10 ـ نار من قلب الدموع
ـ روزي .
أجفلت روزي عندما سمعت غارد يناديها . كانت وصلت تقريباً
إلى الباب الخارجي . هل يمكنها فتحه والهرب ؟ لقد عاد مبكراً هذا
النهار . وأثناء الشهر الذي مر على زواجهما . كان يتأخر في عمله كل
ليلة ما جعلها تحرص على أن تكون في الخارج حين يعود , تماماً
كما فعلت ليلياَ في الأسبوع الماضي .
عندما سألها رالف إن كان بإمكانها المناوبة ليلاً في الملجأ مع
أحد المتطوعين , وجدت ذلك فرصة مناسبة , فتبرعت بالعمل عدة
ليالٍ أخرى .
رأت رالف يقطب جبينه وهو يسألها :
ـ هل أنت واثقة ؟ ألن يعترض غارد ؟
أجابته صادقة :
ـ غارد نفسه مشغول جداً .
هل هو مشغول جداً بعمله . . . أم بتجنبها ؟!
ابتسمت بمرارة . بدا وكأن دهراً مضى منذ كانت تشعر بالقلق
لاضطرارها إلى مشاركة غارد غرفته . وكذلك عندما أخذ يغيظها ,
مازحاً , متحدثاً عن تأثير قربه منها على مشاعرها . لم يخطر لها قط
مبلغ صحة نبوءته هذه ومبلغ جهلها حينذاك , وغفلتها .
والآن . مع استمرار بقاء إدوارد ومرغريت في المنزل , ليس لديها
خيار سوى الاستمرار في مشاركة غارد غرفته . لكن غارد كان يحرص
على البقاء في الطبق السفلي حتى يتأكد من نومها , أو يظن ذلك
حين تتظاهر هي بالنوم . كانت تستلقي مغمضة العينين بينما يتنقل هو
في أنحاء الغرفة , محاولة جهدها كبح مشاعرها التي كانت تسبب لها
آلاماً رهيبة .
حتى عندما كانت تتأكد من استغراق غارد في النوم , لم تكن
لتفرج عن نفسها بالبكاء . لم تكن تجرؤ على ذلك . ماذا لو استيقظ
غارد فجأة فوجدها تبكي ؟ .
مرة أو اثنتين في الأسبوع الذي تلا تلك الليلة , أحست به
يراقبها . وفي عدة مناسبات , شعرت وكأنه يوشك أن يقول شيئاً عما
حدث . لكنها , كل مرة كانت تغير الموضوع خوفاً مما قد يقول .
كانت روزي بكرت في الذهاب إلى السرير , مدركة أنها لن
تستطيع النوم , لكنها أيضاً , لن تستطيع البقاء مع غارد في الطابق
السفلي . وعندما دخل الغرفة , كانت تتظاهر بالنوم , ويبدو أن ذلك
لم يخدعه , لأنه تقدم منها يقول بلطف :
ـ أعلم أنك مستيقظة يا روزي ! يجب أن نتحدث قليلاً .
رفضت حينذاك بذعر , متكهنة بما سيقول . يريد أن يخبرها بأنه
يعلم مبلغ تعلقها به , لكنه لا يحبها . يريد أن يذكرها بشروط
زواجهما , أن يبدد الوهم الذي يتملكها بعد تلك التجربة العاطفية
الملتهبة . سيقول إن ما بدا لها لم يكن إلا من نسج خيالها .
كانت قد أجابته بحدة وعنف :
ـ لا ! لا أريد التحدث معك ً ليس هناك ما نتحدث فيه !
تراجعت قليلاً وهي ترى فكه يتوتر بغضب . لكنه لم يصر على
الجدال معها , وإنما قال بصعوبة :
ـ لا بأس , يا روزي , إذا كان هذا ما تريدين .
لم تجب حينذاك . لم يمكنها ذلك , وإنما أشاحت بوجهها عنه
متكورة على نفسها. ما كانت تريده حقاً هو حبه . كانت تريده حقاً أن
يعانقها قائلاً إنه يحبها , وإنه لا يستطيع العيش من دونها .
ـ روزي !
ناداها غارد مرة أخرى بحدة تنذر بالشر . فات أوان الهرب الآن !
وبعد أن أصبح في الردهة , سألته دون أن تنظر إليه مباشرة :
ـ ماذا تريد يا غارد ؟ كنت على وشك الخروج لأنني أناوب في
الملجأ هذا المساء . يجب أن أذهب وإلا تأخرت .
قال بلطف :
ـ لا ! إنك لن تعملي في أي مكان , الليلة , يا روزي ! لأن علينا
أن نتحدث هذه الليلة .
قالت بذعر :
ـ لكنني لن أستطيع خذلان رالف ! إنه يتوقع وجودي ! ثم إنهم
يعانون نقصاً في الموظفين بسبب كل تلك الاجتماعات التي يقوم بها
رالف لتجديد عقد الإيجار .
كانت مالك مبنى الملجأ أعلن أنه سيبيعه عندما تنتهي مدة العقد ,
فأخذ رالف يحاول العثور على طريقه يجمع بها المال ليشتريه , ولكن
دون جدوى . حتى إنه طلب منها أن تقترح على غارد شراء المبنى
لهم . وكانت روزي أجابته بضيق :
ـ لا ! لا يمكنني القيام بذلك , يا رالف ! .
كما أنها لم تستطع توفير المبلغ بنفسها لأن أموالها وديعة مجمدة
في البنك .
قالت :
ـ يمكننا التحدث غداً .
قال ساخراً :
ـ أحقاً ؟! هل أنت واثقة من أنك لن تجدي غداً موضوعاً أكثر
أهمية ؟ لا يا روزي . أنا لست رجلاً صبوراً في العادة , ولكنني , أفهم
أن الأمور ليست سهلة بالنسبة إليك . الهرب لا يحل مشكلة , كما
تعلمين . عندما تزوجنا , عقدنا اتفاقاً ينص على أن يبدو زواجنا طبيعياً
تماماً . لهذا , ليس من الطبيعي يا روزي , بالنسبة إلى زوجين في شهر
العسل , أن يمضيا معاً وقتاً قليلاً بهذا الشكل . . .
قاطعته بلهجة غاضبة :
ـ أنت من يتأخر ليلاً على الدوام .
ـ أحقاً ؟ وما أدراك بالوقت الذي أعود فيه ليلاً بينما أنت لست
هنا ؟
منتديات ليلاس
أخذت روزي تحدق فيه . كانت تعرف الوقت لأن إدوارد حرص
على أن يعلمها به , مستغلاً كل فرصة ليخبرها أن غارد لم يعد إلى
البيت قبل الثامنة أو التاسعة . وعندما كانت تعود من عملها الساعة
الحادية عشرة ليلاً , كان غارد بطبيعة الحال يعمل في المكتب .
كرر غارد قوله متجهماً :
ـ لقد عقدنا اتفاقية , لكنك لا تحـــاولين تنفيذهـــا , مفضلة قضـــــاء
كل وقتك في الملجأ , أليس كذلك ؟
قالت بفتور :
ـ يبدو أن هذا أفضل ما يمكن القيام به .
سألها بانفعال :
ـ ماذا ؟ أفضل ؟ أفضل بالنسبة لـــمــــن ؟ لــقــــد بدأ الناس يتكلمـون .
بدأوا يتساءلـــون عن نـــوع هــــذا الزواج , حين نمضي معظم الوقت
متباعدين ! يا إلهي , حتى إدوارد أخذ يتعاطف معي وينصحني محـذراً
من أن الناس أخــــذت تتحدث عن مــقــدار الوقت الــــذي تمضينه مع
رالف . يبدو أن إدوارد أيضــاً يظن بأن رالف يحــــاول إقناعك بتمويل
الملجأ .
سألته بحدة :
ـ هل هذا . . . هل هذا ما كنت تريد أن تحدثني عنه ؟
ـ إنه شيء من أشياء .
شيء من أشياء ؟ وما هي الأشياء الأخرى ؟ أخذت روزي تتساءل
عن ذلك حزينة . أمس فقط أبدى إدوارد تعليقاً على مبلغ ما يبدو
عليها من تعاسة واصفاً إياها بـ (( الحبيبة المهجورة )) , مظهراً شفقة
زائفة , متظاهراً بالأسف لهجران غارد لها , قائلاً :
ـ لا تتهــافتي عليه بهذا الشـــــكل . أمثال غارد يحبون المطاردة ,
الصيد , وأنت جعلت الأمر سهلاً جداً بالنسبة إليه ما جعله يسأم
منك .
سألها غارد برزانة :
ـ هل طلب رالف مالاً منك يا روزي ؟
ـ إنه قلق من ناحية عقد الإيجار واحتياجات الملجأ . . .
قاطعها بغضب :
ـ احتياجات الملجأ ؟! أخبريني , يا روزي , هل فكرت يوماً مـــا
بحاجات أخرى ؟ حاجات شخص آخر ؟ أم أنك عمياء حقاً بحيث
لا . . .
سكت فجأة عندما انفتح الباب ودخل إدوارد الردهة .
ـ آسف ! ( قـــــال ذلك بتكلف وهــــو ينقـــل نظراته بين وجه روزي
الشاحب ووجه غارد الغاضب ) أتراني قطعت عليكما لحظة سيئة ؟
ـ هل كنت تريد شيئاً يا إدوارد ؟
سأله غارد ذلك بضيق دون أن يحول عينيه عن وجه روزي ,
متجاهلاً سؤال إدوارد .
ـ نعم . أريـــــــد التكلم مـــعــك يــــــا غـــارد , إذا لـــم يكــــن لديك مانع .
الولدان سيعودان من المدرسة تقريباً , ومرغريت متخوفة من عدم وجود
أدوات إطفـــــاء الحــريق في الطــــابق العلوي , وأنا أوافقــها على ذلك .
ولأجل الأمــــان , أظن أن علينا الانتقــال إلى الطـــابق الـــذي تحتنا أثناء
وجودهما هنا . . .
اتجهت روزي بسرعة إلى الباب , متجاهلة أمــر غارد لها بحدة :
ـ روزي ! . . . انتظري ! .
ركضت إلى سيارتها متوقعة أن يلحق بها , وفتحت بابها
ودخلت .
كــــان عليهـمـــا أن يتحدثا , لكنها لم تستطع . كانت متخوفة من أن
تسمعه يقول بأنه لم يعد يستطيع الصبر , وأنه سيرحل .
ولكن , ألا يمكن أن يكون هذا هو الأفضــل في الحقيقة ؟ إلى متى
يمكنها الاستمرار في العيش قريبة منه بهذا الشكل , عالمة بمبلغ حبها
له , عالمة بأن إدوارد يراقبهما كل لحظة , عالمة بأن الوقت الذي
يمضيانه معاً يتناقص باستمرار , متخوفة من أن تفضحها مشاعرها ,
ومتوقعة في كل لحظة سماع قوله بأنه لا يريد حبها . . .
في الملجأ , أمضت المساء بطوله قلقة متوترة , غير قادرة على
التركيز في عملها . وتملكها الارتياح عندما انتهى واجبها وصار
بإمكانها العودة إلى البيت .
أول ما لاحظت حين أوقفت سيارتها خــارج المنزل أن سيارة غارد
غير موجودة .
انقبض قلبها وشعرت بالتعاسة رغم أنها حاولت إقناع نفسها بأن
الأمر عادي .
استولى عليها الصـــــداع طــوال المساء , وكانت قــــد تناولت حبتي
أسبرين عندما أطل إدوارد . سألها بلهفة مصطنعة :
ـ أتشعرين بوعكة ؟
ـ لدي صداع !
كرهت عــــادة ظهوره كلما شعرت بعدم الرغبة في رؤيته . بدا
وكأنه يتجسس عليها . قال وهو يراقب ردة فعلها :
ـ غارد خرج .
ـ نعم , لاحظت هذا .
أرادت مغادرة المكان لكن إدوارد أضاف بخبث :
ـ تلقى اتصالاً تلفونياً . . . من امرأة . طلب مني أن أخبرك بأنه
سيغيب طوال الليل .
شعرت روزي بالدم يهرب من وجهها , مدركة بأن إدوارد رأى
ذلك .
ـ آه , يـــا روزي الـــمسكينة ! . . حــظـك سيء أليس كذلك ؟ عــاجـلاً
أو آجلاً سيتركك ! نعم , سيبقى هنــا بـمـــا يكفي لتحقيق مأربه , ولكنه
سئم منك الآن أليس كذلك ؟ شابة في عمرك , ربمـــا يتوقع منــــها أن
تحمل مباشرة . . . هل أنت حامل يا روزي ؟ منذ فترة والشحوب يبدو
عليك . . .
شهقت روزي بغضب بالغ وقالت ثائرة :
ـ هذا ليس من شأنك .
فقال بلطف :
ـ بل هو من شأني , الأمر يهمني تماماً . كــما يهمني هـذا المنـــزل !
أرجو ألا تكوني حاملاً , يا روزي , لأنه إذا كنت كذلـك . . . حســنـاً ,
لنقل إن بقاءك في هذا المكان مخاطرة كبيرة لأنك بحاجـة إلى العنايـة
البالغة , لعلك فهمت ما أعني . غارد لن يكون مسروراً إذا أنت فقـدت
طفله . أليس كــــذلك ؟ سيكـــون مضطراً لتمديد إقامته معك للحصـول
على طفــل , في الوقت الذي يفضل أن يكون مع امرأة أخرى . . . لـم
يمضِ على زواجكــما شـهـــر حتى الآن وها قد مل منك , يا روزي !
اتركيه الآن فما زال أمامك متسع من الوقت . إنه لا يريد سوى
المنزل , إنه لا يريدك ولم يردك قط !
شهقت روزي باكية وهي تندفع نحو غرفتها باحثة عن الأمان .
الأمان ؟ وكيف تشعر بالأمان بعد كلام إدوارد المبطن بالوعيد !
لا بد أنه مجنون , مخبول ! لكنها تعرف أنه ليس كذلك .
ارتجفت بعنف وهي تتكوم في منتصف السرير .
ما المفروض أن تشعر به الآن لو أنها حامل ؟ الغثيان , الخوف ,
الكرب المــبرح ؟ حركتــهــا الغريزية لستــر بطنها بيدها أخبرتها
بالجواب ! .
لا يمكنها أن تستمـــــر بهذا الشكــــل ! حبها لغارد ورغبتـهـــا فيـه , ثم
معرفتها بعدم حبه لها ! العيش بخوف من إدوارد وتهديده ! ولكن , إلى
أين تذهب ؟ إلى الملجأ . وارتسمت على فمهــا ابتسامة مـــرة . . . هذا
غير ممكن !.
ـ أنت لا تأكلين فطورك .
قال ذلك باختصار فأجابت بوجه شاحب :
ـ لست جائعة .
كان الوقت صباح السبت , وهذه المرة لم يكن لديه عمل هام
يجعله يغيب عن البيت.
لم يقل لها شيئاً بالنسبة لرفضها التحدث معه , ولم يقدم أي
إيضاح لغيابه طوال الليل منذ أيام .
كان غارد يقف عندما دخــل إدوارد غرفة الطعام . قال لها شارد
الذهن :
ـ علي أن أخرج بعد قليل . . لا أدري كم سأغيب . ماذا ستفعلين
أنت ؟
قالت دون أن تعني ذلك تماماً , متجنبة النظر إليه :
ـ سأخرج للتسوق .
قال إدوارد ساخراً , وهو يبتسم لهما :
ـ آه , يا لهذه الزيجات العصرية !
لكنه , بعد ذلك بساعة , لم يكن يبتسم عندما صادف روزي على
السلم بعد خروج غارد . قال ينصحها :
ـ كفى تصعيباً للأمور على نفسك , يا روزي . اتركيه . إنه يريك
بوضوح عدم اهتمامه بك , ومدى اهتمامه بها .
ـ بها ؟!
أفلتت هذه الكلمة التي كشفت عن عذابها بالرغم منها . قال
بابتسامة متكلفة :
ـ آه , هــيـــا . . لا يمكنك أن تكــــوني ســـــاذجة إلى هـذا الحــد ! إن
زوجك يغيب الليالي بطولها , وليس هناك سوى تفسير واحـد , أليـس
كذلك ؟ وهو وجود امرأة أخرى , بل عدة نساء , نظراً لسمعة غـارد .
شعرت روزي فجـــأة بأنها لم تعد تحتمل . شـعـــرت بدمــــوعـها على
وشك الانهمار . كل وخزات إدوارد , كــل قسوته , كل تهديداته , كـل
آلام حبها لغارد ومعرفتها بعدم حبه لها , كل هذا أصبح كثيراً
عليها .
خفضت رأسها وهربت إلى أمان غرفتها .
الغرفة , غرفتها , والسرير الذي تشترك فيه مع غارد . تشترك فيه
معه ؟ أغمضت عينيها بشدة على فيض دموعها الحارة .
عندما انهمرت دموعها على وجهها , تناولت وسادة غارد تحيطها
بذراعيها تدفن فيها وجهها , محاولة أن تشم رائحته الخفيفة وكأنها
دواء يخفف آلامها .
ـ روزي ! . . . روزي ما هذا ؟ ماذا تفعلين هنا ؟
غارد ! . . . لكنه خرج ! أجفلت روزي لسماعها صوته دون أن
تجرؤ على الالتفات . سألها :
ـ ماذا حدث ؟ هل تشعرين بمرض ؟ أخبريني . . .
كان واقفاً الآن بجانب السرير , منحنياً عليها ويداه ممدودتان
إليها . وبحزن بالغ , رفعت وجهها إليه .
ـ هل تبكين ؟
جلس بجانبها على السرير , لكنه , كما لاحظت , ما
زال بعيداً عنها .
ـ ما هذا ؟ ماذا حدث ؟
ـ لا شيء !.
ـ هل هو رالف ؟ الملجأ ؟ هل . . .
رالف ؟ حدقت روزي فيه . ولماذا تبكي لأجل رالف ؟ قالت
متبرمة :
ـ رالف ؟ ليس لأجله طبعاً .
بدت في عيني غارد نظرة جعلت قلبها يخفق . قال يلح عليها
بهدوء :
ـ حسناً , إذا لم يكن رالف , ماذا إذن ؟ أو بالأحرى من هو ؟
جلست روزي بعنف , مبتعدة عنه قليلاً وهي تقول :
ـ قلت ستخرج ؟!
قال بخشونة :
ـ يمكن تأخير ذلك , أما هذا فلا . ما الأمر يا روزي ؟ ولا تقولي
( لاشيء ) . اللاشيء لا يجعلك تبكين .!
تملكها الذعر وهو يمد يده يلمس وجهها الساخن المبلل بحنان .
إنه حنان مخادع , تماماً مثل نظرته التي بدت في عينيه وكأنها اهتمام
حقيقي ! من الخطأ الفادح أن تنخدع بذلك . أخذت تحذر نفسها بأن
ذلك خطأ شنيع .
لم تستطع أن تخـــبــره بالحقيقة . وكيف يمكنــهــا ذلك بينــــما . . .
وانتفضت فجأة وهي تسمع صوت خطوات شخص في الممر . هتفت
بذعر :
ـ إنه إدوارد , يا غارد ! لا تدعه يدخل ! لا . . .
ـ إدوارد ؟
عندما سمعت نبرة الاستفهام الحاد في صوت غارد , توهج
وجهها . سألها وهو يمرر يده على وجهها برقة :
ـ هل إدوارد هو سبب هذا . . . كل هذه الأمور ؟
عضت روزي شفتها , خـــائفة من الجواب , لكنها لم تستطع أن
تغالب فيض الدموع الحارة التي كشفت عن مشاعرها . سألها :
ـ أخبريني بكل شيء , يا روزي . أريد أن أعلم ما الذي يحدث
هنا . ما الذي فعله إدوارد ليسبب كل هذا ؟
قالت بتعاسة :
ـ لا أستطــيع أرجــــــوك , لا ترغمـــني على ذلك , يا غــارد . أتمنى
فقط أن يرحل عنا . ( وأخذت تبكي ) أكره أن أراه يراقبني , يتجسس
علي ! إنه يعلم يا غارد , أنا أعرف أنه يعلم ! ثم إنه . . .
ـ يعلم ماذا ؟
ـ أن هذا ليس زواجاً حقيقياً . . . إنه يقول ذلك ويهددني .
قاطعها بحدة :
ـ يهددك ؟! روزي , لم يعد بإمكانه أن يفعل شيئاً الآن . ولا بد
أنك تعلمين هذا , مهما كانت أسباب الزواج ونوايانا فقد تلاشت
قدرة إدوارد على تدميرنا وذلك منذ اللحظة التي تحول فيها زواجنا
من الزيف إلى الحقيقة . لم يعد يمكنه القيام بشيء الآن , وليس له
ملجأ قانوني يساعده .
ـ لا . . . لا ملجأ قانونياً له .
قطب غارد جبينه :
ـ روزي , ما الأمر ؟ ماذا تريدين أن تقولي ؟
كانت ترتجف , وجسدها أصبح فجأة شديد البرودة , وشعرت
بما يشبه المرض . قال محذراً :
ـ روزي !
هزت رأسها بيأس , ثم قالت بهدوء :
ـ إنه لا ينفك يقول بـــأن علينا إنهـــاء هــــذا الــــزواج . . . يقـــول إنك
تـحــــاول أن . . . إنـه يــظــن . . . ( خفضت رأسها وقد توهج وجهها
احمراراً , غير قادرة على أن تحمل نفسها على النظر إليه ) إنه يظن أنه
إذا أصبــح لـــدينا طـفــل , سيكـــون حصولـك على البيت مضمونـاً . لقد
تكهن بأن هذا هو سبب زواجنا , يا غارد . حتى إنه هددني . . .
وابتلعت ريقها بصعوبة وابتسمت بابتسامة صفراء :
ـ أخبرني أن في منزل كهذا , سيكون من السهل على أية امرأة أن
تفقد جنينها .
ـ ماذا ؟!
ارتعبت روزي وهي ترى الغضب في عينيه وتسمعه يأمرها بحزم :
ـ إبقي هنا ! .
خرج لأقـل من نصف ساعة , ولمـا عـــاد شعرت روزي بالتوجس
من الجمود والهدوء الباديين على ملامحه .
ما الذي قاله لإدوارد ؟ والأهم من ذلك , ما الذي قاله إدوارد له ؟
أتراه أخبر غارد عن مشاعرها ؟ أتراه . . .
قال بثقة وخشونة :
ـ لقد رحل إدوارد , يا روزي , ولن يعود .
حــدقـت روزي فيه . كيف اسـتــطـــــاع غــارد أن يحمله على الرحــيل
بهذه السهولة والسرعة ؟ كان إدوارد بالغ التصميم على البقاء , وكان
غارد أخبرها بأن من المجازفة البالغة أن يطلبا منه الرحيل .
ـ رحل ؟ وبهذه السهولة ؟
انهمرت من عينيها دموع جديدة , لكنها الآن كانت دموع
الارتياح .
ـ آه ! يا إلهي ! لا تبكي يا روزي !
منتديات ليلاس
اقترب منها , وبدا واضحاً أنه سيضمنها مواسياً , فانتفضت مبتعدة
عنه وقد اتسعت عيناها لأسباب شتى مختلطة .
ـ لا حاجة بك للابتعاد عني وكأنني نوع من . . . أنا لن ألمسك .
ـ أعلم أنك لن تلمسني .
قالت ذلك محولة وجهها عنه عندما شعرت بدموع جديدة ابتدأت
تنهمر . ثم سمعته يسألها برقة :
ـ حسناً , إذا كنت تعلمين ذلك , لمـــاذا إذن . . . روزي . . .
أنظري إلي .
همست تـقـــول :
ـ لا أستطيع ! . . لا أستطيع ! .
ـ بل تستطيعين !
ارتجفت وهو يحيـــط وجهـهــا بيديــه ثم يرفعــه لــيرى عينـهــا
المغرورقتين بالدموع . قال بهدوء :
ـ والآن , إذا كنت تعلمين أنني لن ألمسك , لمــاذا انتــفضــت مبتـعـدة
عني بهــذا الشكـــل ؟
حاولت روزي مغالبة دموعـــها بشــــدة , وارتــجـفت شفتـاهــا وهـي
تفشل في ذلك , ثم اكتسحتها المشاعر حتى لم تعد تستطيع المقاومة ,
فقالت بصوت معذب متهدج :
ـ لأنني أريدك أن تلمســـني . لأنني أحـــبـــك وأريـــدك ولا أستــطيــع
أن . . . غارد . . . غارد . . . !
تبـدد احتــجــاجــها تــحــت وطـــأة عناقه . أخــذها بين ذراعيه بعنف
جعلها تشعر بقوة دقات قلبه المماثلة لدقات قلبها .
ـ روزي! . . روزي .
لم تكد تميز في هذا الصوت العنيف المختنق صوت غارد الذي
تعرفه . ودار رأسها . لا بد أنها في حلم ! .
هل هذا حقاً غارد الذي يحتضنهـا بهـذا الشكل . . ويخبرهـا بمبلغ
حبه لها , وكم كان يحبها على الدوام , وأنه كان يتلهف لسماع ما
قالته لتوها .
قالت وهي ترتجف , وتبعده عنها قليلاً لتنظر في عينيه , والخجل
والارتباك باديان عليها :
ـ ولكن لا يمكن أن تكون أحببتني . كنت دوماً تكرهني . . .
ـ أواه , يا روزي ! أنت فقط تظنين ذلك . . أنت فقط من يستطيع
أن يظن هذا . . . لماذا تظننني تزوجتك ؟
قطبت روزي جبينها :
ـ لأنني طلبت منك ذلك , لأنك أردت المنزل .
ـ كلا , يا روزي ! كنت أريدك و أرغب فيك , أردتك وسأريدك
عل الدوام .
قال ذلك وهو يعد الكلمات التي يقولها على أصابعها , ثم ينحني
ليقبل كل إصبع منها بحنان فائق .
شعرت روزي بكيانــها كله يهتز لردة فعلها إزاء الأحـاسيس التي
تملكتها وهو يقبل أصابعها . شعرت بذلك حتى أخمص قديمها .
ـ لكنك لم تكن تريد الزواج بي ! . أنا التي طلبت منك ذلك . ثم
إنك قلت إنك بحاجة إلى وقت للتفكير . . .
ـ ذلك لكــــي أتـــمـكـــن مـــن السيــطــــرة على نفـسي , والتدرب على
التصرف ببراعة بالنسبة لما تطلبينه مني . كنت محظوظة جداً لأني لم
أختطفك حينذاك . فقـط لأريك . بالضبط , رأيي فــي خطتك عــن زواج
المصلحة ذاك . ربما هذا ما كان علي أن أفعله .
لم تستطع روزي إخفـاء القشعريرة التي سرت في كيانها .
والتوهج الذي أحرق بشرتها .
ـ هل كنت ستحبين ذلك يا روزي ؟
ـ أنا . . . آه , ا غارد ! كيف أحببتني دون أن أدري ؟
ـ بإحباط بالغ وجهنم من الغيرة !
ـ أنت تغار ؟ وممن ؟
ـ من رالف , أولاً , ثم من بريسيه ثانياً . يا إلهي , عندما رأيته
يغازلك . . . اعتبرت نفسي دائماً رجلاً منطقياً رصـــيــنـاً , لكنني تلك
الليلة . . . تملكتني رغبة عنيفة باختطافك وإرجاعك إلى البيت . . .
بيت الزوجية .
قالت بألم :
ـ قال إدوارد إنك لا تحبني , وإنك لم ترغب بسوى البيت ,
قال . . . قال إن لديك امرأة أخرى فظننت . . . لماذا ما دمت تحبني يا
غارد , لماذا لم . . . لماذا لم تقل شيئاً تلك الليلة , ليلة . . .
ونظرت إليه ضارعة , فقال ساخراً من نفسه أكثر مما هو منها :
ـ أواه , يا روزي ! ما أقل ما تعرفين ! كنت كارهاً أن أدع رغباتي
ومشاعري تدمر سيطرتي على نفسي . بعد أن لجأت إلي خائفة
مذعورة تطلبين المواساة والاطمئنان , لم أقصد قط أن . . . ظننتك
غاضبة مني فلم تتحدثي عما حصل .
همست تقول :
ـ وأنا ظننتك غاضباً مني . وعندما استيقظت في الصباح ولم
أجدك . . .
ـ حسبت أنك لا ترغبين في رؤيتي ذاك الصباح !
نظرت إليه بحيرة !
ـ ولكن لا بد أنك أدركت . . . شعرت بأنني . . .
ـ بأنك تجاوبت معي بعاطفة قوية ؟ نعم , أدركت ذلك . لكنك
على الدوام مرهفة الإحساس شديدة العاطفة في كل ما تفعلين !
ـ لكنني كنت واضحة في الموافقة على أن نكــون معاً في غرفة
واحدة !
ـ نعم , كان ذلك واضحاً , لكنني لم أجرؤ على التصديق ,
وتملكني أيضاً شعور بالذنب .
ـ سألته مقطبة الجبين :
ـ الشعور بالذنب ؟ لأنك معي , أنا زوجتك , في غرفة واحدة ؟
ـ هذا بالإضافة إلى أشياء أخرى .
سألته بحيرة :
ـ ما هي تلك الأشياء الأخرى ؟
أجاب وهو يتأملها بإمعان :
ـ المـــوافقة على الــــزواج بـك بدلاً من محــــاولة مساعدتك بــــالعثــور
على طريقة أخرى لتدبر حول الموضوع . ثم انتهاز فرصة قرار إدوارد
بالإنتقال إلى هنا . . .
ـ انتهاز الفرصة ؟ وكيف ؟
ـ بأن جعلتك تنامين في غرفتي . هل ظننت أنني لم أكن أستطيع
الذهاب لإحضار ملابسك لو أردت أنا ذلك حقاً ؟
ـ لكنك لم ترغب في مشاركتي الغرفة . أنت قلت ذلك .
ـ أواه , يا روزي ! طبعاً كنت أريد ذلك ! أردت ذلك وأكثر !
أحاط وجهها بيديه وأخذ ينظر في عينيها .
ـ هــل صدقت حقــــاً أنني لم أكـــن أستـــطيع التخلص مـــن إدوارد أو
طمأنتك إلى أن ليس علينا أن نتشارك في غرفة واحدة إذا كان هذا ما
أريده ؟ هل صدمتك بقولي هذا ؟
هزت روزي رأسها :
ـ بل أدهشتني ! لم يكن لدي فكرة .
قال برقة :
ـ أظنني وقعت في غرامك ليلة العثور عليك متسللة لسرقة صيد
جدك . فتاة صغيرة الحجم , شديدة الحيوية والانفعال . كنت لا تزالين
صغيرة بالنسبة لأمور كثيرة . وفي أمور أخرى امرأة أو , على الأقل ,
هذا ما حدثتني به مشاعري . أما عقلي . . . ( وهز رأسه ) كنت أعلم أن
الوقت ما زال باكراً . كنت صغيرة جداً . حتى إنك لم تحبيني . . .
وبقيت على عدم حبك لي , لكنك كنت تظهرين نحوي مشــاعر
جعلتني أتعلق بالأمل في أنك يوماً ما . . . ربما يوماً ما . . .
قاطعته برقة :
ـ ســأغرم بك ؟
سألها بسرعة :
ـ وهل هذا ما حدث , يا روزي ؟
هزت رأسها :
ـ لا , لم أقع في غرامك يا غارد !
قالت ذلك بحزم , رافعة يدها إلى وجهه بحركة غريزية للتخفيف
عنه بعد أن رأت الألم على وجهه :
ـ الوقوع في الغرام هو للمراهقين , للفتيات , وأنا امرأة . أنا
أحبك يا غارد . أحبك كما تحب المرأة الرجل . . . كلياً وإلى الأبد .
لشد ما تأثرت وهي ترى الدموع في عينيه . مدت يدها تقربه إليها
هامسة :
ـ أواه , يا غار ! . . غارد . . .
بعد لحظات كانت بين ذراعيه وهي تبتسم بحب , ثم قالت
متعجبة :
ـ هل كنت حقاً تغار من رالف ؟
ـ إلى أقصى حد ! وهذا ما استغله إدوارد لمنفعته الشخصية بكل
نجاح .
قالت :
ـ لقد تلاعب بنا , نحن الاثنين . ماذا قلت له لكي يرحل , يا
غارد ؟
أجاب وهو ينحني ليقبلها :
ـ قلت له إنه إذا قال شيئاً يكدرك مرة أخرى , سأجعله يندم على
ذلك بقية حياته . كما قلت له إذا لم يغادر المنزل ويخرج من حياتنا
خلال نصف ساعة , سيجد أموره المالية والعملية معرضة لنوع من
الفحص والتدقيق يجعل كل أنواع الغش والتزوير تبدو , بجانب ما
سيكتشفونه , أشياء عادية .
ـ ظننت أنك سوف . . .
ـ سوف ماذا ؟ هل كنت تفضلين قيامي بشيء آخر ؟
ـ لا . . . لا شيء !.
قالت ذلك وهي تمد ذراعيها تعانقه .
ـ هل ما زلت تحبينني ؟
فتحت روزي عينيها بتثاقل كانت متكورة بجانبه يكاد يغلبها
النعاس بعد فيض الحب الذي ملأ كيانها . أجابت :
ـ أكثر من أي وقت مضى , وأنت ؟
أجاب بهدوء :
ـ نعم ! أكثر من كل ما مر علي في حياتي أو سيمر . إنك حياتي ,
يا روزي . حياتي وحبي . اليوم وغداً وإلى الأبد , أحبك !.
الــنهـايــة
قراءة ممتعة للجميع
وحبي لكم من الأعماق
لا تنسوا اختيار روايتكم التالية
بوضع ايقونه شكراً على الاختيار بمثابة تصويت للرواية
ملخص الروايتين موجود في المشاركة التالية