كاتب الموضوع :
زهرة منسية
المنتدى :
سلاسل روايات احلام المكتوبة
2/ عالقان معاً !
منتديات ليلاس
حدقت كايت إلى عينى فين مباشرة وعلى وجهها ابتسامة مصطنعة كأنها تتحداه أن يعترف بمعرفتها السابقة ببعضها البعض .بادلها فين التحديق بنظرات باردة كالثلج.
قال جيب: "كايت,هذا فين ماكبرايد . أخبرناه كل شئ عنك"
فكرت كايت يا للروعة!ذلك يعنى أن فين يعرف الآن كم هى تعيسة فى حياتها . مدت يدها نحوه ولم يكن أمام فين سوى أن يصافحها . ثم قالت بصوت متهدج وهى تحاول الإحساس الذى انتابها ما إن تلامسم أصابعهما :"كايت سافيدج"
على الرغم من نفوره الواضح بدت لمسة يده دافئة ومتماسكة أكثر مما توقعت ما جعلها تسحب يدها من يده بسرعة وهى تشعر بالاضطراب .
قال جيب بمرح:"تبدين متصلبة جداً كايت على الأقل لست مضطراً إلى تعريفكما ببعضكما أنت و جوش"
ـ كيف حالك كايت ؟ لم أراك منذ مدة
بالرغم من شعورها المتزايد بالارتباك ردت كايت :"أنا بخير شكراً لك"
قالت فوبى بمرح وهى تناول كايت كوباً من العصير :"كان فين يخبرنا للتو عن معاناته الكارثية مع السكرتيرات اللواتى يعملن لديه بصورة مؤقتة وفكرنا أن بإمكانك إعطاءه بعض الأفكار الجيدة عن كيفية التعامل معهن"
آه لابد أن فوبى و جيب أخبراه أنها مساعدة شخصية ممتازة....ألا يكفى ما تشعر به من إذلال؟
أظهرت كايت ابتسامة متكلفة:"أحقاً؟يبدو لى أن الحصول على سكرتيرات بارعات ليس أمراً صعباً هذه الأيام.ما هى مشكلتك مع مساعدتك المؤقتة؟"
ألقى فين نظرة ذات مغزى على ساعة الحائط الموضوعة قرب الموقد قائلاً :"قبل كل شئ يبدو إنها لا تملك أى فكرة عن الدقة فى المواعيد...."
لا شك فى أنه وصل إلى هنا عند الثامنة تماماً حتى قبل أن يكون جيب و فوبى على استعداد لاستقباله...وأكمل فين :"كما لا يمكن الاعتماد عليها مطلقاً"
لا يمكمن الاعتماد عليها ؟ هى؟ رشفت جرعة من العصير بتحد ثم قالت:"يبدو أنك لا تقدم لها الحوافز الكافية لتعمل بجهد لأجلك . ما هى المشكلة برأيك؟"
هز فين كتفيه :"أظنها من النوع المتكاسل . يبدو أنها تعيش فى عالم من الخيال أيضاً"
أحمر وجه كايت رغماً عنها لتلميحه هذا وقد تذكرت ما اخبرته به عن موعدها مع ويل المزعوم الذى يعمل خبيراً إقتصادياً . لابد أن جيب وفوبى قد أخبراه عن علاقتها الكارثية بـ ساب.لكن حتى ولو لم يفعلا فقد أدرك الآن أن القصة التى أخبرته إياها ليست صحيحة.فلو كانت لديها صديق يعمل خبيراً إقتصادياً لما كانت بحاجة إلى أن يدبر لها أصدقاؤها موعداً مع رجل آخر . خنقت كايت تنهيدة .هل يمكن للأمور أن تكون أسوأ من ذلك؟
قالت فوبى بنبرة مخلصة:"قد يكون الرؤساء نكدون أحياناً أيضاً . كايت اخبريهم عن رئيسك المريع إنه يبدو فظيعاً "
آهـ نعم يمكن أن تكون الأمور أسوأ بعد.....
قال فين وقد توترت شفتاه:"أحقاً ؟ أخبرينا عنه"
حسناً فليكن! هاهى تجد الفرصة لتخبره عن رأيها فيه أليس هو من سبب لها الإحساس بالنفور ؟
ـ إنه فظ وغير سار مطلقاً . حتى أنه لا يتحلى بأبسط مبادئ اللياقة الاجتماعية فهو بالكاد يكلف نفسه عناء أن يقول "صباح الخير"حتى إننى اضطررت لأن أطلب منه ان يتحدث معى بتهذيب كأن يقول "من فضلك" و"شكراً"
نظرت كايت إلى عينيه مباشرة وقالت :"هذا ليس مبرراً ليكون المرء عديم التهذيب"
وساندتها فوبى لتقول :"إنه يحرم على الموظفين استعمال الهاتف لمكالمتهم الشخصية . دائماً تضطر كايت إلى قطع المكالمة من منتصفها عندما نكلمها فى المكتب فتقطع حديثها ما إن يفتح باب مكتبه . إنه يسبب الإحباط !"
بدا واضحاً أن فوبى لم تلاحظ ذلك التيار من النفور المتبادل بين كايت وفين بحيث استدارت نحو فين قائلة :"أنت تسمح لموظفيك باستعمال الهاتف أليس كذلك؟"
رمق فين كايت بنظرة خطيرة وأجاب :"أنا لا أشجعهم على ذلك"
فكرت كايت أن أفضل ما تقوم به الآن هو إظهار اللامبالاة فمن الواضح أن الفرصة لن تتاح لها بعد اليوم لاستعمال الهاتف فى المكتب....حتى إنها قد لا تعود إلى تلك الوظيفة أبداً.فتدبير موعد لها مع رئيسها هو مسألة مربكة إلى حد يفوق الوصف.وهكذا قررت المضى فى الحديث حتى النهاية :"إن السماح للموظفين باستعمال الهاتف والبريد الالكترونى أمر حيوى جداً يرفع من معنوياتهم . إذا تعاملت مع الموظفين على أنهم بشر ولهم حياتهم الخاصة خارج إطار العمل أظن أن إنتاجيتهم سوف تزداد"
رد فين بحدة:"لكن الإنتاجية لدينا مرتفعة لا تشوبها شائبة"
وهذه المرة أثارت حدته انتباه الآخرين فراحوا ينظرون إليه بفضول ما جعله يبذل مجهوداً للتحكم بمزاجه . فقال بلهجة أكثر اعتدالاً :"هناك فارق كبير فى استعمال الهاتف لحاجات ضرورية أو لحل بعض المشكلات أو قضاء ساعات فى الثرثرة عبر الهاتف مما يترتب على ذلك من إضاعة للوقت"
سألت كايت بنعومة:"ألا تقوم سكرتيرتك المؤقتة بما يتوجب عليها القيام به؟"
أعترف بتذمر :"بلى , لكن على طريقتها فى محاولة واضحة لتقريبهما من بعضهما البعض قال جيب:"ربما يجدر بك أن تعملى مع فين.لابد أن ذلك أفضل من العمل مع رئيسك الحالى كايت"
قالت كايت وكأنها تأثرت فعلاً بهذه الفكرة :"يا لها من فكرة!هل لديك وظائف شاغلة فى الوقت الحالى؟"
أجاب فين بنزق :"من المحتمل جداً ان تأخذ مساعدتى المؤقتة إجازة فى الفترة القادمة لكن لا أظن أن الأمر يثير اهتمامك . بالطبع فأنت ذات مؤهلات عالية! أخبرنى جيب وفوبى أنك أنت من يدير الشركة فعلياً حيث تعمليت الآن.أنا لست واثقاً من أن بإمكانى تقديم عرض يثير اهتمامك "
سخريته هذه جعلت الاحمرار يعلو خديها لمنها قالت بغطرسة:
"حسناً على أى حال أنا أفكر فى الوقت الحاضر بتغيير عملى "
وإذا بالثلاثة الآخرين يقولون معاً:"أحقاً؟"
قالت وهى تدرك أن هذه الفكرة سيئة:"نعم" وتابعت :"لقد سئمت من معاملتى كمخلوق من الدرجة الثانية لذا أفكر بأن....كيف أقولها ؟ أختار مهنة أقل تطلباً"
رد جوش مشككاً:"مهنة اقل تطلباً؟"
بدا واضحاً أنه يتساءل إن كان من المحتمل أن تتنازل عن وظيفتها الحالية
ـ أنا أفكر بنوع من التغيير أود أن أقوم بشئ مختلف عن المألوف أستغل فيه مواهبى
ـ وما هى تلك مواهبك بالضبط؟
قال فين ذلك وقد رفع حاجبيه بسخرية تناقض الاهتمام الظاهر فى صوته.
حسناً ما هى المواهب التى تتمتع بها؟شعرت كايت فى تلك اللحظة أن خيالها الخصب قد خذلها وهى فى أمس الحاجة إليه . إلا أن فوبى التى لازالت تعتقد أن كايت يمكن ان تكون زوجة مثالية لـ فين حثتها قائلة:"إنها طاهية ممتازة"
وفى تلك اللحظة بالذات تذكرت كايت أن وجود فين هنا يعنى أنه أرمل.لقد شعرت بالصدمة حين رأته حتى أنها لم تستطيع التفكير إلا بالإحراج الذى شعرت به والعداوة التى قامت بينهما .والآن شعرت فجأة بالأسى عليه إذ أدركت أن تلك الفتاة الرائعة الجمال المشرقة الملامح فى الصورة على مكتبه هى زوجته المتوفية .لا عجب أن يبدو دائماً متجهم الوجه.أحست بوخزة من الشعور بالذنب لأنها كانت تفكر دائماً أن فين فظ وقاس.
واستمر الآخرون يلمعون صورتها بحماقة فإذا بـ جيب يقول :"كايت بارعة جداً فى التواصل مع الآخرين إنها تتعامل بشكل جيد مع الجميع"
قال جوش بجفاء :"ليس فقط مع البشر وإنما هى جيدة فى التعامل مع الحيوانات أيضاً . فوبى هل تذكرين ذلك الكلب الذى وجدته فى النادى ؟"
ارتعدت فوبى بمبالغة:"يا إلهى ! طبعاً أذكر"
فيما كشر جوش قائلاً لـ فين:"لا زلت أصحو فى بعض الأحيان والعرق البارد يتصبب منى وأنا أفكر بذلك الكلب المسكين . يومها واجهت كايت رجلاً حليق الرأس ذا يدين كبيرتين ورقبة قصيرة وقد غطى جسمه بالوشم . كان الرجل يزمجر بغضب ويشتم كلبه بقسوة فقالت له كايت إنه لا يستحق أن يحتفظ بالحيوان وأخذته بعيداً عنه . يومها قلنا لـ كايت إنها فكرة سيئة وإن عليها أن تدع الأمر للجهات المختصة برعاية الحيوانات . بإختصار كانت تبدو بنصف حجم ذلك الرجل لكنها لقنته درساً"
ظهرت فى عينى فين ومضة من الاهتمام :"ما الذى حدث للكلب بعدئذٍ ؟"
قال جوش :"لقد أخذته كايت.كان كلباً من النوع الألمانى المتوحش . أنا شخصياً لم أرغب مطلقاً بالاقتراب منه, لكن كايت سرعان ما راحت تطعمه من يدها "
ثم التفتت نحو كايت:"ماذا فعلت بعدئذٍ؟"
لم تشعر كايت بالارتياح بعد هذا الإطراء الواضح من قبله لكنها أوضحت :"أخذته إلى منزل والدىّ لقد أفسداه كثيراً حتى الآن فغدا سميناً جداً"
رمقها فين بنظراته :"هل تظنين أن الكلب يهتم حقاً بذلك؟"
ـ لست أدرى
والتقت عيناها بعينيه بتحد . لِمَ يجعلها أمثال فين تشعر دائماً بإنها غبية وعاطفية حين يتعلق الأمر بالحيوانات ؟ مع ذلك أكملت تقول :"لكن على أحدهم ان يهتم لأمره"
وساد الصمت للحظات....ثم قال موجهاً كلامه إلى فين :"حذار قد تبدو كايت رقيقة ولطيفة , لكن لا يجرؤ أحد على إساءة معاملة أى حيوان أمامها وإلا سوف يجد نفسه فى ورطة كبيرة فهى عندما تغضب تتحول إلى نمرة شرسة"
شعرت كايت لأن خديها يشتعلان بالنيران حين رمقها فين بنظرة سريعة من عينيه الرماديتين الباردتين ليعود فيلتفت ويقول:"سوف أتذكر ذلك"
فى تلك اللحظات أشارت إليهم فوبى بالتوجه إلى غرفة الطعام وهى تقول :"ما تحتاجه كايت هو منزل فى الريف حيث يمكنها أن تربى الدجاج والكلاب وتأوى المتشردين الذين يمرون فى الأنحاء من البشر والحيوانات على السواء "
قالت كايت معترضة :"كلا, ليس هذا ما أريده"
منزل كبير فى الريف يبدو فكرة هائلة لكن ذلك يجعلها تبدو متلهفة إلى الزواج وهى تريد لـ فين أن يفكر أنها تتوق يائسة إلى إيجاد زوج.
قالت بنبرة متغطرسة :"أنا فتاة مدينية حقاً ولا أظننى قادرة حتى على صنع المربيات. كنت أفكر بالتوجه إلى مجال العلاقات العامة...."
توقفت عن الكلام عندما أنفجر جيب , جوش و فوبى بالضحك حتى أن فين أبدى ابتسامة اخرة ما جعلها تشعر بالإهانة فسألت :"ما هو المضحك فى الأمر؟"
ـ عزيزتى كايت أنت لست من الصلابة بحيث يمكنك العمل فى هذا المجال فأنت تأخذين دوماً جانب الضعفاء والمساكين وهذا لن يعجب زبائنك على الإطلاق.
سارت الأمور من سئ إلى أسوأ أثناء تناول العشاء ,عندما استلمت فوبى زمام الحديث فسألت فين عن ابنته بطريقة تخلو من اللباقة:"ما أسمها؟"
بدا فين غير راغب فى الإجابة لكنه قال:"ألكس"
كايت لا تلومه إذ يمكنه أن يفهم بوضوح مغزى هذا السؤال كما فهمته هى تماماً,فهو يعنى أنه بحاجة إلى الزواج ثانية ليؤمن لابنته أماً بديلة .
أضاف فين :"عمرها تسع سنوات"
قالت فوبى :"لابد أنك واجهت صعوبة فى تربيتها لوحدك"
هز فين كتفيه :"كانت ألكس فى الثانية من عمرها فقط حين توفيت إيزابيل . وهكذا اضطررت إلى الأستعانة بعدة مربيات إلا أنها لم تتقبل أياً منهن . وبع ذهابها إلى المدرسة استعنت بمدبرة منزل تأتى إلينا كل يوم فهى تحضر ألكس من المدرسة وتطهو لنا طعام العشاء كما تبقى معها أحياناً عندما أتأخر فى العودة من العمل"
بدا صوته خالياً من الانفعال وكأن أبنته الصغيرة هى مسألة عملية أخرى عليه ان يجد لها حلاً .شعرت كايت بالأسى من أجل ألكس الفتاة المسكينة التى فقدت امها.فهى قد نشأت مع أربعة أخوة ما جعلها تشعر أن ألكس تعيش وحيدة مستوحشة . إن العيش مع مدبرة المنزل و والد مثل فين ليس أمراً ممتعاً البتة ,لا سيما إذا كان فين يبدو مضجراً كما هو الليلة . من المؤكد أن تجاهل فين الذى يجلس إلى جانبها بهيئته الصارمة وإعطاء إنطباع بأنها لا تهم به البتة هما أمران فى غاية الدقة.فقد بدا واضحاً أنه يرى كل ما تقوله كايت سخيفاً ما جعلها تشعر بالتوتر ودفعها توترها إلى الثرثرة أكثر فأكثر وهكذا راحت تدور فى حلقة مفرغة . ومع تقدم السهرة وجدت أنها أكثرت من الكلام بصوت مرتفع إلى حد مزعج . خاصة عندما راح فين ينظر إلى ساعته وكأنه لم يعد يحتمل البقاء هناك مطلقاً . وبعد قليل دفع كرسيه إلى الوراء تفادياً لأى اعتراض وقال :"علىّ أن أذهب"
فقال جيب لـ كايت مبتسماً :"أظن أنه يجدر بك أن تغادرى أنت أيضاً وإلا فلن تتمكنى من الذهاب إلى العمل غداً"
أغمضت عينيها قليلاً ثم تأوهت محتجة :"لا تذكرنى بالعمل الآن!"
لكن جيب سأل فين:"هل بإمكانك أن توصلها فى طريقك؟ إذ من الأفضل ألا تذهب وحدها فى مثل هذه الساعة"
احتجت كايت على الفور وهى ترفع رأسها بحدة :"أستطيع تدبير أمرى"
وافقتها فوبى بلطافة :"نعلم ذلك عزيزتى لكن يمكن لـ فين أن يوصلك إلى المنزل فى طريقه "
ـ لِمَ لا يوصلنى جوش؟
قال جوش ببرودة:"لأننى لم آتِ بالسيارة الليلة كما أننى أسكن فى الجهة الأخرى من المدينة"
لم يستطع فين أن يجدر عذراً ليتملص من مرافقتها ومع أن الأمر لم يسعده مطلقاً إلا أنه قال بتهذيب :"يسعدنى أن أقلك معى"
فى الخارج كان الطقس ممطراً والحرارة متدنية حتى كاد المطر يتحول إلى ثلج . وقف فين منتظراً باستسلام إلى أن لبست كايت معطفها .رافقتها فوبى إلى الخارج وراحت تزرر لها المعطف ثم عانقتها وتمنت لها ليلة سعيدة قبل أن تتركها فى عهدة فين.شكرتها كايت على السهرة والعشاء واستدارت لتسير فى الممر بإتجاه السيارة لكن الأرض كانت زلقة تحت كعبى حذائها المرتفعين فترنحت وكادت تسقط أرضاً لو لم يسارع فين إلى الإمساك بذراعها ليمنعها من السقوط وقال بصوت حاد:"حاذرى!"
ـ آسفة لكن أرض الممر زلقة كالصابون
قالت ذلك وقد أجفلتها قبضة يديه الحديدة على ذراعها . حاولت أن تسحب ذراعها من بين أصابعه ولكن فين أصر على مساعدتها فتأبط ذراعها إلى أن وصلا إلى السيارة .أزعجها أن يعاملها كطفلة صغيرة وما أن فتح لها باب السيارة حتى جلست فى المقعد مقطبة الجبين . أغلق فين الباب بقوة تعبيراً عن سخطه .
كان المطر ينهمر بغزارة فيضرب بقوة على زجاج السيارة ما جعل المساحة حولهما تتقلص إلى حد بعيد . كان الضوء الأخضر الخفيف المنبعث من لوحة أجهزة القياس فى السيارة ينعكس على وجه فين فيبرز عظام خديه وينير جوانب فمه القاسى.راحت كايت تراقبه من تحت رموشها وقد أرهبتها تلك البراعة والثقة بالنفس اللتان يتحلى بهما . وقد بدا ذلك جلياً من طريقته فى قيادة السيارة . بدا لها ذلك الأمر سخيفاً فوبخت نفسها فى سرها إنه فين نفسه ذلك الرجل البغيض والرئيس المزعج والضيف الثقيل وإن بدا لها شهماً بصورة مؤقتة . إنها لا تطيقه أبداً فلِمَ إذاً أصبحت فجأة معجبة بوسامته
ـ فى أى اتجاه على أن أذهب؟
أجفلها سؤاله المباغت الذى قطع الصمت بينهما.
ـ ماذا؟
ـ طلب منى جيب أن أوصلك إلى منزلك وأفترض أنه يعرف عنوان سكنك أما أنا فلا.
تململت كايت فى مقعدها وقد أرهبها فكرة اهتمامها المفاجئ به ما منعها من الرد على سخريته بطريقتها المعهودة . راحت ترشده عبر الطرقات المعتمة فيما كانت مساحات الزجاج تتحرك بصورة رتيبة . كان الصمت يلفهما إلى حد لم تعد كايت تحتمله .
ـ لِمَ لم تخبر جيب وفوبى بإنك تعرفنى؟
رمقها فين بنظرة سريعة وقال بإقتضاب :"ربما لسبب نفسه الذى فكرت أنت به كى لا يصبح الموقف أكثر إرباكاً مما هو عليه"
بدت نبرته جافية إلى حد جعل كايت تعود إلى التزام الصمت من جديد وشعرت بالارتياح ما أن وصلا إلى الشارع المؤدى إلى منزلها . ما أن ضغط على مكابح السيارة حتى راحت كايت تتحسس مقبض الباب ثم غمغمت :"شكراً لك,أرجو ألا تكون قد ابتعدت كثيراً عن طريق منزلك"
فتحت باب السيارة وعلى الفور تساقطت على وجهها حبات المطر المتجمد فارتدت على الداخل بحركة غريزية وهى تقول :"يا لها من ليلة فظيعة!"
أطلق فين شتيمة فى سره ثم راح يبحث فى المقعد الخلفى عن مظلة قائلاً "أنتظرى"
نزل من السيارة منتديات ليلاس وفتح المظلة ليصل بسرعة إلى الباب الآخر :"سوف أوصلك إلى باب منزلك"
ـ سأكون بخير حقاً , لا داعى لأن....
منتديات ليلاس
ـ أسرعى بالخروج من السيارة فكلما أسرعت كلما تمكنت من الوصول فى وقت أبكر إلى منزلى
قال فين ذلك من بين أسنانه ,نزلت كايت من السيارة كارهة والتجأت إلى حماية المظلة . ومع أن الهواء البارد راح يلسع مؤخرة عنقها فقد شعرت بالاطمئنان لوجودها بالقرب من فين فهو طويل القامة متين البنية . وأحست برغبة غريبة تدفعها لأن تغمره بذراعها وتستند إلى دفء جسده لتشعر بقوة جسمه وصلابته.
لحسن الحظ أن فين لا يستطيع قراءة أفكارها . وسمعته يقول :"هيا , لنتحرك قبل أن نتجمد من البرد أين هو المنزل؟"
توجها معاً نحو الرصيف وكانت تترنح فوق كعبى حذائها المرتفعين فى محاولة للحاق بخطواته الواسعة.سألها وهو يحمل المظلة فوق رأسيهما بنفاد صبر:"بحق السماء! لِمَ لم تنتعلى حذاء مريحاً أكثر من هذا فى قدميك؟"
كانت أسنانها تصطك حتى إنها بالكاد تمكنت من الكلام :"لو علمت بأن رحلة العودة ستكون بهذه الصعوبة لفعلت"
لكنها كانت ممتنة بطريقة ما لهذا الطقس الردئ الذى يساعدها على تمويه ارتجاف قدميها و صوتها . ولو لم يكن الطقس كذلك لبدا ارتجافها واضحاً ولما عرفت ماذا ستفعل حينها .لابد أن فين سينفجر غاضباً إذا ما رمت بنفسها عليه أو ربما...سيعانقها وهما سائران تحت المظلة.
ظلت مستغرقة فى أفكارها حتى وصلا أمام باب منزلها وكان فين ما يزال حاملاً المظلة فوق رأسيهما فيما راحت تبحث فى حقيبتها عن المفتاح.كانت يداها ترتجفان وكذلك أسنانها فوجدت صعوبة فى إدخال المفتاح فى القفل . لم يعد فين يطيق صبراً فحاول أخذ المفتاح من يدها لكن ما أن لامست أصابعه يدها حتى أجفلت وتراجعت إلى الوراء فسقط المفتاح من يدها فى بقعة تجمعت فيها مياه الأمطار . انحنت لتلتقطه وهى تكاد تموت خجلاً فيما فتح فين كفه لتضع فيه المفتاح الذى بات ملطخاً بالماء والقذارة
فتح فين الباب ودفعه إلى الداخل دون ان ينطق بكلمة واحدة.فقالت كايت بارتباك :"شكراً لك وشكراً لأنك أقليتنى بسيارتك"
الجواب الطبيع المتوقع من فين هو: من دواعى سرورى , لكنه بدلاً من ذلك قال :"أراك غداً فى المكتب "
حسناً إذا أراد أن تكون الأمور هكذا فهى لن تدعوه إلى الدخول!
شدت معطفها بيديها قائلة :"هل أنت واثق من أنك مازالت تريدينى فى العمل؟"
رمقها بنظرة من نظراته التهكمية :"لهذا السبب بالذات أدفع لك أجراً "
ـ لكننى ظننت أننى "كارثة" بالنسبة إليك.
وافقها فين :"مع أنك لا تحققين نجاحاً باهراً كسكرتيرة لكنك الأفضل فى الوقت الحالى . وكما تعلمين سوف نوقع اتفاقية هامة فى اليومين القادمين ,ولا يمكننى إضاعة الوقت بشرح الأمور لسكرتيرة أخرى.لذا نحن عالقان معاً"
ـ حسناً شكراً لك على هذه الثقة.
ـ أنت لم تتردى فى التعبير عن مدى استيائك للعمل معى لذا لا أرى داعياً لمراعاة مشاعرك.من جهة أخرى أنت لا تريدين خسارة وظيفتك فى الوقت الحالى وأنا لا يمكننى إضاعة الوقت لإحضار سكرتيرة أخرى "
رفعت كايت ذقنها وقالت:"هل تقصد حقاً أننا عالقان معاً؟"
ـ بالضبط لذا علينا أن نبذل جهدنا لجعل الأمور على أفضل حال.
ثم نظر إلى وجهها من تحت المظلة مقترحاً:"أنصحك بأن تشربى شراباً ساخناً قبل الخلود إلى النوم . لدينا الكثير من العمل غداً لذا أرجو ألا تتأخرى"
تلمست كايت المنبه وهى ما تزال مغمضة العينين . أجبرت نفسها على فتح إحدى عينيها لتنظر إلى الساعة وما أن لبثت أن أانتفضت مطلقة صرخة مصحوبة بأنين حركتها السريعة تلك جعلتها تشعر بألم فى رأسها وكأن فأساً سقطت عليه فرفعت يداً مرتجفة لتمسك به وكانها تريد التأكد أنه لا يزال مكانه . ما الذى سيقوله فين إذا تأخرت عن العمل اليوم أيضاً !!
وصلت إلى المكتب قبل أقل من دقيقة على موعده بدء دوامها كان فين قد وصل قبلها بالطبع . نظر إليها من فوق نظرتيه وهى تدخل مستندة إلى الباب وقال :"تبدين فى حالة مريعة"
قالت بصوت خفيض أجش :"أشعر بالسوء لابد أن السهر و الطقس البارد قد أثرا على بشكل سلبى"
غمغم فين :"آمل أنك لا تتوقعين منى أى تعاطف"
وقبل ان تتذكر أن وظيفتها غدت على المحك قالت بنبرة لاذعة :"كلا . لا أتوقع حصول أى معجزة اليوم"
حذرها قائلاً :"من الأفضل أن تكونى فى حالة جيدة إذ لدينا الكثير من العمل اليوم "
أمسكت كايت رأسها بيديها و وعدته :"سأكون بخير بعد تناول فنجان من القهوة"
التقط فين التقارير ليقرأه مرة أخرى وقال كأنه يصرفها:"لديك خمس دقائق فقط"
توجهت كايت إلى آلة صنع القهوة لتملأ كوباً مزدوجاً محاولة تجاهل أصوات رنين الهاتف وطقطقة آلات الطباعة الالكترونية . يكفها ما تشعر به من تشويش داخل رأسها .
لم تزدها القهوة إلا سوءاً . تأوهت كايت والقت برأسها فوق طاولة المكتب وغمرته بذراعها ها هى تستسلم....
جاء صوت فين من فوق رأسها . وسمعت حركة بالقرب من أذنها وكان كوباً قد وضع على طاولة المكتب.
ـ هاك , أحضرت لك كوباً من الشاى مع حبتين أسبرين
ذكر الأسبرين كان كافياً لجعل كايت ترفع رأسها بحذر فتمتمت :"شكراً"
أبتلعت حبتى الأسبرين ورشفت رشفة من كوب الشاى . بعد دقائق بدأت تشعر بالتحسن . كان فين يقف مستنداً إلى حافة مكتبها وهو ينظر مقطباً إلى ملف يحمله فى يده. فكرت كايت وهى ماتزال مشوشة الذهن أنه يبدو دوماً مقطباً ,هل هو كذلك مع الجميع ام معها فقط ؟ أخيراً أذعنت للزاقع فوصولها متأخرة إلى العمل وتذمرها ليسا على الأرجح الطريقة الفضلى لجعله يبتسم.
* * *
|