المعانقة السابعة عشر
أجلس على أريكة تحمل اللون الأبيض , أجلس عليها أرتدي اللون الأسود
اضغط بأصابع قدماي على لونها الابيض ليتسخ بالطين والدم
ألتقط أنفاسي , وأنا أعيد مشاهد ماحدث معي فيجهش صدري في بكاءً مرير
أبكي مرعوبة عندما تجتاحني ذكرى الدقائق الماضية الأخيرة فتلوح في ذاكرتي الضبابية أصوات الأنفاس والصرخات , ولون الدم الذي سبح ليكون بركة دموية بجانبي
أضغط على رأسي لعلي أمحي ذكراها
وأنسى سقوط ذلك الرجل وموته أمامي
وعامر الذي إنهار بجانبه , حتى إستحال جثة هربت منها أنفاسها
كان أبيض اللون , مشدود الملامح , حزين المحيّا عندما حدق بي
لم يحدثني إلا عندما استعاد وعيه , وعصرت عيناه مائها
صرخ عليّ بأن أذهب , أرحل إلى الشقة ركضا
ولا أذكر لأحدا ماحدث , وان يبقى الامر سراً فيما بيننا
لم استطع الحراك , بقيتُ في مكاني وقد أخرس لساني الذهول حتى رماني هو بحجر صغير أيقظني من سبات فوضى ماحصل , انفتحت عيناي الناشفتين عن عروق حمراء مروعة , وأنا أنصت لكلماته الغاضبة والمرتعشة ووجهه الفاحم الحزين : " اذهبي من هنا حالا , أتريدين حدوث فضيحة لكِ !!! إن عرف أحد ماحدث هنا سيكون مصيري ومصيرك هو الموت , أذهبي بسرعة قبل أن أركلك خارجا وأمزق جلدك ضربا , أغربي عن وجهي "
صرخ بها وافزعني , فقفزتُ مهرولة إلى الخارج أجمع أشلاء جسدي المبعثرة ورائي , واغطي ماكشف منها
اختفي في الظلام , وامشي بخطى متعثرة تكاد تسقط قبل ان تمس الأرض
وصلت إلى الشقة غير وعية لوصولي إليها , ورميت بجسمي المنهك على بابها
يا إلهي , ما الذي سيحدث لنا الآن !!
ماذا سيكون مصيري , ومصيره !
ضربت رأسي على ركبتاي , وأنا أذكر نفسي بأن شيئا لم يحدث , وانني بخير!!
كيف أكون بخير وقد قُتل الرجل أمامي
لا ... لم يقتله عامر إنما انزلقت قدم الرجل من تلقائي نفسها
لم يكن القاتل عامر , لم يكن هو بالطبع فهو من دافع عني , وانقذني من وحل ذلك العفن, فذلك القذر يستحق الموت فأمثاله يجب التخلص منهم ورميهم خارج هذا العالم
إني بخير !
نعم بخير , ولم يحصل شيء !
لم اتحرك من اريكتي الملطخة بقذارة ماحدث
ولم أنم في ذلك الصباح , إنما قضيته في أرق مميت
دقائقه تميت قلبي في كل ثانية
الرعب أحتل كل ركن من أركان شقتي الخرساء
وانقطعت الحياة من أوصال روحي
فبت أعد الانفاس والنقرات
وارتعش في كل مرة أسمع فيها صوتا
خائفة من دخول أحدا لشقتي للقبض عليّ واتهامي
خائفة من أهتزاز جدراني الصامتةِ وادانتي بما حدث وانني مشتركة في الجرم
يعيد المشهد أحداثه على انغام صاخبة مرعبة , فكل شيء يدور بلا توقف
ويستيقظ ذلك الرجل ويختفي عامر ليهاجمني هو
ويحاول فعل ماكان يريد فعله
فأصرخ وأصرخ مستنجدة بأحد
متمنية أن موته حقيقة وليست مجرد كابوس
لماذا عاد وأنا أظنه قد مات
استيقظت تحت ضوء أشعة الشمس الحارقة , استيقظت وأنا مبللة بالكامل , استيقظت باكية صارخة
مسحتُ وجهي بإرتعاش , وأنا مفزوعة من الكابوس الذي راودني
طافت حقيقة ما حدث بالأمس وكأنها أمامي
لا .. أنه حلم , نعم حلم ... وليست حقيقة
وقفتُ مرتجفة الأقدام أنظر إلى ملابسي المتسخة من الأعلى , والدماء التي نشرت لونها الداكن عليّ
وقفزت مهرولة إلى دورة المياة لعلي أنفي كل هذه الترهات , لعلي أكذب عيناي على رؤيتها الخادعة
انها خدعت صورها عقلي لي !
نظرتُ إلى صورتي في المرآة
وجه أصفر شاحب ملون بالكدمات , وعيناي متسعتين ذابلتين حمراوان من الدموع
حطت أصابعي على وجهي , وأنا أنظر إلى خيال وجهي الحزين وشفتاي المتشققتين والمتغلفتين بالدماء , واشعر بتصاعد صرخات الألم إلى أنحاء جسدي
شهقتُ بصدمة وانهيار , والدموع تتساقط من عيناي
وأنا أحاول إزالة أثر الدماء المتجمدة على شفتاي, واثار ماحدث لي في تلك الليلة
انفيها من عقلي , أرميها خارج عالمي الهش
ياإلهي !!
أصحيح ماحصل صباح اليوم , هل هو حقيقي !!
انني لا اصدق ذلك , لا أصدقه أبدا
إنطويت على نفسي , وعدت إلى عالمي المهلوس الحزين والذي لا يكف عن ملامة نفسه وندب حظه
اتصلت على المستشفى لأخذ إجازة لمدة ثلاثة أيام
فلست قادرة على مواجهة أي شخص ولستُ في مزاج يسمح لي بالعمل , كيف لي أن أعمل وأنا ارتعش ودموعي تتساقط وكأنها شلال لا يتوقف
انتابتني موجة من الرعب للتفكير بان الشرطة ستأتي الآن وتجرني معها إلى مركز الشرطة ليتم استجوابي من أجل الشهادة
من أجل نبش ماحدث بداخل ذلك المكان الخالي من الحياة والبارد , وان الرجل قد حاول الاعتداء عليّ !
هرب الدم من وجهي , واغمق لوني الشاحب لتهتز الرؤية أمامي
وتنتفض كل خلية فيني رعبا , ويخيّل إليّ أن الابواب تدق , والخطوات تزيد من سرعتها في الخارج
كفى !!!
كفااااااك يا عقلي تعذيبا لنفسي
كفاك يا قلبي ارتجافا في صدري
كفاكِ يا أفكاري دورانا
ما الذي عليه فعله !
أأخرج الآن من عزلتي وأهرب من العالم بأسره
أم أودع حياتي , وأقتل نفسي !
أم أذهب وأبكي وأضم يديّ لعامر , لأتهم ذلك الحقير
ولكن أنا لا استطيع فعل ذلك , والاعتراف بما حدث
فإن عرف أحدا ما عما حدث سيكون مصيري فضيحة تهز جدران عائلتي , ستسود وجوههم وسأكون عارا عليهم
على الأكيد أن عامر قد اعترف بذنبه الآن , وانه لم يقصد قتله إنما سقط الرجل لوحده
**
مرت الأيام ببطءٍ شديد
ببطء أكل صحة جسدي , وامتص حياة وجهي
فكك أعصابي وأرعش بدني الضعيف , واصابني بحمى المرض
لم أكن أود الظهور من مخبأي التعيس , والذي أصابني بالسقم
لم أكن استطيع مواجهة العالم بعد رعب تلك الليلة
الخوف يدب كدبيب النمل في جسدي , وأنا أخرج من شقتي لأوقف سيارة أجرة وأركبها
فلم أتذكر سيارتي إلا في هذا الصباح , تذكرتُ انها مرمية منذُ أيام على قارعة الطريق بدون حراك
ترجلتُ من سيارة الاجرة بعد دفعي للثمن
خرجتُ منها أجر خطواتي وتقبض اصابعي حزام حقيبتي بقوة , وأنا أحدق حولي بوجل وكأنني أشعر بأن الناس كلها تنظر إليّ
تعرف حقيقة ماوقع في ذلك الصباح
وانني مصدر إشاعات متناقلة لا تكف عن الهمز واللمز
لم يكن ذلك إلا محض خيال , فعقلي يخلق لي أوهام
ويجعلني أعيش كابوسا لا حقيقة له
ابتدأ عملي بلا أي نظرات أو همسات إنما سؤال عن حال وحمدا على سلامتي
إرتاحت نفسي المرتعشة , وسكنت حركة أنفاسي , وضاع شعوري المرتجف
ولكنه عاد إليّ وأنا أره , أراهُ كعادته وكأن شيئا لم يحدث
عامر بحركته الدائمة , بتكشيرته التي لا تفارق وجهه , مع جماله فهو يبدو شديد العبوس و جامد كالصخر .
إنهدمت كل جدراني , وإرتعشت ذاتي
وارتخت كل عضلة في جسدي , وأنا اسمع مايقال
عامر حاول إنقاذ رجل مصاب , وركض به إلى المستشفى في عاصفة الثلج تلك ولكن الرجل قد مات قبل ذلك
عامر البطل المغوار الشهم
البطل الطبيب والماهر , والعبقري الذي لا يخطئ
ابتلعتُ أنفاسي بصدمة ودهشة سقطت على رأسي , وعيناي تحدقان إلى الفراغ
كتمةُ صرخة ذهول كادت تفر من حنجرتي
وأنا اسرع بخطواتي بعيدا عن ضجة الاصوات الهامسة لي عن ماحدث
انهم لا يعرفون الحقيقة المرعبة
ولماذا أسمع هذه الكذبات المتداولة , والتي لا تمد للواقع بصلة
وعامر , انه هنا في المستشفى !! لا يعقل هذا !!
كالمجنونة التي فقدت عقلها رحت ابحث عنه في أروقة المستشفى
أبحث عنهُ , وكأنني في ظلام لا أرى شيئا
أرتعش وأأن بصوت يحبسه صدري الخافق
دخلتُ عليه في عيادته , دخلتُ مقتحمة عزلته , بلا دقا للأبواب
شهقت أنفاسي , وأنا أرى تعقيدت حاجباه وتغير لون وجهه عند رؤيتي
وقف كالمصعوق المتوتر , وخَلاَ وجهه من التعابير
إبتلع ريقه بوضوح وهو يبعد وجهه عني
تركتني قوتي التي كانت معي لوحدي
خانت الكلمات حنجرتي , وودعني صوتي , واصعب البوح عليّ
اغمض عيناه , وهو يقول بصوت منزعج : " نعم.... أهناك شيء ! "
ضغطُ على اسناني في محاولة يائسة لإنتزاع الكلمات من أحبالي الصوتية وبثهن خارجا , قلت بعد جهد انهكني : " ما الذي ليس هناك !!.... أخبرني "
إمتلأ وجهه غضبا , وهو يقول بصوت صارم هامس : " إخرسي ! .... وانسي ما حدث وكأنهُ لم يحدث , وامحيه من ذاكرتكِ , ولا تهمسي به أبدا "
تشبثت صدمتي في حلقي , وامتص رعبي الذهول لأقول : " كيف هذا !! "
عبس في وجهي ووقف مهددا إياي
اقتربت خطواته القاسية مني
ووجهه الذي سطع عليه الضوء كشر عن انياب اللا الرحمة
وقال راصا على اسنانه : " إياكِ , إياكِ ان تضعني وتضعي نفسكِ في سجن الأموات , أغلقي فمكِ واحفظي لسانكِ , فأنا قد اتخذت الاجراءات اللازمة وانتهى الامر , وحفظت سر وجودكِ وأنكِ سبب كل ماحدث "
صرخ وجهه الغاضب عليّ , صرخ وهو يتهمني بكل ماحصل راميا غضبه الساحق عليّ , مثيرا أوجاع صدري وتأنيب ضميري
امسك يديه عني , وهو يهدد ويتوعد مبتعدا عني : " صدقني ان حاولتي تدميري سأدمركِ أشد تدمير , أن همستي سأقتلكِ , لانني جعلت تلك الحادثة مجرد طبيب حاول انقاذ مريضه "
اهتزت نبرة صوته الغاضبة , لترتجف وتأن وهو يكمل : " لقد كانت مجرد حادثة وجدتُ فيها رجلا سكيرٍ نازفا يحارب انفاسه في طريق عودتي إلى المنزل لحسن الحظ كان طريق عودتي , وحاولتُ انقاذه وعندما لم أفلح ركضت به إلى المشفى , ولحسن حظي ايضا ان عاصفة اجتاحتنا في ذلك الوقت وخربت ذلك المكان حتى اختفت البصمات منه, ولم يكتشف أحدا ماحصل هناك "
انهى كلماته ضاحكاً , وهو يصوب بصره ناحيتي
مرتجفة أنا ابتلع جرعات الصمت , واهتز من فرط الذهول
وأنصت إلى هدير صوته الحاقد عليّ
ضحك بكل كره وغضب , ونفث غضبه في وجهي مضيفا بعبوس شديد : " ومات ذلك الرجل وأنا من قتلته اتعرفين ما يعني ذلك , يعني دماري , يعني اني اصبحتُ مجرما "
اضاف مستهزئا مستحقرا : " ولكن ان اصبح مجرما من أجل امرأة تحمل نصف عقل , لاااا ....لن يحدث ذلك أبدا , فأنا لن أخسر حياتي من أجل امرأة غبية حمقاء "
اصابتني كلماته بالسقم واذهلتني
مريضة هي , خالية من المشاعر تتهمني في خلقتي كأنثى
اهتز جسدي غضبا وقهرا
كيف لهُ ان يكون خاليا من الضمير هكذا
كيف له ان يلفق الاكاذيب على الشرطة , لمَ هو لا يخاف الله !
لقد مات الرجل وهو احد اسبابه
ولكن أنا هي الضحية , والتي حاول المقتول ان يعتدي عليها
نعم ... فأنا مذنبه أيضا بعدم حذري وجرائتي الحقيرة
إدخال نفسي في المصائب بدون تفكير
ولكن كتمان انك قد اقترفت ذنبا عظيما
ذنبا تحمله معك اينما حللت , ذنبا يأرق مضجعك
صرختُ عليه وكأن حياتي باتت لاتهمني , إنما الخوف من الله
الخوف من تأنيب الضمير الذي لا يقادرني والذي يطعنني في كل ثانية
صرختُ عليه بغيظ التهمهُ صدري , وجراءة من داخلي الغاضب والمقهور : " كيف لك أن تفعل هذا, ألا تشعر !! يجب عليك الاعتراف على الاقل ولا اظن أنه قد يؤثر عليك كثيرا , وأنا سأعترف أيضاً وانقذك معي "
ازدادت ضحكته استهزائا بي , وهو ينظر إليّ بوجه أحمر محتقر لي
انتفض وجهه غضبا , وهو يكتم غيظه وبصوت هامس قذف سمومه على وجهي المذعور : " اصمتي ...... ألم أقل لكِ ان تصمتي , غبية أنتِ كيف أنجو أنا , وأنا الذي تسببتُ لهُ بالحادث وليس هناك شهود على ماحدث , لقد كنتُ طرفا في موته !! أخبرني كيف , أنتي فضيحة تمضغها الالسن وأنا سجن وسحب رخصتي وانتهاء عالمي هنا , بعد ان انجزت الكثير تأتين أنتِ لتحطمني بكل سهولة ... لا لن يحصل ذلك أبدا , سأسلخ جلدكِ قبل فعلكِ هذا "
يا إلهي !
أيّ وحشا هذا الذي يقف أمامي الآن
أيّ شرا وقلبا يحمل هذا الإنسان المتبلد , والمتجرد من الاحاسيس
انكمشت ملامحي قهرا , وتحول إرتجافي إلى غضب
ابتسمت ضاحكة مثله , أضحك من فرط الجنون الذي يحدث
وقلت بعينين تقدحان غضبا : " لا أنا لست من هذا النوع , لن اعيش ككاذبة حقيرة ..."
خرستُ مرتجفة
وكأن السماء انفتحت وصبت مائها على رأسي
وبللتني لتعيد وعيّ إلي
وأنا اسمعه يقاطعني بصوت بارد : " إذاً أخبرني ما الذي كنت تفعلينه في ذلك الليل هناك , هيا! ... أخبرني ما الذي كان يحاول ان يفعله لكِ ذلك الرجل , وما الذي قد فعله لكِ ان كان لم يفعل ومن سيصدقكِ ؟؟ ... أن أحدا اكتشف هذا مـ .."
قاطعةٌ جلافة صدره
قاطعةٌ صوته القاسي الخالي من المشاعر, وأنا مرتجفة مخنوقة : " لا "
كلماته كانت مفخخة بالسموم
مليئة بحقارة نفسه
أعادت عقلي وصوابي إليّ
اعادتها بصفعة على الوجه , صفعة كشفت حقيقة الكوارث التي ستحدث ان أُكتشف الأمر .
صمتُ , مجبرة على إخفاء الحقيقة
من أجل التستر على نفسي , وعدم فضح أهلي
ولكن كيف لي أن اعيش بعد الآن كانسانة تشعر
كيف سأتحمل إخافي لهذا الجرم !!
لكن
احتملتُ الأمر
وحاولتُ التناسي
حاولت تناسي مايقرص القلب من ندم ولوعة
مرت الأيام , مرت وأنا أُحاول العيش
وفي كل صباح , وقبل ذهابي إلى عملي كنتُ أنظر إلى خيالي في المرآة وابتسم
ابتسم لوجهي الذابل
وأقول بصوت فرح مبتهج , إنني بخير , أنا بخير !!
أنا إنسانة أخرى , ولا أحمل أيّ ذكرياتٍ في حقيبة عقلي
وانني لم أفعل شيء
أنا أمل المبتهجة صاحبة الحس الفكاهي , التي لا تعرف عامر
ولم تعش معه أي ذكريات , إنما أمل الجديدة , أمل الأخرى ...
ومن ثم أتوضأ بعد ذلك , لعلي ازيح همومي العالقة فيني وأنساها ...
ويال العجب فمفعول ذلك يشعرني بالتحسن
وينسني صخب ايامي الماضية , ويجعلني انسى صور ماحدث
فمنذو أيام قليلة أخبرونا أن هناك مؤتمرا طبيا في العاصمة
ويجب علينا الذهاب هناك , والجلوس لعدة أيام
حملتُ حقيبتي وأنا أنزل من شقتي مودعة ظلمتها وكآبتها
أغمضت عيناي مرتجفة كارهة ذهابي إلى هناك برفقة بعض الأطباء وعامر
بت الآن لا أتجادل معه
ولا أسهب في الحديث معه كما في الماضي
إنما هو الصمت الذي يحتل الأنفس إذ ما التقينا , أو قام هو بعمله اليومي معنا
وبعدما أن اصبح منذو فترة قصيرة بروفيسور
أصبح أكثر قسوة وتكبرا عن ذي قبل
وأخيرا حقق ذلك الرجل حلمه المستحيل من بعد استغلاله الكريه لي
وكم أمقت وصوله وحصوله على ذلك المنصب
انه لا يستحقه أبدا , ولكن ...صرخ داخلي ..
انسيه ... أنسي كل مايتعلق به
أنسي كل قذارتكِ معه
تخلصي منها واحرقيها
واطمسي ذكرياتكِ القبيحة
توقفت قدماي على عتبات الطريق
توقفت قبل ان أسقط إلى منحدر أفكاري
ابتسمتُ مغمضة أعين أفكاري , مغلقة بابها بمفاتح النسيان .
*****
طويتُ صفحاتي المبعثرة , وصعدت إلى عرشي القديم
ورميت الزمن الماضي بعيدا , انتحلت القسوة , ابتسمت للحاضر بعيون الثأر
استعدت شخصيتي القديمة المبذرة والمدللة
نفسها التي تتجرع الانتقام , وروحها التي تهوى رجل حياتها
أصبحت الأمرة والناهية , والخالية من المشاعر , الغاضبة دوما , والمحتقرة لكل شيء
والطامسة لوجود ذياب , فذياب بات لا وجود له في حياتي فهو مجرد رجل غريب , وقاتل واريد الاقتصاص منه وتعذيبه
وكم هو مقيت زيارة كلتا الحقيرتان علياء وحسناء إلى منزلي
حسناء نظراتها لم تتغير , انها لا تحمل مشاعر حب لي , اعرف انها لا تُطيقني وأنا بالمثل
ولكن علياء المنافقة والكريهة
تبدو بشكل غريب ومخيف , مبتسمة وودودة , وحنونة جدا على غير العادة القديمة
كلماتها كالعسل تنساب من لسانها
تبدو كالقمر في تغنجها , وأسلوبها الجميل
تتكلم وكأنه ملكة الطيبة والمحبة
جلسن في غرفة المعيشة مع ذياب , وأنا واقفةٌ خارج الغرفة أنظر إليهن غير مرحبة بقدومهن
اصطكت اسناني قهرا
وانطلقت الحرارة إلى جسدي لتصهره , وتقلب إتزان مشاعري
وأنا أراها تتحدث مع ذياب
تتحدث وكأنها مهتمة بي وبه , وتخبره بأننا أهل ولم يحدث شيء فيما بيننا
وانني فتاة مسكينة , وانها تحبني كثيرا مثل اختها وهو مثل أخيها , وان احتجنا شيئا فهي بالخدمة ولن تبخل أبدا علينا بعطائها الكبير
الحقيرة ... انها افعى متجسده
لقد جعلت ذياب مستمتع بالحديث معها
فلقد دخلت معه في مواضيع عده تتكلم عن الطفولة وعن مروان وأمها
تحاول الاستماع إليه بكل دقة , تسقط من لسانها كلمات لا تعرف الزلة
كلمات تحوي عطف وحب كبيران
علقت الغصة في بلعومي , علقت وأنا أحاول كتم غضبي وقهري
لا استطيع الوقوف أكثر , ولا استطيع الصمت دون ردة فعل
البائسة تحاول خطفه , تحاول سرقت ذياب مني , لا لن يحصل ذلك !
لن تحصل عليه تلك الزرافه
هرولة خطواتي نحوهم , ونحو جسده الجالس بعيدا عنهم وحل جسدي بجانبه , ألتصقت به , تشبثت به ... فقفز الذهول إلى الأوجه
تصلب وجه علياء المقابل لي , وانطلقت نظرات الإحتقار من عينا حسناء
أما ذياب , فهتز معي , وتصلب ناظرا إليه بدهشة
ابتلعتُ نظراته , وابتسمتُ إبتسامة مرتجفة عرفت طريقها بسهولة إلى شفتاي
مثلتُ الثقة والحب له
أدخلت نفسي في مواجهة لتلك الحقيرة , فأنا لن أجعلها تسلبهُ مني
ولن أجعلهُ هو يحلم بالحصول على واحدة غيري , أو إوهام نفسه بأنه قد خرج مما دخل فيه
لم يحررني منه إنما صمت عني وعن مقاطعتي لهم , وعن حقيقةِ ملامحي الطاردةِ لهم
لم يكن وجهي يخفي بغضي وكرهي لهما , وحتى مراقبة أي حركة صادرة من تلك الزرافه
إنها طويلة وجميلة وتحاول جذب ذياب إليها , وهذا ما يجعلني أود إخراجها من منزلي
طردها بعيد , وعدم رؤيتها لمرة أخرى
الحقيرة وقفت وطلبت مني إيصالها إلى غرفة لتصلي فيها , لم يكن لديّ خيار فنظراتها تتوسل إلى ذياب , وترمي بي خارجا
سرت بها وأنا أعد عدد خطواتي الساخطة , غير مرحبة بتوصيلها
وقفت هي أمام غرفتي قبل ان تكمل الطريق
فتوقفتُ أنا , مديرة جسدي مقابلة وجهها المبتسم والمنتصر
فقالت بإبتسامة خالية من المشاعر : " أهذه غرفتكِ ! "
ارتجفت يديّ , وأنا أرفعها لتبعد خصلات شعري القصير عن وجهي
وازدريت ريقي بصعوبة مفكرة بمقصدها , متأكدة من حقارة أفكارها
تبا لها , فهي تريد نبش أحشاء العلاقات في هذا المنزل
وبالأخص علاقتي أنا وذياب
أجبتها وأنا أحاول إطاحت كُل شكا لديها بما أقوله : " نعم إنها غرفتي القديمة "
امتعاص خفي غطى ملامحها
إنما كذبت حقيقة ما قلت , وانطلقت خطواتها نحو غرفتي وفتحتها أصابعها دون أمرا مني
غضبت , ثرت وانطلقتُ واقفةً في طريقها , قائلةً بصوتٍ مقهور : " ما الذي تفعلينه ! "
ادرات بصرها في أرجاء غرفتي المضاءة , كانت غرفتي زاهية الألوان تضج بالحياة
فرائحتها تدل على ذلك
خرجت من بين شفتيها ضحكة خافتة , إنما هي ضحكةٌ تزدري لعبي بالكلمات
علياء من المستحيل ان تتغير في فترة قصيرة , فلقد استمرت لسنين طويلة في إذلالي
انها ذات قلب أسود بل أشد إسودادا من السواد نفسه
قالت بعد صمت قصير : " وأنا أظن انها غرفتك القديمة , والحالية أيضاً "
كتمتُ غضبي المشتعل في صدري , لكي لا أعطيها مجالا لكشف مايحدث بيني وبين ذياب, وماينقصني إلا علياء لتزيد مصائبنا
إزحتها عن أمامي فتراجع جسدها بإنفعال إلى الخلف , وأمسكت أصابعي أكرة الباب وأنا أضرب بابي بقوة لينغلق
حدقت بها بنظراتٍ محتقرةٍ , وأنا اشير إليها لتذهب إلى غرفة تقطن في أخر الممر الأبيض
لم تكن غاضبة , انما انشرحت أساريرها
وإبتسمت بزهو وفخر , وقالت هامسة وهي توليني ظهرها : " الحقيقة انكِ مجرد طفلة , ولستِ إمرأة , مجرد طفلة يراعها , ولن تؤثر فيه أو قد ينظر إليها "
انتابتني موجة من الغضب , لو لي القدرة فقط على ركلها أو طرحها خارج هذا المنزل لفعلت ذلك حالا
ضغطُ على اسناني ممكسة نفسي عنها
أمسكت زمام مشاعري الثائرة , والتي قد تخونني في أي لحظة وتلقن تلك الحقيرة درسا
لا.... لن أفعل ذلك !
ترفه إهدئي فأنتِ قد تعلمتي الكثير
وتلقيتي صدمات بشعة , أو أشد بشاعة
كيف لكِ ان تتأثري من بضع كلمات ليست دقيقة أو حقيقة
ذياب يحبني أنا , هو يقول انه يحبني ويريد فعل كل شيء من أجلي أنا
هو لن ينظر إليها لانه يحبني أنا , ولا يحبها هي
الغضب لا يهدأ في صدري , انما يتصاعد في كل خطوة انزلها
اتوقف خائفة من أوهام مشاعر قلبي
انني مجرد فتاة يتيمة أخذها هو لأنه قاتل والدها
وانا أريد الانتقام منه فقط
ولا أريد لأيّ مشاعر أخرى ان تتلاعب بي
ولا أريد ان أستمر في التعلق به كما في الماضي
ولكنني لا استطيع طرد أفكاري الغاضبة منه عني
افكاري التي تغضب من تواجد علياء , من حديثه معها , من نظرات علياء لهُ
لا .. لن أجعلها تحقق احلامها الحقيرة معه
رأيته يجلس وفي يده بعض الأوراق يفعل كما يفعل في الأيام السابقة
صحيح أنني لا أحادثه أو اعطيه أهتماما مهما حدثني , وابداء اهتمامه بي
كنتُ افتعل المشاكل , وأصرخ على الخادمات وألعن تواجدي في هذا المنزل
غاضبة حقيرة أصبحتُ أنا
غير محترمة لتواجده , رافعة صوتي على من هم أكبر مني
من أجله فقط , من أجل ان اثير غضبه وانتقم منه
ولكن هو بارد كالحجر على غضبي , وحنون لين في تعاملة معي
فنظراته وكلماته تثير مشاعري , وتطرحها خارج بوابة قلبي
فأصمت هاربة بعيدا عنه
أقتربتُ منه مترددة أريد اخباره بأنني منزعجة وغاضبة , وانني تائهة
واريد إخراج علياء من عالمي وإيقافها عند حدها , وإخراجه هو أيضا
فأنا لا أريد هذا الصراع العازف على أوتار مشاعري المرهقة
المرهقة من نفسي الغير متزنة بسببه
قبل ان أصل إليه , وقف وكأنه يريد الخروج
وبلحظة قررت التوقف , مستعيدة إتزاني الذي بدأ غير متعقل
لقد كنتُ أريد الإفصاح عن مشاعري الغبية , والتي قد تظهرني بمظهر الغافرة له
والتي رمتُ كل شيء رواء ظهرها , ونست حقيقة غرزه لسكين الواقع في صدرها
ونست الماضي القريب والبعيد
وقفت مصطدمة بطرف طاولة من الخشب اوقعت ماعليها
التفت إليّ بسرعة , وحدق بي بوجه رسم الخوف
ارتجف جسدي , وانا أحاول إستعادة اتزاني , وعدم اعطاء الذي سقط أي إكتراث
لم يتحرك ... إنما حدق بي مطمئن أن لا شيء حدث لي
كنا لوحدنا , كان الصمت يحيط بنا والمشاعر تملئنا
فقط هي نظرات العيون التي تتحدث عنا
النظرات تشيع القلوب , النبضات تصم الآذان وتهيج الأحاسيس
ابعدت عيناي عن عيناه منهيةً مشاعره التي يبعثها نحوي
مخفية خوفي من مشاعري الجديدة له
نعم ..... أنني أحمل مشاعر لا أجد إجابة لها
لم تكن فيّ إلا من قريب
مشاعر غريبة تطفو على قلبي , وتبعثر كياني
تجري نحوه بلا أمرا مني , فقلبي يلين ويذوب به
يرقص فرحا برؤية حبه واهتمامه
فقلبي يرفض الإنصات إلى عقلي , وأنا بين هذا وهذا , مبعثرة بينهما
ابتسم وجهه واطاح مشاعر قلبي
فأدرت جسدي هاربة منه كالعادة
ولكنني توقفتُ عندما رأيتها أمامي تنزل من الدرج , رامية بحجابها على كتفيها
شهقت واصابعي على تحل شفتاي , وبصري يعيد نظره إلى ذياب
الحمدالله ... ذياب كان لقد ولى ظهره , ويمشي ببطء
ابتسمت لي وحاجبيها يرتفعان إلى الأعلى , وكأنها تسخر مني وتشير إلى ذياب
انتابتني موجة من البكاء في تلك اللحظة
وددت خنقها , الصراخ عليها ورميها بأي شيئ تحل يديّ عليه
كيف لها أن تتجرأ وتصل إلى هذه المرحلة
كيف لها ان تكون حقيرة ونجسة هكذا
انكمشت ملامحي قهرا
وبصعوبة بالغة ابتلعتُ غضبي وبكائي , وأنا أدير جسدي مبتعدة عنها راكضة بخطواتي نحوه
بخطواتٍ تائهةٍ غير مقتنعة بما تفعله مترددة في قرارها
وقفتُ أمامه .. وامسكت يدي اليمنى بأصابع يده اليسرى
أمسكته بقوة وكأني أمنع نفسي من الهروب منه , أمنع نفسي من التخاذل أمام علياء
توقف جسده عن المُضي , واتسعت ظلمة عيناه الواسعتين
واحتلت الدهشة ملامح وجهه
أغمضت عيناي , وأصابعي المرتعشة تلاعب أصابعه الباردة
ابتلع جسدي الحرارة , وخرجت انفاسي سريعة مسعورة
حاولتُ إوهام نفسي انني كنتُ أفعل ذلك من قبل
كنتُ أفعل أكثر من ذلك بكثير
وكان ذلك طبيعياً , ولا يخلف في نفسي أيّ فوضى
لمَ الآن أنا هكذا !
لمَ أنا مرتجفة خائفة أرتعش بشدة , وكل مافي ينبض بعنف
ارتفعتُ على اصابع قدماي , وأرتفع جسدي نحوه حتى أصل إليه
وأنا أنازع رغبتي في الهروب منه , وعدم فعل ذلك
ولكن يجب عليّ إنهاء أفكار علياء , وإطاحت أي أملا لها به
طبعةُ قبلة سريعة على خده
وعدتُ إلى مكاني مُتسعة العينين , متدهورة الأنفاس والمشاعر أحدق به وكأن وعيّ قد عاد إليّ للتو
هي لحظات تعانقت فيها أرواحنا
وشهقت أنفاسنا , وتعلقت الأبصار ببعضها
ملامحه مندهشة , ونظراته معلقة بي
نبضاتي ترتفع وتيرتها وتصم آذنيّ , وعقلي يصرخ عليّ بذهول غير مصدق لمّا فعلته
وهو لا يكف عن إرسال توتره إليّ عبر عيناه الذائبتين في بحر صراعهما
يحدق بي وكأنه لأول مرة يراني
يحدق بي بمشاعر جياشة
مشاعر تود إحتضاني بشدة
حب يجتاح كياني المتيم به , يرجفني ويخجلني
وعقلي يزجرني , وقلبي يخفق به وإليه .
***
بكائي الماضي , لحظات ضعفي في الزمن الذي انقضى
كل شيء قد تخلى عني الآن
وتركني أصب جام غضبي بالصراخ ولعن مافعلته
لمَ تحركني عواطفي ومشاعري !!
لمَ فعلت ذلك !
سقطُ على أرض غرفتي التي هربتُ إليها منهُ مشمئزة من ذاتي , كارهة ما فعلته
مذكرة نفسي أنني أريد الانتقام منه فقط
وليس الوقوع في حبه !
غبية أنا لأستثير مشاعري القديمة , وأجعلها أقوى عن ذي قبل
وأقع في شبكة حبال حبه لي , وهو من أوقعني فيها !
يا إلهي .... مالي أكتشف هذه الحقيقة المفجعة الآن , وحقيقة أن حبي له لم ينتزع من أدراج قلبي
انما هو مركون في ركن خفي بعيدا عن الاوبئة التي اجتاحتني , والتي مازالت تفعل ذلك !
تخلصي من تعلقكِ به يا غبية
أرمي به في قمامة قلبكِ
أنسي حقيقة حبكِ له
ولكن لا استطيع فحبه ينهش جسدي , ويبعثر مشاعري الهائمة .
***
عدتُ إلى ذاتي المتنازعة
ذاتي المضطربة التي تختلجها مشاعر متضادة فلقد بت أحقد وأكره , وابغض وأحب أيضاً
واولهم علياء التي أكرهه وبعدها الكل , وأخرهم ذياب التي أنا بين حبه وكرهه مشتتة
وبين محوه وخدشه بأظافر عقلي.
***
اليوم .. هو يوم كئيب هاجر للحياة
هوائه خانق لا يريح النفس , لا مستقبل فيه ولا أمل
شعور بغيض يجتاحني , وكأن نفسي المعذبة في سنين حياتي الماضية قد ظهرت
وكشّرت عن أنيابها
اظهرت تراكم العقد النفسية , والصدمات المتوالية
لتخنق صدري وتجعلني رثة المشاعر , ضعيفة الأعصاب
فلقد بت لا أشم الهواء , ولا أستريح
مختنقة , متعبة أنا
وأريد الخروج من قوقعتي , والهروب من عالمي
فلقد حبستُ نفسي طيلة أيامي الفائتة في المنزل
فخروجي بات نادرا , وجسدي قد فقد لذة عيشه منذو زمن طويل
ضربت أقدامي , انتزعتُ صراعي النفسي
وجررتُ ترددي إلى ذلك الحابس نفسه كما أحبس نفسي أنا
كشرت ملامحي عن ضيقي
وطويتُ شفتاي تحت اسناني , واقتحمتُ غرفة مكتبه
أغمضت عينا مشاعري , وايقظت أمواج غضبي عليه
رددتُ على قلبي بأنني لا أحبه , وأنني يجب عليّ أن انسى حبه
انفاسي تتسارع
خطواتي تضيق والمسافة تقصر
وهو يرفع رأسه المغطى بالسواد , ويبعد النظارة عن عينيه الواسعتين محدق بي بملامح شاردةً فيّ
وقفتُ قريبة منه , أتنفس رائحته المسكرة
هي مميزة بحق ومثيرة ..... وكم أعشقها
تبا تبا أصمت يا قلبي
يا ويح قلبي فلقد بات يهيم به
نظرتُ إلى عينيه مباشرةً , فهوى قلبي مضطربا خجلا منه
ولكن.... لا !
يجب عليّ أن لا أضعف , يجب عليّ أن أحطم كل مايقف في طريقي
يجب عليّ أن لا أجعل حبه يضعفني
فأصبح أنا الضعيفة وهو القوي
نظراتي متوترة مركزة عليه
أحتضنت جسدي , وأخرج لساني ألفاظا قوية لاذعة : " أريد الخروج من هذا السجن العفن , من قذارة صاحب هذا المنزل , كما تعرف فهو من أكبر الكذابين والمنافقين , وأنا أكرهه هذا النوع من البشر .... أكرههُ جداً "
لم تتغير ملامحه , فهو قد إعتاد على لساني السليط
لساني الذي لا يكف عن إتهامه , ورمي غضبي عليه
إبتسم كعادته , وتراقصت عيناه لي
باعثة موادتها إليّ , قابضة عضلات قلبي الخافقة له
وددت الاختباء تحت الطاولة لكي لا يرى اضطرابي واحمراري الشديد
وقفتُ مكاني غير قادرة على تحريك جسدي المتجمد
جسدي الذي يكاد يهوي بي
وهو وقف تاركاً كل شيء من يديه
تحركت خطواته الصامتة , تحركت بهدوء على الأرض الباردة
تحركت لتمر من جانبي , وتسبقها نظراتي
اقترب من النافذة المغلقة مزيحا ستائرها , ناظرا إلى خارجها قائلا بهدوء : " الطقس غريب اليوم والهواء حار , ولكن يمكننا الذهاب إلى أي مكان تريده صغيرتي الجميلة "
اضطراب غلف مشاعر قلبي
وصمت شل لساني , فلم استطع أخراج أي حروف قبيحة أخرى
فصمتُ ساكنة مُتبعثرة .
نهاية المعانقة السابعة عشر