المنتدى :
القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
الرحله الجزء الثالث ( ذكريات رهيبه)
يتزاحم الاطفال حوله .. انهم في ملعب المدرسه في وقت الفسحه .. يعلبون لعبتهم الاثيره .. وهي ان يضربوا بعضهم بعضا بلا رحمه وكأنهم في حرب للعصابات .. الرؤيا ضبابيه بفعل كل هذا الغبار التي تثيره اقدامهم وكانه قطيع من حيوان (النو) في صحاري افريقيا .. كان يرى نفسه كيف تزاحموا حوله يريدون ان يكيلوا له اللكمات.. كان طفل خجول لذا كانوا يكرهونه .. كان يقودهم (عصام) اكثر الفتيان شرا في المدرسه .. كان اضخم واسمج طفل عرفه العالم يوما ما .. ولاأجل حظه السيء كان يكرهه جدا لانه متفوق ولانه حساس ولانه خجول .. وكان هذا كفيلا لتحويل حياته الى جحيم .. لذا كانت الفسحه هي ميعاد معركته اليوميه .. وغالبا ما كان يومه ينتهي بمريوله ممزقه .. وأنف دامي .. والكدمات تملا وجهه.. فقط طفلا واحد هو من كان يدافع عنه انه زياد رفيق عمره .. وكان غائبا هذا اليوم.. لكن احمد كان مستعدا جيدا للقتال.. فقط لتبدأ المعركه .. حين بدأت المعركه بينه وبين عصام لم يكن وحيدا كان معه عصابته المكونه من مجموعه من الاوغاد الذي يصادقونه لا لشيء الا لكونه مثلهم يحبون ايذاء الضعفاء.. وبالطبع كان باقي الاطفال يقفون في دائره منتظرين نتيجة المعركه والتي بدت محسومه من البدايه لصالح عصام .. لكنه خيب ظنهم تلك المره .. انطلق بأقصى سرعته ثم قفز ليوجه ركله قويه في صدر احدهم .. وبيده يدفع اخر بعيدا .. بينما طوح بيده الاخرى الممسكه بحقيبة المدرسه في رأس عصام ليطلق الاخير صرخه عاليه ويقع على الارض ..انتهت المعركه سريعا .. علم ذلك حين رأهم جميعا يتوقفون عن الشجاروفي عينهم نظرة ذهول .. بينما تعالت أصوت الضحكات من دائرة المشجعين ( هكذا كان يسميهم ).. وانطلق الهتاف الساخر يتردد (العجل وقع هاتوا السكينه.. العجل وقع هاتوا السكينه)..يعقبها الضحكات القاتمه الكئيبه وكأنهم قطيع من الضباع .
- ينظر أحمد بفخر..و يقف وقفه متحديه شامته واضع يده في وسطه .. بينما عصام ينهض في ذل .. ينفض عن الغبار عن ثيابه .. وينظر له نظرة كراهيه دون ان يبكي .. ينطلق في اتجاه الرفاق الهاتفون فيتوقفون عن الهتاف فورا وينطلقون هاربون في كل صوب .. يتذكر تلك النظره التي خدجه بها نظره كراهيه ورغبه في انتقام ولكنها تلاشت فورا وانطلق عصام ليلعب بقطعه من القرميد يشوطها بقدمه وكأن شيء لم يحدث .. يتذكر كيف ادار ظهره .. كيف نظر للحقيبه في سخط فقد انقطعت( السحاب) الذي تحكم رباطها بسبب الضربه .. يمد يده الصغيره يحاول اصلاحها يضم الطرفين باحدى يديه بينما يحاول ان يلقم السحاب في الطرف الاخربيده الاخرى .. ثم كان ذلك الالم الممض .. دارت به الدنيا.. لثواني شعر ان كل شيء كالحلم .. كان هناك شيء دافيء يسيل على رأسه وينزل على جبهته .. وحين وضع يده كان هناك سائل احمر قاني لوث راحته بالكامل .. نظر خلفه فوجد عصام واقفا هناك ممسكا بقطعة القرميد التي كان يلعب بها .. وفي عينه نظره جامده ..رأى الدم في يده ففر هاربا .. يتذكر كل شيء وكأنه حدث توا .. ذهب به احد اصدقائه الى صنبور المياه في حمام المدرسه ليغسل راسه من الدم .. لم يكن يشعر بألم.. فقط انه في حلم .. حتى بعد ان اخذه احد المدرسين الى تلك المستشفى القريبه من المدرسه شعر انه في حلم .. حتى بعد ان دارى المدرسه وجهه في حضنه لكي لايرى تلك الابره الغليظه المعكوفه وذلك الخيط ذا اللون الاسود شعرانه في حلم .. يتذكر كل شيء ملمس قميص استاذه الصوفي الخشن الذي اثر في وجهه .. رائحة العرق المنبعثه من تحت ابطه .. والمختلطه برائحة المطهر النفاذه .. ملمس مقص الممرضه البارد المنصب على رأسه يحلقه بلاهواده.. تاركا وراءه رقعه خاليه من الشعر يتوسطها الجرح .. ثم ذلك الالم الرهيب الذي شعر به والابره تنغرس في فروة رأسه باصقة الخيط .. الالم لايحتمل والطبيب الاحمق لم يستخدم مخدر .. هي خياطه على اللحم دون تخدير كما اخبره ابيه فيما بعد ... بكى في حضن مدرسه .. بكى الما وغيظا وقهرا .. بكى وتنشج وأقسم على الانتقام .
- بالطبع انتهى الموقف بهروب عصام وغيابه لمدة يومين ثم عاد بعدهما مع ولي امره .. كان احمد هناك في حصة العلوم يستمع في تعاسه الى مدرسه الذي يتكلم عن الفرق بين الفلزات واللافلزات .. بينما كان هناك ذلك الصبي المشاكس الذي يجلس خلفه ولايكف عن لمس ضمادة رأسه بيده فقط ليستدر اليه احمدغاضبا وتنطلق الضحكات المكتومه تدوي في صمت .. كان هناك شيء يضايقه اكثر من حصة العلوم الممله .. وهو ملمس رأسه كان هناك جزء دائري بارز مكان الجرح .. وذلك الشعور المعدني المصاحب لملمس الخيط الجراحي وكأنه سلك حديدي وليس مجرد خيط هكذا فكر .." الفلزات لها بريق ولمعانا" التمعت تلك الجمله في ذهنه هل قالها المدرسه؟ لايدري فقد كف عن متابعته منذ زمن .. وجاء معها الخاطر المجنون هل تحول بذلك الخيط المزروع في رأسه الى فلز ما .. بعقله الطفولي ظن ان هذا ممكنا ولكن هذا لم يمنعه من الشعور بغرابة الفكره .. توالت الافكار على ذهنه كلها غريبه شاذه تثير الذعر.. وذلك عندما استدعاه الناظر .. حين دخل الغرفه المتسعه التي تثير الرهبه في نفس كل التلاميذ رأى عصام هناك يقف وعلى وجهه ابتسامه ملائكيه رقيقه .. بينما ابيه الضخم الاصلع ذي الشارب الكث والكرش المتدلي يحلف للناظر ان ابنه لم يفعل شيء .. هاله ما سمع وانطلق يؤكد ان عصام من فعل به ذلك هو من اصابه .. وهو من اسال دمه .. ولكن جاء اصدقاء عصام الاوغاد ليؤكدوا ان احمد كان معطيا ظهره لعصام وان عصام لم يفعل شيء .. وان الحجر جاء من مكان اخر .. ومن اجل اكمال باقي المسلسل أزاح عصام خصلات من شعره كاشفا للناظر كدمه حمراء بارزه ويقول متصنعا البكاء "احمد ضربني بحقيبته على رأسه " .. واصدقائه الاوغاد يصادقون على كلامه " احمد سيء" .. "احمد شرير" .. حاول ان يدافع عن نفسه صارخا انه لم يفعل شيء وانه كان يدافع عن نفسه وانه الضحيه لا الجاني .. ولكن ضاع صراخه وسط اصواتهم الكاذبه الاثمة.. انه لايتحملها .. يتكلمون جميعهم في ذات الوقت..و الصوت المجنون لايتوقف لحظه يتردد دون انقطاع ..تخترق الكلمات أذنه وكأنها همس الف شيطان .. وكأنها فحيح الف افعى.. تتردد بأيقاع بطيء وتتضدخم في عقله وكأنه حجره فارغه فيصير لها الف صدى .. عصام لم يفعل شيء .. عصام لم يفعل شيء..عصام لم يفعل شيء.. احمد سيييييء.. احمد شررررررررير .. شعر بأن الحجره تدور به وان بطنه ليس على مايرام .. درات الدنيا به وكأنها ارجوحه مجنونه يديرها شخص مختل.. والاسوأ ان الصوت ما زال يتردد في اصرار عجيب .. وقع على الارض .. بينما معدته تكاد تقفز الى صدره .. انفجر حمام القيء ليغرق كل شيء ..ملابسه وذراعه والارض حوله .. والاهم من ذلك كرامته .. لم تحتمل معدته كل هذا الظلم كان يحتاج لان يطهر نفسه من الداخل .. ولكن في وقت غير مناسب على الاطلاق .. رفع وجهه الملوث بالعرق والقيء وقد التصقت خصلات شعره بجبهته.. رأى النظره المتقززه في عين الناظر .. رأى النظره المتهمكه في عين رفقائه .. واااه من النظره التي رمقها بها عصام ... لن ينساها ما حيى ... التقت عيناهما .. عين كسيره ذليله ذابله .. وعين متكبره يملؤها الاثم .. والادهى ان احدا لم يساعده حتى على الوقوف .
- يجب ان انتقم هكذا فكر .. وهكذا خطط .. وهكذا قرر .. الفسحه وقت مناسب كان عصام هناك يمارس هوايته في التحرش بالضعفاء وكأنه واجب مقدس .. لم يعد يتحرش به بعد ما حدث.. والسبب ليس اشفاقا لكن لان احمد لم يعد له وجود او كاريزما .. لم يعد له اي حضور وتخلف دراسيا .. لم يكن يعلم ان احمد لايشغله سوى امر واحدوهو الانتقام .. دار هذا بخلده وهو يرى عصام وقد سأم من التحرش ووقف فوق احد المقاعد لينظر من النافذه الى ملعب المدرسه والشارع الهاديء خارج المدرسه .. وقف بجواره واحد من اتباعه لكنه مل سريعا وتركه .. صاح احد التلاميذ :
لنلعب كره في ملعب المدرسه .. خلع حذائه .. ثم انتزع احد جوربيه ومن دفتره قطع عدة ورقات كورها ووضعها في الجورب ليصنع كره مرتجله كريهة الرائحه .. وضربها بقدمه .. تقاذفها الاطفال متحمسين نازلين نحو الملعب .. وخلى الفصل الا من اثنان .. احمد وعصام .. احمد كان يجلس واجما هناك يفكر .. وقد علت وجهه الحيره .. وعصام هناك على المقعد مشغول بالنظر من خلال النافذه .. لم يكن صغيرا قلب جميع الاحتمالات في ذهنه .. فقط جذبه واحده للمقعد وسيسقط عصام على ارض الفصل .. وسيكون اضحوكة الجميع حين ينادي عليهم احمد ليروه راقدا هناك يبكي من اثر السقطه .. هناك احتمال ان يسقط فتنكسر ذراعه او قدمه.. لكنه احتمال بعيد .. "حتى لو حدث فهو يستحق" قالها في سره وهو يتحسس الرأس المعدنيه التي هي رأسه في غل .. وتحولت حيرته الى نظره مصممه مفعمه بالكراهيه .. واقترب في هدء لم يكن له داعي فأحمد غارق حتى اذنيه في مراقبة رفقائه يلعبون الكره .. الصوت يتردد في ذهنه...لم يفعل .. احمد سيء .. احمد شرير .. زم على شفتيه .. وبكل الحقد الكامن في جوفه كثعبان اسود جذب المقعد بأقصى ما يسمح به جسده .. وكانت المفأجأه .. لم يسقط عصام على ارض الفصل كما كان يتوقع.. بل طار جسده في الهواء مال راسه ناحية النافذه لانها الاثقل .. وفي وجهه ظهرت نظرة رعب .. نظرة ذهول .. ثم انطلق جسده كالصاروخ خارج النافذه حاول ان يتشبث بشيء .. وحاول احمد انقاذه .. مد يده تجاهه فلم تمسك شيء الا الهواء.. اكمل الجسد اندفاعه خارج النافذه ونحو الارض وسط نظرات احمدالمذهوله .. لم يكن يصرخ فقط كان هناك نظره مترجيه اولى لاأحمد اذ وقف هناك في اعلى النافذه .. ونظره أخيره خائفه للارض اسفله ثم وقع التصادم من ارتفاع اربع طوابق .. كان الامر اشبه بانفجار قنبله سمع احمد صوت الاصطدام إذ وقف هناك في النافذه ينظر في ذهول .. شعر بطبلة اذنه تكاد تتفجروقلبه يقع ليسقط بين قدميه .. وفي الاسفل توقف الرفاق عن اللعب في فزع .. ورأوا الجسد المسجى على الارض .. وفي حركه بديهيه رفعوا عيونهم الى النافذه .. لكن احمد اخفض رأسه حتى لاتطوله سهام عيونهم .
-الشعور بالحلم يتكرر من جديد لكنه اشد وطئا تلك المره .. شعور بالانفصال عن الواقع .. وبتنميل شديد في يده.. لو غرس احدهم عشرات الدبابيس فيها في تلك اللحظه لما شعر بشيء .. القيء يعاوده من جديد لكنه يتماسك العصاره الحمضيه تنطلق كالصاروخ تحاول الخرج من فيهه ولكنه يكتمها واضعا يده على فمه .. يخرج من الفصل ينزل درجات السلم كالمسحور .. يمشي الى حيث الجثه تحيطها الجموع كنسورتقف منتظرة دورها على جيفة حيوان ..اول ما شاهد كان خيط من الدماء يتلوى على الارض باحثا الفرار .. بينما عصام ينام نومته الابديه على جنبه وقد انثنت يده تحته في وضع تشريحي عجيب .. اما وجهه فكان مغطى بدماء تسيل من محجر احد العينين التي انفجرت كفقاعه مائيه من شدة الارتطام .. كان هذا اخر ما رأه قبل ان تنزل تلك الستاره السوداء على عينه حاجبة الرؤيا .
------------------------
احمممممممممممممممممممد.. انطلق الهتاف ليفيقه من تلك الغيبوبه التي وجد نفسه فيها .. كان (عماد).. ينظرله متهكما ويقول :
- اين ذهبت انادي عليك منذ عشر دقائق .. لابد انك متخدر من اثر البحر.. منذ عدنا وانت جالس واجما هكذا .. هل هناك من اشتقت له لتلك الدرجه .. ثم عمز وقال بلهجه ماكره .. ايوه ياسيدي وحشتك (المزه ).
ابتسم احمد في فتور لم يكن يحب هذا النوع من المزاح .. وخصوصا انه لم يكن يستريح كثيرا (لعماد).. لذا اجاب بلهجه بارده :
- لم اشتق لها .. وللاسف لاأملك واحده .. خيرا ماذا تريد ؟
شعر (عماد) بالحرج مع تلك اللهجه البارده التي يكلمه بها فأجاب
- لاشيء فقط احضر زياد الطعام من السوق .
الطعام هو جائع بالفعل لابد ان يحصل على طعام الان فجو البحر بالفعل يساعد على الهضم كثيرا .. وهؤلاء الوحوش قادرون على نسف الطعام تماما .. لولم يسرع .
بعد ان انتهوا من الطعام كان الساعه قد تجاوزت التاسعه مساء واعلن اصدقائه انه سيتنزهون قليلا .. لكنه ابلغهم انه مجهد غير قادر على التنزه ودخل الى غرفته .. فتركوه غير مبالين .. فقط زياد لاحظ انه ليس على مايرام .. فطلبوا منهم النزول واخبرهم انهم سيلحق بهم .
لحق بأحمد الى غرفته .. وفي صوت مهتم قال له
- مابك اشعر ان هناك امر ما يشغلك
ابتسم احمد في اجهاد وقال :
- انا بخير ما يدفعك الى قول ذلك ؟
أجابه بلهجه خبيره :
- نحن اصدقاء منذ الصغر اشعر بك بسهوله .. وانت واجم متغير الوجه منذ رجعنا .. دعك من خروجك من الماء بتلك الطريقه الغريبه والفزع مرسوم على وجهك .
كان الصراع في داخله على اشده هل يخبره .. وشعر بزياد بما يعتمل في نفسه فوضع يده على كتفه مهدئا وقال:
- هل تذكر حين كنا اطفالا صغارا وكان الاطفال يتحرشون بك ... وكنت اتي لاأدافع عنك .. ثم ابتسم واستطرد كانت اياما جميله رغم ذلك .
ابتلع احمد ريقه قائلا فجأه :
- هل تذكر عصام ؟
نظر له زياد حائرا وقال
- من عصام ؟
اجابه احمد في ارتباك
- ذلك الفتى الذي سقط من النافذه في الصف الثالث الابتدائي .. بذل زياد جهدا حقيقا لكي يتذكر ثم أجاب :
- ذلك الفتى الشرير .. الذي كان يتحرش بك .. رحمه الله .. لقد كنت غائبا ذلك اليوم ولكني اتذكر الاحداث وكأنها حدثت بالامس .. طفلا صغيرا كنت وكانت هذه اول تجربه لي مع موت شخص أعرفه .. هذا بالطبع قبل ان تموت جدتي بعدها بسنتين .. ثم استطرد وقد التمعت في عنيه نظرة حزن:
- جدتي كانت تحبني جدا تصنع لي الفطائر وتهبني النقود .. هل تذكر جدتي يااحمد ؟
زفر احمد في سره وقال الاحمق ليس هذا وقت تلك الذكريات .. ولابد ان زياد شعر بما يدور في فكره فأردف في حرج ..قائلا :
- ولكن لندعنا من جدتي الان ما الذي ذكرك بعصام ؟
كانت الفيلا صامته .. وهناك ريح قادمه من البحر تعبث بباب مفتوح .. فيصدر ذلك الصوت الكئيب القادم من مفصلاته الصدئه .. بينما الضوء الباهت القادم من (الاباجوره) الملاصقه للفراش يلقى بظلال رهيبه على وجه احمد حيث جلس .. عينان لامعتان تعكسان نظرة رعب .. لذا شعر زياد بذعر حقيقي حين اجابه احمد بصوت مرتجف :
- تذكرته لاني رأيته اليوم .
|