كاتب الموضوع :
زهرة منسية
المنتدى :
سلاسل روايات احلام المكتوبة
لطالما كانت بيللا ساحرة منذ عرفها . ولا يزال جوش يذكر المرة الأولى التى رآها فيها . لقد دخلت قاعة المحاضرات جميلة شقراء ساحرة وسط بقية الطلاب الباهتين و عندما ابتسمت و جلست إلى جانبه , انخطفت أنفاسه مثل الفتى الذى يرقص معها الآن . امضى الأسابيع القليلة الأولى يحدق بها عن بعد كالأبله ولم يخطر له يوماً أنهما قد يصبحان صديقين . ولكن عندما تعرف إليها عن كثب , ذُهل بسحرها الذى جعله يشعر كما لو أنها انتظرت كل هذا الوقت لمجرد التعرف إليه , وهو جوش كينغستون و أدهشه أن يكشف مدى عفويتها و طيبتها و ظرفها . قد تبدوز متكلفة كأميرة ولكنها اجتماعية للغاية.
إلا أن جوش لم يحاول أبداً أن يستغل قربه منها إذ كان صديقاً لها ليس إلا والرجل الوحيد ليلاس الثابت فى حياتها وسط كل التغيرات العاطفية.
و هو لم يكن يمانع أو أقله هذا ما أقنع نفسه به. وهكذا كان جوش ينظر إلى بيللا و بقى ينظر إليها بشكل مختلف عن بقية الرجال الذين كانوا يقعون فى حبها و الذى لم يدم واحد منهم وقتاً طويلاً .
ففى النهاية كانت بيللا رومانسية جداً و لم تكن لترضى إلا بالرجل المثالى.
ابتسم جوش و هو يراقب بيللا تراقص فى الجهة الأخرى و تطلق ضحكتها المعهودة .كانت تدور وسط الحلبة و شعرها يتطاير على خدها و تنورتها تتمايل على ساقيها الجميلتين .
ــ جوش !
استرعت إيزلينغ انتباهه فأدرك أنه لا يجدر به النظر إلى مكان آخر .
لم يحظ بفرصة لمراقصة بيللا إلا فى وقت متأخر من الأمسية . مد يده نحوها يدعوها إلى حلبة الرقص فقالت :" أنا متعبة"
ــ متعبة ؟ أنت ؟ ابداً !
ــ بلى , كنت أرقص طيلة السهرة . لم لا تدعو إيزلينغ؟
ــ أنها ترقص مع جيب.
ـ صدقاً جوش أنا منهكة
ولكن عبثاً لاتحاول فـ جوش كان مصمماً :"لن يتطلب ذلك منك مجهود كبيراً"
فى هذا الوقت كانت الفرقة الموسيقية قد أختارت معزوفة ناعمة تهدئ بها الجو .
ــ كل ما علينا فعله هو الوقوف و التمايل قليلاً على أى حال ليست بارعاً فى القيام بأكثر من ذلك.
ثم مد يده مجدداً :"هيا بيللا هذا أنا فقط"
هذا صحيح إنه جوش فقط. تمسكت بيللا بالفكرة و أمسكت بيده و تبعته إلى وسط الحلبة و هى تفكر فى أنه لا يمكنها أن ترفض دعوته للرقص و إلا سيفكر أن هناك خطب ما إنه جوش لي إلا .
لقد رقصا كثيراً ى السابق فلِمَ يكون الأمر مختلفاً الآن ؟ لِمَ هذه الرغبة بضمه نحوها؟
ابتلعت بيللا ريقها وقالت :"زفاف رائع"
ــ يبدو أنك تستمتعين كثيراً بوقتك
بدا جوش متسلياً أكثر منه غيور و هو يتابع قائلاً :"ما هذا الاهتمام الجديد بالفتيان الصغار بيللا ؟ لم استطيع أن أحصى عدد الشبان اللذين أوقعت بهم الليلة . المساكين سيحلمون لبقية حياتهم بإيجاد امرأة مثلك و معظمهم سيخيب أملهم للآسف .؟عليك أن تحذرى كل من تلتقينهم !"
ــ لم أفعل هذا معك
خرجت هذه الكلمات من فم بيللا بحدة لم تقصدها . فنظر غليها جوش مرتبكاً:"ولكن الأمر كان مختلفاً معى"
ــ أعلم
وتساءلت فى سرها : لماذا؟ لماذا لا يرغب فيها كبقية الرجال ؟ لم يلمح لها حتى ولو لمرة بأنه يريدها أكثر من مجرد صديقة . ثم ذكرت نفسها بأنه لو فعل لراعها ذلك.
إذاً لِمَ صعب عليها فجأة أن ترقص معه هكذا؟ و لم تعد تستطيع السيطرة على إحساسها الداخلى تجاهه, إذ كانت واعية تماماً لحضوره .
صحيح أنه لم يكن يضمها بشدة إليه ولكنه كان قريباً بما يكفى لكى تنتبه أحاسيسها لقوة جسده و دفء يده على ظهرها و أصابعه على يدها .
شعرت بيللا بأن لسانها عالق فى سقف حلقها و راودها شعور غريب بالخجل . وإذ طال الصمت بينهما حاولت ان تكسره بسؤال سخيف عن سير العمل.
ــ جيد .
بدا وكأنه أرتاح هو أيضاً لمحاولتها خرق الصمت.
ــ الأمور على خير ما يرام منذ أن انضمت إلينا إيزلينغ . فبفضل خبرتها فى شكرة (سى بى سى) أهم زبائننا و معرفتها العميقة بكلتا الشركتين استفدنا كثيراً.
أجابت وهى تبذل جهدها لتظهر شيئاً من الاهتمام :"حقاً؟"
ــ هناك احتمال توقيع عقد مهم بيننا و هذا قد يغير كل شئ بالنسبة لنا
ــ لِمَ هومه إلى هذا الحد؟
ــ لأننا قد نتوسع فى دول العالم . صحيح أن مقر شركة (سى بى سى) فى فرنسا ولكن مكاتبها منتشرة فى العالم . قمنا مؤخراً ببعض الأعمال للمكتب الرئيسى و يريدوننا الآن أن ننفذ النظام التدريبى نفسه فى كل المكاتب .
بدت بيللا مذهولة رغماً عنها :"يبدو هذا رائعاً"
ــ قد يكون هذا رائعاً كما تقولين ولكن لكل مكتب وطنى استقلاليته الخاصة و معظمهم يعارض فكرة أن يفرض المكتب الرئيسى المدريين عليهم . لذا من المهم فى بعض البلدان إقامة علاقة شخصية مع المدراء العامين قبل بدء العمل.
ــ ولكن لا يمكنك أن تدور حول العالم لتعرف كل المكاتب على نفسك.
ــ هذا صحيح ولكن فى كل عام تدعو شركة (سى بى سى) أهم مدرائها و شركائها فى عطلة على حسابها . إنها مناسبة يُقصد بها مكافأة المتفوقين فى أعمالهم و الحرص على أن يحترم الجميع آداب الشركة .
ــ أنا مستعدة لاحترام آداب الشركة فى العالم لطالما أنها تقدم لى عطلة على حسابها.
ــ هذه بيللا التى أعرفها
ــ أين سيقيمون كل هذا؟
ــ هذه السنة ستكون فى جزر السيشيل فى فندق على إحدى الجزر الصغيرة و اقترحت شركة (سى بى سى) أن أذهب معهم . يعتقدون أنها ستكون فرصة جيدة أن أتعرف على هؤلاء الأشخاص اللذين قد أتعامل معهم .
ــ وهل ستذهب؟
رفع كتفيه قليلاً :"هذا النوع من الرحلات لا يروقنى كثيراً ولكن إيزلينغ تظن أن علىّ الذهاب"
عجباً عجباً ! كانت هذه أول فكرة تخطر لـ بيللا :"أفترض أن إيزلينغ ذاهبة أيضاً ؟"
ــ أجل
إذا كان جوش قد انتبه للنبرة الحادة التى بدت فى صوتها فهو لم يُظهر ذلك وتابع قائلاً :"معارفها كثيرون وتقول إن من المهم أن ألتقى هؤلاء الأشخاص ونتحدث عما يمكننا فعله لهم "
ــ حقاً ؟
هذه المرة كانت نبرتها باردة . منذ سنوات و هى تقول له إنه بحاجة إلى إقامة شبكة علاقات إن كان يود لشركته أن تحلق و لكنه لم يصغِ إليها إليها عندما اقترحت عليه ذلك .
قالت ببرودة :"أنا واثقة أن إيزلينغ محقة ولكننى ليست أكيدة من أنك تحب العطلات على الشاطئ"
ارتجف جوش للفكرة :"يا إلهى ! أفقد صوابى ان لم يكن عندى ما أفعله سوى الجلوس طيلة النهار تحت أشعة الشمس ولكن إيزلينغ تقول أن مثل هذا الحدث يكون عادة متعد النشاطات"
ــ آه ؟منتديات ليلاس
كانت بيللا قد بدأت تسأم من سماع ما تقوله إيزلينغ.
قال:"ليس الأمر مختلفاً كثيراً عن طريقتنا فى التعامل مع الأشخاص اللذين يشاركون فى رحلاتنا , من أجل تعزيز الثقة و الروح الجماعية. فالغطس والتسلق أو التنزه طريقة ممتازة لكى يتعارف الموظفون على بعضهم و يتواصلون مع بعضهم البعض . أعرف أنك لا تحبين الرحلات ولكن أشخاصاً كثر يحبون القيام بأمور لم يفعلوها قبلاً.
ــ ماذا يتضمن العرض أيضاً؟
ــ ليست أكيدة . إيزلينغ متحمسة كداً للغطس , كما أن هناك رحلات بحرية أيضاً لذا لا أظننى سأشعر كثيراً بالملل.
تنهدت بيللا , كل هذا يبدو جيداً . لكنها سألته :"ما العيب فى التمدد على الرمل الأبيض الدافئ؟ يمكنك أن تقيم العلاقات نفسها على الشاطئ"
ــ ليس لدينا جميعاً مهارتك فى إنشاء العلاقات حول كوب عصير.
ــ أظنها أفضل من الغطس . كيف يمكنك التعرف على الناس تحت الماء؟ بالإشارات و الفقاقيع؟
ــ تتكلمين كما لو كنت خبيرة فى الغطس!
ــ رأيت ذلك على شاشة التلفزيون فلا تهزأ.
ضحك جوش :"أنت لا تحبين فكرة ان يبتل شعرك . لحسن الحظ أن إيزلينغ ليست مثلك فى هذه الأمور"
طبعاً لا. فـ إيزلينغ ترفع شعرها بشكل عفوى و ترتدى ثياباً عملية تاركة حذاءها العالى الكعبين وراءها . لكن إذا كانت تحب أن تمضى أسبوعاً تحت الماء مرتدية بزة مطاطية وحاملة على ظهرها عبوة هواء فى حين فى إمكانها أن تتمدد على الشاطئ و تستمتع بالشراب الذى يُقدم إليها فهذه مشكلتها .
ثم قال جوش و هو يدير بيللا فى حلبة الرقص:"بالمناسبة , هل سنحت لك الفرصة لتتكلمى مع فيبى ؟"
كان قد شد ذراعه حولها كى لا تفقد توازنها و هو يدور بها وكان ذلك كافياً لتستيقظ أحاسيسها كلها و يخفق قلبها بقوة
كررت محاولة ان تبدو طبيعية :"أتكلم مع فيبى؟"
ــ بشأن إنتقال إيزلينغ للسكن معك
ــ آه أجل تحدثت إليها .
أخذت بيللا نفساً مهدئاً متمنية لو ان الموسيقى تتوقف و يبتعد عنها جوش لكى تتمكن من التركيز
ــ ماذا قالت؟
للحظة عابرة تساءلت بيللا إن كان بإمكانها أن تلقى اللوم على فيبى ولكنها كانت تعلم أن هذا لن يكون منصفاً بحق صديقتها , ففضلت أن تخبر جوش بالحقيقة :"لقد تركت الأمر لى. لكن بصراحة أود أن أبقى فى المنزل وحدى لبعض الوقت"
بدت أجابتها منطقية بما يكفى....على أى حال كان ذلك أفضل مما كان يمكن أن تقوله مثل:"أفضل أن أفقر عينى على أن أتشارك المنزل مع إيزاينغ"
ــ سيخيب أمل إيزلينغ إذ كانت تظن أنكما قد تتفقان جيداً.
ــ حقاً ؟منتديات ليلاس
ــ أجل , أنت تروقين لها
لم تصدق بيللا ذلك لحظة. فيمكن لـ إيزلينغ أن تبتسم برقة ولكن عينها الخضراوين لطالما كانتا باردتين
ــ حقاً ؟
ــ آه أجل . لقد قالت لى زهرة منسية ذلك مرات عدة.
إذا كان جوش يصدق كل ما تقوله إيزلينغ .....! فيا له من ساذج! توقعت ان يكون أكثر تبصراً . لابد انه مأخوذ ب ـ إيزلينغ ليصدق كل كلمة تقولها . وكانت هذه الفكرة محبطة نوعاً ما .
و لحسن حظها توقفت الموسيقى فى تلك اللحظة بالذات وابتعد جوش عنها فقالت وقد تمالكت نفسها وحاولت أن تبدو أكثر لطفاً : "أمل أن تجد مكاناً قريباً . أنا واثقة أن هناك منازل أكثر ملائمة من منزلنا على أى حال "
لم يبدُ جوش منزعجاً كثيراً و قال :"ربما أنت محبطة . يمكنها فى هذه الأثناء أن تسكن معى"
ــ ماذا ؟
قالت بيللا ذلك و قد تجمدت ذعراً .
أجابها بشكل منطقى:"حسناً...عليها أن تسكن فى مكان ما . يتوجب عليها إخلاء شقتها الحالية فى نهاية الأسبوع المقبل ولن يكون لديها مكان تقصده"
ــ لكنك لم ترغب يوماً فى مشاركة منزلك مع أحد !
هز كتفيه قائلاً :"إيزلينغ مختلفة . إنها سيدة مميزة للغاية , نحن متفقان جداً و لدينا الكثير من القواسم المشتركة"
شعرت بيللا بالغثيان , أنظروا ماذا فعلت الآن !
ــ ألا تظن أنه كثير أن تعملا معا وتسكنا معاً؟
ــ لن نعلم ذلك ما لم نجرب . أليس كذلك؟ حتى الآن لم نواجه أى مشكلة فى فصل العمل عن علاقتنا الشخصية . لا أظننا سنواجه المشاكل .
هكذا إذاً !
لم تستطيع بيللا أن تصدق كيف ارتد عليها رفضها مشاركة إيزلينغ المنزل. لم تحلم يوماً بأن يكون جوش جاداً بما يكفى ليطلب من إيزلينغ أن تنتقل للسكن معه ! لطالما كان حذراً و متحفزاً . وها هو الآن يتشارك شقته و حياته مع إيزلينغ من بين كل الناس !
لم يرق الأمر لـ بيللا إطلاقاً ! فمن قبل كانت دائماً تعرف متى يمكنها أن تجد جوش بمفرده . أما الآن فهو مع إيزلينغ طيلة الوقت .
منتديات ليلاس
|