مساء الأرواح العذبة التي تنتظر موعد الحلقة بفارغ الصبر ..
والله العظيم أحبكم جميعاً و أشكر تشجيعكم و دعمكم لي .
*ملاحظة بسيطة.. راح تكون هالحلقة هي اخر حلقة متعلقة بالماضي ,
بعدها راح نقدم كم سنة لقدام و تبدأ احداث الرواية الي بنمشي عليها .
وحابة أوضح شغلة قبل تبدأ الحلقة , تساؤلاتكم كلها أنا ما غفلت عن أي شي فيها
بس انا ماحبيت أكشف الماضي كله من البداية وهذا كله لغاية قصصية راح تفهمونها في الأخير .
استلموا الحلقة الحين .. قراءة ممتعة بإذن الله .
قبلات حاقدة في مهــب الريح .
الحلقة الرابعة /
المشهد الأول :
خلف تلك الأسوار الضخمة التي أحاطت بثلاث فللّ كطوق حديدي ليجمعهم دون تفكك
, أو ربما كحبل خانق يضيق شيئاً فشيئاً ليقتل اصحابها !
هي مع كونها لازالت طفلة لكن لديها حاسة سادسة قويّة تخبرها أن لا احد من سكان هذه الفلل يحب ساكنيها ! أو ربما الأطفال بالعادة هم أكثر حساسية لهذه الأمور .
هي تستمع دائماً لصراخ والدها على عمتها ندى , تجد تلك الساكنة الضعيفة مثيرة للسخرية لأنها لم تفعل ما توبخ عليه و مع ذلك تستسلم للتوبيخ و كأنه قدرها !
لكنها تكاد تُقتل من غيرتها حينما يتوقف عن الصراخ فور حضور احد ابنائه
راكان او رعد ! كان يصمت تماماً و يداري خاطريهما .
هو الذي لم يخض في حديث معها طوال اعوامها السابقة تجده مهتماً لأدق تفاصيلهما
الصغيرة , كانت تستطيع بسهولة الاحساس بالغيرة الناقمة على اخويها , مع انهما كانا شديدا الطيبة معها , كانا يحبانها و كأنها شقيقة لهما في الأم و الأب .
لم يُفرقا في معاملتها أبداً , بل كانت امهما تغرس فيهما حُب هذه المخلوقة الضعيفه.
لم تكن *رمد* تشعر بهذا الحب من زوجة أبيها و ابنائه هي فقط كانت تشعر بالغيرة
و كأن الغيرة اكتسحت قلبها و سلبت كل المشاعر منه !
و كأنها التفت حول عينيها فلم تعد تراهما إلا وحشين يلتهمان كل ذرات الحب من والدها و لا يبقيان لها حتى رشفة صغيرة منه .
المشهد الثاني :
خلف ذات الأسوار الضخمة , عيون أخرى تطالع عن كثب هي حاقدة تماماً كتلك العيون الصغيرة , لكن هذه المرة هي عيون أكثر نضجاً و حقداً أكثر عمقاً !
ترى اولئك الأطفال يلعبون حول والدهم بسلام !
تجد هدايا والدهم الثمينة بين أيديهم و تلك السعادة المرسومة على وجوههم الغضه الصغيرة .!
ثم تعاود النظر إلى طفليها الذين حرموا من والدهم بسبب خطأ ولد مراهق لا يعرف التحكم في نوبات غضبه !
كانت تشتعل بداخلها كـ شعلة نار بل كالبركان الهادر فور ذكر اسم ذلك الأحمق المراهق ( كما تنعته هي ) .
تجد أنه السبب تماماً في حرمان ابنائها نعمة الأب في حياتهم .
كان أحساس الحقد يستولي على قلبها و يشله من قوقعة الذنب الذي أُغرق فيها قبل أعوام خلت , وكأن تلك الأعوام لم تكن .! بل وكأن الذنب تبخر في الهواء .
لم تكن هي تستطيع التفريق بين القضاء و القدر و بين الفعل المتعمد
بل لم تكن تستطيع التصديق أن زوجها عُمر هو الذي أنقض أمام الفتى ليمنعه من ضرب شخص أخر , مع ان هذا ما شُرح لها مراراً و تكراراً !
و مع أن أحداً لم يستطيع الجزم بأن جاهد هو من حامل السكين إلا أنها كانت موقنة تماماً بهذا ! كانت تستطيع الإحساس بالكره يستولي جسدها عندما يُذكر أسمه أمامها
و مع أن هذا نادراً ما يفعل .
هي لم تكتفي بكره جاهد فقط ! بل هي زرعت ما تشعر به في قلب أبنها الصغير
كانت تخبره دائماً ان والده ممد هناك بسبب جاهد !
ان جاهد يستحق عقوبة أكثر مما فرضت عليه !
ان لا احد يستطيع التنازل عن حقه في والده سواه هو !
ان جاهد شاب أخرق لا حق له في الحياة !
كان هو يكبر وتلك الكلمات تكبر معه , و تأثيرها يكبر في قلبه !
كان يكبر و يرى أمه تبكي كل يوم حظها العاثر , تنقم الجاهد الذي أسكنها هذا العذاب
فقط موته أمامها هو ما سيجعل قلبها يسكن براحة !
هي تردد دائماً في حين هي تنظر لفتاها يكبر أمامها :
" إن كُنت أبني ستأخذ ثأر والدك من جاهد " !
المشهد الثالث :
بعد مرور سنة كاملة , عاش فيها جاهد بمساعدة أسرة آل محمد المتواضعة .
فقد ساعده شيخ المسجد بحكم معرفته بمدير المدرسة على تسجيل جاهد لديهم ليكمل مرحلة تعليمه الثانوية .
عبد الكريم كان رجلاً طيباً في معاملته صاحب أخلاق و علم متواضع جداً
صاحب فكر رائع , كان جاهد يستمتع بالجلوس معه و حفظ الحديث عن لسانه
يخال لجاهد أحياناً أن ذلك الرجل ما هو إلا كتلة من السماء نزلت لتغنيه عمن تخلوا عنه , ليستطيع أعادته للحياة بشكل مريح , هو لم يكن يتذمر لأن جاهد خرج من السجن أبداً و مع أن جاهد لم يخفي تلك الحقيقة عنه , بل أنه وجد نفسه في يوم ما يخبره بكل ما مر فيه , جاهد الذي لم يفتح فمه لأحد و لم ينطق بكلمة تشاغله وجد نفسه ككتاب مفتوح أمام هذا الرجل ليسهُل عليه قراءته و التمعن في صفحات حياته !
و أيضاً هناك حقيقة أخفاها ذلك العجوز عن جاهد و هي أنه يراه تماماً كما يراه جاهد
هو قطعة من السماء نزلت ليحمل عنه همّ كبير وضعه على عاتقه حينما كان في عمر الأربعين , لم يكن يتخيل حجم الهمّ الذي جناه على نفسه حينما أخذ فتاتاً ليربيها عنده وكأنه والدها بل لم يكن يعلم أن تربية البنات أصعب مما تخيل !
مع ان فتاته لم تكن متطلبه لكنه يخاف عليها لدرجة الجنون .
فلم يكن يسمح لوالدتها الذهاب بها إلى أي مكان دون أن يكون معهم !
لم يكن يشعر بحنان كبير من زوجته عليها لهذا كان يخاف ان تفقدها في مكان ما
أو ربما تظلمها بعد وفاته , هو الآن و بعد أن أصيب بمرض السكري و و أمراض اخرى عادة ما ترافق كِبَر السن , أصبح يفكر في قرب أجله كثيراً !
أصبح يريد تزويج فتاته هذه لشاب صالح , ليحافظ عليها و يرعاها أكثر من نفسه !
يريد أن ينتقي لها شاباً خيراً لتكون هي و امها امانة عنده ليكون مرتاحاً حين يُصبح تحت الثرى .
هذا ما كان يخالج نفس هذا الرجل الذي بدأ الشيب يحط رحالة في شعره
ليخترقه بعنف و يخفي سواداً جميلاً قد كان قبله .
هما الآن انتهيا من تأدية صلاة العصر و قد جلس العجوز كعادته ليسبح الله و يذكره
تماماً كما يفعل بعد كل صلاة .
وقد جلس معه جاهد الذي لم يكن يفارقه من لحظة دخولهما للمسجد و حتى انصرافه لبيته , حتى إن جاهد لم يكن يدخل الى غرفته قبل أن يتأكد من دخول الرجل لبيته .
همس الرجل لجاهد بهدوء : يا ولدي يا جاهد لو طلبتك في شي وش تقولي ؟
جاهد بنخوة تامة و هو يضرب صدره العريض : عطيتك يا عمي , انت ما تطلب انت تامر علي و انا انفذ .
يبتسم ذلك الرجل بشفافية و هو ينظر للبعيد : حتى لو كان الطلب صعب شوي و راح تتحمل من وراه مسؤوليات كبيرة ؟
جاهد يُمعن النظر ليحاول كشف السر الذي اختفى وراء أُفق عيني ذلك الرجل : يا عمي انت الي تحملت مسؤوليتي بعد ما تخلى الكل عني , انت الي ساعدتني أسجل في المدرسة من جديد و انت الي كنت تجيب لي الأكل في الأيام الي صعبت علي وخلص فيها راتبي , انا اتمنى اقدر ارد جميلك علي , قول يا عمي و انا حاضر باللي تامر عليه !
يعيد الرجل نظره لجاهد ثم يهمس وهو يضغط على رسغه بقوة رجل يوصي أمانته
: أبيك تتزوج بنتي . ابيك تتزوجها يا جاهد و ما تظلمها في أي شي . بنتي الأمانه الأخيرة الي بعلقها في عنقك ليوم الدين و هي الي بسألك عنها !
المشهد الرابع :
في تمام الساعة الرابعة عصراً , هي تعرف تماماً أن زوجها سيتأخر في عمله
و حتى إن عاد هي ليست مستعدة للصبر أكثر !
تفتح مقبض الباب و هي تتذكر يمين الطلاق الذي القاه على مسامعها انها لو
ذهبت حقاً لابنها سينفصل عنها بلا شك !
لم تكن هي مقتنعة بالهراء الذي يقوله , لكنها خشيت الطلاق !
تعلم جيداً أن هذا العزام ينفذ ما في رأسه حرفياً دون اهتمام لمن حوله .
تعلم أنه لن يتراجع عن حلفه أبداً , تعلم أنها ما إن تخطوا إليه خطوتها الأولى
ستكون مطلقة دون أدنى شك !
كلمة أخرجها عزام من فمه بلحظة غضب حرمته من ابنه لحول كامل دون السؤال عنه !
الجميع وصفه بالمتزمت العنيد , لكن ما خفي عن أعين الجميع أن هذا المتزمت العنيد
كان يموت في اليوم الآف المرات , قلبه يقتل حرقاً و يذوي بإنكسار دون ابنه
يتمنى في قرارة جوفه أن يحضر ابنه إليه معتذراً و لو لمرة واحدة
مرة واحدة فقط و هو سينهي الخلاف دون شك !
لا يريد لزوجته أن تصل لابنه حتى لا يشعر بنقص في اعتزازه حينما يعود إليه جاهد .
كان عزام خفيه و دون علم أحد يدس بعض النقود في يد العجوز جد ساهر
دون أن ينطق بكلمة , و كان ذلك العجوز يعلم تماماً ما يفعل بها !
يعطيها ساهر ليعطيها صاحبه الذي يخجل كثيراً من أخذها و مرات عدة يردها
لكن حالته غير المستقره تجبره أحياناً على أخذها كـ دين من ساهر , ليعيده ما إن استطاع توفيره!
تصل العنود أخيراً لمنزل ساهر و تطرق الباب بهدوء ليفتح الباب و تجد ساهر يقف أمامها بطوله المتوسط و وجهه المندهش : مين ؟
تهمس هي و هي تراقب الطريق خلفها : انا عمتك ام جاهد , ابي اعرف وينه ولدي دلني على مكانه يا ساهر انت اكيد تدري وين عايش و كيف وضعه ؟
يتراجع ساهر خطوة للخلف و يزّم شفتيه و هو يتذكر ما طلبه من صاحبة حين يأتي أحدهم للسؤال عنه : انا اسف يا عمتي , بس انا مادري وينه .
هي تصرخ في وجهه بحده : أقولك وينه يا ساهر ؟ انت ما يكفي الداهية الي خليتاه يوقع فيها , بعد تبي تحرم امه شوفته !
ساهر بهدوء اعصابه : عمتي جاهد ولد ذكي و عمره الحين 19 سنة ما عاد طفل عشان يضيع ! و هو لو كان يبي احد يتصل او يجيه كان سواها بنفسه , يا عمتي لا تشغلين بالك بشي ولا تحاولين تعرفين مني أي شي لأن جاهد قطع علاقته فيني عشان ما ادلكم على مكانه ! انا ما اعرف عنه شي .
تعود هي أدراجها خائبة بعد فقدان الأمل بأن ترى ابنها من خلال ساهر ,
أما ساهر فقلبه يذوي لرؤية حالها , يتمنى لو باستطاعته استيقافها و اخبارها عن مكان ابنها , تمنى لو ساقها إليه بنفسه و ضفر برؤيتهما معاً !
لكنه يتذكر تهديد صديقة , لو انه اخبر احداً عن مكانه سيهرب إلى مكان بعيد
لا يصله ساهر نفسه !
يمشي ساهر بخطى هادئة ملاحقاً تلك المرأة لحين دخولها أسوار فلّتها ,
هي لم تأتي مع السائق خوفاً من أن يخبر زوجها أين ذهبت ففضلت السير في المسافة غير البعيدة جداً , و بقي هو يلحقها حتى لمحها تدخل بعجل فعاد ادراجه !
المشهد الخامس :
صرخات صديق وفي يبدو خائفاً تماماً على مستقبل صديقه : انت اكيد مجنون ؟ وشلون تتزوج كذا ؟ جاهد هذا زواج موب لعبة !
جاهد يستمع لصرخات صديقة بعناية , هو يعلم تماماً شدة خوفه عليه
و يعلم ان المجهول الذي أوقع نفسه فيه هو خطر للغاية !
ليته يستطيع رفض هذه الزيجة التي تبدو في نظرة اسوأ ما حصل له .
أي فتى كان يتصور أنه سيتزوج قبل أن يحصل على الشهادة الثانوية ناهيك عن سنه و سنها الصغير في نظرة .
فكرته عن الزواج كانت مختلفه تماماً عما حصل له , كان يتمنى الزواج بعد أن يتم دراسته في الخارج , ليصل لمرحلة متقدمة في العلم .
ويستلم وظفية مرموقة و يتزوج بإمرأةٍ تغار النساء من فتنتها و حسنها .
كانت فكرته عن الزواج هي التخلي عن عقدة آبائه الباليه في تزويج ابناء العم لبعضهم
البعض و تكديس الثروة و الخوف عليها .
أفكاره كانت تنتظر النضوج , يريد طفلاً أو طفلين من إمرأته المتعلمة صاحبة الشهادات العالية , من تستطيع تربية ابنه بطريقة رائعة ليكبر هو الآخر و يُصبح له دور فعّال في مجتمعة , ليفخر به و يفخر بما قدم لحياته .
لكن آماله لُجمت بسوار من حديد حالما نطق الرجل بجملته "تزوج بنتي"
جملته تلك هي من طوقت عنق أحلامه لتخنقها حتى الموت !
تمنى لو أستطاع الرفض , تمنى لو أستطاع أن يشرح له ما يريد تحقيقه قبل فكرة الزواج الرديئه تلك .
لكنه لم يجد نفسه إلا قائلاً : تم يا عمي , ولو حبيت اليوم قبل باكر !
ليتهلل وجه الرجل العجوز و يتنفس الصعداء بارتياح و يهمس : الحين حتى لو مت اعرف اني بموت مرتاح .
ليهمس جاهد بوجل : بعد عمر طويل إن شاء الله .
وقِعت وثائق الزواج بعد فترة , جاهد يمسك القلم و قلبه يذوي على مستقبله الذي كان يحلم ببنائه , يعلم أن كل شيء تحطم الآن لكنه لا زال متمسكاً بقدر طفيف من الأمل .
لم تمضي الكثير من الأيام حتى زُفت عروسه إليه , هي لم تكن بالمعنى الفعلي للعروس بل كانت طفلة لم تتجاوز الرابعة عشر من عمرها , الكثير من مستحضرات التجميل كست وجهها الطفولي لتكسبه مظهراً أكبراً !
حفلة صغيرة في المنزل لم يحضرها سوى عدد من الجيران و ساهر !
أما النساء فلم يحضر منهم أحد أبداً .
كانت عادلة معترضه تماماً على هذا الزواج أما زوجها فقد أشار الأمر على فتاته
و هي لم تستطع الرفض حينما رأت كمية الاصرار الهائلة في عيني والدها الحبيب .
هي أيضاً كانت تتمنى أن تصل لمرحلة عالية في تعليمها قبل أن تتزوج , تمنت لو تركوا لها بعض الوقت لتفكر بالزواج الذي لم يخطر ببالها أبداً لتستعد نفسيتها
لزواج سعيد .
كانت عادلة توصيها بأشياء عدة و تخبرها عن ما يجب أن تفعله لزوجها بحرج شديد
أما الأخرى فقد كانت ترتعد ما إن تتخيل يد رجل غريب تقترب إليها .
مر الوقت سريعاً سريعاً حتى خال لكل منهما أن الوقت يريد تعذيبهما .
أصبح الوقت متأخراً و حان وقت ذهابهما لعش زوجيتهما الجديد .
و هي علية منزل والدها , رفض جاهد الأمر بدايةً بل أحس بإهانة العرض
أن يسكن في منزل أهل زوجته لكنه أقتنع ما إن أخبره والدها أنه سيأخذ اجاراً
على مدة سكنهما منه .
ولم تكن لعبد الكريم النية لفعل ذلك لكنها الطريقة الوحيدة لإرضاء جاهد !
يدلُفان العريس و العروس لغرفتهما أخيراً .
تجلس هي فوق السرير و يدها الصغيرتان في حضنها مرتجفة من الأمر الجلل الذي بانتظارها .
يهمس هو بصوته الرجولي بخشونة اعتاد معاملتها للنساء : وش فيك جالسة ؟ روحي بدلي و امسحي الي على وجهك !
لم يعي جاهد جفافة الكلمات التي أطلقها إلا بعد أن خرجت من فمه , ليته يستطيع ردها ليلين معها في الحديث , هو خائف و متوتر حد الموت !
لا يعلم كيف يجب أن يتصرف مع هذه الطفلة.
بقيت هي لوقت طويل في دورة المياة و ما إن خرجت حتى أمعن جاهد في ملامحها
كانت نحيله جداً جداً بل تخالها نصف إنسان لشدة نحلها , و كانت قصيرة جداً
بالنسبة لطوله الفارع , شعر بألم في قلبه حينما انتفضت كعصفور خائف حال اقترابه منها .
تابع اقترابه و أمسك يدها بلين ثم همس : لا تخافين لا تخافين , انا مرح اسوي لك أي شي . أنا ما كنت ابي اتزوج وحدة بهالعمر اساسا , أوعدك اني راح اعيش معاك مثل اخوك و بس .
هو لم يحسب حساب الوقت الذي سيتحمله كأخ لها , بل لم يحسب حساب الجرح الذي غرسه في انوثتها . أن يردها بهذا الشكل و ان يخبرها انه لم يرد الزواج منها
ما قاله في ذلك الوقت سبب فجوة كبيرة جداً بينهما , فهو أصبح يقضي أغلب وقته خارج المنزل و هي اصبحت تبتعد عن رؤيته قدر ما تستطيع , سواء بزيارة أهلها
أو بتظاهرها بالاستغراق في النوم العميق !
المشهد السادس :
اليوم أشتدت كآبة الجميع , جمع غفير حضر مراسم الدفن لفقيدهم الغالي !
الكثير من الحزن و الدموع عند المقبرة !
ورجلان اشدّاء يرمون الثرى ليغطي بقايا جثمان والدهم الاثير !
فتية لم يشتد عودهم بعد , يرون الانكسار في تلك الأعين , يجدون حرارة الفقد مكدسة في حمرة عيونهم التي لم تستحضر الدمع , بل تنتظر انصراف الجميع لترتاح برثاء الفقيد الغالي , الذي رباهم جميعاً على كفه و كرّس جل حياته من أجلهم !
ذلك العجوز الذي أخذ من الدنيا كل ما يريده و لم يعد يتمنى إلا الخاتمة الحسنة !
و حتى أمنيته تلك حققت له بالموت أثناء سجوده اثناء تأديته لصلاة الفجر .!
بهذا انتهى فصله في هذه الحياة , و أغلقت صفحات حياته بحلوها و مرّها .
الجميع يتذكر صوته الفخم الأثير في الأنحاء , و كأن صوته لا زال يقرع طبوله في اذانهم يتذكرون جملته العتيقة التي لم يغفل عن ترديدها يوماً " مابيكم تتفرقون من بعد عيني , هذي وصيتي لكم , كلكم ما تتفرقون عن بعض و لا يطلع بعضكم عن بعض "
جاهد لم يعلم بوفاة جده العزيز إلا من خلال الصحف !
تفاجأ جداً و هو يعيد قراءة التعازي مرةً تِلو مرة !
يمسك بهاتفه المحمول قديم الطراز و يضغط على ازراره بلهفة مفزعة
يرد المتصل بتردد : جاهد ؟
يصرخ جاهد بعنف : جدي سليمان مات !! متى و شلون و ليش ماقلت لي انت ؟؟
صدمة عنيفة يتلقاها جاهد في كلمات صاحبة المتقطعة : ابوك منعني اقولك , مايبيك تجي العزا , مايبي الناس تشوفك !
يهمس جاهد بعد ابتلاع ريقه , يكاد يشعر بطعم العلقم في فمه , يكاد يقسم أنه تذوق المرارة بأقصى درجاتها : ابوي مفتشل مني قدام الناس ! هالشي عنده أهم من أني أحضر عزا جدي ...!!!
يذوي جاهد و يذوي قلبه معه , تلك النطفة الصغيرة عانت أكثر مما ينبغي
الكثير من الحزن يتسلل إليها و الكثير الكثير من الحقد يتسرب في انحائها .
المشهد السابع و الأخير :
بعد مرور سنتين ..
يدخل هو متهلل الوجه لمنزل عائلة زوجته , و الذي أصبح منزله هو الآخر
يذهب لعمه الذي انهكه المرض خلال ذلك الوقت و أصبح طريح الفراش ليهمس قرب أذنه بسعادة : عمي عمي طلعت نتايجنا و الحمدلله نجحت بتفوق تقديري ممتاز و نسبتي مرره عالية , يارب لك الحمد و الشكر , انا مادري وش كنت بسوي لو ما ساعدتني و حثيتني أكمل دراستي .
ينظر له العجوز و يبتسم بمرارة ثم يشيح بوجهه عنه و يهمس بثقل : جاهد , اللي بقا من عمري ماهوب كثر الي راح , و انا عطيتك وصية و الظاهر أنها كانت ثقيلة عليك , انا مسامحك لو انك ماتبي بنتي و حلال عليك تطلقها بس لا تتركها معلقة كذا ! انا سكت عن هالموضوع كثير .
انت شكلك عايف البنت عشان كذا ما جيتها , هذا ظني الوحيد اذا ما كنت انت تعبان بشي ؟
او عندك مشكلة في ........
يقوم جاهد بغضب تاركاً العجوز و كلامه الذي أحس بإهانته البالغة لرجولته العزيزة .
يصعد الى العلية و يرا نعمة امامه .
لا تعلم هي لم تخاف كثيراً و ترتبك من نظراته , تهمس بعفوية : بشر طلعت نتيجتك ؟
يجرهّا هو إليه بغضب و ينتهك ما بقي من حريتها بوحشيه كانت تصرخ من الألم وهي
تبعده عنها لكن الشيطان أحال مابين تفكيره و بين ما يفعله و ما إن انتهى من فعلته
حتى استعاد وعيه و هو ينظر إليها تتجرع الألم و تصرخ بحدة ,
كانت اطرافها ترتعد ووجها أزرق من شدة النواح ...!
هنا أحس برجولته الغالية تحلق بعيداً ليصغر و يحقر نفسه بعيونه قبل عيون الآخرين !
خرج جاهد من تلك العلية بل خرج من الحي .. كلا لم يكفه ذلك !
هو خرج للبعيد البعيد ... أبعد كثيراً مما ظنته هي
و لم يعد إلى هناك مرة أخرى ........................!