور قاسٍ بأنني لا أساوي شيئا، وليست لي قيمة، إلا إذا امتلكت ما يكفي للزواج..
الحماس، والطموح، والإرادة، والعزيمة، كلها لم تكن أمور تساوي شيئا..
أي شيء..
المهم ما يمكنني أن أمتلكه..
أو أن أدفعه..
شعور مؤلم، قضّ مضجعي، وسلب جفنيّ النوم، وأرهق عقلي حتى أشرقت الشمس، دون أن يغمض لي جفن..
ولقد نصحني صديقاي المقربان -حينذاك- الدكتور محمد حجازي، والدكتور أحمد شعراوي، بنسيان الأمر؛ حفاظا على كرامتي، ومنعا للمرور بذلك الموقف المؤلم مرة ثانية..
ولكن هذا يخالف طبيعتي تماما..
فالاستسلام، في أية معركة، أمر يصعب على عقلي ومشاعري قبوله..
لقد اعتدت أن أقاتل..
وأقاتل..
وأقاتل..
حتى آخر نفس..
على الرغم من نصائح الجميع، تدبّرت لقاء مع ميرفت، وتحدثنا، واتخذت معها قرارا بإعادة المحاولة..
وانضمّت هي إلى جانبي في المعركة..
أخفيت أمر الجولة الثانية عن الجميع؛ تحسّبا لفشلها، حتى لا أضطرّ إلى خوض تجربة المواجهة مرة ثانية..
وكما فعلت في المرة الأولى، ذهبت إلى منزلها وحدي..
وكان الموقف، كما أذكره الآن، أشبه بمسرحية كوميدية، أو بملهاة يونانية قديمة..
والدها استقبلني في المرة الثانية بالبيجاما، وكأنه لم يكن يتوّقع حضوري، وبدا من الواضح أن إصرار ابنته على الارتباط بي يزعجه، وحبه لها يضطرّه للقبول، على الرغم منه، وكان من الواضح للغاية أن حضوري لم يكن مفاجئا له..
يومها، وكمحاولة أخيرة منه، فرض مجموعة من الشروط، تكاد تبدو لي الآن مستحيلة، بمقاييس تلك الفترة..
لقد شددّ على عدم الزواج قبل تخرّجها، وكان هذا يعني أربع سنوات من الانتظار والخطبة..
ووافقت..
ثم طلب مهرا مقداره خمسة آلاف جنيه، وبمقاييس عام 1981 كان هذا أشبه بنصف مليون جنيه بمقاييس عام 2010.
لم أكن أمتلك ثمن دبلتي الخطوبة، ولكن حياتي كلها كانت قائمة على المغامرة، منذ وعت عيناي الدنيا..
ولم أكن مستعدا لفقدها..
لذا، فقد وافقت..
وافقت تقريبا على كل ما طلبه بلا استثناء، في محاولة لدحض كل الحجج والمبررات لرفض الارتباط..
ولم يكن أمامه، والحال هكذا، سوى الموافقة على مضض..
وبقدر ما أسعدني هذا أيامها، كنت أدرك أنها مجرّد بداية..
فالخطوة التالية -بالنسبة لي- كانت أشقّ وأصعب خطوة..
أن أخبر والدي بما تمّ، وأطلب منه مصاحبتي لقراءة الفاتحة، في منزل العروس، وهو الذي يرفض كل شيء منذ البداية..
ويا له من موقف!!
وبدون الدخول في تفاصيل أضيق باستعادتها، فقد كانت موقعة شديدة العنف، انتهت برفض والدي التام لفكرة قراءة فاتحة ابنه الذي تخرّج للتوّ..
كنت أيامها طبيب امتياز بمستشفى المنشاوي بطنطا، أتقاضى مع البدلات ثمانية وأربعين جنيها شهريا، والمفترض أن أدّخر منها، خلال أربع سنوات، مبلغ خمسة آلاف جنيه، إلى جوار الفكة، من مستلزمات، ومطلوبات، وهدايا وخلافه..
وبحسبة بسيطة، تجد راتبي في العام الواحد يتجاوز بالكاد خمسمائة جنيه، مما يعني أنني أحتاج إلى عشرة أعوام، بدون أن أنفق قرشا واحدا؛ لأجمع فقط مبلغ المهر..
ولقد حسب كل أصدقائي هذه الحسبة البسيطة، وأضافوا إليها موقف والدي المتشدّد، وارتفاع الأسعار الجنوني المتوالي في تلك الفترة، وقدرّوا أن نجاحي في هذا الزواج أمر مستحيل، بكل المقاييس..
واقتنعت بحسبتهم..
وواصلت السعي لإتمام الخطبة..
في تلك المرحلة، لم يكن هناك من معاون سوى خالي فاروق..
كان أيامها في منصب وكيل وزارة، في وزارة الصحة، ولكنه لم يكن طبيبا، وكان يمتلك في الوقت ذاته دار نشر محدودة، لم أحاول اللجوء إليها أبدا، وأنا أبحث عن ناشر لأعمالي..
ولقد حاول خالي هذا إقناع والدي..
حاول..
وحاول..
وحاول..
ووسط تلك المحاولات، كانت في انتظاري مفاجأة..
جديدة.
|