كاتب الموضوع :
طيف الغروب
المنتدى :
الارشيف
"آخر لحظات الغروب "
"رجل شارد"
بداية الراوية ....
آخر لحظات الغروب ...
الغروب في قريتي الصغيرة الهادئة له طعم آخر ..عجيب وساحر وبه غرابة لا تنتهي ..يتناغم كثييرا مع النخلات المتمايلة والملتفة لتشكل خطا يمتد طويلا يخفي وراءة السواد..في تلك البقعة جلست انظر الى الغروب وانا لا اشعر بنفسي ..حلقت روحي الشاردة بعيدا وخلتها تطير من دون اجنحة..امسكت بسعف النخيل بين اصابعي وجلست القرفصاء غير آبه بالغبار الذي علق بملابسي ..او بالحشرات التي كانت تقفز او تطير وتثير الضيق في بعض الاوقات ..تنهدت بعمق وانا اشعر بالهواء الحار الرطب يضرب وجنتي البارزتين ويصفع بشرتي السمراء القاسية ..حركت يدي لابعد حشرة ما تعلقت على كتفي ثم استمريت في تحريكها وأنا أمسك بسعف النخيل و اسمع بعض الاصوات هنا وهناك ...
_آآآآخ !!!
تمتمت بيني وبين نفسي وانا لازلت على نفس الوضع ..ركزت النظر في قرص الشمس المائل الى الى البرتقالي المشتعل في وسط السماء التي اصطبغت باللون القرمزي .. وفي داخلي شعور يطحنني ويحزنني بغير رحمة ..تنهدت مرة اخرى وقطعا لم تكن تلك المرة الاخيرة التي اتنهد فيها..كانت قدماي تؤلمانني لجلوسي طويلا على نفس الوضع فأتأكت على جدع النخلة القريبة مني وارخيت راسي ثم اغلقت عيني ..سكنت راسي افكارا مجنونه وخواطر هستيريه جعلتاني انفض ملابسي فجأة واقف وكأن افعى قد لدغتني ..استندت مرة اخرى على الجذع وانا اقف متصنما و اصر على اسناني بغيض كان يظهر على صفحة وجهي بين الحين والاخر ..تململت في وقفتي وكأنني ارقد على سطح صفيح ساخن ..اذ كنت اتقلب بين الجلوس والوقوف وكأن بي مايشغلني الى حد الاشتعال ..أنا حسين بن علي الرجل الذي بلغ الثلاثين عاما ..قضاها معظمها بين النخلات المتمايلة والاغصان الدانية ورائحة الحشائش المنتشرة بين الجذوع الفارعة ..أنا ابن هذا الرجل المعطاء القوي كجبل شاهق لا تؤثر به العواصف ..يلفني العجز ويقطعني الى اشلاء..في داخلي ثمة احساس بالخوف لم اعهدة من قبل وكانني على مشارف طريق مظلم مجهول لاهوية له الا الظلام الدامس والغموض المسيطر...سقط شيئا ما من فوق على راسي المكسو بشعر خشن رمادي ..فرفعت يدي ادلك مكان السقطة..ونظرت الى الارض ابحث عن ذلك الشئ..تناولتة وانا ابتسم بحنين غريب ربما راودني طيف شبح ما وذكرتني تلك الرطبة برائحة تجلب لي الكثير من الذكريات الجميلة على شقاء احداثها احيانا ...
ابتسمت برقة وشجن على غير عادتي ..والاعرب ذلك الشئ الذي بدأ يتجمع تدريجيا على اجفاني ..مددت يدي بسرعة أذ عرفت في النهاية انها دموع تعلقت مكابرة لكي لا تسقط فينهار السد المنيع القابع في اعماقي...
_الله يرحمك يبو حسين ..
نظرت الى الاعلى وسرحت في السماء البرتقالية الساحرة ..لقد تعودت كثييرا ان ارى هذا المنظر في كل يوم نعمل فيه في هذة البقعة التي تشكل جزْا كبيرا من حياتنا ..اعتلت وجوهنا كثيرا حبات العرق المتصفدة اللامعة تحت اشعة الشمس ..وداعبت شعورنا تلك النسمات الرطبة او الشديدة البرودة..هذة البقعة المملوءة بالخيرات والتي بنيناها وربيناها كطفل كان لايزال يحبو كانت ثمرة خالصة من جهودنا ..حقول الخس والباذنجان الممتدة على مد البصر تشهد بذلك ..هذا الجزء من الارض المعشوشبة كان جنتنا التي نلجأ اليها في حال ضاقت بنا المعيشة واغرقتنا الهموم ..فهي مليئة بالخيرات الطبيعية التي تكفي الجميع..
اغمضت عيني وانا استمع الى صوت اغصان الاشجار الدانية هنا وهناك تتحرك وتصدر صوتا شجيا ...
_وين اروح انا يعني حسبي الله على الظالم...
قطعت افكاري تلك الاصوات الصادرة من الحظيرة الواقعة في مكان غير بعيد من هنا ..قطبت حاجبي وانا انظر مليا الى الباب الموارب وعلى عيني تساؤل ..نفضت ملابسي واسرعت الى مكان الحظيرة استطلع الامرمن دون اي تفكير ..اقتربت ببطء وانا اشعر بترقب يغلي داخلي ويحيلني الى كتلة متحركة الوساوس ..من من الممكن ان يكون هنا في هذا الوقت ؟؟..اخذت شهيقا قويا وانا اسمع الصوت المألوف للبقرة وهي تموء وكأن بها خطبا ما ..اسرعت الخطى وقد انتابني الخطر وعرفت ان هناك لصا يجول في المكان وفي داخلة شرا يحملة ...لكنني اصطدمت بشبح اسود يخرج من الحظيرة ليرمني بقوة على الارض وانا اعالج شعور الالم الذي اجتاحني ..مددت يدي امسح بها على راسي وقد وقع في نفسي بان ذلك اللص كان يحمل اداة ثقيلة معه..اذ اصطدمت بها وارتديت الى الخلف غير قادر على التوازن ...
نظرت الى الوراء وانا احاول النهوض ..
_وووووقف !!!!!!
لكنني لم ارى الا غبار ذلك الشبح الاسود يحرق عيني ويجعلني اسعل بشدة ..يبدو انه كانم ضخم الجثة ..من داخل الحظيرة كان ذلك الصوت لازال مستمرا ..جزعت عندما بدأ يتقطع ويخبو شيئا فشيئا ..نهضت مسرعا الى الداخل ودقات قلبي تتسارع ...
_ويش سوااا ابن ال!!!!!!!!!
عندما وقفت في الداخل بين اكوام القش والحشائش المتناثرة هنا وهناك لم استوعب في البداية ماذا حدث ..فالمكان على عهدي به ..لم يحدث ذلك اللص اي جلبة او فوضى في المكان ..قطبت حاجبي وانا ابحث هنا وهناك..ولكني استدرت بسرعة عندما سمعت ذلك الانين يعودمرة ...اقتربت بسرعة من السور الفاصل ..كانت هناك تلك البقرة ترقد على الارض مضمخة بدماءئها وهي تلفض انفاسها الاخيرة ..شهقت بقوة وانا اتراجع اغمضت عيني وفتحتهما لكي استوعب المنظر ..لقد طعنها عدة طعنات هنا وهناك بحيث اصبح جسدها احمرا بسبب الدماء السائلة من الجروح العميقة ..اقتربت غير آبه بنفسي وارتميت بجانبها وفي حلقي غصة تكاد تقتلني من الحزن ..
_لاااا ياولد الحرام....!!!!!
كنت امسح على جسد البقرة غير عابئ بيدي التي تلطخت بالدماء..تسارعت دقات قلبي مرة اخرى عندما شعرت بها تستكين عرفت ىانها قد فارقت الحياه ..كورت قبضتي وضربت بها الارض المملوء بالحشيش ...اغمضت عيني وفي داخلي ملايين الاسئلة الحائرة ..لما قد يفعل شخصا ذلك مامصلحتة من القضاء على بقرة ..مجرد حيوان مسالم لم يؤذة يوما او يتسبب له بألألم ..استندت على العمود الخشبي وانا اتنهد بعمق حزين...نطقت بشرود ولوعة ..
_كل شئ راح يبو حسين ....
ثم نظرت الى جثة البقرة الساكنة ...
_حتى هالبقرة المبروكة اللي نفعتنا طوال هالسنين راحت ....
نهضت متثاقلا وقد تبقعت ملابسي ببقع الدم ...
_الله لايوفقك الله لايعطيك العافية !!!!
وقفت على الباب وانا انظر الى الظلام الذي حل بالمكان الا نور خفيف ياتي من المصباح المعلق بجانب الباب ..رفعت يدي ومسحت اطراف اهدابي بطرف كمي وتابعت السير ببطء وانا اشعر بان خطواتي ثقيلة واهنة ضعيفة ...عزمت على ان اذهب الى المنزل لاستدعي اخي عمار وابن عمي علي لمساعدتي في حمل جثة البقرة الى الخارج ...كنت انقل اقدامي في الارض وانا اشعر بانهاما موصولتان بثقل انوء تحت ثقلة ..عندما اقتربت من منزلنا المتواضع ترددت كثثرا ..تراءى امامي طيف والدتي وهي تبكي وفاة والدي قبل ستة اشهر ..لقد بكت حتى جفت الدموع من عينيها الحزينتين ..واليوم تصدم بفاجعة اخرى ..أمي بالذات كانت تتفائل جدا ببقرتنا واسمتها ام الخير كناية عن خيرها ...اعتصرت راسي بين كفي وبدات افقد توازني لولا ان سمعت صوتا يصدر من خلف الباب الموارب ..أمعنت النظر جليا وحاولت ان اتماسك ..انها هي ..تقف خلف الباب ولايظهر منها الا جزء من وجهها الملتف بوشاحها الاسود ...
_حسين عيني ويش فيك !!!
على الرغم من حزنها عندها حاسة قوية بما يجري في نفوس ابنائها ...
_مافيي شئ بس تعبان شوي ...
رأيت فتحة الباب تتسع وسمعتها من خلف الباب ...
_ادخلي غناتي تعال ارتاح ...
أنا بوهن حاولت ان اخفية ...
_لأ عندي شغل يمة ..الا وين عمار في البيت لولا ....
هي لازالت خلف الباب ...
_عمار !!! هنا ويش تبغى فيه..
لماذا دائما تلقين بي الى موقف محرج ياأمي دعيني احاول ان اكذب احساسك...
_لأ مابغى شئ بس بغيتة في شغلة في النخل ....
انساب صوتها مرة اخرى الى اذني ...
_تعال اخذة وياك داكو في غرفتة ...
أنا وبدأت اتهرب من لقياها لكي لا اضعف ..
_لااا خليه يجي انا مستعجل ...
بدى صوتها غرييبا وهي تهمهم ..
_خلاص الحين اخلي اختك تنادي عليه ...
نكست رأسي من دون ان ارد عليها فقط ساد الصمت قطعتة هي مرة اخرى...
_فيك شئ حسين غناتي ...
أنا ضحكت بمرارة ...
_ههه ويش فيي !!!
هي وقد ايقنت بأنها قد رفعت كفيها ...
_الله يوفق ليك انت واخوتك يالله ياكريم ...
أنا بشرود ...
_آمين ...
عمار يظهر من خلف الباب ...
_هااا خوك ويش بغيت ...
أنا اشير له بالاقتراب ..
_تعال ...
اقترب الي وعلامات التساؤل على وجهة بادية ...
_هاا ويش صاير؟؟؟
أمسكتة من زندة واسرعت به بخطوات متسارعة بعيدا عن المنزل ...
_تعال!!!!
عمار وهو ينظر الي بغرابة افلت ذراعة قائلا ...
_ويش صاير !!!
أنا تلفت شمالا ويمينا وكأنني طيف أمي يلحقنا ...
_أم الخير ...!!!!!!!!
|
01-07-12, 05:31 AM
جديد مواضيع قسم الارشيف
العرض العادي
