أعلنت ماى بصراحة :"اريد أن أعرف ما الذى أخبرته لـ جود الليلة الماضية"
ردت أبريل روبين بطريقة جافة :"أسعدت صباحاً أنت أيضاً يا ماى"
جلست أبريل برباطة جأش فى المقعد المقابل لمقعد ماى فى ردهة الفندق وهى تبدو بتألقها المعتاد وقد ارتدت فستاناً طويلاً يظهر يُظهر تناسق جسمها.
احتفظت ماى بعبوسها فهى لم تأتِ إلى هذا المكان لتبادل المجاملات مع هذه المرأة . وتمنت لو أنها لم تضطر إلى الحضور إلى هنا على الإطلاق . ولكن بما إنها ستتناول العشاء مع جود هذا المساء شعرت برغبة لمعرفة ما يعرفه هذا الرجل عن عائلتها.
عادت تقول من دون اكتراث :"ماذا أخبرت جود الليلة الماضية؟"
مالت أبريل برأسها إلى جهة واحدة وردت باهتمام بالغ :"أتعرفين ماى بإن أخلاقك كانت أفضل عندما كنتِ فى الخامسة من عمرك مما هى عليه الآن؟"
شعرت ماى بدفْ الألوان يغزو خديها لأن وخز عبارة أبريل قد أصاب هدفه بالرغم من إرادتها . فهى قد تربت على الآداب الرفيعة...لكن يبدو أنها بدأت تشعر بالانهيار منذ قدوم جود مارشال وأبريل روبين وظهورهما فى حياتها.
التفتت أبريل لتبتسم بوجة النادلة عندما وصلت بصينية القهوة. وقالت مفسرة :"عندما ألمنى مكتب الأستقبال بأنك تنتظريننى هنا أمرت بإحضار القهوة لكلينا. شكراً لك"
وجهت عبارتها الأخيرة للنادلة وأضافت بخفة وهى تنحنى لتصب القهوة الزكية الرائحة:"آمل ألا تمانعى"
ما أن أصبحتا وحيدتينت مرى أخرى قالت ماى بقسوة:"تابعى صب القهوة لك أما أنا فقد تناولت القهوة قبل مغادرتى المنزل"
فهى بالتأكيد لم تأتِ إلى هذا المكان لتحتسى القهوة فى جلسة تدوم نصف ساعة مع هذه المرأة . كانت عيناها تلتمعان بلون أخضر داكن فقالت أبريل ساخرة:"أتعلمين؟ لن تختنقى لو تناولت القهوة معى يا ماى!"
هزت ماى رأسها قليلاً وقد تعرفت على تلك الميزة الغاضبة فى المرأة الأخرى والتى تميزها هى أيضاً . فى الواقع تتشابه المرأتان كثيراً وبشكل ملحوظ . هذا إذا ما استبعدنا طول شعر كل واحدة منهما والفرق الواضح فى عمريهما . استغربت ماى كيف أن احداً لم يلاحظ الشبه بينهما لا سيما دافيد أو جود . لكنها مسألة وقت.....
سارعت ماى تقول مستنكرة:"لكل منا وجهة نظره ! أريد أن أعرف فقط...."
أنهت أبريل جملتها عنها :"....الأشياء التى أبلغتها لـ جود مارشال فى الليلة الماضية. جوابى عن سؤالك هذا هو: لماذا تفترضين بأننى أبلغت جود أى شئ سواء الليلة الماضية أو فى أى وقت آخر؟"
أدركت ماى أن الأمر لن يكون سهلاً كما افترضت فى البداية . آخر شئ رغبت به هو قدومها إلى هذا المكان والتحدث مع هذه المرأة لكنها وجدت ان لا خيار آخر لها فى هذه المسألة .لاشك أن جود يتمتع بأخلاق سامية جداً وهى تستحسن فيه هذه الصفة . لكن إذا أخبرته أبريل عن صلتها الحقيقية بـ ماى فعندها سيصبح سيصبح الوضع بكامله معقداً
وجدت ماى صعوبة كبيرة فى الاستمرار بالتصرف بشكل طبيعى مع شقيقتيها وخطيبيهما بعد مغادرة جود فى الليلة الماضية . وهى تدرك تماماً بأنه يتمتع بما يكفى من الذكاء ليعرف بأنها إذا لم تجبه عن أسئلته فسيتبقى لديه مصدر وحيد للمعلومات وهو أبريل......
حركت ماى يديها بحركة تنم عن نفاد الصبر ثم قالت بحدة :"لأن جود يعلم تماماً بأن هناك شيئاً ما يجرى لكنه لا يعرفه بالضبط. على الأقل لم يكن يعرف....."
صبت أبريل القهوة فى الفنجان الثانى وأضافت القشدة غليه قبل أن تضعه أمام ماى على الطاولة ثم قالت بصوت أجش :"أفترض بألأنك لا تحبين السكر فى المشروبات الساخنة"
لا فهى لا تحب السكر فى المشروبات الساخنة ! لكن تذكر هذه المرأة مثل هذه الأشياء الصغيرة عنها بدا شيئاً مقلقاً تماماً....
ـ آنسة روبين....
قاطعتها المرأة الأكبر سناً بتهذيب :"أبريل"
ثم أضافت بحزم بينما نظرت ماى إليها بعبوس :"إذا لم تتمكنى من مناداتى بأى اسم آخر تستطيعين مناداتى أبريل "
مناداتها بأى اسم آخر....ما هو "الأسم الآخر"الذى يجول برأس هذه المرأة ؟ بالتأكيد لن يخطر ببالها أن تناديها "أإمى"
أومأت ماى على الفور ثم قالت بتهذيب:"أبريل لا أريد شرب القهوة ولا أريد أن أتبادل أى مجاملات معك. كل ما أريده هو...."
كررت المرأة ببطء :"أن تعرفى ما الذى قلته لـ جود الليلة الماضية . لكن, بما أننى لم أر جود منذ التقينا معاً فى المزرعة مساء البارحة فلا فكرة لدى لماذا تعتقدين بأننى أخبرته أى شئ"
اتسعت عينا ماى فـ أبريل لم تر جود الليلة الماضية....هل يعقل أن يكون جود صادقاً عندما أنكر وجود أى علاقة حميمة مع هذه الممثلة الجميلة؟ كم سيكون الأمر رائعاً إذا كان الأمر كذلك! بما أن كليهما أنكر وجود مثل هذه العلاقة....يا للفرق الكبير الذى تسببه هذه الحقيقة فى مسار الأمور! فصداقتة جود مع أبريل تكفى لوحدها لجعله خطراً على تناغم حياة ماى العائلية .
على الرغم من ذلك كله لم تستطيع ماى أن تنكر سريان القليل من الدفء فى داخلها لمجرد معرفتها بأن الرجل الذى تحبه ليس متورطاً مع المرأة التى كانت أمها ذات يوم . ومع ذلك فهذا لا يعنى بأن مشاعرها تجاه هذا الرجل ستفضى إلى أى شئ.
قالت أبريل بعبوس :"هل حدث شئ ما ماى؟ هل تجادلت مع جود؟"
ابتسمت ماى قليلاً وهى توضح :"لم نقم انا و جود بشئ سوى الجدال منذ اليوم الذى التقينا فيه"
عبست أبريل قائلة :"أيمكنك إيضاح هذه الملاحظة الأخيرة من فضلك؟"
تأوهت ماى ماذا يهم لو أن أبريل عرفت بشأن المزرعة؟ فمن المؤكد بأن هذا الأمر لا يعنيها فكل علاقة لها بهذا المكان قد انتهت منذ زمن بعيد .هزّت كتفيها وقالت:"يريد جود ان يشترى المزرعة"
بدت أبريل وكأنها فوجئت تماماً وردت قائلة :"ولماذا بحق السماء يريد جود شراء المزرعة؟"
ـ لا تهمنى أسبابه فمزرعتى ليست للبيع.
ـ لكن....
بدت عينا ماى وكأنهما تطلقان تحذيرات وقالت بحزم :"هذه المزرعة ليست للبيع"
تشابكت عيون المرأتين للحظات طويلة قبل أن تطلق أبريل آهة تنم عن الحيرة لتقول أخيراً :"حسناً يريد جود أن يشترى المزرعة وأنت ترفضين بيعها فهل تحاولين القول بأن هذا هو السبب الوحيد للعلاقة بينكما ؟"
أكدت لها ماى بنفاد صبر :"بالطبع هذا هو كل ما بيننا"
ثم أضافت بإشمئزاز :"وهل أبدو تلك المرأة التى قد يقع جود مارشال فى بغرامها؟"
استرخت أبريل فى مقعدها ونظرت ملياً إلى ماى ثم أضافت ببطء :"ولماذا لا يُغرم بك؟ إنك جميلة , ذكية, و ممثلة موهوبة جداً بحسب ما يقوليه دافيد عنك "
ثم أضافت متسائلة:"إذن لماذا لا ينجذب جود إليك؟"
أسرعت ماى تقول بنفاد صبر :"دعكِ من هذا"
ـ لكن....
قاطعتها ماى بحزم:"إن اهتمامى الوحيد الآن هو ما يحتمل أن تكونى قد أبلغته إياه عن دمى قرابتنا"
قالت أبريل على الفور :"لا شئ...لا شئ مطلقاً"
قوست حاجبيها الداكنين وكررت بحزم :"لا شئ وأفترض بأنك تريدين أن تبقى الأمور هكذا"
قالت ماى موبخة :"بالتأكيد"
ثم أضافت بصعوبة :"بالإضافة إلى ذلك أريدك أن لا تأتى إلى المزرعة مرة أخرى"
ظهر الحزن على الملامح الجميلة المعروفة جيداً لمشاهدى السينما والتلفزيون على حد سواء , والتمعت العينان الجميلتان بخضرة داكنة قبل أن تقول أبريل بصوت مختنق :"أنت تكرهيننى أليس كذلك؟"
سارعت ماى لتقول بنفاد صبر :"لا أهمية لمشاعرى تجاهك فـ جانيوارى و مارش عادتا مساء البارحة إلى المنزل على نحو غير متوقع و...."
منتديات ليلاس
تنفست أبريل , وأتسعت عيناها وأشراق وجهها الجميل ترقباً وسألت :"جانيوارى و مارش هنا أيضاً؟"
لكن ماى عبرت عن عدم رضاها عن استجابة المرأة الأخرى لهذه المعلومة وقالت ببساطة تامة:"تذكرى بأنك ميتة"
أجفلت المرأة وكأن ماى قد سددت صفعة إليها وهرب اللون من خديها حتى أن حمرة الشفاء الداكنة التى وضعتها بدت فى تناقض صارخ مع شحوب وجهها . ووضعت يدها على شفتيها المرتجفتين من جراء الانفعال ثم همست :"لقد استمتعت بقولك هذا !"
أحست ماى بشعور مؤقت بالذنب نتيجة الألم الواضح الذى ظهر على وجه أبريل لكن سرعان ما أختنق شعورها هذا عندما تذكرت هجر هذه المرأة لزوجها وبناتها الثلاث الصغيرات . وبعد كل شئ هذه هى المرأة التى هجرت بناتها وليس العكس ولا يمكنها أن تتوقع بأن ترغب أى منهن برؤيتها ثلنية. أكدت لها بنبرة متعاطفة:"أنت مخطئة فأنا لا استمتع بهذا الوضع"
ثم هزت كتفيها وأكملت قائلة:"إنها الحقيقة وأنت......"
قاطعتها أبريل بعبوس ظاهر :"كيف برر والدك الأموال التى وصلتكم؟وماذا قال لكن ؟ هل قال بأن لديكن عماً غنياً فى مكان ما من العالم وهو يرسل لكن المال من وقت لآخر؟"
نظرت ماى إلى المرأة الأخرى للحظات طويلة ثم راحت تبحث حقيبتها. وعندما وجدت بسرعة ما كانت تبحث عنه قالت بلهجة تخلو من أية علاطفة :"اتصلت بالمصرف هذا الصباح قبل مجيئ إلى هنا وأنا أرغب بإعطاءك هذا"
مدت يدها وهى تحمل قصاصة من الورق . ارتجفت يد أبريل بوضوح وهى تمدها لأخذ الورقة . وإزداد ارتجافها عندما تفحصت الشيك الذى اعطتها إياه ماى.
قالت لها ماى ببرودة تامة:"الأموال كلها هناك بالإضافة إلى الفوائد أيضاً"
انهمرت الدموع من عينى أبريل الخضراوين المتألمتين وهى ترفع رأسها لتنظر إلى ماى ثم قالت وهى تتأوه :"لم يستخدم تلك الأموال أبداً....لم يصرف منها حتى قرشاً واحداً"
عند وفاة والدها شعرت ماى بصدمة كبيرة بعد أن علمت بأمر الأموال الموجودة فى حساباته المصرفية . كان هناك حساب يستخدم للنفقات اليومية وحساب ثان بقيت فيه عدة مئات من الجنيهات كان والدها قد أدخرها للأيام السوداء . أما الحساب الثالث فكان فيه مبلغ جعل عينيى ماى تتسعان ذهولاً . أخبرها مدير بأن مبلغاً محدداً كان يوضع فى ذلك الحساب كل شهر وبشكل ثابت لمدة عشرين عاماً وها قد مرت عشرون عاماً على فتح هذا الحساب وعلى ترك والدتها لهم لذلك لا يتطلب الأمر الكثير من الذكاء لمعرفة من كان يقوم بدفع هذه المبالغ....
أكدت ماى بصوت أجش :"لا لم يصرف شيئاً"
وبعد أن عبست بألم فى وجهها أكملت قائلة :"وهل أعتقدت بأنه سيفعل؟"
ابتلعت أبريل ريقها بصعوبة وأجابت :"أنا....تمنيت أن يفعل . أردتكن أيتها البنات أن تحصلن على أشياء , أشياء جميلة......"
ضحكت ماى ضحكة خلت من أى أثر للمرح وقالت:"ولماذا ؟ وهل ظننت بأن هذه الأشياء تعوضنا عن أمنا التى فقدناها ؟"
ثم هزت رأسها بقوة وقالت:"أنا مسرورة لأن أبى لم ينفق هذه المبالغ . لو انه فعل لخاب أملى فيه"
فى الواقع أن المبلغ المتراكم فى الحساب المصرفى يشكل ثروة حقيقية . كان من شأن هذا المبلغ أن يجعل حياتهم أكثر سهولة لكن ماى كانت تعرف جيداً السبب الذى رفض والدها من أجله استخدامه حتى لتسهيل حياة بناته وهن يكبرن. إنه السبب نفسه الذى رفضت ماى لأجله المس ببنس واحد منه منذ وفاته......
أخذت أبريل تتكلم بصوت أجش الآن بينما هزت رأسها قليلاً وقالت:"أنت تشبهينه كثيراً أنت تشبهيننى فى الشكل لكنك مثله فى النفسية...."
قالت ماى والرضا يشع من عينيها :"أنا سعيدة بذلك"منتديات ليلاس
لكنها شعرت بنوع من الألم فقد أعتقدت هذه المرأة بأنها تشبه الرجل الذى لم تستطيع أن تبقى زوجته إلى درجة أنها تركت أطفالها كى تهرب منه .
لكن والدها كان رجلاً طيباً صادقاً صحيح انه لم يكن يظهر محبته فى كل اللأوقات لكن أياً من بناته لم تشك بحبه لهن . وكذك لم تشك ماى أبداً فى أنه استمر على حبه لزوجته التى تركته وذلك حتى يوم مماته
قالت أبريل وقد خنقتها عاطفتها:"وأنا كذلك صدقى أو لا تصدقى وهل جانيوارى ومارش يشبهانه أيضاً؟ وهل هما.....؟"
قاطعتها ماى ببرودة قائلة :"أرفض أن أتحدث عنهن معك"
ثم شبكت يديها فى حضنها وتابعت :"أنت...."
سمعت المرأتان صوتاً مألوفاً قاطعها قائلاً:"حسناً ! مرحباً أيتها السيدتان! أتستمتعان بمحادثة حميمة أخرى؟"
شعرت ماى بمدى الغضب يغلى فى داخلها وتساءلت أن كان جود قد سمع جزءاً من حديثهما قبل أن يقاطعهما. التفتت لتحدق به بتوجس لتكتشف بأنه ينظر إليها بلا مبالاة واضحة. بغض النظر عما إذا كان قد سمع شيئاً من حديثهما أم لا فهو لن يظهر ذلك أبداً فى تعابير وجهه . إلا أنها شعرت بالارتياح لأن أبريل كانت من الحنكة بحيث دفعت الشيك الذى اعطتها إياه ماى للتو إلى حقيبتها قبل أن تلاحظه الأعين الفضولية.....
بعد ان جلس معهما إلى الطاولة بدون دعوة توجه جود إلى ماى بالقول :"أتصلت بالمزرعة قبل قليل ولم تكن لدى جانيوارى أو مارش أدنى فكرة عن مكان وجودك "
نظرت ماى إليه بلا مبالاة لكن حدسها أنباها بأن الوضع بأكمله بدا يخرج عن سيطرتها ....
استمر جود بالنظر نحو ماى للحظات عديدة لكنه لم يستطيع أن يستنتج شيئاً من تعابير وجهها . من الواضح أنها أصبحت ماهرة فى إخفاء مشاعرها كما يفعل هو تماماً .