كاتب الموضوع :
رحـــــيل")
المنتدى :
الارشيف
#قبلات حاقدة في مهب الريح#
- التعريف بالشخصيات : (الحلقة الأولى)
المشهد الأول :
قضبان زنزانة حديدة , صامدة على مر السنين العجاف التي حلت عليها !
وجوه كثيرة امتلأت طياتها بالأسرار ومرارة الحبس هي القاسم المشترك بينها
عيون تفضح أصحابها فبعضها حاقدة ناقمة وبعضها امتلأت بحسرة الذنب ...
رائحة السجن هي اشبه برائحة الموت البطيء , خاصةً لؤلئك الذين حكم عليهم بالمؤبد
وهؤلاء الذين ينتظرون موعد الحكم عليهم بالرحيل عن الدنيا...!
أما عن أكثرهم استبشاراً هم الذين تلألأت عيونهم بالأمل .. والأمل هُنا يعني
قرب الفرج .. قرب النجاة والعودة للحياة!
هو يجلس على سريرة في الغرفة الممتلئة بالأسرة ..!
يحمل بين يديه دفتراً صغيراً استطاع تهريبه أحدى المرات بمساعدة صديق له اتى لزيارته .
ولا أحد يعلم حقيقة ماذا يدوّن فيه غيره هو ...!
هيكلة سريرة المتكون من درفتين علوية وسفلية تسمح له بأن يسترق النظرات
لصديقة الحميم الذي شاركه محنته هذه منذ قرابة 3 سنوات من الآن ,,!
فيجده متمدداً ويخفي ملامح وجهه النحيل بذراعيه , أما قدماه الطويلتان فقد خرجت خارجاً عن السرير الذي لم يعد يكفيهما .!
أو ربما كان وصف سرير هو ترفٌ على ما يعيشون به , فما ينامون عليه
أشبه بأخشاب متهالكة غطتها تلك الخرق البالية , لتصبح مكاناً صالحاً للنوم وكفا !
الساكنون هُنا لم يكونوا يتحدثون الى بعضهم إلا ما ندر , فالحديث عندهم أصبح مجرد
وسيلة يقضون بها حوائجهم ! الكلام ضائع ولا أحد فيهم يحب أن يُضيع من حياته
ما تبقى منها .. !
صوت السجان يحلق في البعيد منادياً بإسميهما فقد حان موعد المحاكمة الآن ...!!
كلاهما بلغا الثامنة عشر من عمرهما هذه السنة ..
وكلاهما كانا متمسكين بالأمل فربما كان الفرج قريب ,,!
المشهد الثاني : قبل ذلك بثلاثة عشر عام ...
صراخ مولودة .. شهقاتها تتعالى وكأنها تنادي من رحل عنها واختفى في البعيد !
سلة بنية اللون ممزقة الجوانب عتيقة في طرازها لكنها تحمل بداخلها مخلوقة مبهره
شيخ المسجد الذي اتى أولاً في سكون الفجر ليوقظ الناس للصلاة بصوته الرخيم
يَطِلُ من البعيد ليسمع صوتها , يحاول مسارعة خطواته لينظر في السلة
ويجد تلك الطفلة التي تبدو مولودة للتو ..
يتسارع نبض قلبه وهو يتذكر طفلته التي ماتت قبل أن تولد إلى الدنيا !
هو الذي لم يجرب معنى كلمة أب , ولم يحدث أن نطق بها
أحدٌ إليه .. ينزل رأسه للسلة ويبعد الأقمشة ليظهر له الوجه الملائكي البريء !
كانت الطفلة صغيرة جداً , ربما بحجم كفة العريضة .. !
حملها وبدأت عينيه تفيض بالدموع ! لم يحتمل قلبه الرحيم ما فعله والديها بها !
يدركون أن بخطئهم الصغير يمكن أن يتولوا مسؤولية عظيمة !
لكنهم يرمون مسؤولياتهم لينتهوا منها وكأن شيئاً لم يكن ..
لا أحد يريد النظر للماضي , فهل سيكون لها أهل ليسألوا عنها ..!
نظرة الشفقة تعتلي عينيه الضيقتين !
تلمع في ذهنه فكرة مخيفة , وقبل أن يحسب لنتائجها حساباً وجد جسمه يهم بالتنفيذ
يلتفت يميناً وشمالاً لا يجد أحداً بطريقة , يحاول أن يركض جاهداً لكن عمره
الذي تجاوزن الخامسة والأربعون يحد من حركته كثيراً ويبطئ فيها !
يدلف الى منزله , ويلعو صوته الرخيم نبرة قلق وهو ينادي : عادلة .. عادلة .. تعالي !
تأتي عادلة السيدة ذات الملامح الطيبة , يبدو لناظرها أنها في بداية الأربعينيات من عمرها!
تنظر إلى زوجها بإندهاش وتشهق بصوت مسموع : وش جايب معك ؟
هو تبدو على ملامحه السعادة :هذي نعمة من الله جزات صبرنا ياعادلة , الله عوضنا عن سنين الحرمان فيها ...!
تنظر زوجته الى السلة التي تحتوي الطفلة , تقول بجزع : من بنته هذي ؟
هو يضغط على شفتيه ويهمس بهدوء وهو يرفع الطفلة على ذراعيه فتتوقف هي بدورها عن بكائها: لقيتها عند باب المسجد , شوفيها يا عادلة .. شوفيها كيف ساكته بحضني .. هذي ربي رزقني بها , انا امنيتي يجيني بنت , وربي استجاب لدعائي !
تهرع عادلة إليه وتأخذ الطفلة من يديه لتضعها في سلتها وتخبره بصوت ممتلئ بالخوف : قووم .. قووم ودها دار الرعاية لا يصير لنا مشكلة من وراها , هذي وين اهلها عنها , اكيد انها بنت .... !
يقاطعها هو بصرخة عالية نوعاً ما يقاطع جملتها الرديئة والتي لا يريد أن يُسمعها
الفتاة التي اعتبرها طفلته منذ أن التقت اعينهم اول مرة
حتى وإن كانت هذه الطفلة لن تذكرها أبداً لصغر سنها : عادلة ............!
هذي من اليوم هي بنتي .. النعمة الي رزقني إياها ربي .. أنا بسميها نعمة .. اسمها من اليوم ورايح نعمة ..!
هي تقاطعة : بس ياعبدالكريم هذي مو بنتنا والناس بيسألون !
عبدالكريم بهدوء مرير : مين بيسأل يعني ؟ زوجك مقطوع من شجرة , وانتي اهلك باعوك واخذو مهرك !
دمعة حزن تذرفها عادلة وهي تذكر كيف أن أهلها أخذو كل شيء وانفضو من حولها:")!
المشهد الثالث : مازلنا قبل ثلاثة عشر سنة من دخول الفتيان للسجن ..!
صُراخ وبكاء .. قلبها يعاني من الألم ولم تعد قادرة على التحمل أكثر !
حبالها الصوتية تكاد تتقطع من كثر نواحها وصراخها ...
صوتٌ قادم من البعيد : بس .. بس .. سكتوها!
أقدامها لم تعد لها طاقة بحملها , تسقط مغشياً عليها من هول الصدمة التي انهالت عليها كحجر ثقيل استطاع تحطيمها الى اشلاء ..!
صدى صوت زوجها يحلق في البعيد منادياً بإسمها لشدة خوفه عليها: هنـــد !!
تُحمل هند إلى المشفى , وهو ذات المشفى الذي زف إليهم الخبر اللعين ..
خبر وفاة أختها الحبيبة وصديقتها الحميمة (ســارة) بعد ولادتها مباشرة ..!
زوجها لا يعلم حقاً هل يبقى الى جانبها أم يذهب إلى أخيه الذي توفيت زوجته حتى يواسيه في فجيعته تلك !
أما عصام صاحب الخمس وعشرون عاماً توفيت زوجته وابنة عمه وحبيبته ســارة في هذا اليوم المشؤوم ...
يداه ترتعدان , وعيناه تفيض بالدمع فعصام رجل عاشــق حتى الثمالة !!
قلبة يذوي تماماً لهذا الخبر الذي لا يستطيع تصديقة ..
أخبروه أن زوجته توفيت لكنها وهبته قبل وفاتها بنتاً كالقمر ,
تركتها أمانه عنده حتى يُحسن تربيتها !
لكنه لم يفقه هذا الشيء أبداً ,,!
بل كان كالمجنون تماماً , حتى إنه القى باللوم كاملاً عليها
كان يتمتم في أيام العزا الثلاثة : هي السبب .. هي السبب !
وعندما طالبوه المشفى بالحضور لتسجيل الفتاة وأخذها معه ..
أبات نيتّه على أول إسم خطر بباله وعلى الرغم من أن الجميع حاول زجره عن الإسم , لكنه لم يرتدع أبداً ....
وحتى أخيه الأكبر (عزّام) حاول اقناعة قائلاً : بكيفك بس ترا هذا اسم لمرض! كنك تفاول عليها !
أما المُبكي فكانت إجابة عصام عليه : وهو بعد إسم للموت ...!
عصام الذي لم يبالي بأحد إتجه لدفتر التسجيل ...
حيث أمسك بقلمه وبيدة المرتعشة سجلها *رمــــــــــــــــــــــد* !
بعد أيام العزا الثلاثة :
لا زالت هي على صراخِها و نواحها !
عيناها الجميلتين قد ذبلت من كثرة الدموع , وجهها أصفر كقطعة ليمون حامضة !
و مع أنها خرجت اليوم من المشفى وقد وصوهّا بعدم الإنفعال إلا أنها لم تستمع لكلام أحد .!
تجلس في غرفة قد جُهزت لها و لأختها المتوفاة سارة ,
كلاهما حمِلتا بنفس الشهر تقريباً !
هي وضعت ابنتها قبل أسبوع من الآن ! أي أن طفلتها تَكبُر رمــد بـ 4 أيام فقط !
تجلس بجوارها على السرير أختها ندى مواسية لها و مواسية نفسها !
ومع أن ندى هي الأخت الصغرى إلا انها هادئة تماماً ولديها تفكير منطقي
بعكس أختها الوسطى هند دائمة الإنفعال !
هند تُمسك برمد الصغيرة وتضمها الى حجرها تتأمل عينيها البريئتين
و يدها الشديدة الصغر ثم تعاود البكاء مرةً أخرى لتذكرها شقيقتها!
أما في البعيد فقد كانت تجلس ابنة عمهم , لم تكن صلة القرابة و القرب في المسكن
سبباً كافياً لتقربهم من بعض !
فقد كانت العنود لا تحمل مشاعر لبنات عمها جميعهن أبداً
حتى أنها لم تذرف دمعة واحدة لموت إبنة عمها !
كانت فقط تشاهد إبنها جاهد ذو الخمس سنوات كيف يشاقّيهن بلعبه وضحكاته
لكنها لم تزجره ولم تمنعه فقط كانت تحدق كالمتفرجّين !
|