كاتب الموضوع :
زهرة منسية
المنتدى :
سلاسل روايات احلام المكتوبة
التوت شفتا جيب وهو ينظر إلى منزله للأسابيع الستة المقبلة . كان يشكل أحد المنازل الفيكتورية المتشابهة المصطفة على جانبى الشارع الضيق . وفى تلك الأمسية الممطرة من شهر أبريل عجزت حتى براعم الأزهار أمام المنزل عن التخفيف من كآبة الجو
ولم يستطيع جيب إلا أن يفكر فى منزله على ساحل المحيط الهادئ بغؤفه الشاسعة المنيرة ومناظره المطلة على البحر وبدأ يتساءل إن كان سيندم على قبول التحدى الذى أقحمه فيه جوش .http://www.liilas.com/vb3/f752/
أجلى سائق التاكسى حنجرته بشكل ذى معنى فتقدم جيب من الباب الأمامى وقرع الجرس مهيئاً أجمل ابتساماته ليبادر صاحبة المنزل بها. ففى نهاية المطاف الرهان رهان والأوان قد فات الآن على الندم
لم يسمع رنين الجرس فى الداخل فقرعه مجدداً فى الوقت الذى انفتح فيه الباب على مصرعيه ليجد جيب نفسه يحدق إلى شابة طويلة القامة نحيلة الجسم تتحلى بأجمل عينين خضراوين رآهما فى حياته . وكان شعرها داكناً املس وفمها ممتلئاً يزيد من جدية تعابيرها.
خمدت الابتسامة فجأة على شفتيه . هل أخطأ فى العنوان ؟ فهو يذكر تماماً أن جوش قال إنهن ثلاث شابات عاديات جداً . غير أن هذه الفتاة لا تبدو عادية على الإطلاق ولا لطيفة أيضاً
- نعم؟
- أنا جون جيبسون. أصدقائى يدعوننى جيب. وأنت لا بد أنك فيبى أو بيللا أو كايت؟
قالت عابسة :"أنا فيبى . لم نكن نتوقع مجيئك قبل يوم الغد"
- فى الواقع هذا ما كان مقرراً ولكننى كنت جاهزاً للسفر وتسنت لى رحلة مبكرة ففكرت بالمجئ.
عيناه زرقاوان لم تر فيبى لهما مثيلاً فى حياتها وكانتا تتراقصان بشكل جعلها تشعر بالآسف على نفسها لأنها ليست من النوع العفوى الذى يغير مشاريعه عندما يحلو له ويسافر فجأة وكان الأمر أشبه بالنزول إلى المتجر الكائن عند زاوية الشارع . كان يوم فيبى سيئاً فربة عملها سيلفيا كانت سيئة المزاج ونوبات غضبها ذلك اليوم تفوق العادة وعندما تسنى لها الإفلات من براثينها إضطرات لانتظار حافلة النقل المشترك لأكثر من 40 دقيقة ليتبين لاحقاً أن الحافلة لا تصل إلا إلى محطة (كلافام) فعزمت فيبى على إكمال الطريق سيراً غافلة على أن ذلك سيستغرق منها أكثر من ساعة وان الحذاء الذى تنتعله غير ملائم ناهيك على إنها تحمل ملفين ثقيلين . وعندما وصلت اخيراص أتضح لها ان المياه الساخنة قد نفدت وبالتالى لا تستطيع الاستحمام ولكى تزيد المور سوءاً ها هو جيب ذاك على عتبة منزلها.
يا للسخرية ! عندما تكون الفتاة فى أجمل حلّتها وأبهى طلتها يظهر على بابها أحد المندوبين أو المتسولين . وعندما تكون بأسوأ مظهر يقرع باب المنزل أكثر الرجال جاذبية!
عندما أمعنت النظر فيه أدركت أنه ليس على ذلك القدر من الجاذبية ولكن عينيه كانتا شديدتى الزرقة والحيوية بحيث يأسران الناظر إليهما.
كادت فيبى تفقد رباطة جأشها أمام حيوية هذا الرجل الذى بدا مسترخياً جداً. على عكسها هى. بدا لها من النوع الذى يليق به التنزه على متن يخت أو السباحة فى عرض المحيط بدلاً من الوقوف فى هذا الشارع المكفهر من لندن متسائلاً عن سبب تحديقها به
استجمعت فيبى شتات نفسها المتبعثرة وتنحت جانباً:"تفضل بالدخول"
غير أنه بقى مكانه جاثماً عند عتبة الباب :"فى الواقع لدى مشكلة صغيرة!"
واستدار ناحية سيارة الأجرة التى أقلته ثم أقرّ قائلاً :"لقد أضعت محفظة نقودى فى مكان ما بين لو أنجلوس وقاعة المطار . لقد بلغت الشرطة وطلبت إلغاء بطاقاتى المصرفية كلها لكننى فكرت فى أن أفضل ما يمكننى فعله هو أن أستقل سيارة أجرة راجياً أن يكون أحد فى المنزل"
ونظر إلى فيبى بابتسامة وجدتها متعمدة ترمى إلى سحر النساء جميعاً
- أليس لديك المال لتدفعى للسائق . سأرد لك المال طبعاً حالما أتدبر وضعى
جاهدت فيبى لتقاوم تلك الابتسامة بدا لها مثل سيب الذى يظهر فقط عندما يريد شيئاً فيبدأ بالبحث فى جيبه "ليكتشف" أنه "نسى" محفظته فهو يعرف كم أن كيت طيبة القلب
ويبدو أن جيب هذا من الطينة نفسها, وأحد من هؤلاء الرجال المحتالين الساحرين الذين يكفى أن يبتسموا لترتمى كل النساء عند أقدامهم ويصبحن رهن أشارتهم
لم تكن فيبى تثق بالرجال أمثال هؤلاء فقد التقت الكثير منهم و رأت صديقات كثيرات مثل كايت يتعذبن بسببب أنانيتهم . وهى حتماً لن تقع تحت سحرهم . كان جيب يتأمل تعابيرها وقلة حماسها . فقال لها :"ما من مشكلة . سأطلب من قائد السيارة أن يقلنى إلى مكتب جوش و أنا واثق من أننى سأجد من يساعدنى هناك"
من حسن الحظ انه اتى على ذكر جوش . لقد أمضى صديق بيللا وقتاً لا بأس به فى المنزل وفيبى تكن له معزة كبيرة وإذا كان جوش قد أوصى بـ جيب فمن المستحسن ألا تتركه يحل مشاكله بالطريقة التى ينوى أعتمادها
حاولت الابتسام قائلة :"لا حاجة إلى ذلك . سأحضر محفظتى"
- شكراً , أقدر لك ذلك . سأعيد لك المال غداً"
هذا ما كان سيب يقوله لـ كايت أيضاً وبينما كانت فيبى تقوده نحو المطبخ فى مؤخرة المنزل قالت له شارحة :"الفوضى تعم المنزل . فى الواقع كنا سننظف المكان من أجلك الليلة بالذات"
وقد خططن ايضاً لتحضير وجبة خاصة على شرفة وبيللا هى التى ستشترى المواد الازمة فى طريقها إلى المنزل , ولكن الأشخاص العفوين أمثال جيب لا يفكرون مطلقاً فى أن ما يفعلونه قد يفسد مخططات الآخرين.
- أسمعى أنا لم أشأ أن أقحم أحد فى المشاكل أو أزعج أحداً وجوش قال إنكن ستعاملننى كصديق وتدعننى أساعدكن فى التنظيف.
منتديات ليلاس
- والآن وقد ظهرت قبل الموعد المتوقع سيكون عليك فعل ذلك.
قالت فيبى هذا وهى تتجه نحو الماء لتملأ الأبريق بينما كان جيب يتأملها حذراً وقد لاحظ عدائيتها إلا انه لم يعرف ما الذى فعله بالضبط ليلقى هذا الاستقبال الجاف . ربما هى هكذا مع الجميع لكن ذلك سيكون أمراً مؤسفاً بالنسبة إلى شابة تتمتع بمثل هذه البشرة المخملية وذلك الفم المثير....تذكر أنه لا يجدر به أن يفكر هكذا . فقد قال له جوش أن عليه أن يكون رفيقاً ليس إلا . ولا شئ أسهل من ذلك !
عندما امتلأ الأبريق استدارت فيبى لتواجهه فأشاح جيب بنظره على الفور :"أنه مطبخ جميل"
كان المطبخ عباؤة عن غرفة فسيحة تحيط به خزانة من جهة و كنبة من الجهة الأخرى وتتوسطها طاولة من خشب الصنوبر تحتها رف يعج بالصحف والوصفت والملفات ولكم تفاجأ جيب عندما رأى حناجر لطلاء الأظافر وهرة نائمة على الصحف فى الغرفة نفسها.
كان الفرق ساشعاً بين هذا المطبخ ومطبخه حيث كل شئ نظيف ومرتب بعناية مدبرة المنزل . غير أن هذا المكان أكثر سحراً من أى مكان آخر إذ يشعر المرء فيه بالاسترخاء دونما الاهتمام بأقوال الآخرين.
قالت فيبى وهى تميل النظر فى أرجاء المطبخ محاولة رؤيته فى عينيه:
-هنا نمضى معظم اوقاتنا كما تلاحظ
- لمن هذه الهرة؟
نظرت فيبى إلى الحيوان الصغير من دون أى عاطفة وهى تقول :"إنها لـ كايت .تلك الفتاة تتمتع بأطيب قلب فى العالم. هى دائماً تُحضر إلى المنزل مخلوقات مشردة ومن ثم علينا نحن أن نتدبر لها من يأويها , ولكن هذه الهرة لن يأخذها أحد للأسف . على أى حال هى لا تريد أن ترحل , فالمكان مريح هنا ثم أن كايت تفرط فى تدليلها . انا وبيللا نخاف كثيراً منها . أحذرك من الآن انها كل صباح تبدأ بعض قدميك إلى أن تقدم لها فطورها!"
لم يذكر جوش شيئاً عن الهررة المتوحشة عندما قام بالرهان ولا اتى على ذكر طبع فيبى البارد هذا...و أمل جيب ألا يكون هناك المزيد من المفاجآت المزعجة بإنتظاره
وكأنما فهمت الهرة أن الحديث يدور حولها نهضت من مكانها وتمطت . عندما رأى جيب أنيابها الشرسة ابتعد عنها . رأقبت فيبى الهرة وهى تخرج من المطبخ للمرة الأولى , شعرت نحوها بشئ من العاطفة. فهذه على الأقل مخلوقة أخرى لا تتأثر بابتسامة جيب وعفويته.
فـ كايت وبيللا ستقعان حتماً تحت سحره ولكن جيب سيكتشف أنها والهرة مصنوعتان من مواد أكثر صلابة
* * *
نهاية الفصل الأول
|