المنتدى :
القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
الرحله ( الجزء الاول )
- لماذا وافقت على المجيء في تلك الرحله ؟؟.. قالها احمد ساخطا شاعرا ببؤس شديد مع كل تلك الضوضاء التي انتشرت حوله واخترقت روحه تعذبها كسهام حارقه .. كان رفقائه هناك يتسامرون ويمزحون .. يلقون دعابات سمجه بضحكون عليها كثيرا .. كان يعلم انهم يؤدون دور محتوم يلعبه الشباب ببراعه منذ اخترعوا نظام الرحلات وكأنه قدر .. لابد من كثير الكلام والصخب .. والمزاح الثقيل .. دعك طبعا من نظرات الركاب الحانقه المليئه باللوم الصامت (سائحين من جنسيات مختلفه ) .. هؤلاء الابرياء الذي شاء حظهم العاثر ان يركبوا تلك الحافله بالذات .. كان هاديء الطباع اميل للصمت .. نادره هي المرات التي رأه احدهم فيها يبتسم .. هذا غير صلابة شخصيته .. وجه كهذا لاتمزح معه ابدا .. بل تحاول ان تتماسك قدر المستطاع حين تحادثه .. لان شخصيته الفلاذيه تتسرب من ثنايا روحه .. تشع من بريق عينيه لتشعرك بالاضطراب
- نظر لزجاج الحافله المصقول .. الذي تحول لمرأه شديدة الوضوح مع ازدياد الظلام في الخارج .. كانت ملامحه قسيمه .. وجه بيضاوي .. انف مدبب مستقيم وليس افطس كغالب المصريين .. جبهه عريضه .. وشفاه رفيعه يعلوها شارب مشذب بعنايه يمثل له جزء من رجولته .. نظر لملامحه برهه .. ولم يفته ان يلاحظ تلك الرقعه الخاليه من الشعر في مقدمة رأسه .. انه على اعتاب الثلاثينات .. والصلع قد عرف طريقه لرأسه .. شعر بغضه في حلقه وشعور كريه .. ولكنه تجاوزه سريعا .
- الصخب مازال مستمرا .. هناك اغنيه جماعيه يرددها اصحابه بأصواتهم الجشه .. التي جعلها الاسلوب الكورالي مقبوله نوعا ما .. لا هي لست اغنيه حقيقة .. هي من طراز الاغاني المصريه الجديده والتي تشبه اغاني الراب الامريكيه .. ويسمونها مهرجانا .. ولانه يبغض هذا النوع من الغناء .. فقد وضع سماعة جواله في اذنه ومع تعالي صوت عمرو دياب الرخيم المميز .. الذي ظل يؤكد لحبيبته انه اكتر واحد بيحبها .. رجع بخياله هناك الى اليوم السابق .
- انها رحلة العمر ولابد ان تكون هناك معنا .. قالها له زياد وهم يسيران سويا على الكورنيش .. نظراحمد لفتاه حسناء مرت امامه نظره عابره .. ثم بصوت يحمل كثير من العتاب اجابه :
- اعلم .. لاتنفك تقول ذلك طوال الايام السابقه .. لكنك تعلم الوظيفه ومسؤليات البيت لن استطيع .. جاوبه زياد بلهجه مغريه
-انها رحله لدهب ونحن مازلنا عذاب لم نتزوج .. ان لم نستمتع الان فمتى سنستمتع ؟؟ ثم بلهجه تقريريه اضاف .. لقد طلبت منك المجيء اكثر من مره وأنا لاأريد ان اكرر نفسي .. وهي رحله لن تعوض لذا ان لم تأتي فذنبك على جنبك ... سكت احمد ولم يجبه هو يعلم ان صديقه زياد له قلب ابيض كطفل صغير .. وانه يحب اصدقائه حقا لذا فهو يريدهم معه لكي تكتمل متعته ولكنه بالفعل عزوف عن النشاطات البشريه الصاخبه .. وليله في فراشه مع كتاب يحبه .. افضل عنده من رحله الى شواطيء الريفييرا نفسها .. لذا فليبحثوا عن احمق اخر .
- بالطبع كان للقدر كلمه اخرى .. كان ابيه ظابط بالجيش خرج على المعاش قريبا .. وبالتأكيد احال حياتهم الى شيء اقرب للجحيم .. كان عمله يبدا في العاشره لذا كان من العجيب ان يوقظه ابيه في السابعه صباحا .. وكأنهم في معسكر للجيش .. ولانه كان ذا شخصيه قويه لاتختلف كثيرا عن ابيه لذا فكان لابد من الصدام .
- شعر بمراره في حلقه وهو يتذكر المشاجره الاخيره .. حين رجع الى البيت بعد ان ودع زياد .. ليجد ابيه هناك في انتظاره يسأله عن سر تأخره .. كان قد فاض به الكيل لذا لم يستطع ان يمنع نفسه من الشجار .. هو ليس صغيرا .. وبالتأكيد لم يعد من حق احد ان يطلب منه الايتأخر .. احتد النقاش وطلب منه والده مغادرة المنزل .. بينما تمسكت والدته بثيابه باكيه طالبه منه البقاء .. ثم حين هدأ الوضع اخيرا .. وجد نفسه يرفع السماعه على صديقه زياد ودون ان يلقى التحيه قال :
- زياد انا قادم معكم .
- ارتجت الحافله قليلا ففتح عينه مذعورا متسائلا عن مكانه .. ثم ادرك انه مازال في الحافله ..كانت الحافله تشق طريقها في الظلام .. الطريق يمتد طويلا على مرمى البصر ..مقفرا موحشا يتلوى كثعبان .. لم يكن يرى اي شيء فقط خيالات واشباح .. الظلام قد اعلن عن ملكوته التي يموت فيه كل شيء حتى الظلال .. ومن حين لاأخر يقطع الظلام اضواء سياره تمشي في الطريق المقابل فتكاد ان تعمي عينيه .. نظر للحافله فوجد رفاقه قد غلبهم النعاس اخيرا .. حتى باقي ركاب الحافله كان ينامون في اريحيه كأنهم في بيوتهم .. فلابد انه اخر شخص مستيقظ في هذا الكون .. ينامون في هدوء يقطعه صوت شخير من حين لاأخر .. وهناك شخص قد فغر فاهه عن اخره ... لابد ان انفه مسدود مما جعله يتنفس من فمه .. نظر له في اشمئزاز فلم يكن يحب هذا المظهر .. وعلى الجانب الاخر كان هناك سائحه ذات ملامح اسيويه .. رأها في اول الرحله .. بشرتها الشاحبه .. وشعرها الناعم فاحم السواد .. والضحكه الصفراء المميزه لبلاد شرق اسيا .. ولكن يبدو ان عضلات عينها بها عيب ما .. والا لما تنام وعينها مفتوحه وقد تباعدت اهدابها .. حتى ظهر بياض مقلتها .. ظلام حالك .. وحافله سريعه تسير على طريق اتجاه واحد .. شخير وافواه فاعره .. وعيون مسطحه .. لماذا يشعر بالتشاؤم .. وان هناك قشعريره تنطلق من صدره لتغرق جلده في موجات وكأنها عشرات الصعقات الكهربيه .. لابد ان ينام من جديد .
- حين استيقظ هذه المره .. كانت الشمس هي الاخرى تستفيق من غفوتها .. بدا قرص الشمس عملاقا للغايه وهو يتثاؤب مشئربا من فوق الجبال .. لابد انه القى نظره خاطفه ليعلم هل استعدت الارض لقدومه .. كانت هناك سحابه رماديه تلوح في الافق غاب فيها قرص الشمس .. ومن بين ثثايا السحاب انطلقت الاشعه الفضيه في كل صوب .. فبدت السحابه كجره ماء تحملها فلاحة في ثوبها المزركش وهي لاتدري انها مثقبه.. فانطلقت منها رشرشات المياه لتملا الارض في كل صوب ... الجبال ايضا تتثاؤب في تثاقل بوجهها الحجري لتغتسل في ضوء الفجر الذهبي .. وثعلب صغير يسارع بالفرار كمصاص دماء فأجأته شمس الصباح .. لابد ان يومه قد انتهى وحان وقت الذهاب الى جحره .. كان المشهد رائعا بالنسبه لاأحمد حتى انه شعر ان قد غسل عن صدره كل احزان وهموم الساعات السابقه .. وكان جميع من في الحافله قد استيقظ لمشاهدة هذا المشهد الرائع .. وتعالت الهمهات بلغات مختلفه .. ولم يدم ذلك الا بضعة دقائق وذلك حين قام رفقائه ليواصلوا صراخهم.. مفسدين على الجميع متعتهم من جديد .
-- تتبع --
|