قبلات حاقدة في مهـب الريح ....!
الحلقة الثانية / المشهد الأول :
الساعة الثانية ظهراً , اليوم ذاته لإختطاف الطفلة الصغيرة!
تفتح عينيها ببطئ شديد , كم ذوى قلبها و تهشم من الألم
في الأيام القلائل الفائته , هي فعلاً تعاني من فقدان أختها الكبرى !
تشتاقها في كل مرة تستيقظ من نومها !
وقبل حتى أن تفتح عينيها تبدأ دموعها بمحاصرتها !
هي تكره ضعفها لكن الألم الذي سكنها هو ما يجعلها ضعيفة ويجعل قلبها مكسوراً !
تنحني برأسها لترى ابنة اختها غارقة في نومها
تتذكر الليلة الفائتة وكيف أصّرت أن لا تنام ابنة اختها مع الخادمة
تعتدل في جلستها ثم تعاود النظر إلى سرير ابنتها البعيد !
تقوم من فراشها لتتفقد ابنتها التي اهملتها طوال الفترة الفائته
ترفع يديها لصدرها من شدة الألم فهي مازالت في فترة النفاس ,
وصدرها ممتلئ بالحليب الذي حَرَمت طفلتها منه طوال فترة حزنها
وكأنها كانت في غيبوبة و كان هذا الألم هو الجرس الذي رّن لينبهها اليها!
اقتربت من السرير المقوس الذي صمم على شكل قبة كبيرة تخفي ما بداخلها
تدس رأسها بين الفتحة الضيقة لتختلس النظر...
لكنها لا تجدها !
تستغرب عدم وجودها ويبدأ قلبها بالإضطراب !
تخرج من غرفتها سريعاً منادية لأختها ندى , ولجميع خادمات المنزل
يلتفون جميعهم حولها , وتقول إحداهنّ بخوف وقلق : مدام سيتي مافي موجود!!!
لم تشعر هند بنفسها وهي تجر الخادمة من ياقتها وتقربها منها : يعني ايش مافي موجود ؟ بنتي وينها ؟ تكلمي قولي كل الي تعرفينه !
تبدأ الخادمة بهزّ رأسها والتوسل : والله انا مافي معلوم مدام , انا مسكين كيف يعرف آنا !
تدفعها هند بعيداً عنها وتركض بإتجاه غرفة أختها ندى على أمل ان تجد إبنتها معها ! لكنها تُصدم حينما يخبرها الجميع أنهم لم يروها ..!
تبدأ دموعها بالتفجر ثانية , تتقافز أصابعها فوق الأرقام لتتصل بزوجها
ترجوه أن يذهب ليبلغ عنها السُلطات الأمنية , فإن حدث لابنتها مكروه
هي لن تسامح نفسها مدى العمر !!
المشهد الثاني :
خلف ذلك السور العظيم وتلك الفّلل الضخمة التي تُنسب لعائلة الجاهد
المرموقة , تسكن عائلة بسيطة !
بيتهم الضيق لم يتعدى في حجمه احدى غرف فلّة الجاهد !
وكل من يسكُن هناك يعلم أنهم يأكلون ويشربون من خير هذه العائلة
يقدمون لهم الفضل الكثير في بقائهم على قيد الحياة .
رب الأسرة هو رجل في الستينيات عتيق الملامح صعب الإرضاء و كثير الوفاء
توفى ابنه الوحيد قبل سنتين ليترك عنده ابنائه ليعتني بهم !
هو يعلم جيداً أن ما بقي من العمر أكثر مما رحل !
لكنه متمسك بالحياة كثيراً من اجلهم .
حفيدة الأول ساهر يكبر جاهد تماماً فعمره الآن أصبح 5 سنوات بالفعل !
لكن ناظره لا يتسطيع الجزم بأن عمره ثلاث سنوات
لشدة نحلة و قصر طوله و ضآلة حجمه !
أما حفيدته الثانية المسماة بحور فكانت بالكاد تبلغ سنتها الثانية
توفى والدها قبل أن تسمح له الفرصة برؤيتها , لكنه قد بلغ زوجته قبل رحيله
انها لو رزقت بفتاة لا تسميها إلا حور ! لشدة قرب الاسم لنفسه !
ساهر كان هو الصديق المفضل لجاهد على مر السنين التي قضياها معاً !
ولم تكن والدته العنود راضية تماماً عن هذه الصداقة و التي تصفها دائماً بعلاقة المصلحة ! وكيف لابنها الغالي والأثير أن يصادق من هم دون مستواهم !!
لكن جاهد العنيد لا يبالي بأحد رغم صغر سنه !
وجدة سليمان هو من قوى بأسه و زرع في نفسه حُب هذه العائلة البسيطة !
المشهد الثالث :
[COLOR="rgb(25, 25, 112)"]بعد ثلاثة أيام من اختطاف الطفلة .
الساعة السابعة مساءً .... في مركز الشرطة !
[/COLOR]
تلك الخادمة البائسة قد تم إلقاء القبض عليها !
هي تبكي و تنكب على أقدام من هم أمامها ترجو عفوهم والسماح
خائفة من دخولها لمركز التسّول أو تسفيرها لبلادها !
خائفة من عواقَب فعلتها الوخيمة , كان ضابط الشرطة صديق حميم
ل عزّام الجاهد , يعرفون بعضهم من أيام الدراسة وشيء من المصلحة المشتركة بينهم قّوت أواصر هذه الصداقة فعزّام يعمل برتبة مرموقة في وزارة الداخلية!
الضابط يصرخ في وجه الخادمة بقوة : وين حطيتي البنت اعترفي ولا ترا راح نعاقبك أشد العقوبات !
الخادمة تبكي وهي تنكب على قدميه وتحاول أن تأخذ الصفح منه بذلك الأسلوب البالي , تتحجج بأطفالها ولقمة عيشهم , يعيد الضابط الصراخ في وجهها
مرة أخرى لتعترف , وبعد ساعات من المشادّات الكلامية و اسلوب التخويف
والترهيب الذي قام بإتباعه طوال فترة سير التحقيق أخيراً علم
ان تلك الخادمة خطفت الطفلة لأنها اتفقت مع أحد الرجال من الجنسيات الأجنبية على ذلك ,
وكان الاتفاق بينهم ينص على أنها لو استطاعت ان تهرب له طفل
سيساعدها هو بدوره على الهروب لمكان فيه عمل أفضل بسيط وتجني منه ثروة!
ولكنها حينما همّت بتنفيذ الاتفاق واختطفت تلك الطفلة البريئة وذهبت للبحث عنه لم تجده وكأنه تبخر في الهواء !!!!
هي خافت كثيراً من الرجوع فتركت الطفلة عند أحد الأسواق الشعبية لعل أحدهم يجدها ويتصل بالشرطة , ولا تدري ماذا حصل لها بعد ذلك !
حاولوا معها كثيراً لكن اجابتها كانت واحدة , اخبرهم الضابط أنه سيتابع
التحقيق وفي حال حدوث أي شيء سيتم اخبارهم , عزام و عصام و عمر خرجوا من مركز التحقيق و لكل منهم تخوفات كثيرة فيما سيحصل لفتاتهم المفقودة ! ولم يكن الأمل في قلوبهم كبيراً .
عمّر يكاد يتفجر غضباً على زوجته هند ففي ظنه هي السبب الرئيسي
لفقدانه ابنته الحبيبة !
وقد كاد يهّم بتطليقها لولا أن والده منعه وحلف أنه لو فعل ليتبرأ منه طوال عمره
وقد أصبح اختفاء ابنتهم فجوة كبيرة بينهم , لا احد يعلم هل سينساها عمر
على مرّ السنين أم انه سيظل ناقّم عليها مدى حياته !
المشهد الرابع : بعد مرور سنة على وفاة سارة !
هو يسقط راكعاً أمام والده , عيناه أحمّرت كثيراً وهو يحاول كبت
مافي نفسه , يرجوه متوسلاَ أن يغير رأيه !
أو ربما فقط يعطيه المزيد من الوقت فقط المزيد من الوقت !
أما عن الواقف متصلباً أمامه فقد كادت أنفاسه أن تتوقف ,
يريد أن ينتزع ابنه عن الأرض ليعلقه في عينيه بدلاَ عنها !
يريد أن يضعه في قلبه و يغلق عليّه أنّى يصيبه مكروه !
يتمنى لو أنه أستطاع الموافقة على ذلك العريس الذي تقدم لخطبة
ندى ابنة اخيه , تمنى لو انه يستطيع اعطائه المزيد من الوقت
لينسى مافيّ قلبه و ليبدأ من جديد !
تمنى لو في إمكانه انتشال ذاك القابع ارضاً و رفعه كشمس تضيء السماء!
ولكن كل هذا كان يتوارد إلى نفسه فهو لم يكن بإمكانه فعل كل هذا !
فقط يقف بكل صلابة و برود أمام ابنه المنسكب تحت قدميه
ويصرخ في وجهه متجاهلاً توسلاته المريرة : بكرا ملكتكم وبعدها بأسبوع الزواج , انا قلت كلمتي وعزمت الرجاجيل ومانيب رخمه عشان اقول كلمه ماهوب قدهّا!
عصام الذي يذوق طعم الانكسار لأول مرة في حياته
وممن !! من ذلك الرجل الذي زرع في نفسه الأنفه وعلّمه أن لا يخضع و لا يسمح لأحدهم أن يزعزع رأيه العزيز مهما كان !
سليمان كان رافعاً رأسه باعتزاز لم يُعهد لغيره قط , لأن اعتزازه
بنفسه هي سمة راسخة فيه منذ نعومة أظفاره !
هو لم يتعود قط أن تتكسر كلماته , ولم يكن أمامه خيار ...!
أما أن تتزوج عصام المتوفية زوجته قبل سنة , أو تتزوج عزّام لأن زوجته ليست أختاَ لها كما هي حال عُمر !!!
وقد كان يعلم بصعوبة الأمر لو أنه فرضّ هذا الأمر على عزّام لهذا ترك ذلك آخر الخيارات ولأن اعتداد عزّام بنفسه كإعتداد والده تماماً فقد خشي من كسره !
فابنهُ عزّام يشاركه ذات النظرة و ذات الفكرة و ذات الغرور !!!!
المشهد الخامس : بعد مرور 10 سنوات !!!
احتفّال كبير قام به عزّام لابنه جاهد الذي تخرج من المرحلة المتوسطة
عدد كبير من الناس حاضرين للتهنئه رجالاً و نساء !
كان جاهد الأول على صفه ممّا يثير غيرة ابناء عمومته !
نعّم ففي السنوات الماضية رُزق عمر بفتى سمّاه عمار وقد بلغ العاشرة من عمره
وأيضاً رزق بفتاة شقية سّماها نغّم !
أما عمّه عصام فقد رزقه الله بثلاثة أطفال من زوجته ندى اكبرهم كان راكان
والذي بلغ من عمره 8 سنوات يليه رعد 7 سنوات وأما الأخيرة فكانت فتاة
و ترك تسميتها لزوجته حيث اختارت لها اسم راما وقد بلغت عامها الخامس لتوها !
العنود كانت متحلية بلبس أنيق يناسب جسدها الجميل , وجميع من ينظر إليها كان يحسدها على جمالها الذي لم تغيره السنين !
بعكس هند الذي أرهق وجهها التعب وبات خالياً من أي مظاهر للحياة
لقد أصيبت هند بأمراض كثيرة بعد اختفاء ابنتها في تلك الليلة المشؤومه
و ليس هذا فحسب بل إنها لا زالت ترى في عين زوجها الكثير الكثير من العتب
وهذا ما كان يتعبها كل يوم أكثر فأكثر , كانت هند وطيلة العشر سنوات الماضية تستيقظ من النوم مفزوعة وتصرخ باسم ابنتها و تجهش في بكاء مرير
كانت تعاني حقاَ وكأنها تفقد ابنتها كل يوم من جديد !!!!!
أما ما كان يخفى عن عيون الناس فهو أن العنود صاحبة الإبتسامة المشرقة
قد كانت تحمّل في قلبها الكثير من الألم !
فقد أشتدت المشاكل بينها وبين عزّام حتى هجرها !
هم الآن اصبحوا لا يتحدثون الى بعضهم أبداً , قد بدأت تلك المشاكل تحدث
صغيرة تلو الأخرى , افترقوا اولاً في المضجع ثم الطعام وتدريجياً حتى أصبحوا لا يتحدثون الى بعضهم الا ما ندر !
أما تلك الصغيرة ندى فالجميع يتخطونها بهدوء ولا يستطيعون الجزم من هي فعلاً لأنها قليلة حضور في المناسبات و غير ظاهرة تماماً ,
ندى الفتاة الهادئة المتزنة مختلفة تماماً عن افراد اسرتها
طيبتها الكبيرة مسحت كل ذرات الكبرياء التي من المفترض أن تجري في دمها تماماً كبقية افراد عائلتها .
تعففها عن كل شي و هدوئها لم يجعل لها صاحب أو صديق !
هي تمقت الناس الملتفين حول العنود لما تراه من رياء في اعينهم وحب للمظاهر
و لا تحب صديقات اختها لأنها تجدهم أشخاص يعشقون تضخيم المواضيع و حب الثرثرة والكلام الضائع , ففي كل مناسبة هي تجلس في البعيد
وتبقى معلقة عينيها على الساعة تنتظر موعد رحيلهم لتهرع الى اطفالها
وتعتني بهم و تلبي حاجيات زوجها الذي أصبح في قائمة اولوياتها!
ندى أحبت عصام حباً جماً أما عصام فقد كان بمثابة قطعة جليدية
تزوجها رغماً عنه ولا يستطيع السماح لمشاعره بتجاوز كل هذا !!!!
...........
الساعة الآن تشير الى الواحدة بعد منتصف الليل !
جاهد و ساهر تسللا خارج مجلس الرجاّل ببراءة لأنهما مّلا كل تلك الرسميات
هما يقفان في البعيد يتبادلان الضحكات , كل منهما يخبر الآخر انه سيوقع باللوم على الطرف الثاني لاختفائهما المفاجئ , أما عمّار الذي اراد ان يهرب معهما
زجروه بقسوة و ركضا بدونه لأنه أصغر منهم سناً ولن يكون إلا عائق في هروبهما !
جاهد أحب ساهر كأخ له و كذا الحال مع ساهر !
كانا يرتادان المدرسة ذاتها و الصف نفسه , مقاعدهما متلاصقة
و روحهما واحدة !
الأولاد في تلك المدرسة كانوا يتنمّرون على ساهر و يتحرشون به بسبب ضعف بنيته الجسدية وقد كانوا يسرقون ماله تارة ويسبونه بكلمات غير لائقة وبشعة
تارةً أخرى , حتى أمسك بهم جاهد الذي كان قوي البنية منذ طفولته ولقنهم درساً لم ينسوه أبداً ,
لازالت نظرة الحقد تعلو عيونهّم و لا زالت جروح وجههم تسقي قلوبهم الحقد خصوصاً بعد ما علموا بتفوقهم الدراسّي !
أحد الأولاد في تلك المدرسة كان يدعى شاهين , كان هو رئيس المجموعة المكونه من 4 أولاد سيئين , وقد كان يجرهّم الى الخطأ واحد تلو الآخر!
شاهين يُفترض أنه قد تخرج من المرحلة المتوسطة منذ 3 سنوات خلت
لكنه ما زال يدرس فيها ولم ينجح في أي صف من صفوفه وقد هددته المدرسة كثيراً بالطرد لكنها لم تفعل !
شاهين اليوم قد أراد أن يلقن جاهد درساً لا ينساه في حياته , وقد أوكل أحد
اصدقائه بمراقبتهم جيداً , وحين رأى جاهد وساهر خارجين مبتعدين
عن منزلهم الضخم أتصل على شاهين ليحضر وقد حصل اللقاء بينهم !!
......
شاهين يقف أمام جاهد بابتسامة قذرة يقول له بتحدي وهو يبادل نظراته لعيون
جاهد وساهر : شوف جاهد شوف جرح وجهي بعده ماطاب ! انت جيت من ورا ظهري و ضربتني و هربت بالضبط مثل الخروف التافه لكن اليوم انا بعلمك انك ماتلعب مع اللي اكبر منك يا بابا !!!
جاهد يصرخ بصوت يحاول تضخيمه : بعد ما كفختك جاي تقول هالكلام ؟
استح على وجهك و روح قبل لا احط لك علامة ثانية على وجهك !!
شاهين يرمي بسكين حادة في وجه جاهد الذي بدأت اطرافه بالارتجاف
حينما لمحها ليهمس ضاحكاً : انا ما احب اواجه واحد اعزل , امسك سكينك وخلينا نشوف يا جاهد مين الرجّال بيننا !
لم يستطع جاهد ان يكون جباناً , يحمل السكين بيديه ويحاول اخفاء ارتجافه
يديه , أما ساهر فيحاول ردعه و هو يصرخ : جاهد ماعليك منه هو جباان
لا تحمل السكين يا جاهد لا تضاربه !
لكن جاهد لا يستمع الى نصيحة صديقة و قلبه يخفق بشدة و غضبه يتزايد
في حين ان هذا الشاهين يطلق أشد انواع السبّ على عائلته الحبيبة
ولم يكتفي بذلك فقط , لكنه جعل الشرار يتطاير من عيني جاهد و هو يسمع ذلك
الأحمق يستحضر إسم والدته ليشتمها بكلمات غير لائقه هي الأخرى أمامه !
جاهد يحمل السكين لتدور مشاجرة عنيفه بينهما , لم يستطع ساهر الوقوف دون جدوى فقد شارك صديقة شجاره !
الرجل الذي لمحهم في البعيد سارع الركض و قلبه خائف على هؤلاء الأطفال
يصرخ بقووة : جـــــاهد !
لكن الآخر الذي كان يحاول تفادي الطعنات الموجهة له لم يستمع لصرخته
جاهد يحاول تسديد طعنة قوية لـ شاهين لكن القافز من البعيد يبعد شاهين
ليضع جسده أمام السكين لتخترق بطنه بقوة ويسيل دمه في الانحاء ........!
# ارائكم و توقعاتكم تهمني :$ !