المنتدى :
الارشيف
شهر رمضان فرصه ثمينه لبناء النفس
شهر رمضان فرصة ثمينة لبناء النفس
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شهر رمضان فرصة ثمينة لبناء النفس
قال الله تعالى في كتابه الكريم: )شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ([8]، قال:
إن شهر رمضان المبارك هو الشهر الذي وصفه الله تعالى بأنه شهر نزول القرآن الكريم، وأهم خصيصة للقرآن الكريم أنه يهدي الناس وذلك بأن ينزع الغلّ ويزيل الحقد من قلوب المؤمنين به ويعالج جميع الأمراض الروحية.
قد يكون الشخص سليماً معافىً من الناحية الجسمية وتعمل جميع أجهزته وأعضاء بدنه بصورة صحيحة، ولكن يوجد في داخله وروحه من المرض يسوقه صوب القتل أو الإنتحار أو الفساد. إنّ القرآن الكريم يعالج هذا النوع من الأمراض ويقدّم حلولاً ناجعة في هذا المجال، لأنّ كلّ المظالم التي حدثت عبر التاريخ إنما هي نتيجة الأمراض الروحية الخطرة، وأحد معاني الهداية القرآنية هو معالجة هذا النوع من المرضى الروحيين وتخليصهم من الشرور ومن الآفات النفسيّة.
وهذه الخصيصة القرآنية موجودة في الصلاة أيضاً؛ لأن الصلاة هي الأخرى تحفظ الإنسان من كثير من الآفات الروحية؛ قال الله تعالى: )إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ([9].
إنّ من كان من أهل الصلاة، يبتعد من الفحشاء والمنكر بمقدار عمق صلاته. فالشاب الذي يعاني من أمراض روحية ونفسية تدعوه للانتحار أو القتل أو التعدّي على الآخرين وظلمهم، سيتغيّر إذا ما أقبل على القرآن والصلاة، بسبب النور الذي يلقيانه في قلبه فيبرئانه من جميع هذه الأمراض.
يمكننا التوصل إلى معرفة عظمة القرآن والثقافة والتربية القرآنية من خلال مطالعة سيرة الشخصيات التي تربّت في أحضان القرآن، وأحد هذه الشخصيات محمد بن أبي عُمير التلميذ الخاصّ للإمام موسى بن جعفر الكاظم سلام الله عليهما، والذي حظي بمنزلة رفيعة وعدّت رواياته مقبولة لدى علماء الشيعة، وإنهم يفتون على أساسها.
لقد سُجن هذا الرجل الموالي للإمام والمقرّب منه، بأمر من هارون العباسي وتحمّل صنوف التعذيب في سبيل ولائه، وكان العباسيون يتفننون في التعذيب، ومن جملة تعذيبهم للنّاس مضافاً إلى الضرب باليد، والعصا، والسوط كانوا يعذّبون بالضرب بخشبة عرضها حوالي 40 سنتيمتر ثبّت في طرفها مسامير كثيرة، تنغرز في بدن الشخص الذي يُضرب بها، وربما غُرز في كل ضربة خمسون مسماراً في بدنه وسالت الدماء منه. وربّ أشخاص كانوا يصابون بنزيف شديد بعد عشر ضربات ثم يموتون في الحال.
إن هارون أمر بأن يضرب محمد بن أبي عمير بألف خشبة. ولاشك أنهم لم يضربوه بها دفعة واحدة وربما استمروا في ضربه مدّة. وكان هارون يطلب منه أن يذكر أسماء الخلّص من أصحاب الإمام موسى بن جعفر سلام الله عليه، ولو كان يذكر لما كان يتحمل كل هذا التعذيب المميت.
إنه أمضى سبعة عشر عاماً في السجن، لقي خلالها ألوان التعذيب ـ كان ضرب ألف خشبة واحداً منها ـ إضافة الى مصادرة أمواله، ولكنه لم يذكر حتى اسماً واحداً من أصحاب الإمام سلام الله عليه.
قد يوجد أشخاص مستعدّون لارتكاب القتل وأبشع أنواع الجرائم من أجل الحصول على مال قليل، ولكن نرى في المقابل وجود أشخاص كمحمد بن أبي عمير الذي تحمل 17 عاماً من السجن والتعذيب ولم يكن مستعدّاً لذكر أسماء أصحاب الامام سلام الله عليه، وهو نموذج من الأشخاص الذين تربّوا في أحضان القرآن.
يقول الله تعالى: )وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ([10]، فكما أن الماء النازل في الربيع يعيد للأرض الهامدة البهجة والحياة، فكذلك القرآن هو ماء الحياة المعنوية، وربيعه شهر رمضان المبارك.
إنّ لتلاوة القرآن الكريم في شهر رمضان المبارك أجراً كثيراً، فكلّ آية تتلى في هذا الشهر تعدل ختم القرآن في غيره من الشهور، وإنّ لحفظ القرآن ـ عن ظهر قلب ـ في هذا الشهر أجراً كثيراً أيضاً، إلا أن هذه الأمور كلّها مقدّمات لأمر أهمّ وهو العمل بالقرآن وتطبيقه وتنفيذ أوامره في الحياة. فما أحسن أن نتأمّل في كل آية نقرأها في هذا الشهر الكريم ونتدبّر في معانيها العميقة ونعزم على العمل بالقرآن.
قال الله تعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ([11]، ففي هذه الآية، ذُكرت أمور:
1. الصبر على المشاكل المختلفة وصعوبات الحياة، ومنها الصعوبات في التبليغ.
2. توصية الآخرين بالصبر.
3. المرابطة والثبات والاستقامة في طريق الله وتبليغ دينه.
4. التقوى.
فهذه الآية الكريمة تخبرنا أن من يلتزم بهذه الأمور الأربعة لعلّ عاقبته تكون الفلاح.
ولكن الروايات تفيد أن «لعل» في القرآن الكريم موجبة، أي إن التزمتم بهذه الأمور الأربعة فإنكم ستفلحون يقيناً.
وهكذا عندما نقرأ الآيات التي تتحدث عن الجنة والنار والحساب والعقاب والثواب والصلاة والصيام و... نصمّم على العمل بمضامينها، وندعو الآخرين لذلك أيضاً ليكون القرآن منشأ هدايتنا جميعاً إن شاء الله تعالى.
حريّ بنا إذاً أن نخصص ولو عدة دقائق يومياً لمحاسبة أنفسنا وأن نتأمل في أعمالنا الحسنة والسيئة، وأن نسعى لمضاعفة أعمالنا الحسنة التي تدخل السرور على قلب إمامنا، تكون سبياً لنيل رضاه ودعائه لنا، وأن نسعى كذلك للتقليل بل التخلّص من الأعمال التي تسخطه وتحزنه إن كانت ما زالت تصدر منا. وأن نسعى أيضاً لاغتنام هذه الفرصة المعنوية المتمثلة بشهر رمضان المبارك، فإنها فرصة قصيرة ستمرّ بسرعة ونتحسّر عليها إن لم نغتنمها ـ لا سمح الله ـ فلنصمم من الآن على اغتنامها.
كما علينا الاستفادة القصوى من القرآن الكريم وتهيئة موجبات التقرّب إلى الله تعالى.
التعديل الأخير تم بواسطة THE GHOST 92 ; 21-06-12 الساعة 02:40 PM
|