كاتب الموضوع :
عهد Amsdsei
المنتدى :
روايات أونلاين و مقالات الكتاب
د. أحمد خالد توفيق يكتب.. الهول (5)
كلب الدوبرمان المخيف يزوم مهددًا (رسوم: فواز)
كانت أوراق ناهد تتكاثر بلا توقف..
الملف الذي تضع فيه أوراقها ينتفخ..
المشكلة أن معظم هذه المعلومات خطير.. خطير لدرجة أنها لا تستطيع أن تذيعه..
"كل محاولة لمعرفة متى بدأوا تفشل، لا يمكن أن تقابل من يعرف قريتهم أو مدرستهم أو الكلية التي تخرجوا فيها.. فجأة هم في الحياة العامة.. فجأة هم وزراء أو مسئولون.. وقراراتهم كارثية".
"لو تركت المجال لخيالها لقالت إنهم جاءوا من الجحيم.. من فجوة شيطانية ما.."
توقّفت السيارة أمام الفيلا الفاخرة التي يملكها الرجل في المقطم.. ترجّلت من السيارة بينما كلاب الدوبرمان تنبح في شراسة وراء تلك البوابة الحديدية.. سنخرب بيت من يدنو.. ظهر رجل الأمن ليربطها ويفتح البوابة، بينما تساءل سائق التاكسي وهو يتقاضى أجره:
ـ "من يعيش هنا؟"
قالت وهي تعدّ المال:
ـ "محمود شرف.. الوزير السابق".
ـ "ابن الـ..... الذي سبّب مقتل ألف حاج بريء؟"
ـ "أعتقد أنه هو.."
أدار السائق المحرك وقال:
ـ "علي الشافعي.. الفيلا في آخر هذا الشارع.. هو الآخر تسبّب في تسمّم مدرسة أطفال كاملة عندما كان مورّد أطعمة.. خرج من القضية كالشعرة من العجين.."
تساءلت في فضول:
ـ "علي الشافعي؟ من أين هو؟"
نظرة الغباء المطبق مع التظاهر بالخبث:
ـ "لا أحد يعرف.. كأنه جاء من تحت الأرض.."
يجب أن تتذكر هذا العنوان.. سوف تعود لمقابلة هذا السيد (علي الشافعي).. لكن ليس اليوم.. كانت البوابة قد انفتحت.. رجل الأمن يمرر عصا مغناطيسية على ثيابها.. لو كانت هناك علامة مشتركة بين هؤلاء فهي أنهم يتوقعون الاغتيال.. كلهم خلقوا أعداء في كل مكان.. كلب الدوبرمان المخيف يزوم مهددًا.. رجلا أمن يصحبانها للداخل لتقابل محمود شرف.. الرجل الكبير.. الرجل الذي يبدو كأنه جاء من فيلم عربي جديد.. البدانة.. الكرش العملاق.. جالسًا جوار حمام سباحة يحتسي العصير.. يجب أن تكافح لتصل لهذه الراحة.. يجب أن تضحي بكل شيء ويلعنك الجميع وتدعو عليك ألف أسرة تتذكر عائلها.. عائلها الذي لم يمت في حفل رقص وإنما كان ذاهبًا للحج.. حقًا.. إن الوصول للثراء يحتاج إلى تضحيات كثيرة.. تقترب من حمام السباحة، فيشير لها رجل الأمن إلى مقعد..
ـ "فلْترَ ما تشربه.."
قالها محمود شرف وهو يضحك لها من وراء نظارته السوداء.. ثم أضاف:
ـ "أنت أجمل من صوتك بكثير.. يا.. يا قمر!"
هذا رجل يختلف عن د. مختار الذي لم يكن يميل للنساء.. إنه يميل لهن جدًا كما هو واضح.. على كل حال هي قد شطبت مختار من القائمة بعد ما استبعدته من شكوكها.. جلست وبطريقة عملية أخرجت جهاز التسجيل وقالت:
ـ "ليمون.. هل نبدأ؟".
ـ "ليمون هو إذن... فلنبدأ".
قالت له في كياسة:
ـ "كلما تحدثنا عنك.. تحدثنا عن السفينة التي نقلت الحجاج والتي لم تخضع لصيانة منذ أعوام، وبرغم هذا يقال إنه تم تزييف أوراق صيانة لها."
قال في ضيق:
ـ "تم تحقيق مطوّل في هذه النقطة.. ولا أرغب في العودة لها."
بعد بضعة أسئلة وجّهت له السؤال الأهم:
ـ "ظهرت فجأة في المجتمع المصري وعالم السياسة، وقيل إنك كنت تدرّس في فرنسا.. هل يمكنك أن تلخّص لنا تاريخ حياتك المهني والعلمي قبل العودة لمصر؟"
بدّل من جلسته ليبرز كرشه العملاق أكبر، كأن هذا الكرش وسيلة إغراء.. وقال:
ـ "هذه تفاصيل طويلة.. سوف تعد لك السكرتارية ملفًا على كل حال.. أنا أعتبر بدايتي الحقيقة هي يوم عدت لمصر..".
كان يتحدث في تلذذ وهدوء.. أقسمت لنفسها أنه يجد لذة سادية في تذكر من قتلهم... أو ربما لذة ماسوشية في تذكر أن الكل يلعنه الآن... قالت لنفسها إن الرجل جدير فعلاً بأن يضاف لقائمة (لا تاريخ لهم - جاءوا فجأة - جاءوا من مكان مجهول - قتلوا الألوف).
قائمة دقيقة هي.. وكانت قد أعدت استبيانًا من عشرين نقطة تحكم به إن كانت شكوكها في موضعها أم لا.. إن هتلر تسبب في موت الملايين لكنه لا يحقق معظم الشروط.. مثلاً الكل يعرف طفولته ومتى نشأ وكيف مات.. جنكيز خان لا يحقق الشروط.. أمسكت ورقة الاستبيان وقررت أن تبدأ بتوجيه أسئلة.. ناهد سوف تضيف لقائمتها اسمًا جديدًا على الأرجح..
*****************
هب الحارس المسن مذعوراً (رسوم : فواز )
في الوقت ذاته..
شهوة الدم كانت تغلبني..
برغم كل شيء ما زالت الأساليب القديمة تروق لي ، وما زالت أسرع وأجدى تأثيرًا..
قررت أن أقوم بتمرين صغير, نزلت إلى فجوة من فجوات جانب النجوم المتناثرة في مصر، ومضيت أسبح فيها حتى خرجت في مشرحة مستشفى (.....).
كان الحارس غافيًا جوار باب الثلاجة، وجواره كوب شاي نصف ممتلئ وفي يده لفافة تبغ توشك على حرق أنامله.. هذه المرة سوف أمارس لعبة الجثة التي تتحرك.. وقفت وراء باب الثلاجة بالداخل البارد ورحت أضرب بقبضتي مرارًا..
هبّ الحارس المسنّ مذعورًا.. هتف:
ـ "بسم الله الرحمن الرحيم".
راح يصغي للحظات.. خيّل له أنه يهذي ثم جاءت الضربات أقوى وأعنف، ومن الداخل أطلقت صوت فتاة تتأوه:
ـ "أرجوك.. أخرجني من هنا".
عاد يبسمل ويحوقل ويسألني:
ـ "من؟ من أنت؟"
قلت بذلك الصوت المتحشرج:
ـ "أنا.. أنا حية.. لم أمت.. أرجوك أن تفتح الباب".
هرع بسرعة يعالج مقبض الثلاجة.. الثلاجة تتسع لخمس جثث.. حاليًا لم تكن فيها سوى جثة هذه الفتاة.. وبالطبع كان يلبّي غريزة إنسانية طبيعية.. لا أحد يترك فتاة حية سجينة ثلاجة لو أردت رأيي..
عالج المقبض وفتح الباب، وفي اللحظة ذاتها لا بد أنه تذكّر أن الفتاة التي بالثلاجة لا يمكن أن تكون حية، ولا يمكن أن تكون مدفونة خطأ..
هذه فتاة داسها قطار فشطرها إلى نصفين..
تذكّر هذا فقط بعد ما انفتح الباب ووجد نفسه ينظر لي!
يُتبَع
|