كاتب الموضوع :
جمره لم تحترق
المنتدى :
سلاسل روايات احلام المكتوبة
7 ـ نصيحة تؤدى إلى ...... ورطة
7 ـ
نصيحة تؤدى إلى....ورطة
لقاؤهما ليلة السبت الفائت , عشاؤهما معاً مساء الجمعة وكل الأمور التى تعرفها كلويه عنه لم تكن سوى وسائل تستخدمها للوصول إلى نتيجة واحدة .
نعم , لم تكن سوى إحدى الوسائل للوصول إلى هدفها!
وهذه القضية شكلت طعنة لكبريائه.مما جعل فيرغوس يشعر بمزيد من الغضب,حتى إن معرفته بالأسباب لم تساعد فى تخفيف أنفعاله .
نظر فيرغوس إلى كلويه عبر الطاولة بعينين تلمعان غضباً:"أخبرينى كلويه...فأنا أتوق إلى معرفة ما الذى كنت تخططين له بالتحديد بالإضافة إلى إغوائى؟"
أجفلت كلويه:"لم أكن...."
رفع يده محتجاً :"أرجوك.ما دمت أبنة بول هاملتون فلابد أن لديك خطة ما"
تورد خداها غضباً والتمعت عيناها بلون أزرق داكن :"لا تتحدث عن والدى بهذه اللهجة"
نعم , ها هو يلاحظ التشابه بين الأب وابنته . الشعر الأسود نفسه العينان الزرقاوان نفسيهما والكثير من التشابه فى ملامح الوجه . كلويه هى ابنة الوزير السابق بول هاملتون وهذا هو سبب معرفتها بـ بيتر أمبروس ومعرفته بها . الآن وبعد أن عرف فيرغوس حقيقة هويتها لم يعد واثقاً من أن افتراضاته السابقة صحيحة.
منذ عرف هويتها الحقيقية بالأمس والقلق يتآكله فلم يذق طعم النوم أو الطعام راح يقلب فى رأسه أحداث الأحد عشر يوماً الماضية . ولم يجد فى أى من الأحداث دليلاً واحداً على أن كلويه معجبة به لشخصه.والحق يقال هذا ما جعله يشعر بالضغينة تجاهها . فهذه المرأة أعجبته حقاً بل أعجبته كثيراً
أطلق فيرغوس تنهيدة عميقة ثم سألها بأسى :"ما الذى تريدينه منى كلويه؟"
التمعت عيناها الزرقاوان الداكنتان بالدموع وهى تنظر إليه,ثم انفجرت قائلة وقد خنقتها مشاعره :"اريدك أن تدع أبى وشأنه.جد موضوعاً آخر لكتابك . ألم يعانِ بما فيه الكفاية؟"
ولئلا يضعف أمام دموعها أجبر فيرغوس نفسه على أن يتذكر أن كلويه أقحمت نفسها فى حياته وفق خطة مدبرة.
- لكن أسرة سوزان سترلينغ لا توافقك الرأى , لذا....
قالت مدافعة بضراوة :"أبى لم يكن متورطاً مع سوزان سترلينغ"
رفع فيرغوس أحد حاجبيه :"لكن الرأى العام له موقف آخر..."
قاطعته كلويه بانفعال :"لا يهمنى ما يعتقده الرأى العام . فأبى يحب امى , وهو ما زال يحبها"
فرد فيرغوس :"كل الأولاد يظنون أن والديهم متحابان"
التمعت عيناها بالغضب بدلاً من الدموع:"كيف لك أن تعلم ؟ فوالداك مطلقان...أنا آسفة"
وشهقت وهى تضع يدها على فمها بأسف :"ما كان على أن أقول ذلك"
أكد لها فيرغوس بصوت هادئ خطير :"كلا, ما كان عليك أن تقولى ذلك"
ثم تابع بنبرة أكثر تهذيباً:"أفهم انك تحبين والدك ولهذا السبب أنت تؤمنين ببراءته...."
أوضحت له كلويه بإصرار :"لا علاقة للإعجاب أو لحبى لوالدى بهذا الأمر"
إلا انها استدركت قائلة أمام تعبير فيرغوس الساخر :"من الطبيعى أن يكون لهما علاقة بالأمر. لكن الحقيقة لن تتغير فوالدى لم يكن متورطاً مع سوزان ستيرلينغ"
ونظرة مباشرة فى عينى فيرغوس كأنها تتحداه أن يخالفها الرأى مرة ثانية .
ظل فيرغوس يبادلها النظر للحظات طويلة فيما راحت تتصارع فى داخله مشاعر الشفقة عليها بسبب إيمانها بوالدها من جهة ومشاعر الغضب منها بسبب احتيالها عليه من جهة أخرى . كما شعر بالإعجاب بها ولو رغماً عنه,لاندفاعها اللامتناهى من أجل حماية والدها .وأخيراً قال فى محاولة لتلطيف الأجواء :"تناولى حساءك قبل أن يبرد"
لم تبدُ كلويه أكثر اهتماماً منه بتناول طعامها . التقطت معلقتها وراحت تحرك الحساء الذى غدا بارداً بقلب منفطر
وأخيراً أخذت نفساً ثم تمتمت بصوت أجش :"لطالما أعتقدت أن المرء فى هذا البلد يعتبر بريئاً إلى أن تثبت إدانته"
أكد فيرغوس بتثاقل :"وهو كذلك"
اللعنة! إنها تبكى يمكنه ان يرى دموعها وهى تسيل فوق خديها الشاحبين
أخذت كلويه نفساً آخر :"هل تعلم أن والدى سوف يترشح للانتخابات القادمة؟"
- نـــعــــم
رفعت كلويه رأسها ولأنها كانت تبكى فقد تجمعت الدموع فوق رموشها :" كـيـفـ...؟"
قال فيرغوس ببطء :"قابلت بيتر أمبروس يوم أمس بدلاً من يوم الأربعاء"
عندما أعلمه بيتر أمبروس من غير قصد أن كلويه هى ابنة بول هاميلتون شعر فيرغوس وكأنه تلقى ضربة فى معدته . كما فوجئ بيتر حين علم أن فيرغوس يجرى بحثاً عن الكارثة التى حلت بوالدها فى الماضى,فيما هو وكلويه صديقاً حميمان. أما فيرغوس فقد أصيب بالذهول ولم يعد يعرف كيف يتصرف إلى ان ينتهى لقاؤهما.
إنه يشعر بالغضب الشديد منذ ذلك الحين .وراح يتذكر الأمور التى حيرته فى تصرفات كلويه منذ أن عرف عنها تلك المعلومة :إلحاحها لتعرف إليه مساء السبت الفائت , معرفتها بعنوان سكنه ورقم هاتفه حتى أنها تعرف كيف يفضل القهوة...
لكن ما يريد معرفته فى الدرجة الأولى هو كيف توصلت إلى معرفة موضوع كتابه الجديد . قال ببطء شديد:"كلويه,من أخبرك أننى بصدد تأليف هذا الكتاب المميز؟"
التفتت بعيداً وقالت بخشونة:"يكفى أننى علمت"
أجاب بصرامة:"كلا"
ثم عبس باهتمام :"قلة من الناس تعرف هذا الأمر ومنهم وكيل أعمالى والناشر .حتى أنهما لا يعرفان إلا القليل من المعلومات . فكيف توصلت إلى معرفة ذلك؟"
ترددت قليلاً ثم قالت بعدائية واضحة:"حسناً, لقد علمت بالأمر وهذا يكفى"
كلا,هذا ليس حسناً على الإطلاق.فحتى يوم أمس أى موعد لقائه مع بيتر أمبروس قلة من الناس كانت تعرف هذه المعلومة,ولا يحق لهم مناقشة موضوع الكتاب . وها هى كلويه تمتنع عن الأفصاح عن مصدر معلوماتها كما أنها تتجنب عمداً النظر إليه...
وأضافت بنفاد صبر وهى تراه يرفع حاجبيه سخرية :"حتى بعد أن عرفت أن أبى ينوى ترشيح نفسه للانتخابات القادمة؟"
توتر فم فيرغوس فقد أدرك أن جوابه لن يعجب كلويه البتة.إذ إن موضوع روايته يرتكز على تلك الفضيحة.كما أنه هو نفسه من الأشخاص الذين يعتقدون أن والدها مذنب.وهذا بالتأكيد لن يعجبها أيضاً.
على أى حال ليس هذا ما تسأله كلويه
تشدق قائلاً :"هل تقصدين الآن أى بعد أن خرجنا معاً؟"
أطلقت كلويه صوتاً كالفحيح:"نحن...أنا لم...."
فقال ببرودة من بين أسنانه :"أخبرتك يا كلويه أنى لا أحب الألاعيب"
وراح ينظر إليها بتعبير ساخر .أتراها تعتقد حقاً أنه سيغير رأيه فى ما يتعلق بكتابة هذا الكتاب لمجرد إنها تورطت معه؟هز رأسه مفكراً فهو لم يكن يظن أن كلويه تفكر بهذا أبداً.
قالت كلويه وهى لا تزال محنية الرأس :"كل ما أردته هو التحدث إليك"
بالكاد كانت كلماتها مسموعة إذ بدا صوتها مشبعاً بالأنفعالات ثم أضافت وهى ترتجف:"كنت مستعدة للتوسل إليك إذا لزم الأمر كى تترك والدى وشأنه"
قال فيرغوس بنبرة حادة وعنيفة:"لِمَ لم تتبعى الطرق المألوفة لمقابلة أى شخص إذن؟كان بإمكانك أن تتصلى هاتفياً لتحديد موعد لمقابلتى"
رفعت رأسها تنظر إليه بعينين مليئتين بالدموع ثم قالت تتحداه :"وهل كنت ستوافق على رؤيتى إذا ما قلت لك إن أسمى هاملتون؟"
كلا!نعم!ربما...هذا ما أقر به أخيراً فهى فى النهاية مقربة جداً من بول هاملتون...
ما الذى يفكر فيه؟لقد أستخدمت كلويه طريقة ملتوية للوصول إليه , وهو يشعر بالغضب الشديد لأنه بدا كالمغفل .لكن لو أستخدمت الطريقة الصحيحة فذلك لا يعنى أنه كان سيتصرف كما يخيل إليها تماماً..
أكدت كلويه وكأنما قرأت أفكاره من تعابير وجهه:"ربما كنت لتوافق بسبب الفضول ليس إلا"
شعر فيرغوس بالانزعاج لأن أفكاره ومشاعره بدت واضحة على وجهه إلى هذا الحد.لا! إنه لا يحب ذلك أبداً,فسألها بنبرة قاسية:"وهكذا,قررت مقابلتى بطريقة أخرى فأعطيتنى أسماً غير دقيق تماماً ثم وضعتنى فى وضعية مشبوهة ,و...ماذا بعد ذلك كلويه؟هل تسعين إلى ابتزازى؟بالطبع سيكون موقفى محرجاً جداً إذا شاع أننى أقيم حالياً علاقة مع ابنة بول هاملتون , أليس كذلك؟
لم يبد وجه كلويه بهذا الشحوب من قبل أما عيناها فغدتا كبركة من الانفعالات المريرة ذات لون أرزق داكن.
شعر فيرغوس أنه يكاد يذوب من الداخل لمنظرها هذا وكره نفسه لأنه السبب فى ألمها ومراتها
كلا ! عليه ألا يشعر بالضعف أمامها.كلويه هى التى وضعت نفسها فى هذا الموقف عمداً.وهى لم تفكر فيه كإنسان حين وضعت خطتها للإيقاع به.إذا ما ضعفت إرادته الآن فسوف يؤدى ذلك به إلى المواقفة على كل ما تطلبه منه...بما فى ذلك التخلى عن كتاب أمضى حتى الآن الأسابيع فى البحث لتحضيره.
سألته كلويه بهدوء:"هل سبق لك أن قابلت والدى؟"
توتر فم فيرغوس:"كلا , ليس بعد"
أصرت قائلة :"ألا تنوى أن تقابله قبل الشروع فى تأليف كتابك؟"
قال مذعناً بتذمر :"هذا محتمل"
لم يكن ينوى إخبار كلويه أن لديه موعداً مع والدها يوم الجمعة. فهو مازال غاضباً منها ويرغب فى أن يتركها قليلاً بعد فى معاناتها.
أومأت كلويه:"إذن أظن إن على الإعتماد على هذا الأمر "
التوى فم فيرغوس ثم عاوده التوتر :"هل تقصدين أننى ما أن ألتقيه حتى أدرك أننى مخطئ بشأنه؟"
أرجعت رأسها إلى الوراء باعتزاز:"نعم"
هز فيرغيوس رأسه مجدداً:"أظن أنك متفائلة للغاية كلويه"
أكدت له بعناد :"وأنا أظن أن علينا الأنتظار لنرى ما سيحصل"
قال بصوت خشن مثير للأعصاب :"لقد تماديت كثيراً كلويه"
ثم تابع :"تعلمين أننى لا أذكر شيئاً عما حصل بينا تلك الليلة وإذا كنت تنوين اللجوء إلى الصحف لتدعى أن..."
شهقت كلويه غير مصدقة :"هل تعتقد حقاً أننى أنوى ابتزازك؟"
نظر إليها فيرغوس :"ماذا إذن؟"
أخذت كلويه نفساً عميقاً ولون الغضب خديها بقوة:"لمعلوماتك سيد ماكلاود...."
قاطعها بإزدراء :"ماذا ستضيفين إلى معلوماتى؟"
رفعت كلويه صوتها ليسمع كل من حولهما:"وإلى كل من يهمه الأمر أيضاً..."
وكررت ما قالته بوضوح وببطء :"لمعلوماتك سيد ماكلاود أنا لم أشاركك سريرك ليلة السبت الفائت . بل أمضيت الليلة...كل الليلة...جالسة على المقعد فى غرفة نومك"
لم يتحرك فيرغوس من مكانه وكأنه التصق بمقعده بالغراء وحدها نظراته راحت تجول بإنزعاج فى أنحاء المكان . لكن ذلك كان كافياً ليدرك أنهما اصبحا محور اهتمام الزبائن والنادلين والنادلات
وفجأة راح فيرغوس يقول ببطء:"كلويه...."
فيما تابعت كلويه تصريحها :"لم أشاركك السرير سيد ماكلاود . كما أنك كنت قد تناولت حبة منوم ولم يعد بإمكانك سوى الاستسلام للنوم.لذا لا يمكننى أتهامك بأى شئ على الأطلاق"
ثم تحدته بإحتقار:"هل أوضحت موقفى الآن؟"
لقد أوضحته جداً.وما كان من فيرغوس إلا أن قال متهكماً :"لست واثقاً من أن الذين يعملون فى المطبخ سمعوك"
أصبحا الآن محط أنظار كل من فى المطعم . وقفت كلويه بسرعة ونظرت بحدة بإتجاه المطبخ لترى دانييل سيمون وأثنين من مساعديه يقفون أمام الباب المفتوح فصاحت قائلة :"يبدو أنهم سمعوا أيضاً.وداعاً"
أومأت له بحدة قبل أن تستدير لتسير عبر المطعم برأس شامخ.
يا إلهى ! إنها ساحرة ! اعترف فيرغوس بذلك لنفسه فيما راح يراقبها . إنها ساحرة تماماً فهى تبدو كأميرة حقيقية وهى تسير بثقة وإعتزاز . كتفاها مشدودتان إلى الوراء ورأسها مرفوع إلى أعلى, فيما شعرها الأسود الطويل يتوج رأسها وينسدل متموجاً فوق ظهرها حتى يكاد يصل إلى خصرها
ما إن أغلق باب المطعم خلف كلويه حتى سمع فيرغوس صوت دانييل يقول له بتهذيب:"تعالى معى إلى المطبخ"
وقف فيرغوس وهو يشعر بالضياع تقريباً وترك الرجل الأكبر سناً يقوده من ذراعه إلى المطبخ حيث تعبق روائح الطعام الشهية.وما أن أقفل الباب خلفهما حتى هز دانييل رأسه قائلاً :"ما قصتكم مع هذا المطعم أنتم الاسكوتلنديون؟"
ثم أضاف مسلماً بسخرية :"لا بأس فلننظر إلى الجانب المشرق من الأمر . على الأقل لم تسكب تلك المرأة على رأسك طبق الغسباتشو قبل أن تغادر"
لم يكن فيرغوس منزعجاً جداً من خروج كلويه الدرامى ذاك حتى أنه لم يفطن إلى أن دانييل يشير إلى علاقة ابنته دارسى بابن خالته لوغان
قال فيرغوس للرجل الآخر بنبرة عنيفة :"إنها لم تشاركنى الفراش دانييل"
التوى فم دانييل وقال مؤكداً :"أظن أن هذا أفضل"
تمتم فيرغوس بلهجة راضية :"بالضبط"
إن إعلان كلويه ذلك وسط الحشد الموجود فى المطعم لم يجعله يشعر بالرعب كما توقع بل فى الواقع لم يشعر يوماً أنه أسعد حالاً!
* * *
ما الذى فعلته لتوها ؟
جلست كلويه فى المقعد الخلفى لسيارة الأجرة بامتنان . وكانت السيارة قد توقفت ما أن لوحت لها فور خروجها من المطعم فاندفعت إلى داخلها على عجل وطلبت من السائق أن يقلها إلى منزلها . خيل إليها أنها تشعر بأنفاس فيرغوس التى تغلى من الغضب وكأنها تلسعها فى مؤخرة عنقها.
إلا أن نظرة سريعة إلى الخلف أنبأتها أن فيرغوس لم يتبعها.وهى لن تلومه إن فعل,فقد أعلنت لتوها أمام حوالى أربعين شخصاً على الأقل أنه لم يكن ليلة السبت الفائت فى حالة تسمح له بمغازلتها!
ما الذى أصابها لتقول ما قالته؟حسناً الجواب على ذلك فى منتهى البساطة . لقد أجبرت على ذلك بعد أن أتهمها فيرغوس بأنها تنوى ابتزازه كى يتخلى عن فكرة كتابه الجديد . شعرت بالانكماش لذكرى تلك الوجوه التى علتها الصدمة حين أعلنت بصوت مرتفع أن فيرغوس اكتفى بالنوم يومها.
لقد تحول الأمر إلى ورطة .ورطة كبيرة لاحل لها . فبدلاً من كسب تعاطف فيرغوس وتفهمه فيما يتعلق بوالدها أثارت غضبه واحتقاره .والأسوأ من هذا كله أن فيرغوس بدا مصمماً أكثر من قبل على المضى قدماً فى تأليف كتابه.
أما هى فعليها...وفى وقت قريب أن تنقل الخبر إلى والديها . وهذا أمر لا تتطلع إلى القيام به بحماسة.على أى حال لن يكون لديها فرصة مناسبة فى الأيام القادمة فوالداها بعيدان حالياً عن المنزل.
حين عادا والدا كلويه إلى المنزل يوم الخميس بدا عليهما الإرهاق,حتى إن قلبها لم يطاوعها للتطرق إلى هذا الموضوع. أما يوم الجمعة فيصادف عيد زواج أختها . وقد أتفق أفراد الأسرة على الخروج للعشاء احتفالاً بالمناسبة ,ما يجعل هذا فى عطلة نهاية الأسبوع فهى تعلم أنها لا تستطيع تأجيل الأمر أكثر.إذا لم يتحدث بيتر أمبيروس مع والدها بهذا الشأن بعد فلن يطول الأمر به قبل أن يقوم بذلك .لذا من الأفضل أن تخبره بنفسها,مع انها ستجد صعوبة فى تفسير مسألة معرفتها الشخصية بـ فيرغوس .
منذ ذلك اليوم لم تسمع أى خبر عن فيرغوس فى الواقع لم تكن تتوقع ذلك بعد فشلها الذريع معه فى المطعم,لكن عندما يتعلق الأمر بـ فيرغوس بالتحديد فإن عدم سماعها أى خبر منه لا ينبئ بالخير البتة.
نزلت كلويه السلم صباح يوم الجمعة فى طريقها لشراء هدية لـ بينى & دايفيد,لتقدمها لهم ذلك المساء , وإذا بها تصاب بالذهول بعد أن التفتت من باب الفضول إلى غرفة الأنتظار فى مكتب والدها فوجدت فيرغوس جالساً فيها.
شهقت كلويه وعلا الشحوب خديها.فدخلت إلى الغرفة بسرعة وأغلقت الباب خلفها ثم صاحت به بنبرة إتهام:"ما الذى تفعله هنا؟"
وكأنها حقاً بحاجة لأن تسأل !
بدا فيرغوس فى غاية الارتياح وهو يرفع نظره إليها ,إذ قال بغير مبالاة:"أعمل وفق نصيحتك,أتيت بالطبع لمقابلة والدك"
كان يجلس فى أحد المقاعد وقد ارتدى بذلة داكنة اللون وقميص أزرق ورابطة عنق مناسبة.علا الأحمرار وجنتى كلويه حين تذكرت المناسبة التى أعطته فيها تلك النصيحة.ما الذى فعله فيرغوس ذلك اليوم بعد مغادرتها للمطعم؟أتراه تابع تناول غدائه أم قرر المغادرة هو أيضاً؟فكرت كلويه فى أنه فضل الخيار الثانى على الأرجح
لا تزال كلويه تشعر بالخجل لمجرد التفكير فى تصرفها ذلك اليوم فى المطعم.
كما أن احتمال رؤيتها لـ فيرغوس مرة أخرى بقى يقلقها.لكنها لم تتوقع بالتأكيد أن تلتقيه فى منزل والديها.
وما أن أدركت ما يرمى إليه حتى قالت ببطء:"إذن,مازالت مصمماً على متابعة العمل الذى تنوى القيام به؟"
وقف فيرغوس ببطء فملأ الغرفة بقامته الفارعة الطول.وقال مؤكداً:"أنا هنا لمقابلة والدك"
وهل توقعت كلويه أن يستجيب لما طلبته منه؟ففى لقائهماالأخير احرجته علناً أمام الناس.وأردف فيرغوس بتثاقل :"دخل مساعده دايفيد ليعلمه بوجودى"
نظرت كلويه إليه بعينين خائفتين ثم قالت تناشده:"أرجوك لا تدع عدائيتك تجاهى تؤثر على شعورك تجاه والدى"
ضاقت عينا فيرغوس البنيتان وأخفض بصره لينظر إليها وسألها مشيراً إلى السترة التى ترتديها فوق القميص القطنى والبنطلون الجينز:"هل أنت خارجة؟"
لم يخف عليها أنه يتهرب من الإجابة عن سؤالها . كما أنها لم تعد واثقة الآن أكانت ستخرج أم لا بعد مجئيه لرؤية والدها فقالت:"كنت..."
ثم صمتت ليسأله بحذر:"لماذا تسأل؟"
هز فيرغوس كتفيه من دون مبالاة قائلاً:"ما من سبب محدد.لقد فكرت فقط إن كان بإمكاننا أن نتناول الغداء سوياً حالما أنتهى من محادثة والدك"
فكر فقط!!
ردت كلويه بسرعة:"أنا أشك كثيراً فى أننا سنود ذلك!بالإضافة إلى هذا , هل تظن أنها فكرة صائبة...بعد آخر لقاء لنا؟"
ابتسم فيرغوس وقال متشدقاً:"لا أنصحك بتكرار ذلك المشهد الدرامى مرة أخرى"
وتابع معلقاً :"من الواضح أنه لم يكون هناك صحفيين فى المطعم يوم الثلاثاء الماضى,لكن قد لا تكونين محظوظة فى المرة القادمة"
لطالما ساورها القلق فى اليومين الماضيين من رؤية إحدى المقالات المثيرة التى تتحدث عما حصل فى مطعم الشيف سيمون.لكن يبدو إنها كانت محظوظة كما قال فيرغوس.
أخذت كلويه نفساً مرهقاً:"أنا حقاً آسفة لما حصل يوم الثلاثاء.أنا فقط...أنت...."
أسكتها فيرغوس بلطف:"لا داعى للكلام كلويه,يكفينى إعتذارك"
ثم رفع يده بهدوء ليمسد وجنتها الشاحبة:"لقد تصرفنا بغرابة يومها.وقد أكد لى دانييل أن ما حدث لم يؤثر مطلقاً على عمل المطعم.بل يبدو أن الناس جلسوا مطولاً بعد ذلك لتناول القهوة والعصير وهم يتحدثون عن الموضوع"
صدقت كلويه ما قاله فحديثهما بدا كعرض مسرحى! إلا أنها قالت بتردد:"أظن أنك تأخذ الأمور ببساطة كبيرة"
هز فيرغوس كتفيه مجدداً :"أظن أن سمعتى كعاشق قد تأثرت قليلاً لكن...من يهتم بذلك ؟ أنت..."
- آسف لتأخيرك سيد ماكلاود...كلويه؟
دخل والد كلويه إلى الغرفة لمقابلة فيرغوس وسرعان ما بدا عليه التعجب لرؤية كلويه مع ذلك الرجل فأضاف مستفهماً :"لم أكن أعرف أن ثمة معرفة سابقة بينكما"
نظرت كلويه إلى فيرغوس بارتباك قبل الالتفات مجدداً إلى والدها:"أنا...."
تدخل فيرغوس بحزم وهدوء واضحين مواجهًا ُنظرات الذهول التى رمقته بها:"أنا وكلويه صديقان قديمان"
ثم أضاف:"فى الواقع أردت دعوتها إلى الغداء"
ازداد ارتباك كلويه,ما الذى يخطط له فيرغوس؟هما ليسا صديقين قديمين فاسبوعان من المعرفة لا يجعلانهما كذلك أبداً!ولوكانت المواقف معكوسة, و فيرغوس هو من تصرف مثل تصرفها فى المطعم لما دعته بالتأكيد لتناول الغداء مجدداً.رمقته بعينين ضيقتين قبل أن تبتسم لوالدها وتشرح له بلباقة :"لسوء الحظ,على أن أعتذر عن قبول الدعوة إذ على أن أنزل إلى السوق للتبضع"
قبل فيرغوس عذرها وقال ببساطة :"إذن يبدو أن الدعوة ستصبح دعوة إلى العشاء"
توجهت وجنتا كلويه لشدة غضبها من غطرسته الزائدة إلا أن والدها أجابه هذه المرة ضاحكاً:"يبدو أن الحظ لن يحالفك فى هذه الدعوة أيضاً سيد ماكلاود فالليلة لدينا احتفال عائلى,أنه عيد زواج أبنتى الكبرى"
ثم تابع يقول:"لِمَ لا تنضم إلينا فتشارك ابنتى الجميلة العشاء مع بقية أفراد عائلتها,هذا...إذا لم يكن لديك مانع طبعاً.ما رأيك إذن؟"
ذهلت كلويه لفظاعة هذا الإقتراح لكن نظرة واحدة إلى فيرغوس جعلتها ترى لمحة السخرية فى عينيه وهما تلتقيان مباشرة بنظراتها القلقة فأدركت على الفور أنه سيقبل هذه الدعوة
كيف يمكنه أن يفعل ذلك؟
كـيـف يـجـرؤ ؟
* * *
نهاية الفصل السابع
|