كاتب الموضوع :
زهرة منسية
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
تمتم جود بصوت اجش :"جبانة!"
تصلب كتفا ماى بينما كانت توزع العلف فى حظيرة الخراف ما جعل جود يدرك أنها تنبهت لوجوده خلفها . إلا أنهالم تبذل أى جهد كى تستدير وترد على اتهامه . لأن اتهامه هذا بدا تحدياً واضحاً بكل تأكيد.
بعد ان جلست أبريل قابلته على طاولة العشاء فى الليلة الماضية استدار ليبحث عن ماى ورفيقها فى أنحاء المطعم ولم يصدق عينيه عندما أكتشف بأنها لم تكن هناك!
زم جود فمه وقال :"ماى, قلت...."
استدارت بحدة كى تواجهه قائلة:"سمعت ما قلته"
كانت ملامحها تنم عن تحدٍ بارد بينما راحت تنظر إليه متسائلة رفع حاجبين ساخرين داكنين وقال :"حسناً؟"
وردت عليه بمرارة :"حسناً ماذا؟"
هز جود رأسه باستياء وقال :"دعينا لا نبدأ من جديد ! لِمَ غادرت الفندق بسرعة فى الليلة الماضية؟"
ـ هل فعلت ذلك حقاً؟
ردت عليه بلا مبالاة . من الواضح أنها تتجاهل الخيبة التى يشعر بها وذلك من طريقتها فى الرد على أسئلته بسؤال من عندها . أتراها تتعمد ذلك ؟ هذا أمر محتمل كما أعترف فى سرره بتردد ظاهر .
عبس جود وهو يقول :"تعرفين جيداً بأنك فعلت ذلك "
قالت ماى بقسوة:"أنا مندهشة لأنك لاحظت مغادرتنا إذا ما أخذنا بالحسبان هوية من كان يشاركك بتناول العشاء"
أضافت عبارتها الأخيرة بلهجة تأنيبية
أضحت ابتسامته ساخرة الآن فتمتم برضا كبير :"آه ! هل تعرفت عليها ؟"
ضحكت ماى بسخرية أيضاً :"مثلما تعرف عليها كل من فى القاعة ! كيف يستطيع أى شخص أن يتجاهل أبريل روبين تلك الممثلة الجميلة "
لم يستحسن جود تلك النبرة التوبيخية فى صوت ماى عندما تكلمت عن أبريل لا سيما أنه تعرف على تلك الممثلة الحسناء منذ عدة شهور ولم يلمس عندها إلا مشاعر الدفء و السحر . أما صبرها فكان بدون حدود مع المعجبين الذين كانوا يقطعون عليها خلوتها . ففى مساء اليوم السابق عندما كانا يتناولان وجبتهما حضر عدة أشخاص إلى طاولتهما يطلبون منها التوقيع على مفكراتهم ولم ينصرف أى منهما خائباً
منتديات ليلاس
إلا أن جود قال بمرارة :"لكن من المؤكد أن صديقك دافيد وجدها ساحرة عندما حضر إلى طاولتنا لإلقاء التحية عليها"
أخذتها مفاجأة بسبب ما قاله جود فلم تستطيع أن تخفى ردة فعلها . شحب خداها قليلاً وغدا اللون فى عينيها الخضراوين أكثر عمقاً ثم هزت رأسها باستنكار قائلة :طلا أفهم قصدك"
ـ أعنى من الواضح بأن أبريل وصديقك دافيد يعرفان بعضهما البعض.
إلا أن العبوس علا وجهه وهو يرى ماى تزداد شحوباً . فقبل يومين أكدت له بأنها غير مهتمة بدافيد ميلتون . وفى الواقع أكدت له بأن دافيد مليتون لا يعنى لها شيئاً برغم تودده الواضح إليها لكن ردة فعلها الآن على معرفة ذلك الرجل بـ أبريل الحسناء توحى بعكس ذلك تماماً....
مررت ماى لسانها على شفتيها الجافتين قبل أن تبتلع ريقها بصعوبة وقالت: "ما شأنى أنا بذلك؟"
كان على وشك أن يهزها أو حتى....أن يعانقها مرة ثانية . لكن لم تكن أى من الفكرتين بالفكرة الصائبة فقد عرف نتائج مثل هذا التصرف قبل يومين .
أستطاع جود أن يتنفس بعمق وقال:"فى الواقع أتيت إلى هنا يا ماى كى أطلب منك تناول العشاء معى هذه الأمسية "
عدلت ماى وقفتها ونظرت إليه بسخرية وهى تقول :"أحقاً ؟"
أكد لها بجفاء :"حقاً"
هزت رأسها وأجابت :"لديك إذن طريقة غريبة لتقديم الطلب"
ربما يرجع ذلك إلى أن طلبه أصبح ثانوياً مقارنة بالحديث عن صداقتها لـ دافيد ميلتون . لكن آن الأوان لنسيان كل شئ بشأن مليتون وأبريل والتركيز فقط على ما يريده من هذه المرأة . تأوه باحباط وقال:"حسناً لنبدأ من جديد أيمكننا ذلك؟ هل تقبلين دعوتى لتناول العشاء معى هذا المساء؟"
ردت عليه بسرعة:"شكراً لك، لكن جوابى يبقى لا !"
عبس جود إزاء عنادها وقال :"هل دعاك دافيد إلى تناول العشاء معه هذه الأمسية أيضاً؟"
ابلغته ماى بسخرية وهى تستمتع بخيبة أمله :"لا.....بل دعانى لتناول الغداء"
نظر إليها جود بمرارة وأجاب :"إذن من هو الرجل المحظوظ هذه الليلة؟"
حركت ماى حاجبيها الداكنين قائلة:"هل تتعمد الإهانة جود أم أن الأمر فطرى معك؟"
تحرك فمه بجدية وأجابها :"ربما الأمرين معاً...:ما أعتقد"
فوجئ جود وهو يراها تضحك بنعومة وعيناها تلمعان بخضرة داكنة ما أظهر الغمازتين بجانب انحناءى شفتيها الناعمتين . يا الله كم تبدو جميلة ! قال جود ذلك فى سره . لم تكن تضع أى مساحيق تجميل ظاهرة وكان شعرها مرفوعاً إلى الخلف ومربوطاً بعصابة مطاطية وهى ترتدى ملابس عملها المعتادة ومع ذلك فقد حافظت على جمالها الساحر . قال جود بنبرة لا تخلو من المرارة : " لعلك لا تمانعين الإجابة على سؤالى؟"
هزت ماى رأسها بخفة وهى تجيب :"أظن بأننى قد فعلت ,طلبت منى تناول العشاء معك وانا رفضت"
ثم أضافت وهى تنظر إليه بتمعن :"مع اننى أستغرب توقعك أن تحصل على أى نوع آخر من الأجابة"
أجابها بجفاء:"أ لأن والدتك ربتك كى تكونى مهذبة؟"
لكنه سرعان ما أدرك خطأه لأن والدتها توفيت حين كانت الأخوات الثلاث مجرد طفلات صغيرات . اصبحت عينا ماى الآن أقسى من الحجارة وبقى فمها دونما ابتسام ثم قالت بكل برودة:"لم تعلمنى والدتى أى آداب"
وأضافت بسخرية قاسية :"مع أننى ولمرة أخرى أستغرب اعتقادك بضرورة أن أكون مهذبة معك"
هز جود كتفيه وقد بدا يشعر بحرارة الجو هنا خصوصاً أنه يرتدى كنزة سميكة وبنطلوناً من الكتان الأزرق الباهت . وقال:"ربما لأننى أحضرت لك طعام العشاء تلك الليلة؟"
أرسلت ماى نظرة حائرة باتجاهه وقالت:"فى تلك الحالة ألا يجدر بى أن أدعوك انا إلى العشاء معى؟ لأرد لك الجميل على الأقل"
التمعت عينا جود برضا ظاهر وقال :"مع أنها ليست بألطف دعوة تلقيتها فى حياتى لكننى أقبلها"
بدت ماى مندهشة وهى تدرك الفخ الذى نصبه لها جود و التى وقعت فيه بسبب عدم اهتمامها فقالت :"انتظر لحظة....."
قلا جود بخفة :"تأخرت يا ماى أنت دعوتنى وأنا قبلت"
ـ أنا لم أفعل.....
منتديات ليلاس
أكد لها جود ساخراً , قد شعر بالتسلية لأنه أربكها هذه المرة :"بالطبع لقد فعلتِ"
قالت معترضة وقد أصيبت بخيبة أمل :"لكن على حضور اجتماع للممثلين المسرحيين الهواة هذه الليلة"
قال جود دونما اكتراث :"اقترح عليك فى ههذه الحالة أن تتغيبى عن الاجتماع . سأتركك الآن لأحجز فى المطعم. أتسمحين ؟ أفضل الطعام الفرنسى إذا كان ذلك ممكناً لكن إذا غير ممكن...."
قاطعته بنفاد صبر قائلة :"إذا كنت تتوقع منى تقديم العشاء لك فسوف تحصل على الطعام الذى تعده ماى فى مطبخها....و سوف تحبه"
أعرب جود عن قبوله العرض قائلاً :"يبدو ذلك عظيماً بالنسبة لى هل يناسبك موعد السابعة ونصف؟"
ـ نعم , ولكن.....
تابع جود كلامه بسرور مستمتعاً بتعابيرها المشوشة :"إذن موعداً عند السابعة ونصف ماى"
حدقت إليه بسخط تام قبل أن تنفجر فى وجهه غاضبة :"إنك أشد الناس غروراً وتلاعباً بين كل الذين شاء سوء حظى ألتقيهم !"
كشر جود وهو يرد عليهلا بخفة :"لا يلتقى المغرور إلا بمغرور مثله"
اتسعت عيناها بكبرياء قائلة :"ليست مغرورة أو متلاعبة بأى شكل من الأشكال "
قال ساخراً :"ألست مغرورة ؟ حسناً لعلنى لا أعرفك بما يكفى كى أعطيك رأياً ذا مصدقية"
توهجت عينا ماى بالغضب وقالت:"ربما لم تعرفنى على الإطلاق لتعطى رأيك بى"
هز كتفيه وقال بلا مبالاة :"علينا إذن أن ننتظر ونرى , أليس كذلك؟ سأغادر كى تستأنفى عملك الآن لأنك كما يبدو مرتبطة بموعد غداء آخر هذا اليوم"
إذا ما أقتنع بإنها غير مكترثة بدافيد ميلتون فيبدو له بأن ماى تواعد الكثير من الرجال . لكن جود ذكر نفسه بأن لا شأن له بذلك . ومن المحتمل أن تكون ماى مثالاً آخر عما يسميه جود بتناقض المرأة !
بدا من الواضح بأنها ما تزال غاضبة بسبب وقوعها فى فخ تقديم العشاء له فردت بسرعة:" يا للطفك الزائد!"
قرر جود بأن الوقت أصبح مناسباً ليغادر المكان فأومأ قائلاً :"هذا ما أظنه أنا أيضاً"
فبعد كل شئ سوف يلتقى بها فى وقت لاحق من هذا المساء ولعله سيجد عندئذٍ الفرصة المناسبة ليتحدث بهدوء أكثر عن عرضه الذى قدمه لها بشأن شراء هذه المزرعة.
أضاف بتردد :"مع تناولك لوجبتين هذا اليوم لعلك ستتمكنين من إضافة بعض الوزن على جسدك النحيل وهكذا ستبدين أقل شبهاً بامرأة متشردة"
كانت ماى فائقة الجمال بشكل يخطف الأنفاس لكن جمالها بشوبه الهزال وبعض ملامح الرقة التى لا تتناسب مع العمل الشاق الذى كان مطلوباً بسبب عيشها فى المزرعة . إلا أنها لم تبدُ ضعيفة فى تلك اللحظة كما اعترف جود فى سره. على عكس من ذلك بدت وكأنها ستمسك بالمذراة التى فى يدها وتطعنه بها فى صدره
جاءت لهجتها دفاعية محضة حين قالت وهى تصر بأسنانها :"لمعلوماتك فقط أنا نحيلة بطبيعتى! جميعنا نملك بنية نحيلة"
ألقى جود نظرة متفحصة عليها وقال بجفاء :"من الواضح بأنه لا يمكننى التحدث عن شقيقتيك لإننى لم ألتقى بهما بعد"
إلا أنه تابع مؤكداً لها بكبرياء :"هناك النحيلون وهناك الهزيلون.....وأنا أعرف تماماً إلى أى فئة تنتمين فى هذه اللحظة!"
أدارت ماى ظهرها إليه وعادت لتذرى القش بمذراتها على الأحواض الفارغة ثم قالت له :"عندما أريد معرفة رأيك يا جود فسوف أطلبه منك"
بدا من الواضح بأن الجملة تعنى نهاية ذلك الحديث بالذات! هز جود كتفيه وهو مسرور تماماً بما أنجزه لهذا اليوم . فبعد كل شئ نادته ماى جود للتو بدون ان يطلب منها ذلك . ومع الوعد برؤية ماى مرة ثانية هذا المساء تملكه امل كبير لتحقيق المزيد . لم ينتبه جود إلى أن ماى لم تعطيه جواباً منطقياً عن السبب الذى دفعها لترك المطعم بهذه السرعة فى الأمسية الماضية إلا بعد ان أصبح داخل سيارته وهو يقودها عبر الطريق الترابية التى توصل إلى المزرعة
نهاية الفصل الثالث
|