كاتب الموضوع :
زهرة منسية
المنتدى :
سلاسل روايات احلام المكتوبة
5/ سـاعــة الـصـفـر
********************
منتديات ليلاس
تنهدت فيبى من دون قصد منها
ـ ما الخطب؟
كان جيب يراقبها عن كثب أكثر مما تتصور
ـ لا شئ
كادت تشعر بنظراته الزرقاء تتفحص جانب وجهها ولكن بعد لحظة تخلى عن الأمر وسألها:"ماذا عنا نحن ؟ علينا أن نتفق على الطريقة التى التقينا فيها"
ـ ظننت أننا سبق واتفقنا على ذلك. التقينا عندما اتصلت بك بشأن البرنامج
ـ ألا تظنين أن ذلك يبدو جافاً بعض الشئ؟أعنى ,ألن يرغبوا فى معرفة مزيد من التفاصيل؟
ـ مثل ماذا؟
ـ ليست أدرى...ربما إذا كان حبنا من النظرة الأولى من الطرفين أو أننى تعذبت لأفوز بحبك؟
ـ الخيار الثانى على ما أظنه . لا أريد أن أبدو سهلة المنال
رمقها جيب بنظرة ساخرة :" لا أتصور أنك كذلك.ولكن مع ذلك عليك أن تقرّى بأنك لا تستطيعين مقاومتى وإلا لما قبلت بان أنتقل للعيش فى منزلك"
كانت تكره كونه دائماً على حق . سيبدو من الغريب فعلاً أن تدعى أنها صعبة المنال فى حين أنه يعيش فى المنزل نفسه
ـ إذاً من الأفضل ؟ أن نقول أن حبك أكتسحنى
استراحت نظرات جيب لحظات على جانب وجهها قبل أن تعودا مجدداً لتركيز على الطرق:"ما الذى قد يفعل هذا بك فيبى؟"
ـ ليست أدرى . لم يحصل لى هذا من قبل . عرفت دوماً أننى أحب بين لذا فإننى لا أتصور نفسى أُغرم بشخص لا أعرفه , هكذا من النظرة الأولى . نظرياً لا بأس بأن يكتسحك حب أحدهم . ولكن عملياً كيف يمكنك أن تثق بشخص وتقتنع بأن تغير حياتك من أجله. قبل أن يتسنى لك حتى التفكير فى ما تفعله فعلاً؟
ـ ظننت إنك تحبين المخاطرة ـ ليس إلى هذا الحد. الوقوع فى الحب بهذا الشكل طريق مضمون نحو الألم.
ـ سوف تغيرين رأيك عندما تقعين فى الحب . إذا أحببت أحدهم فعلاً ستكونين مستعدة للمخاطرة بأى شئ .
ـ كنت مغرمة وخاطرت وتأذيت أيضاً ولا أنوى تكرار هذه التجربة مجدداً
ساد الصمت لحظات ركز جيب خلالها على القيادة فى حين راحت فيبى تنظر من النافذة وتفكر فى بين والنظرة التى بدت فى عينيه عندما أخبرها أنه مغرم بـ ليزا . كان آخر شخص تتوقع أن يؤذيها.كانا مرتاحين آمنين معاً.وظنت أن هذا ما يريده هو أيضاً ولكن تبين إنها مخطئة ربما لم تعرفه بقدر ما ظنت زهرة منسية
لسبب ما وجدت نفسها تتذكر ما قالته لـ بيللا عن جيب . سيكون من الصعب إيجاد رجل أكثر أختلافاً عن بين وآخر ما يمكنها وصفه به هو الأمان إذ يمكنها أن تتصوره يكتسح قلب أى فتاة.هو من النوع الذى يعرف ما يريد ويحصل عليه وإذا كان ما يريد هو أنت فلا خيار لك سوف يقلب حياتك حتماً رأساً على عقب ويثير أحاسيسك كلها ومن ثم يتخلى عنك عندما يسأم منك لينتقل إلى أخرى
لا,شكراً وفكرت فيبى فى أنها يغنى عن كل تلك الأثارة .
المخاطرة بهذا الشكل لا تستحق الألم والمذلة اللذين ينتجان بعدها.لقد عانت ما يكفى خلال السنة الماضية
ـ بماذا أناديكِ ؟
خرق جيب الصمت بسؤاله هذا فاستدأرت نحوه متفاجئة
ـ وما خطب أسمى؟
ـ كنت أفكر بأسم ودى أكثر...ماذا تفضلين :حبيبتى,عزيزتى,أو ماذا؟
كشرت فيبى :"لا أحب هذه التسميات"
ـ لم لا؟
ـ لأن الحبيبات رقيقات ولسن لاذعات مثلى
ـ لكنك ليست كذلك معى يا حبى
هزت فيبى رأسها :"لا تنادينى هكذا إلا إذا أردت أن أكسر لك أسنانك"
ضحك جيب وقال مدعياً الاعتراض :"ولكننا مغرمان"
ـ ليس إلى هذا الحد
كانت العصبية تتآكلها أكثر مما أردت أن تعرف بسبب الطريقة التى نظر بها جيب إليها وهو يضحك كانت أسنانه بيضاء ناصعة وقوية وصدى ضحكته يهدر فى السيارة بشكل يجعل بشرتها تقشعر
لو أنه ليس جذاباً إلى هذا الحد ! كان حيوياً ومسطيراً ما جعلها تبدو شاحبة ضعيفة مقارنة به
كان جيب لا يزال يتكلم :"ظننت أنه يُفترض بى أن أكون الرجل المثالى لك"
ـ بالضبط . والجميع يعرف أننى لا أحب أن يدللنى أحد ولو على بعد أميال.
لذا إذا سمعونى أدللك سيعرفون أن حبنا حقيقى
ـ أسمع من يدفع لك هنا؟
قالت فيبى ذلك غاضبة مع أنها شعرت أنه أستدرجها إلى جدال هى بغنى عنه ففى النهاية قد لا توافق فقط على أن يناديها حبيبتى إنما قد تتوسله أيضاً أو ليس هذا ما حصل فى البداية؟كانت مصممة على ألا تطلب منه أن يمثل دور حبيبها الوهمى وها هى الآن معه يتجهان إلى الزفاف
ـ إذا سمعتك تتفوه بمثل هذه الكلمات مرة واحدة سأحسم لك نصف أجرك . لا تقل أننى لم أحذرك
ـ حسنا سيدتى ربما يجدر بى أن أناديك سيدتى فتحل المشكلة.
صرت فيبى على أسنانها :"أسمع لا آبه للاسم الذى تنادينى به طالما أنه ليس مبتذلاً . يفترض بك أن تكون مثالياً!"
ـ إذا كنت مثالياً لهذه الدرجة كيف ستشرحين لهم أن علاقتنا المذهلة أنتهت بهذه السرعة؟
ـ لم أقرر بعد ما سأقوله ربما اكتشفت أنك تخفى سراً دفيناً والجميع يعلم أننى لا أستطيى أن أحب رجلاً كذب على
ـ حقاً ؟ لماذا؟
ـ أكره الكذب
ـ لكنك الآن تكذبين.لقد كذبت على أمك بشأن علاقتنا وسوف تستمرين بكذبتك اليوم أيضاً
ـ هذا مختلف. شبكة ليلاس الثقافية
ـ كيف؟
ـ كذبتى لن تؤذى أحداً
ـ ليست الأمور دائماً كما تريدينها أن تكون . أحياناً الحقيقة تؤذى بقدر ما تؤذى الكذبة
أويظنها لا تعرف ذلك؟لقد أصر بين على إخبارها الحقيقة عن ليزا ما أن عرف أنه مغرم بها.كان بين دائماً صادقاً ولم يكذب عليها أبداً وإذا كانت الحقيقة مؤلمة جداً فهى أفضل من اكتشاف الأمر من شخص آخر فى وقت لاحق
رمقها جيب بنظرة سريعة فرآها حزينة وشتم نفسه لأنه أعادها إلى ذكرياتها الحزينة . كان من المفترض به أن يساعدها كأى صديق بدلاً من زيادة تعاستها
قال بخفة :"إذاً بعد أسبوعين على الأكثر ستقولين لأمك إننى كذبت عليك وستتركينى من دون أن تسمعى كلمة منى صحيح؟"
ـ حتى ذلك الحين سأكون قد وجدت أموراً كثيرة أخرى تزعجنى فيك.أكاذيبك لن تكون سوى القشة التى قسمت ظهر البعير.
ـ ألن يكون من الأسهل أن تنسى قصة الأكاذيب تلك ونقول فقط إننى نذل وقد تخليت عنك.
ـ لا,لأنه سبق لغيرك أن تخلى عنى . هذه المرة حان دورى . سأقول لأمى أنك منهار وترسل لى ورود كل يوم وتمطرنى بالهدايا و الماس وتتصل بى كل خمس دقائق تتوسلنى لأمنحك فرصة أخرى
كان ذلك أفضل . تظاهر جيب بأنه حزين جداً :"إذا كنت سأذل نفسى لهذه الدرجة أظن ان عليك أن تمنحينى فرصة
ـ مستحيل
ـ يا لقساوة قلبك!
ـ لقد خيبت ظنى
ـ نعم ولكن لم يكن بوسعى فعل شئ . أنت تثيرين جنونى.لم أستطع أن أفكر فى أحد سواك منذ التقيتك
شدت فيبى على شفتيها محاولة ألا تضحك :"كان عليك أن تفكر فى ذلك قبل أن تترك زوجتك وأولادك الستة فى الولايات المتحدة"
ـ ستة أولاد؟ مهلاً علىّ ألا يكفى أثنان؟
لا.لديك ستة أولاد يعتمدون عليك.
التوى فم جيب وهو يقوا :"غريب أننى مازلت فى حالة تسمح لى بالخروج مع شابة شغوفة مثلك ! لابد أننى شاب قوى"
ـ لا لست كذلك. بل أنت كاذب ومخادع"
قالت فيبى ذلك بصرامة ولكنها أدركت أن ذلك بدأ يروقها
هز رأسه بعد لحظات :"لا أظن ذلك سينجح"
ـ لِـمَ لا ؟
ـ لا أظنك قد تغرمين بشخص كاذب كهذا. فأنت.....
وتوقف ليبحث عن كلمة مناسبة
ـ أنا ماذا؟
أرادت فيبى أن تعرف رغم أنه ما كان يجدر بها أن تهتم برأيه أساساً.
ـ أنت متيقظة جداً صادقة جداً وذكية جداً . لذا مستحيل أن يحصل هذا معك
ماذا عساها تعتبر كلامه ؟ ظاهرياً يبدو ذلك إطراء ولكن يستحيل معرفة ما إذا كان جيب جاداً أو لا.
فى النهاية اختارت فيبى أن تتجاهل تعليقه كلياً فقالت:"ربما لديك حبيبة سابقة نسيت أن تذكرها ,أتت لتنوح على وتبكى لأنك فطرت قلبها فأسفت أنا على حالها وأنفصلت عنك"
رفع جيب حاجبه متفاجئاً :"هل تفعلين ذلك حقاً؟"
قد أفعل هذا إذا كنت تزعجنى وكنت أنا أبحث عن أى عذر لأنهى علاقتنا
ـ لكن ما عسانى أفعل لكى تنزعجى بحيث تطردين من حياتك رجلاً مثلى....ثرياً وناجحاً وشغوفاً بسبب ادعاء حبيبة سابقة؟
حاولت فيبى التفكير فى كل ما يزعجها فيه ولكنها لم تستطيع التحديد بالضبط ما يثير اضطرابها
ـ أنت متملك جداً
ـ آهـ هيا جدى شيئاً أفضل
ـ أنت تشخر
بدا من تعبير جيب كم أنه فكر فى هذا الأقتراح قثالت:
ـ أنت لا تتفق مع كايت وبللا
فأعترض بسرعة :"لا أحد سيصدق هذا! لا أتصور أن هناك من لا يتفق مع هاتين الفتاتين "
وفكرت فيبى فى أن ذلك صحيح وقد شعرت بموجة من الغيرة تجتاحها . الجميع يحب صديقتيها فهما مشرقتان و مرحتان وبالطبع أتفق جيب معهما. ومن الأسهل عليه أن يدعى بأنه مغرم بـ بيللا أو كايت عنها بلسانها اللاذع
لقد فات الأوان الآن لتبدأ التصرف برقة فقالت:"يمكننى أن أدعى بأننى كنت أستغلك وعندما سئمت منك تخليت عنك"
فقال :"أفضل قصة الفتاة التى تريد الأنتقام.شكراً"
نظر إلى فيبى فبدت وجنتاها حمراوين وشعرها ينساب حريرياً حول وجهها.رفعت خصلة من شعرها ودستها خلف أذنها فرأى الدم ينبض فى وريدها بتوتر . كانت تبذل جهدها لكنها كانت تخشى حتماً هذا اليوم.أراد أن يلهيها عن التفكير بـ بين وبأن عروساً سواها واقفة فى المكان الذى كان يجب أن يكون لها هى ,فقال :"طبعاً ستدركين لاحقاً أن حبيبتى السابقة المزعومة كانت تكذب وأننى مثالى رغم كل شئ فتندمين!"
منتديات ليلاس
ـ لا , لن أشعر بأى ندم
قالت فيبى ذلك وهى تهز برأسها ولكن جيب فرح لأنها كانت تضحك
لقد تمكن من التمويه عنها فاستطاعت للمرة الأولى أن تسترخى .
تكلما مطولاً براحة لكن عندما غادرا الطريق العام عاد التشنج إليها .
أمسكت الخريطة متوترة وراحت تدل جيب على الطريق التى يجب أن
يسلكها للوصول إلى ريف ويلتشاير ولكن عقلها كان منشغلاً بما يمكن أن يحصل عندما يصلان
ـ لا تنسى أنك عائد إلى لندن الليلة
ـ ماذا؟وأفوت على ذلك الاجتماع فى زيورخ ؟ مستحيل!
كانت فيبى ترتجف وبالكاد استوعبت تهكمه :"حسناً, من الأفضل أن تطلب تاكسى عندما نصل إلى المحطة . يمكننى أن أصحبك بعد الحفلة. فلنقل عند الساعة السادسة والنصف...آهـ المنعطف الثانى يساراً"
تذمر جيب لتأخير المعلومة واستدار بالسيارة بسرعة :"شكراً على التحذير!هل تظنين أن بإمكانك أن تركيزى على الخريطة وتنسى فى الوقت الحاضر كيف تتخلصين منى؟"
ـ نعم, آسفة
انحنت فيبى مجدداً فوق الخريطة لكن فكرة أخرى غزت ذهنها .
كان جيب أنيقاً جداً فى بذلته بحيث كان من السهل أن تنسى بأن لا عمل لديه.عضت على شفتها وهى تنظر إليه من تحت أهدابها
ـ ألديك ما يكفى من المال لتعود إلى لندن؟ أحضرت مزيداً من السيولة فى حال احتجت, لذا....
ـ لا تقلقى سأتدبر أمرى
ـ لا أريدك أن تحتاج المال
ـ سأسجل كل ما أنفقه اليوم ويمكننا أن نتحاسب فى النهاية يمكنك أن تضيفى ذلك على الأجر الذى أتفقنا عليه
عادت فيبى إلى قراءة الخريطة وهى تجيب :"حسناً إذا كان هذا ما تريده"
الآن وقد أنتهى هذا الحديث, ربما يمكنها التفكير بأمور أخرى تجنبت التفكير فيها حتى الآن.
أجلت زهرة منسية حنجرتها :"ربما يجب أن نتكلم عما سيحصل عندما نصل إلى هناك. وضع بعض قواعد الالتزام
ـ الالتزام؟ ظننت أننا مجرد حبيبين
ـ الالتزام كما فى المعركة
قالت ذلك بنظرة باردة وكأنه لا يعرف ذلك
ـ معركة؟لم أظن أن الوضع بهذه الخطورة . ربما كان على أن أنتناقش أكثر فى مسألة المال
ـ يمكنك أن تفكر فى المر منذ الغد.أحذرك بأن القبل ستنهال عليك من أمى و بينيلوبى وسترتميان على عنقك لأنك أنقذتنى من التعنيس
ـ لا ضير فى بعض القبل
ـ جيد و.....ربما سأضطر....أنت تعلم....لأمسك يدك أو ما شابه.لمجرد الأستعراض فقط
ـ أن نمسك يد بعضنا؟يا له من مشهد غرامى!
ـ لن يتوقع احد منك أن تطرحنى أرضاً وتعانقنى أمام الجميع لتثبت أنك تحبينى
ـ ومع ذلك,أظن يجدر بنا أن نفعل شيئاً أكثر من مجرد مسك الأيدى. ربما يمكننا أن نعانق بعضنا بين الحين والآخر لنظهر لهم كم نحب بعضنا
أحمر لون فيبى وتمنت لو أن باستطاعتها التكلم عن الأمر بخفة مثل جيب.الأمر كله مجرد مزحة بالنسبة إليه.
ـ إذا كان هذا لا يزعجك
رمقها جيب بإحدى تلك النظرات الجانبية :"لا, لا أمانع"
ـ ولكن طالما أنك تدرك بإن عناقنا لا يعنى شيئاً إذا...إذا.....
ـ إذا تجاوبتِ معى؟
ـ نـعـم
قالت ذلك ممتنة لأنه أكمل الجملة عنها ولكن ممتعضة أيضاً للخفة التى يتكلم فيها عن الموضوع . يمكنه على الأقل أن يدعى بأنه يجد هذه المسألة دقيقة وصعبة بعض الشئ كما تجدها هى
عليها أن تقنعه بإنها هى أيضاً تتعامل مع المسألة وكأنها عمل وليس إلا.فقالت :"إذاً القاعدة الأولى هى عدم إساءة فهم أى احتكاك جسدى قد يحدث بيننا "
ـ جيد.وما هى القاعدة الثانية؟
سؤال جيد.اعتصرت فيبى ذهنها بحثاً عن شئ مناسب :"التقيد بالقصة التى أتفقنا عليها "
ـ والثالثة؟
ـ يكفى قاعدتان
قالت ذلك لأنها لم تستطيع التفكير فى المزيد
ـ حسناً . سأتذكرهما
ـ الأجدر بك ان تفعل
قالت فيبى ذلك فخورة بالقاعدتين اللتين استطاعت التفكير بهما .
فقد أوضحت له تماماً أن علاقتهما مهنية محض لئلا يحدث أى سوء تفاهم بينهما
غادرا الطريق الرئيسى واجتازا الريف متجهين نحو القصر فأخذت فيبى تعبث بالخريطة إلى أن كادت تتمزق.ألقى جيب نظرة ناحيتها
ـ متوترة؟
ـ نعم.بل مرتعدة إذا كنت تريد أن تعرف.ما نفع الكذب فى النهاية؟
ـ ما أسوأ ما قد يحصل؟
أراد أن يُشعرها بالاطمئنان ولكن لم يعرف كيف.ألا يُفترض بالأصدقاء أن يعرفوا مثل هذه الأمور غريزياً؟
كانت فيبى لا تزال تعبث بالخريطة بأصلبعها المضطربة :"أظن أننا لا نبدو مقنعين معاً.بعض الأشخاص مثل أختى يفهمون من لغة الجسد.سيراقبوننا عن كثب وأخشى أن يعرفوا أننا....لسنا حبيبين"
ـ تقصدين أنهم يمكنهم أن يعرفوا بمجرد النظر إلينا أننا لم نعانق بعضنا يوماً مثلاً؟
ـ نـعـم
نظر جيب فى المرآة قبل أن يركن السيارة إلى جانب الطريق . هذا أمر يستطيع فعله لمساعدتها :"لنتعانق إذاً الان"
ـ ماذا؟
فك حزام الأمان بهدوء واقترب ليحل حزامها أيضاً :"أنت قلقة من أن يكتشف الناس أننا لم نتعانق ولو مرة واحدة فى حياتنا فإذا تعانقنا الآن لن يعرفوا شيئاً.أليس كذلك؟"
ـ لست جاداً
وانقبضت فيبى مكانها فى المقعد بينما كان جيب يدنو منها :"ألا تظنيها فكرة جيدة ؟ بالنسبة لى من الأسهل أن أعانقك عندما لا يكون هناك أحد سوانا منه أمام الجموع الغفيرة ولكن الأمر عائد لك.إذا كنت لا ترغبين بذلك,لا بأس.لا أريد إرغامك .ظننت أن ذلك قد يساعد"
كان يتكلم عن الموضوع وكأن المسألة مسألة تناول فنجان قهوة أو عدم تناوله
لكن فيبى غيرت رأيها فجأة:"قد يكون لديك وجهة نظر"
ففكرة معانقته أمام أنظار العائلة والأصدقاء كانت كافية لتجعل فيبى تتراجع . قد يكون بين أيضاً يراقبها وإذا كان أحد سيعرف أنها و جيب لم يتعانقا من قبل, فإنه هو.لا جيب محق . من الأفضل أن يحاولا هنا . على الأقل ستعرف ما تتوقعه.
ـ لنقم بذلك
ـ حسناً
قلق جيب لاكتشافه أنه يود بقوة أن يعانقها. و ذكر نفسه بأن عناقاً كهذا ليس ما يفعله الأصدقاء,فى حين أنه يجب أن يكون صديقاً ليس إلا.من جهة أخرى إن الادعاء بأنه حبيب فيبى طريقة لمساعدتها و بالتالى فإنه يتصرف كصديق وحتى جوش لا يمكنه الاعتراض
رفع خصلات شعرها الحريرى عن وجهها ليرى العينين الخضراوين تحدقاً به بحذر
ابتسم جيب قائلاً:"استرخى.فكرى فى الأمر وكأنه تجربة عند الخياطة"
بسط راحة يده على خدها الحريرى الملمس ورفع ذقنها بإصبعه لتنظر فى عينيه ومن دون أن يجفلها أقترب أكثر منها.شعرت بلمسته الدافئة تسرى فى دمها وبقلبها ينبض فى صدرها دنا منها وعانقها برقة فكان عناقه عذباً, عذباً لدرجة أنه عندما دس أصابعه فى شعرها وشدد من عناقه لم تحاول مقاومته بل تجاوبت معه وبادلته عناقه فطوقت عنقه بيديها مستمتعة بملمس يديه على شعرها وبقوة جسده.أجا كان عناقاً عذباً جداً...
وفجأة لم تعد كلمة عذب هى الصفة المناسبة فقد تحول عناقهما إلى لحظات حميمية تملأها المشاعر والأحاسيس فشعرت فيبى أنها على وشك الأختناق وأنها خائفة من الحرارة التى تصاعدت بينهما.كان ذلك أكثر من عناق عذب فقد كاد يفقدها السيطرة على النفس.
وهذا ليس ما كان يُفترض بهما التمرين عليه.عبرت هذه الفكرة فى ذهن فيبى ولكنها كانت مخطوفة الأنفاس لتفكر فى هذا ولم تتوقف عند ذلك إلا عندما ابتعد جيب عنها على مضض.
بقيا لحظة طويلة يحدق أحدهما بالآخر مخطوفى الأنفاس . بدت عيناه شديدتى الزرقة ولكن ذلك البريق الساخر كان غائباً
كان قلب فيبى يقفز بجنون ولو حاولت التكلم لما استطاعت التفوه بكلمة واحدة . كل ما استطاعت التفكير فيه هو قربه منها وسهولة تكرار هذا العناق . كانت الفكرة نفسها منعكسة فى عينى جيب وبقى الاحتمال وارداً إلى أن أبعد نفسه فجأة.تخللل شعره بيده وجلس فى مقعده وكل ما استطاع قوله هو "جيد"
ـ جيد
ـ يسرنى أننا لم نفعل ذلك أمام والديك
ـ نعم , بالفعل
مرر جيب يده على وجهه وحاول تهدئة نبضات قلبه.كان يريد معانقتها كصديق ولكن كيف له أن يعلم أنها مثيرة وسترتاح بين ذراعيه؟
كم سيكون من الصعب الابتعاد عنها؟بعد لحظة قال:"آسف لقد انجرفت قليلاً"
أخذت فيبى نفساً مرتجفاً وإذ لم تشأ أن تدعه يعلم كم أثر فيها هذا العناق قالت :"لا بأس.جيد أننا اتفقنا على القاعدة الأولى.أليس كذلك ؟"
أجاب جيب بجفاء و من دون أن ينظر إليها :"جيد جداً"
وساد صمت ثقيل آخر ركزت خلاله فيبى على التنفس.شهيق , زفير, شهيق , زفير....إلى أن هدأ نبضها واستطاعت النظر إلى جيب آملة أن تكون حالته مماثلة ولكن للأسف كان تماماً كالعادة ! عادت الضحكة إلى عينيه الزرقاوين كما لو أنهما لم تحملا يوماً ذلك التعبير القلق وكما لو أنهما لم تحدقا فيها بصمت منذ لحظات.وفكرت فيبى أنها لا بدتخيلت ما رأته.كانت يداها ترتجفان كثيراً وأملت ألا يلاحظ ارتجافها لكنه سألها :"هل أنت بخير؟"
أرغمت فيبى نفسها على الأبتسام وقالت كاذبة:"أنا بخير"
عندما وصلت إلى باحة القصر كان عدد من الضيوف يجوبون المكان ويتحادثون
أطفأ جيب المحرك فخيم صمت ثقيل فى السيارة بقيت فيبى مكانها من دون حراك . لقد انشغلت خلال الأميال الأخيرة بالتفكير فى ذلك العناق لدرجة أنها نسيت أمر الزفاف. زها هى الآن أمام الواقع المرير . سوف تكذب على أهلها وأصدقائها . جلست فى مقعدها متشنجة خائفة.
ـ فيبى؟
ـ هذا جنون أنا مرتعبة من الخروج من السيارة ولقاء عائلتى والأشخاص الذين عرفتهم وأحببتهم لسنوات
خرج جيب من السيارة وارتدى سترته لم يعد يريد التفكير فى ذلك العناق هو صديق فيبى وليس حبيبها ولن يدعها تتخبط فى هذا.سوّى ربطة عنقه وأحضر قبعة فيبى ثم استدار ناحيتها ليفتح لها الباب فما كان أمامها حل سوى الترجل من السيارة
وضع القبعة على رأسها قائلاً:"إسمعى سيكون كل شئ رائعاً ستسعدين الجميع وتحافظين على ما الوجه شامخة الرأس . أنت شجاعة وجميلة لذا أدخلى وأقضى عليهم"
نظرت فيبى فى وجهه فرأت الجدية تعود مجدداً إلى تلك العينين الزرقاوين تماماً كما كانتا بعد أن عانقها وشعرت بالدوار لتذكرها تلك اللحظة.
قال لها جيب:"سأكون إلى جانبك"
فشعرت فجأة بالشجاعة ومشت نحو الجمع
تمتم قائلاً:"ابتسمى" وبما انها كانت تفكر فى لمسته على ظهرها سرعان ما ابتسمت . كان ذلك فى الوقت المناسب إذ رأتها لارا وأسرعت نحوها تعانقها .
:فيبى ! تبدين مذهلة
بادلتها فيبى العناق واعية لكل الأنظار التى استدارت نحوها عند السماع باسمها :"شكراً.وأنت أيضاً تبدين جميلة"
ـ لكننى لا أتمتع بذلك البريق الذى يضفيه الحب على المغرمين.
قالت لارا ذلك واستدارت نحو جيب لتبتسم له:"لابد أنك جيب.جميعاً يتحرق شوقاً للتعرف إليك"
توترت فيبى رغماً عنها واجتاح الأحمرار خديها:"هذه أختى لارا"
وشعرت بوخزة من الغيرة عندما ابتسم جيب لأختها وعانقها وكأنهما يعرفان بعضهما من زمن
كانا متشابهين كلاهما عديما المسؤولية كلاهما يتمتع بسحر وحب للحياة. من الواضح أنهما سيتفقان كالسمن والعسل
وتأبطت لارا ذراعه وكأنها تملكه :"تعالى لأعرفك على أمى و أبى أعلم أنهما ينتظران رؤيتك بفارغ الصبر"
مد جيب يده الأخرى لـ فيبى وكان ذلك أكثر الأمور طبيعية فى العالم فأجفلت لدفء يده بينما كانت لارا تقودهما عبر الحشد وهى تتكلم بحماسة.
رأتهما أمها من بعيد فأمسكت بزوجها وأسرعا لملاقاتهما.عرفتهما فيبى على جيب متوترة وصافح جيب والدتها
ـ نحن سعداء جداً لحضورك . أخبرتنى فيبى كم أنك منشغل فى الوقت الحاضر.
لحسن الحظ . لم يسمح الوقت لأكثر من هذا الحديث فقد بدأ المدعون يتوجهون إلى القاعة التى ستجرى فيها مراسم الزفاف لكن فيبى عرفت أن أمها تخطط لاستجواب مفصل فى وقت لاحق . وأملت أن يتمكن جيب من مواصلة ادعائه تحت الضغط الحقيقى
***
|