قالت كايت :"إن اهتمام الآخرين بك قد يسبب لك الإزعاج أحياناً"
كانت تسير إلى جانبه فى ممرات الحديقة وهى تضع يديها فى جيبيها لتمنعها من احتضان فين لمواساته .
ـ عندما كنت أخرج مع ساب لم تكن بيللا و فوبى تكفان عن القول إنه لا يصلح لى . فى أعماقى منت اعلم أنهما على حق لكن ذلك لم يغير من الأمر شيئاً . لم اكن أستطيع مجادلتهما لأننى أعرف أنهما تحبانى وتهتمان لسعادتى لكننى كنت أحياناً أتمنى لو انهما تصمتان وتتركاننى وشأنى
تباطأت خطواتهما دون أن يشعرا ثم توقف فين وأخفض بصره لينظر إليها وعيناه الرماديتين تلتمعان بنظرة غريبة. وأخيراً قال :"نعم , هذا ما أشعر به تماماً مع ستيلا"
راحت الغيوم تتجمع فى السماء وما هى إلا لحظات حتى حجبت وجه الشمس فغدت السماء كلوحة ضبابية . أحست كايت كما لو أنهما معزولان عن كل من فى الحديقة . كانت تسمع بوضوح ضربات قلبها واندفتع الدم عبر شرايينها فيما تشع عينا فين الرماديتان ببريق فضى غريب
وما هى إلا لحظات حتى عادت الشمس إلى الظهور من خلف الغيوم وكأن أحدهما قد أضاء النور من جديد وعادت ألكس راكضة باتجاهما وهى تنادى ديريك . عندئذ التفت فين بعيداً عنها وشعرت كايت بالتشويش والارتجاف وكأن قلبها عالق فى حنجرتها كما شعرت بانقباض فى صدرها مما جعلها تتنفس بصعوبة . تنحنح فين وبذل جهداً واضحاً كى ينظر إلى ساعته ثم قال:"ربما يجدر بنا أن نعود الآن"
وفى طريق العودة شعرت كايت بالسرور لأن ألكس لم تكف عن الثرثرة . فقد كانت غارق فى أحاسيس غريبة وتشعر بالارتجاف فى أعماقها بشكل مربك.جعلتها أحاسيسها هذه متنبهة لكل حركة من حركات فين . إنها بحاجة على التماسك والسيطرة على نفسها ! فمن يراها يظن أنه كان يبثها أعمق مشاعر الحب والإلهام!
وجد فين مكاناً ليوقف السيارة بالقرب من منزلها وما إن أطفأ المحرك حتى سمعت نفسها تقول :"هل تودان النزول لتناول الشاى؟"
أخترق صوتها الصمت بطريقة مضحكة إذ بدا حاداً مرتفعاً وكأنها تشعر بالتوتر أو ما شلبه:"لقد صنعت بعض الكعك المحلى"
قالت ألكس بإستحسان :"أنا أحب ذلك! هل يمكن لـ ديريك ان يأتى أيضاً؟"
ـ بالتاكيد
فى الواقع قوبل ديريك باستقبال بارد جداً من هرّ كايت فقد كان هذا الأخير متكوراً بارتياح على الأريكة حين وصل ديريك وراح يلكزه بأنفه الرطب البارد فيما راح ذيله يلوح بتردد . وما لبث الهر أن نفش وبره وراح يهسهس مهدداً مبرزاً مخالبه استعداداً للقتال ,ما جعل ديريك يتراجع وهو يهمهم احتجاجاً . وسألت ألكس :"ما أسمه؟"
ـ نحن نسميه هرّ فقط . لقد كان تائهاً مثل ديريك لكنه بدا هراً برياً حين أحضرته إلى المنزل . كان يخدشنا ويعض أقدامنا ولم تسمح لى فوبى بأن أمنحه أسماً خشيت أن أتعلق به وأرغب بالاحتفاظ به لكننى حتى الآن لم أستطيع إيجاد منزل له . وهكذا مازلنا نناديه هرّ
قالت بللا فيما كانت تجلس على أحد الكراسى وهى تضع طلاء أظافر :"لن يرغب بالذهاب إلى أى مكان"
ثم تابعت تقول :"مهما قلت عن هذا الهر فهو ليس غبياً وهو يعلم أنه لن يجد من يعتنى به مثل كايت أينما ذهب"
وأبتسمت لـ فين وألكس لتكمل:"أنا واثقة أن كل الحيوانات الشاردة فى لندن تعرف أنها أنسانة رقيقة القلب فنحن دوماً نجد أمام الباب حيوانات بحالة بائسة وتحتاج إلى المساعدة"
رمقت كايت صديقتها بنظرة ذات معنى :"بيللا أنا واثقة من أنهما لا يرغبان بسماع مثل هذه القصص"
لكن لا شئ يستطيع إيقاف بيللا حيث تبدأ الكلام ثم أن ألكس قالت:"بل نرغب بسماعها"
انهمكت كايت بتحضير الشاى والكعك المحلى وهى تشعر بالارتباك بعد أن لاحظت أن عينى فين ترموقانها بين الفنية والأخرى أتراه يتساءل كيف يمكن لوكالة التوظيف أن تقبل بامرأة بلهاء مثلها؟
بعد قليل عادت تحمل الصنية حيث يجلس الجميع بارتياح ثم قالت :"آمل أن تكون قد لاحظت أن معظم تلك القصص هى من نسيج خيال بيللا"
فاحتجت بيللا :"هذا غير صحيح!"
لكن يبدو أن بيللا سّرت بالكعك المحلى فقالت:"يمكننى ان أخبرهما آلاف القصص عن براعتك فى الطهو "
فقال فين:"لقد سبق ان عرفنا ذلك"
راحت بيللا تنقل نظرها بين فين وكايت وبدأت العينان الزرقاوان بالتأمل . عندئذٍ أدركت كايت ان صديقتها قررت أن تطلق العنان لحسها التحليلى حول شخصية فين وأملت أن يكون هذا الأخير مستعداً لذلك . وقف فين وألكس كى يغادرا فقالت ألكس :"ما أجمل مطبخكما ! ليت مطبخنا يشبهه أليس كذلك أبى؟"
راقبت فين وهو يجول ببصره على الفوضى السائدة فى المطبخ.... الزجاجات الفارغة التى تنتظر وضعها فى القمامة....المجلات المبعثرة فى كل مكان...طلاء الأظافر الذى تتركه بيللا هناك باستمرار , الثياب الداخلية النسائية الموضوعة على منشر الغسيل بطريقة عشوائية....فبادرت تقول لـ ألكس بوقار:"إن نشر مثل هذه الفوضى فى غرفة يتطلب الكثير من الجهد لكننى أظن أن والدك يمكنه تدبر الأمر "
فضحك فين وشعرت هى وكان دواراً أصابها . وتراقص قلبها داخل صدرها ما إن ظهرت أسنانه البضاء و الغمازتين العميقتين فى خديه والمرح الظاهر فى عينيه.
كانت بيللا تلتهم آخر كعكة عندما عادت كايت وذلك بعد أن رافقتهما إلى السيارة . تبخر كل الابتهاج الذى شعرت به من قبل بعد أن ودعها فين .
لقد عانقت ألكس ودغدغت ديريك أما هو فقد ابتعد بخطوات ثابتة وكأنه يقول أن كل شئ قد عاد إلى ما كان عليه من قبل وكل ما قاله لها :"أراك غداً"
حسناً ما الذى تتوقعه غير ذلك؟ هل تتوقع منه ان يفتح ذراعيه ليضمها إلى صدره ام يودعها بعناق حميم؟
ردت كايت دون خماسة :"نعم أراك غداً "
غمغمت بيللا وفمها ممتلئ بالكعك المحلى:"ألا يبدو منطوياً على ذاته؟"
لم تستطيع كايت التظاهر بأنها لم تعرف ما تقصده بيللا بكلامها .
راحت تجمع آنية الشاى وقد بدا عليها الحزن :"إنه....متحفظ قليلاً"
منتديات ليلاس
ـ إنه كذلك فعلاً لم أر فى حياتى شخصاً يصعب صبر أغواره مثله.
شعرت كايت بقرصة من خيبة الأمل....بل بأكثر من قرصة إذا أرادت أن تكون صادقة مع نفسها إنها بالاحرى غصة او طعنة سكين أصابت أحشاءها . أزعجها ألا تتمكن صديقتها من سبر أغوار فين فـ بيللا ذات نظرة صائبة فى معرفة الأشخاص وهى أكثر خبرة منها فى ذلك.أرادت ان تسمع منها أن فين كان طيلة الوقت يلاحقها بنظراته....وهى واثقة من أن بيللا كانت لتدرك ذلك لو أن هناك أى أشارة أو لمحة من الحب تجاهها. لكن....لا شئ من هذا القبيل. منتديات ليلاس
هزت كتفيها بترفع وقالت:"ذلك لا يزعجنى على الاطلاق . فهو ليس سوى رئيسى المؤقت ولا يهمنى معرفة تفاصيل حياته الشخصية كلها"
لكن المشكلة هى أن بيللا تعرفها أكثر مما تعرف أى شخص آخر فقالت :"طبعاً!"
ثم وضعت ذراعها حول كتفى كايت ونصحتها قائلة :"لا تهتمى للأمر فهناك دائماً من هم أفضل منه بكثير"
* * *