كاتب الموضوع :
زهرة منسية
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
9 / لا يمكنك الهروب !
منتديات ليلاس
ـ أنت تعرف أليس كذلك؟
قالت ماى ذلك بصوت أجش من دون أن تلتقى نظرتها تماماً مع نظرة جود.
كانت تخشى رؤيته هذا المساء للمرة الثانية فبعد أن توقفت عن التحديق بـ أبريل روبين هذا الصباح وهما فى المقهى الفندق التفتت لترى جود يحدق بهما معاً والذهول بادٍ فى عينيه....وكأنه لا يستطيع تصديق ما تنقله إليه عيناه على وجه اليقين . وسرعان ما أدركت أنه صدقه بعد أن أغمض عينيه الرماديتين بقوة وبصورة مفاجئة.
بعد ان إنتهاء ردة الفعل الأولى التى تنم عن الصدمة راح يتبادل الأحاديث بود مع المرأتين . بدا من الواضح بأن لا رغبة لديه للذهاب إلى أى مكان آخر. وهكذا اتيحت الفرصة لـ ماى كى تغادر أولاً لعلمها أنه لم يتبق لديها ما تفعله هناك هذا الصباح. لعلها جعلت الأمور أسوأ إذا ما صحت شكوكها بشأن جود.
وهكذا غادرت الفندق لتتابع أعمال المزرعة اليومية وهى مشوشة الأفكار. أثناء النهار رفعت سماعة الهاتف الموجود فى المدخل مرات عديدة لإلغاء موعد عشائهما المقرر لهذا المساء لكنها كانت تعيدها إلىة مكانها فى كل مرة لأنها أدركت أنها تؤجل فقط ما هو حتمى . والأهم من ذلك كله أن هناك احتمالاً ولعل أكثر من احتمال بأن يكون جود قد وجه أسئلة كثيرة لـ أبريل بعد أن غادرت هى الفندق منتديات ليلاس
لم تنم تعابير وجه جود عن اى شئ عند وصوله إلى المزرعة لاصطحابها عند الساعة السابعة ونصف تماماً . بدا وسيماً تماماً فى بدلته الرسمية الداكنة وقميصه الرمادية وربطة عنقه المربوطة جيداً وأستحق جود تلك النظرات التى صوبها إليه كل من ماكس و ويل وهما يساعدان جانيوارى و مارش فى تحضير العشاء مع أن الرجلين لم يعلقا فى الواقع على ذهاب جود وماى للعشاء معاً .
كانت ماى قد اختارت الملابس التى سترديها هذا المساء بعناية ولا شك فى أن ذلك الفستان الضيق ذا اللون الأخضر الداكن قد تناسب تماماً مه سترتها السوداء إلا أنها لم تعد متأكدة من ذلك بعد وصولهما المطعم الفرنسى حيث حجز طاولة لهما لهذه الأمسية . سمعت ماى عن فخامة هذا المطعم من قبل لكنها لم تجازف بالمجئ إلى هنا لأن دخل المزرعة لم يكن ليسمح لها بارتياد مثل هذه الأماكن .
كان حديث جود رقيقاً أثناء الطريق بدا لبقاً جدا أثناء جلوسهما إلى طاولتهما . لكن ذلك لم يكن بالنسبة لـ ماى سوى تأجيلاً لما هو حتمى . والآن بعد أن طلبا أصناف الطعام التى يرغبان بها . شعرت بإنها لم تعد تستطيع التأجيل أكثر.
لم يتجاوب جود مع تعليقها السابق فقالت بنعومة:"جود ؟ هل....هل تحدثت مع ابريل بعد مغادرتى هذا الصباح؟"
إنها لا تستطيع لومه لو فعل . استنتجت من النظرة التى ارتسمت على وجهه بأن لديه الكثير من الأسئلة التى تحتاج إلى أجوبة . ورد قائلاً:"حسناً ! بالطبع تحدثت مع أبريل بعد مغادرتك المكان فمن اللأئق أن ألا أفعل"
ثم صمت. قطعت حبل الصمت المخيم وأخذت نفساً عميقاً وهى تغمض عينيها لفترة وجيزة ثم نظرت إليه وقالت :"هل ستتوقف عن تجنب الموضوع يا جود وتبدأ....أنت تعلم أليس كذلك يا جود؟"
كان ذلك تصريحاً منها أكثر منه سؤالاً
أبتسم قليلاً قبل أن يرد وهو يعبس بشدة :"أنا.....يا للعنة يا ماى! هل يعقل أن يكون ذلك صحيحاً؟"
حرك يده بعصبية ةتابع قائلاً :"أنت....أبريل هى....."
شعرت ماى بالأسف تجاهه لأنها أحست باضطرابه وشكه فقالت بنعومة: "نعم ؟"
هز جود رأسه على الفور ثم قال بسخط :"حتى لو لم تخبرينى ذلك بنفسك فقد أعلمنى ماكس وو يل كل على حدى بأن والديك توفيا"
أكدت له ماى على الفور :"إنهما كذلك"
هز جود رأسه بقوة لدى سماعه هذا القول ثم رد قائلاً :"ألم انا وأنت بأن هذا الكلام ليس صحيحاً . ماى لا يمكن أن تكون عيناى قد خدعتانى هذا الصبا"
أكدت له ماى بجفاء :"لم أقل ولو للحظة بأن هناك عيباً ما فى عينيك"
ـ إذن فنحن الأثنان نعلم بأن أبريل هى والد....."
لكن ما سارعت إلى مقاطعته بقسوة كبيرة وقالت :"لقد تخلت هن هذا الحق منذ أثنتين وعشرين سنة حينما هجرت زوجها وبناتها الثلاث الصغيرات "
تنفس جود وبدا مدهوشاً الآن وكأنه بالرغم مما قاله سابقاً لم يستطيع تصديق شكوكه حتى لحظو اليقين هذه فقال :"إذن هذا صحيح !"
ارتشفت ماى جرعة من كوب العصير مانحة جود الوقت ليستجمع أفكاره كما أعطت نفسها فى الوقت ذاته جرعة من الشجاعة . لا شك أن ذلك الأمر سيكون أكثر كارثية مما تصورت فى السابق . لم تستطيع إخفاء نبرة الذهول من صوتها عندما سألته :"ألم تسأل أبريل عن الأمر ؟"
فالإثنان كانا صديقين حميمين وبدا منطقياً بالنسبة لها أن يتحدث مع المرأة الأخرى من شكوكه
قال بنفاد صبر :"بالطبع لم أسأل أبريل . أخبرتك بأن صداقتنا ليست حميمة كى تسمح لى بالتدخل فى حياتها الخاصة بتلك الطريقة"
ابتسمت غير مصدقة ثم قالت بنبرة ملؤها التحدى :"لكنك تعتقد بأن علاقتنا هى كذلك"
شعت عيناه الرماديتين ثم ذكرها بقسوة :"أنا لم أفتح هذا الموضوع....أنت فعلت ذلك"
هزت كتفها وردت قائلة:"من الغير المعقول أن نمضى الأمسية بأكملها معاً ونتجاهل الموضوع كلياً"
اعترف جود بتردد :"لن يكون الأمر سهلاً....لا"
ثم تابع كلامه بتأثر مشابه لتأثرها وقال :"لكن لو لم تثيرى أنت الموضوع لما أثرته أنا . فأنا ليست أفهم شيئاً مما يجرى يا ماى"
وأضاف بمرارة شديدة :"وعدم فهمى لأمر ما هو شئ لا أعترف به بسهولة فى العادة كما تعلمين "
ابتسمت ماى ابتسامة ساخرة وقالت:"أعرف ذلك"
بادلها جود ابتسامتها بابتسامة ناعمة وسألها :"هل تعلاف جانيوارى و مارش بأن أمهما مازالت حية؟"
سرعان ما تلاشت ابتسامة ماى هى ترد بصعوبة:"لا !إضافة إلى ذلك فأنا لا أريدهما أن تعرفا"
لتحقيق هذه الغاية كان لابد أن تطلب تعاون هذا الرجل وهو الأمر الذى لم تكن متأكدة منه....قالت بعد تفكير وبنفاد صبر :"بحسب رأيك ماذا سيكون موقفهما عندما تعلمان الحقيقة الآن؟ وماذا ستفكر أنت لو كنت مكانهما ؟"
جاء رده عصبياً عندما أجابها :"لكن الأمر لا يتعلق بى يا ماى ولا حتى بك أنت , فى الواقع...."
ـ بالطبع إنه يتعلق بى.....
هز رأسه ببطء كرد منه على كلامها الغاضب وقال :"لا إن كان حدسى مصيباً ونظراً لما لاحظته فى الأيام القليلة الماضية فقد عرفت على الدوام بأن أمك حية أما جانيوارى و مارش فتجهلان هذه الحقيقة . لربما كان ذلك صائباً فى ما مضى"
ثم تابع قوله :"لكن بوجود أبريل هنا فى إنجلترا على بعد نحو عشرة أميال فقط , هل تعتقدين حقاً بأنك تمتلكين الحق بإخفاء هذه المعلومة عن شقيقتيك بعد الأن؟"
كبتت ماى رد فعلها الغاضب مع وصول الدفعة الأولى من الطعام ووضعه على طاولتهما وبقيت صامتة حتى بعد أن عادا فأصبحا لوحدهما . ذلك أنها فى حقيقة الأمر لم تعد متأكدة من امتلاكها ذلك الحق بعد الآن .
لم تشك فى حقها ذاك عندما كنتا شقيقاتها صغيرتين . يومها عرفت بإن هذا الوضع هو الأنسب للجميع وخصوصاً للوالد . وهذا الأمر لم يكن ممكناً لو أن جانيوارى و مارش عرفتا بأن أمها ماتزال حية وأنها هى نفسها الآن الممثلة المشهورة التى تعيش فى أميركا.
لكن فى الأسابيع القليلة الماضية ومنذ أن استلمت ماى ذلك العرض للاشتراك فى تمثيل دور أبنة أبريل روبين بات الأمر مؤلماً وزاده إيلاماً إصرار دافيد مليتون على محاولة إقناعها بتمثيل ذلك الدور والآن ها هو جود يطرح عليها السؤال نفسه الذى أرقها فى الأسابيع القليلة الماضية وعلى الأخص منذ وصول أبريل روبين ظهورها على مسرح الأحداثث .
وظهورها على مسرح الاحداث .
راقب جود المشاعر التى توالت على وجه ماى المعبر وأدرك بأنه أصاب وتراً حساساً بسؤاله الأخير هذا . لكن ماذا عساه يفعب=ل غير ذلك ؟
ق4ال جود :"إنها سبب رفضك لدورك فى الفيلم أليس كذلك ؟ فأنت كنت تحاوولين تجنب حدوث مثل هذا الأمر ؟"
التمعت عيناه ببريق الغضب :"هل تلومنى على ذلك؟"
بدت ماى متألمة . إنه واثق من ذلك ولم يكن يرغب بشئ فى تلك اللحظة أكثر من أخذها بين ذراعيه وطمأنتها بأن كل شئ على ما يرام . إذ كيف ستكون ردة فعل امرأتين بالغتين إحداهما تبلغ السادسة والعشرين من العمر والأخرى فى الخامسة والعشرين عندما تبلغهما بأن أمهما التى أعتقدتا بأنها ميتة هى فى واقع الأمر على قيد الحياة وتنزل فى فندق يبعد عشرة أميال عن المزرعة؟
والأسواء من ذلك كله كيف يمكنها منع أبريل من إبلاغ جانيوارى ومارش بالحقيقة إذا ما قررت أن تفعل ذلك؟هذا إذا ما احتاجتا إلى من يبلغهما بذلك بعد لقائهما بالممثلة وجهها لوجه.
تذكر جود بأن رؤية ماى للمرة الأولى فى اليوم الأول من قدومه إلى المزرعة ذكرته بـ أبريل . إذ على الرغم من أن المرأتين كانتا على طرفى نقيض لأن أبريل مفرطة فى الأناقة دائماً بينما كانت ماى يومها مرتدية ملابس فضفاضة كعادتها بالإضافة إلى تلك القبعة الصوفية غير الجذابة التى تغطى شعرها فما زال بإمكان المرء أن يلاحظ ما يكفى من الشبه بينهما . كان ذلك كافياً ليجعل جود يشعر بشئ غامض يومها إلا انه لم يعرف كنة ذلك الشئ الغامض حتى هذا الصباح.....
أبلغها بلطف بالغ :"لست أنا من يجدر بك أن تخشى ملامته على أى شئ يا ماى. لكن عليك أن تقنعى جانيوارى و مارش بذلك"
منتديات ليلاس
تمنى جود لو أنه يتلفظ بهذه الكلمات فقد ظهر الشحوب على وجهها . كما بدت عيناها بركتين كبيرتين تنضحان بالألم . مد يداً مواسية نحوها إلا أن الغضب المفاجئ الذى شع من عينيها منعه من لمسها فعلياً . ففى تلك اللحظة بدت ماى متوترة إلى درجة أن أقل لمسة من شأنها التسبب بتدميرها كلياً
قالت موبخة:"كان على التكهن بموقفك هذاا"
تمسكت يداها بالمنديل الموضوع فوق حضنها وتابعت قولها :"بالتأكيد من السهل جداً إطلاق النظريات فى ظل الأمان الكامل الذى يوفره أبوان حريصان . لكن لا يمكنك أبداً أن تتصور ما كان عليه الأمر عندما تتركتنا أبريل بالطريقة التى تركتنا فيها....لا فكرة لديك على الأطلاق!"
بدا من الواضح أنها تحاول منع انهمار دموعها كما تحاول إحكام السيطرة على مشاعرها . وأدرك جود بألم بأن هذا الوضع هو مشكلة ماى لوحدها فهى الأخت الكبرى . إنها تكبر شقيقتها بسنة واحدة بحق السماء ! لا بد أنها كانت تقوم بحل مشاكل شقيقتيها بالإضافة إلى مشاكل الأسرة لكن من كان يحل مشاكل ماى ؟
هز جود رأسه وقال :"إنه حمل يفوق طاقتك ماى ولا تستطعين حمله بمفردك....."
قاطعته موبخة :"ومن هو ذلك الشخص الذى سيساعدنى ؟"
ثم نظرت إليه بنظرة ملؤها السخرية وتابعت قولها :"أنت؟ أنا لا أظن ذلك"
أجبر جود نفسه على عدم الرد على توبيخها هذا فهو يعلم تماماً بأن ماى تشعر بالألم فى هذه اللحظة وأنها مليئة بالشكوك حول صوابية أفعالها لجهة كتمان الحقيقة على أختيها مهما حاولت إظهار العكس.
هز كتفيه ثم اعترف بجفاء قبل أن تتمكن من الكلام مرة ثانية :"أنا سأساعدك لو تمكنت من ذلك وإذا سمحت لى بذلك لكنى كنت أفكر فى هذا الوقت بـ أبريل....."
قاطعته ماى بمرارة :"أوه , من فضلك أبريل هى آخر شخص أنتظر مساعدته!"
ومرة أخرى كبح جود جماح ردة فعله العفوية تجأه هذه الملاحظة التوبيخية . لاشك فى أن فقدانه السيطرة على أعصابه لن يساعد فى مثل هذا الوضع . بالإضافة إلى أن شدة الانفعال الذى تشعر به ماى يكفيهما معاً .
|