المعانقة الثانية عشر
صفعات كف مروان الخفيفة على وجهي الفاقد لإحساسه, وروحي التائهة في عالم الهذيان
جعلتني استفيق من تخبط عقلي في أحلامه
ضجت نبضات قلبي في صدري بأجفان التصقت ببعضها
لم استطع فتح عيناي من أجهاد تكفنت به أوصالي وخدر به جسدي
ارتعش جسدي بغثيان عبث بمعدتي
أضقتُ أجفاني المغمضة بألم من وجع جسدي
تحركت أهدابي لتكشف لي عن وجه أصطبغ بالخوف , وشفتان تهتفان بأسمي
حطت كفاي اناملها على برودة السطح ساندة جسدي عليه
وأنا اهم برفع جسدي الغارق بالكدمات الموجعة
أتوه في عالم لا يستطيع إعادة ماحدث و استيعابه, تأوهت بألم وأنا أحدق به بدهشة
اتسعت أجفاني.. وأنا أهب عن جسده المحتضن لجسدي
ووجهه المُحملِق بي المنقب عن جروح جسدي بعد السقوط العنيف
شعرت بالدوار ليترنح جسدي
أسندت أصابعه التي امتدت ملتقطة لأصابعي جسدي المتهالك
لتسقط ركبتاي على السطح الصلب بجانب جسده الجالس على الأرض
بألم غطى تقاسيم وجهه المُتعبةِ
تحركت شفتاي المرتعشتين لأقول بخوف توشح به صوتي : " مروان , أأنت بخير ! "
هز رأسه وهو يتكأ على الجدار خلفه بوجه قفزت أوجاع جسده إليه
ولكنه ابتسم وكأن شيء لم يكن
يخْبئ ألمهُ متحملا أصابته لأنه رجل
عضضْتُ شفتي السفلى حابسة دموع عيناي في أجفاني , أنه ليس بخير أني متأكدة من هذا !
فالذي حدث منذ دقائق كان بغاية العنف
مع أنني كنت تحت حماية جسده, ولكنيّ أشعر بالألم يتناثر على جسدي
اذاً.. فكيف هو ؟ كيف يكون ألمهُ هو !
يا إلهي... أرجوا أن لا يكون قد أصيب بكسور أو أصاباتٍ بليغة
وقف جسده الضخم أمامي لِيمد كفه إلي بأصابع طوقت اناملي وهو يقول بصوت احتواء حنان قلبه : " أتشعرين بالألم في أي مكان ؟ "
هززت رأسي بلا... وأنا أهَمَّ بالوقوف
ضغط جسدي المتألم من الكدمات على قدمي اليمنى
لتتصلب أعصابي وترسل ذبذباتها إلى عقلي منبهة إياهُ على وجود خلل ما في حزم عضلاتي
اطلقت صيحة متوجّعة استوطنت صوتي من تمزق عضلة قدمي بجسد كاد يسقط
أمسكني مروان بقوة مانعا جسدي من السقوط مثبتا قدميّ على الأرض , مسندا ضلعي على ذراعه
بكيتُ دُمُوعا عكست مقدار ألمي
بشفاه ارتعشت وبصرخة انبعثت من حنجرتي بـ : " مؤلم , آه... قدمي تؤلمني , مروان قدمي توجع جدا جدا , لقد كسرت آآآآآه "
تأوهت وأنا الطخ ذراعه المسندة لجسدي بدموعي
انسحبت قدماي عن البلاط ضاربة جزيئات الهواء بجسد أرتفع عن سطح الأرض
ليهوي جسدي بين ذراعيه حاملا إياي
اتسعت اجفاني الممتلئة بالدموع محدقة به , هتفتُ بصوت أطلق اندهاشي : " مروان ما الذي تفعله!! انزلني أنيّ استطيع المشي "
لم يصغي إلي.. إنما حملني بين ذراعيه صاعدا بي نحو الأعلى بإنفاس لاهثةٍ هدرت من صدره
أمطر وجهه سيلا من العرق باحمرار كسا وجهه الأسمر
وهو يوصلني إلى غرفتي طارحاً جسدي على مُلاَءَةُ السرير
مصدرا صوتٍ صارما : " لا تتحركي ! "
وهو يرحل تاركا جسدي فوق كومة قماش سريري
خرج من الباب وأختفى عن ناظري
حركت أصابعي التي انخفضت إلى كاحلي لتلمس تضخم احشائه
أصدرت صوت حمل الألم , وأنا أرفع جسدي وألصق قدماي بالأرض
رفعت بصري نحو الباب أرقب عودته إلي
عاد بسرعة.. لأعقد حاجبيّ عند رؤية أنه قد احضر عدته الطبية معه
جلس على الأرض فاحصا قدمي باحثا عن إصابتها
برفع بنطالي عن قدمي والذي كشف القليل من ساقي
توردت وجنتي بحمرة الخجل , وارتفعت الحرارة في باطن جسدي
حتى بت مرخية الرأس مبعدة انظاري عنه
رش كاحلي بالدواء بالأضافة إلى أنه مسح عليها وربطها بقماش أبيض اللون
رفعت بصري نحوه بعد أن ترك قدمي, أنقل بصري بينه وبين قدمي بتوتر اختزنته مشاعري
زفر نفسا عميقا وهو يهم بالوقوف قائلا بإرهاق رن به صوته : " مجرد تمزق بسيط وتشفين بسرعة"
اعتلت شفتيه ابتسامة طفيفة , وهو يدير جسده عني راحلا بخطواتٍ متثاقلة
خرج واغلق الباب وراءهُ
غاص جسدي في دفئ مُلاَءَةُ سريري ..لأحتضنها بقوة بأصابع تشبثت بالقماش
بأفكار أسكرت عقلي وايقظت لهيب مشاعري نحوه , مروان عالج اصابتي , مروان ابتسم لي !
مروان لم يكن غاضبا , إنما كان خائفا عليّ
خبأتُ رأسي تحت الملأءة.. لأطلق أهات تتلوها ضحكة فرح أرعشت قلبي
جفاني النوم بأحلام يقظة, حلقت بقلبي إلى عالم الأوهام
فما لي بالنوم وقد ألتمست منه القليل من الاهتمام الذي فقدتهُ منذ زمنٍ بعيد
بعد فقداني لسطوته في حياتي, بعد إبتعاده عني وشح تواجده فيها !
علقني بأمل طفيف , أمل يجعلني اصدق أنه سيكون لي في يوم ما
****
إحساس جميل يتلاعب بي اليوم
مشاعر تقودني إلى طريق سعادة أود الغوص فيها
بعيد عن معكرات قد توقعني في وكر انسجتها المشؤومة
لا أريد تذكر ماحدث في السجن وبعده
التكتم إلى الآن على الحادثه, جعلني استكين وقد تبددت مخاوفي من أكتشاف أبي لما حدث
فإن أكتشف ذلك ستحل مصيبة تحول حياتي إلى جحيم
فغضب أبي دائما ما كنت اتحاشهُ
صحيح أنني ابنتهُ المدللة في الصغر .. اما الآن فقد أختلف الأمر وبات مؤلماً
فأبي تغير كثيرا وبات حريصا على ما أفعله
و بعد المصائب التي بدأت أفتعلّها في الماضي بتهوري الغبي , وإهمالي
وتدليل أمي المفرط لي , بإعطائي كل شي وإهمالي حد الإشباع في أعوامي المنصرمة
جعلني أعبث واتمادى إلى أن بدأت أهمل دراستي وافرط في الإنفاق
مما جعل أبي يثور علي وعلى أمي التي هي كالحاجز لي وأبي كالسيل الجارف
إذا أخطأت حرمني من كل شيء , وعنفني بشدة
ولكن أنا أريد فقط القليل لأعيش , اللعب , والإستلذاذ بمتع الحياة
الذهاب والإياب بلا قيود
فما أن أنجرف واكسر أوامره حتى أحصل على أشد العقاب , بحبس في المنزل أو حرمان من كل شيء
حتى بت أخاف مخالفته , إنما أفعل ما أريده بالتخفي وراء قناع البراءة والطاعة بمساندة أمي
عقدتُ حاجباي وأنا أستمع إلى ثرثرة الفتيات وبعض الصديقات المتكئات من حولي
ثائرة معهن بحديث لا يكاد ينتهي , مقهقاتٍ بصخب أزال حشمة المكان
غير آبهات بمن حولنا من البشر
مجرد استمتاع بشهوة الثرثرة
طعن يأتي من قبل واحدة فتزداد حدته ويتفاقم بين الأخريات
لم أكن إلا مستمعة بينهن لما يدور حولي من أحوال وأخبار
وجرعات خبيثة تغطت بها بعض القلوب المريضة من أحقاد وأثام
لتصل إلى واحدة تغيضني وتقتلني سقم ومرض
بنظرات تبعثها إلي فهي قد خانت العشرة منذ زمن غابر قد مضى بلا عودة
فهي قد لطخت صفحتها لديّ, ودنستها برائحة الخيانة
فكم بت أكرهها وأكره تواجدها , أحتقن وجهي بالدم لتخرج شفتيّ عبارات غير مثمنة لحروفها
مطلقة كلماتها بموجة من الغضب : " لا تعلمن إلى أين قد تذهب في كل يوم متسربة من الجامعة بدون علم أحد , قد تعبث هنا وهناك بلا رادع , فما هي إلا سافلة تظن أننا غافلِين عنها "
صمت كاتمة الغيظ , فما تفوهي بهذا إلا من قهر سكن قلبي
ألم طعنات اخترقت صدري بسببها
فما كانت صداقتي لها الا عار ندمت عليه وأرجو أن لا يتكرر
ساعات مضت كالضوء في هذا اليوم الغريب الذي تعارك فيه قلبي مع عقلي بغرابة استوطنت روحي
عقل يعيش حلم , روح تغوص في مياه تتنفس
صفاء يعبث بمشاعري , لا أعلم مابي ولكن أشعر انني كالمخدرتي
وكأن فرحتي هذه سيقضى عليها
وهذا ما حدث بعد عودتي إلى المنزل , استقبلني أبي بوجه أسود
يفح جمر غضبه على من حوله
ارتعش جسدي لرؤية وجهه الرامي بحمم غضبه لتتفجر بركانيه عند رؤيته لي
لم أعيّ إلا بفوج سيل جسده الهائج المنطلق نحوي بلطمة صفعت وجهي حتى كادت تخلع فكاي
انهرتُ ارضا بصاعقة شقت رأسي إلى نصفين , وبعينين غشتهما طبقة من الدموع
أنهال يسقنّي بضرب من " عقاله " الذي سلطه على جسدي بلا رحمة
لأول مرة في حياته , يضربني بشدة الهبت جسدي
وبصمته بحرارتها الواشمة , أبي يضربني !
أبي الذي لم يمد يده علي في حياته
ابي الذي لم يناقشني في شيء, إنّما يقوم بحرماني بدون أذى جسدي
أبي الذي ألتمس حنانه في مرات نادرة وأفرح به
أبيّ الآن كالوحش الكاسر يفترس فريسته , ينهش لحمها بدم بارد
لم استطيع حتى الصراخ من الأوجاع الملتهمة لجسدي
فحبالي الصوتية قد جفت وتقطعت من هول صدمتي , من هول ما وصل إليه الأمر!
حفرت أناملي أظافرها بالأرض
بعينين زائغتين تبحثان عن من ينقذني
فتحت شفتاي عند رؤية أمي وأخي حسن المتقدم بإتجاهنّا وهمست بصوت متوجع بـ : " لاا "
في محاولة للتشبث بحبالهم المنقذة لي فأمي كانت مختبئة وراء حسن
بوجه زرع فيه الخوف جذوره , لتقف غير قادرة على تغيير شيء
وأبي في ألَجَّ غضبه.. صحت وأنا انقل بصري حولي لعلي أجد منقذ , أنصب بصري على العجوز الجالسة بإبتسامة حبستها شفتيها تحدّق بي بعينين رسمتا الفرح لما يحصل لي , تبا لها ! أنها بسببها !!
آآآه لقد تخلوا أمي وأخي عني في موقف كهذا
احتضنت الأرض مطالبة بحمايتها لي من مخالب سياطه
بذراعين تحاولان عناقها , والهروب من ألوان العذاب المبرح المسلط عليّ
يشد ضربه عليّ وهو يصيح بإنفعال زلزل صوته : " أتكون عاقبة التربية هكذا , عدم أحترام خالتي إلى جانب أن أبنتي, أبنتي أنا "
توقف عن الصياح وهو يركل جسدي بقدمه بقسوة عبرت عن غضب اختزنه جسده
لأطلق أنا أنات تلاحقت بأوجاع
رص على أسنانه وهو يضيف بشراسة : " تدخل السجن , تشوهّ سمعتي أنا , تلطخ سجل عرضي "
****
اسندت جسدي على جدار تلون بالبياض مرخية راسي عليه
بحشرجة بكاء أحاول كتمانها بصعوبة
سحبت قدماي إليّ , وإلى تحت شعاع الضوء الساطع على جسدي المرتعش
وقد بدأت قطرات المطر بالإنهمار ناقرة سطح الأرض بموسيقى خافتة مخلفة ندوبها عليها
بصعوبة هربت من بطش أبي , وهرعتُ إلى خارج المنزل في هذا اليوم الشتوي المثلج
بمساعدة حسن الذي حاول امساك أبي عن قتل روحي , وتمزيق جسدي
وها أنا الآن أختبأ بين زوايا المنزل الموحلة ألملم شتات نفسي المبعثرة
استعيد انفاس روحي المرهقة , بجسد ينتحب من ألآلامه
ما الذي يجب عليّ فعله الآن !
فأبي لن يهدئ , أبي سيقتلني هذا المره !
زاد فيضان تساقط الأمطار لتغوص مياهّ في الركن المنطرح عليه جسدي
انكمشت ملتصقة بالجدار خلفي لحماية جسدي من البرودة التي بدأت تلتهمه والمياه التي أغرقته بغزارة
نزف أنفي قطرات شفافة لتتليها عطسة قوية ايقظت وجع بلعومي الملتهب
مسحت وجهي الغارق بأسقامه وأغمضت عيناي بألم
فانا لا استطيع الدخول إلى المنزل فالأبواب قد أوصدت عني
فكيف لي أن ادخل وإُري أبي وجهي بعد الذي حدث ! لا أستطيع ذلك !
دعست وجهي بين ذراعيّ , أبكي بحرقة اللهبت وجهي
****
كسراب تقترب مني لتصبح حقيقة مرسومة أمام عيناي
تمشي بملابس حمراء اللون , و بشعر يتدلى من أعلى رأسها ويصل إلى أردافها
كان يشع بلون الدم , تقترب مني بسرعة ليتلاشى وشاح الضباب عنها
ويكشف عن وجهه شاحب قبيح المنظر
مظلم التقاسيم , بعينين غائرتين تحدقان بي
اتسعت عيناي بهلع وأنا أجر خطواتي إلى الوراء مبتعدة عنها بفزع أحتل روحي
اريدها أن تبتعد عني .. ولكنها تستمر بالاقتراب مني برعب نهش جسدي
صحت بها حتى كادت تتقطع حبالي الصوتية
صمتُ بمحاجر زائغة بعبور رائحة نتنة في مجرى أنفي , رائحة أسكرت رئتاي بأنفاس الموت
هويتُ أرضا أبكي بلا دموع , أزحف على الأرض في محاولةً للهروب منها
ولكن كل شيء تحول إلى ظلام
ليحتل السواد ثنايا روحي قبل أن يحيط بي حتى بات يلتهم جسدي
صرخت برعب
وبجسد يرتجف يصارع أنفاسه المختنقة , استيقظت متشبثة بمُلاَءَة سريري
بأنامل انقضت على شعري تجره بشدة
وبدموع تشق سيلا من الأمطار على وجنتي من الرعب , ضج صدري بصوت بكائي
لأبكي بتهيج وأنا اتمتم بعباراتٍ غير مفهومة بحروف تتخبط ببعضها
وتتعثر في مجرى حنجرتي , لقد كان كابوس مرعب , بل جحيم مميت !
عقدت حاجبيّ بعينين مرتعبتين تحدقان حولي , أنيّ !
مددت كفي إلى المصباح القاطن بجانبي لأشعله بسرعة , و أشعل سراج النور المنقذ لي
أحتضنت ذراعاي جسدي المبلل بزخات العرق بخوف تكفن به
يا إلهي ! من أحضرني إلى غرفتي فلقد كنتُ في الخارج !
قوست شفتيّ إلى الأسفل ببكاء لم يكف قلبي عن زفه إلى مقلتاي
رباه !
أني خائفة من كل شيء ! أنني اشعر بالوحدة الموحشة !
تدثرتُ بمِلاءاتِي الدافئة مغطية جسدي بأكمله
مغمضة عيناي لعلى روحي تهدئ من رهبتها
جفا النوم عيناي ورحل تاركا روحي متخبطة في جسدي , بمشاعر لا تتقاعس عن تحطيم ثنايا نفسي
في الصباح الباكر وعند الساعة السادسة رفعت نقالي لإتصل بصديقتي المقربة مني سلمى
شددت على الهاتف بأصابع مرتعشة, وأنا أنصت إلى صوتها الغارق في النوم
و القادم من الجهة الأخرى : " أووه حسناء , لِمَ تتصلين بي في هذا الوقت المبكر , لقد ازعجتني من نومي "
ابتلعت انفاسي المتعبة والمتضاربة في محاولة لصف الكلمات وإخراج العبارات
ولكن لم استطع فلقد غصت في حلقي وتساقطت في قعر جوفي
تسربت دموعي من عيناي وسالت على خداي
بارتفع أناملي المرتعشة ماسحة دموعي المتساقطة
وأنا استنشق الأكسجين لإعادة الحياة إلى صوتي
تعثرت حنجري بعباراتها وأخرجتها بصعوبة : " سلمى أيمكنك المرور عليّ اليوم لأخذي إلى الجامعة "
أغلقت الهاتف بعد أن حاولت الضحك والمزاح معها بصوتٍ ضاعت عبراته
فكيف لي أن أجلس في البيت منتظرة مصير روحي
فأبي في أشد حالاته غضبا , وأنا تائهة في دوامة من الرهبة
و لا أعلم ما ستكون العاقبة بعد الذي حدث , ماعلي إلا الهرب قبل وقعها !
وقبل أن اسحق تحت ركام غضب أبي !
ارتديت ملابسي وخرجتُ على رؤوس أصابعي , متسللة كاللصوص التفتُ يمنة ويسرة
لم يكن هناك إلا الهدوء واضاءة خفيفة غرق بها المكان , فالوقت الآن بعد شروق الشمس بدقائق وأظن أن أبي قد ذهب إلى العمل
فأنا أرجوا ذلك ! وجل فؤادي عند تسلل أصوات خافتة إلى مسامعي
تجمد جسدي , وهبت شعيراته واقفة من الرعب
التصقت أصابعي حافرة أظافرها على جوانب شفتيّ
مانعة أنفاسي من الخروج , مسكتة ضجيج صوتي المنتحب
اختبأت في زاوية اعتمة بظلال الظلام
بيد تمسك فمي والأخرى تحتضن جسدي مخففة من أرتجافه
تحررت دموعي ... وأنا انصت لصوت الخدامات الذي افزعني
اخرجت شهقة من جوفي بطمأنينة احتلت روحي
خرجتُ متعثرة الخطى مسرعة إلى اقرب باب يؤدي بي إلى الخارج
هاربة من سجن احكمت سلاسلهُ عليّ
تقدمت بقدمين التحفتا بحذاء من الجلد , ورسمتا خطواتهما على أرض تغطت بالأعشاب
خارجة منه إلى أرض صلبة إسمنتيه متجهة إلى جدار تلون بلون العسل
اسندت ظهري إليه مطوقة جسدي المرتجف بذراعاي
غطى وشاح الضباب الرؤية عني برذاذ نثر زخاته على وجهي
مر الوقت وأنا انتظر سلمى
مبعثرة بصري الزائغ حولي خوفا من رؤية أحدا ما لي , دقائق طويل وجاءت بسيارتها
قفزتُ إليها بشرود سرق عقلي , وانطلقنا بثرثرة سلمى التي لا تكفى عن إسهابها في الشتائم
لم انطق بحرف واحد.. فأنا كالمنصتة لسكينة كآبتي والمُثرثرة مع أشباح نفسي التعسية
ضربتني سلمى وهي توقف سيارتها عند مواقف سيارات الطالبات في الجامعة
قائلة باستغراب امتزج بالغضب : " ما بكِ اليوم ! "
أضقتُ عيناي , وأنا اقف باجتياح دواراً عنيف لجسدي حتى كاد يسقطه
لم استطع التنفس من تكتلات الزكام المتراكم في معبر أنفي , بجانب أنني أشعر بالمرض
فالحرارة تحرق جسدي من الداخل
بالإضافة إلى عدم قدرتي على الإتزان
حاولت السير بخطى متهالكة تعتريها العثرات
حاولت فتح أجفاني بصعوبة
وقلت لها من بين شفتين متشققتين وأنا مطأطأت الرأس : " أشعر بالمرض ! "
قالت بأسف : " سلامتك ياعزيزتي ! "
مشينا إلى أن وصلنا إلى داخل الجامعة
جلستُ مع سلمى على أحد المقاعد الموجودة في مقهى الجامعة , ننتظر قدوم الرفيقات الاخريات
خطف لون وجهي ... واجتاحت جسدي موجة من السيالات العصبية
وأنا أحملق أمامي بذهول اخترق صدري
وأمسكت به أيديّ خفية تعصره بعنف لرؤية شبح حلمي
أنه نفسه ! الشعر الأحمر , الجسد .. العباءة السوداء الكاشفة عن لباس أحمر اللون , كريهه !
أنها واقع جسدت ذلك الكابوس المريع
ادخلت موجة من الهواء إلى رئتاي في محاولة لمنع ارتعاش جسدي
ولكن الوجه لا يشبهها ! فهذا وجه شما أحدى صديقاتي المقربات لهذه السنه
فكيف يكون ذلك الوحش شما , يا إلهي ! أهو جنون ! لا ! إنما هي أضغاث أحلام !
هجرتني راحتي , وأنا في غياهب صمت عزلتي التي شدت رحالها إلى عالم الكوابيس
فلقد بت جزعة مما حولي
خائفة من صديقاتي اللواتي شعرت بانهن يرتدن أقنعة من فوق وجوه تصنعة الطيبة
خاصة شما فلقد بتُ مرتعبة منها فهي ككابوس حقيقي يحوم حولي
وكأن تلك المتوحشة التبست جسدها
شيعت جنازة البؤس روحي , وأنا انسلُّ من بينهن خفية
فنفسي تغوص في كربة خرساء
ترغب بالهروب قبل افتراس ثناياها المتوجعة
لم يشعروا بي
فهربت أتخبط بقدمين لا تستطيعان الإتَّزان
لتمتزج الألوان ببعضها وتتضارب الزوايا ويغشى عينيّ الضباب
ركضة باختناق انفاسي في رئتاي
وأنا أشعر بأنني ارغب في التقيؤ بشدة
تعثرت خطواتي.. وأنا ادلف إلى دورة المياة
استفرغتُ ما في معدتي وأنا ابكي
" آآه سأموت ! " هذا ما صرخت به وأنا أتألم
اشعر بجسدي يغلي من الحرارة, والعرق يبلل ملابسي بجانب الصقيع المتجمد الملتف حولي
لم أكف عن الأستفراغ لمرة واحدة فانا اشعر بالتعب من جراء التوقف عنه
تقيأتُ حتى خلت معدتي الجرداء من مائها
تهالكتُ على البلاط المتجمد وأنا أنتحب
بدموع تسيل على وجنتي بحرقة , وماء انفي يرشح بغزارة
أني متعبة جدا !
ومرهقة من المرض , والكابوس الذي يحدث لي
***
غاص جسدي في حوض أمتلأ بالمياه الساخنة
تعلقت أصابعي على حواف الحوض
ليتدفق الدم إليها بحمرة تلونت بها
زفرة نفسا حبس في رئتاي
وأنا أغرق وجهي في المياه الدافئة
أغمضت عيناي بشفاه تقوست بمرارة
لقد وقعتُ في فخ نصبه هو
وبت حبيسة لزنزانة المنيعة , يريد مني الخيانة !
يريد إستغلالي بعد معرفته أن راشد هو عمي بالإضافة إلى أن عمي سيف هو رئيس المستشفى
فتلك هي حقيقتي المخفية عن الكل تقريبا
سرقت أعمامي وسرقة مجهود عمي راشد والتلصص عليه بكل عمل يقوم به
ومراقبته لهُو أقوى مما تحتملهُ نفسي
لهي خيانة عظمى ترتكبها روحي في حق أقرابي
فهو يريدني أن افعل ذلك, وإلا لقيت حتفي بين يديه أن اكتشف أحدا ما هذا أو ان لم أنفذه
ستكون نهايتي , فأنا لم أنسى تهديده لي بأنيّ لن أهرب منه
حتى لو رفضت فهو سيجعلني أتجرع مرارة كل ما فعلته
وكأنني أرتكبت جريمة بشعة, وها أنا الآن أجر لجريمة أشنع قد تزهق روحي
خيانة عائلتي من أجل عملي وعامر ,عامر الحقير !
لن أنسى ما فعلته لي أبداً !
لقد وصمتني بالعار فأنا بت عارا على نفسي بسببك
فأنا مجرد غبية .. لآنني أحببت شخص كحثالتك
حثاله , أحمق , مجنون , كريه , أنني أكرهك !
فتحتُ عيني لتتموج جزئيات الماء أمام عيناي بفقعات أنفاسي الراسمة دوائر تتراقص حولي
وخصلات شعري تتأرجح امام عيني بزخارف سوداء أكتسحت شفافية المياه
سيأتي اليوم الذي سأنتقم منه
سيأتي يوم يعض فيه أصابعه ندما على إستغلالي
صحيح أنني الآن ضعيفة ولا أملك حول ولا قوة
وهو رمى شباكه علي بدون مراعاة آية أخلاق, من دون ذرة انسانيه
من دون الخوف من عقاب رب العباد !
امتصت رئتاي أخر هوائها مني لتطالب بالمزيد وتصل إلى ذروة فقدانها للأكسجين
فصرخة تطالب بالمزيد
أختنقت بدخول الماء إلى فمي لتلاطم أصابعي جزيئات المياه هاربة من أفتراسها لها
تشبثت أصابعي على الحواف ليخرج جسدي بقوة من آسر المياه له
أخرجتُ رأسي بأنفاس مختنقة تحتاج لتزويد رئتاي بالأكسجين
برأس ارتد إلى الخلف مستعيدا لانفاسه المراقة
أغمضت عيناي, اريح أنفاسي
أزيح هموم عقلي , وجنون نبضات قلبي
نطقت شفتاي بدموع تسربت من عينيّ
ونقشت إحمرارها على البياض :
أسفه عمي , أسفه أبي , أسفه نفسي
****
صباح عقيم كحياتي التي بتُ أعيشها منذ أيام قليلة
فلقد استحالت أيامي إلى جحيم لا يطاق كطقوس أجبر عليها بلا رحمة
كسلخ جلدي عن لحمي , جرائم أرتكبها كالحمقاء من دون البنس ببنت شفة
فلقد بت بلهاء أنصت بلا عقل , أسير بلا إرادة
أقاد كالبهائم , فلقد أيقنت من خلو قلبه من الرحمة وانعدام الإحساس بالإنسانية تجاهي
فهو فقط يأمرني بفعل ما يريده ويرضخني على الصمت الأبدي
جررت خطواتي جرا نحو مكتب راشد في صباح تعطّرت فيه اروقة المستشفى برائحة المرضى
وسقم مرضي وعبودية روحي له
راقبة مقلتاي ظلال أشباح البشر التي تكادُ تختفي من ممرات المشفى
فالشمس لم تشرق بعد بالإضافة إلى السكون المستنشق للصمت في هذه الجهة
الذي اسعف مكر اجرام تعويذة عامر على عقلي
لنبش مايخفي راشد في جعبته , للعبث بأغراضه وسرقة تعب أيام قضاها في العمل
أغلقت باب من الحديد ورائي مسندة جسدي عليه في غرفة غرقت في السكون والظلمة
تسللتُ خلسة, بأقدام لا تكاد تطأ الأرض
فتحت ادراجه انبش محتويات رزم أوراقه بعد تحايلي عليه بالتقرب منه أكثر والجلوس معه
لمعرفة ما يدور حولي من أمور تخدمني لمصلحة عامر
لأنتقل إلى الحاسوب اعبث به , فلقد كان بغاية البساطة نهب كلمة مروره بطلب استخدامي للحاسوب نفسه من أجل العمل
فما ذلك إلا بقبح أفعالي المدسوسة بالخبث المغموس بعتمة إجحاف عامر وتهديداته لي
وضعت " الفلاش " بداخل الحاسوب لأقوم بنسخ ما يخزنه راشد في ملفات حاسوبه
سال العرق على جسدي , بنبضات قلب ترتطم بصدري وتكاد تفقد توازنها
جفت الدموع من عينيّ , وأنا احاول الإسراع بما أفعله
نزعت أداة التخزين لأغلق الحاسوب بسرعة حاثة خطى قدماي المتعثرتين في الظلمة
متجهة نحو الباب وقبل أن تمس أصابعي مزلاجه
ارتفع صخب أصواتٍ غليظة من الخارج
ارتجف جسدي وانحبست انفاسي
تجمدت أطرافي وقد امتصت عيناي دموعها , لا ! لا!
تحرك جسدي بقوة لم أعيّ من اين جاءت
واختبأت وراء حديد الباب بظلمة غطت عينيّ على ظلمة الغرفة
حطت اناملي على شفتي غارسة أظافرها على جوانبها بشدة كاتمة ضجيج حنجرتي
خانقة لأنفاسي , حاولت مقاومة موجات بكائي وارتجافي
خرستُ وخرس عقلي معي , تاهت روحي عابرة لجسدي , مخدرة لحواسي
بت أسيرة طوق الرعب مختنقة بجنون عقلي , وانا اقف وراء الباب
انصت إلى ضوضاءهم من ورائه , أرقب دخولهم بفزع طفح على وجهي
أحسست بالحرارة تمضغ جلدي
شعرت أنه سوف يقضى عليّ عندما تلألأت أضواء الغرفة , بإزدحام الاصوات فيها
وبجسدي يدعس على الجدر وكأني انوي لحمه به
أخرجوا ! اخرجوا أرجوكم ! سأموت أن اكتشفت بهذه الطريقة ! يا إلهي انقذني أرجوك
رفعت بصري الذي يسبح في ضباب دموعه , أحدق في حديد الباب بدموع انهارت على خداي
اغمضت عيناي وأنا اكتم انفاسي
بشفاه احتضنت أصابعي التي خففت من حدة انغراسها في لحمي
كشفتُ عن اسناني وانقضضتُ على أصابعي المحيطة بشفاهي
اضغط عليها في محاولة لمنع صرخاتي , وانهيار روحي , وتهالك جسدي
التهمت انفاسي عند خروج من كانوا في الغرفة واغلاقهم للباب من ورائهم بعد اطفاء النور
ارتفعت اناملي لتمسح الدموع التي بللت وجهي
مسحت وجهي بأكمله وأنا اخرج من مخبئي بخطى متعثرة, متهالكة
غصت انفاسي في صدري وأنا اخرج شهقة متوجعة
تبا لك .. يا عامر !
أأنت سعيد الآن لتوقعني في شرك مؤامراتك الخسيسه
ليس لك الحق في ذلك لتستغلني بهذه الطريقة البشعة والتي تكاد تودي بي إلى الهاوية
أصدرت صيحة كتمتها بصدري
وانا اقف قبالة الباب في محاولة لإستعادة انفاسي , ابعاد موجة الرعب عن نفسي , التخلص من ارتجاف جسدي
ياليتني تخليت عن كل شيء , ولم أتبع خطوات عامر النجسة
ياليتني لم التقي به , ولم أعرفه !
انفتح الباب بغتة وأنا في سطوت أفكاري الغارقة في هذيانها وصمت عزلتي الكئيبة
دخل الغرفة بجسده الضخم لاطما حديد الباب ورائهُ واضعا أصابعه مانعا انغلاقهُ
حدق بي من وراء وجهه اصطبغ بحمرة الفزع
قال بسرعة خطفت انفاسي : " ما الذي حدث , هل اكتشفوك , لِمَ لم تكوني حذرة أكثر "
داهمني غثيان تواجده , وارتجف جسدي متذمرا من كلماته ..نافثا غبار غضبه , قوست شفتي كاتمة فوج صيحات البكاء الجاثية على صدري , وقلت بحنق وأنا ابعد انظاري عنه محدقة بطرفي الايمن :" لم يحدث شيء "
احتد صوتي ببكاء تأرجح في جنباته : " لم يكتشفني أحد "
توتر وجهه المحدق بي ليقول بعصيبة التهمت صوته : " ألا تستطيعين تفقد ماحولك أولا قبل الانصياع
لأوامري , ماذا لو كشفتي ! أترغبين الأنزلاق في المصائب , يجب عليك اختيار الوقت المناسب إلى جانب استخدام عقلك قبل كل شيء , لو كنتِ اخطأت خطأً واحدا لضاعت خطتنا وباتت هباءً منثوراً "
صرَّتُ على أسناني صرا
بحقد تغلغل في أعماق نفسي المتهورة
كرهت كلماته التي تهوي على قلبي كالجمر المتقد
رفعت وجهي بمرض وجوده أمامي
" سافل ! "
صحت بها بصوت حاد شق حنجرتي , وأنا ألهث مخرجة أنفاسي الثائرة , الغاضبة
غبي , أحمق , كلمات غبية ينفثها على وجهي
كم أود الآن قتله والتخلص منه , أبادته من هذه الحياة وتخليص البشرية منه
فانا لست قادرة على كتم سخط غضبي عليه, انه يكاد يوصلني إلى حافة الجنون !
تعلق حاجباه على جبينه من هول ماقلته حنجرتي وتوهج وجهه بحمرة الغضب والاندهاش
ابتعدت عنه بخطوات سريعة هاربة من بركان غضبه الذي اندلع في عينيه
اضاق عينيه ملتهما المسافة الفاصلة بيننا قافزا بخطواته على البلاط الابيض
واقفا ببضع خطوات مني بوجه تشرب غضبه
تعثرت خطواتي , بانفاس غصت في صدري ووجه توشح بالخوف
حدق بي بوجه غاصت تقاسيمه في هدوء
طافت في عينيه نظرات لم أفهم لها مضمونً
إنما ارعشتني وصلبت اعصاب جسدي
وجعلتني اخفض بصري عنه كارهة رؤية وجهه الذي بات كالكابوس بالنسبة إلي
ابتعد بخطواته إلى أن وصل بجانب الباب وتوقف بذراعين أسرتا صدره , قائلا :
" ابلعي لسانك , واحترامي تواجدي وإلا لقيتي ما لا يسرك "
*******
رؤيته يتحدث إلي من تحت أنفه بأزدراء , وكأنني مجرد عبدة له ,جعلني اثور غضبا
ممسكة بقبضتي في محاولة لكتم جنون عقلي بقتله الآن !
فما قتله الآن إلا هي غايتي المستميتة للتخلص من كل شيء يحصل لي
كعادته الجامدة وجحد قلبه الأسود
عاملني كأداة لا تساوي ثمن وهو يأخذ مني كل ما جلبته ببرود تغلفت به مشاعره
بالإضافة إلى تعنيفه لي من أجل أنني لم اجلب له كل شيء
وأنه لا يعلم متى سيكون عقلي معي , ومتى سأنصت إلى تعليماته واطبقها بحذافيرها وأترك الشتائم
جعلني أستمع لثرثرته البغضية وانا في الج غصبي
اللعنة عليه من فظ
ضربتُ اسناني ببعضها بقوة كادت تكسر فكيّ
وأنا أكتم رغبة في ضربه على ظهره المقابل لي الآن
أمل اضربيه فما هو إلا حثالة , لقنيه درسا لن ينساه مدى العمر
اقضميه باسنانك , حطميه كما هو يحطمك الآن !
اخرجت آهات تتلوها أخرى ..
كيف لي أن افعل هذا فالوضع سيزداد تعقيداً
التفت إلي عاقدا لحاجبيه الطويلين وعينيه الجميلتين تحدقان بي باستهجان !
تبا لي.. ماذا !
جميلتين أعقلي الآن في وعيه أم انه أصيب بهلوساته المعهودة
جاءتني رغبة مجنونة بوضع أصابعي في عينيه والتخلص منهما !
اسكت تلك الرغبة وأنا أشعر بالتوتر من نظراته المخترقة لحدقتيّ
زم شفتيه وهو ينطلق إلى مكتبه بجسد تغطى بزي الاطباء
غرق هاجسي المجنون بضربه في غياهب الظلام , واحاطت بروحي الوحشة واندبت فيها ندوب الواقع
المرير , من أين لي بالقدرة على الانتقام منه !
فهو قد سحبني إلى هاوية قد علق فيها حبل اعدامي
جلس وراء مكتبه يعبث بما اعطيته إياهُ
يعقد حاجبيه تارة وتتهلَّل اساريره تارة اخرى وكأنه يستمتع بإنجازات أوساخ يديّ
كنت في ألج غرقي في احلام يقظتي الخرقاء والغبية
كان عقلي قد سهى في دوامة من الحزن يتصارع مع ضميري المؤنب لي
كنت اخوض معركة دموية في داخلي المتهدج بأوجاع فؤادي
جاءني صوته بغتة .. واخرجني من جحري المختبئة به
قال لي بصوته المزلزل لكياني : " ألا يمكنكِ الجلوس للحظة ! "
فتحت فاهي لأصدر بغباء : " هــا " خرجت مني بصوتٍ عالي اخرق
غصت انفاسي في صدري مانعة الهواء من العبور مسببة لي ألما كشرقة بالماء
ابتلعتُ انفاسي بوجع وانا دنو منه محدقة بوجهه المتجمد الساطع عليه نور شاشة حاسوبه
تهاويتُ على المقعد ألملم شتات نفسي المبعثرة
احبس فوضى مشاعري بين اضلعي
ترك حاسوبه وهو يمط شفتيه مادا يده نحو الاوراق منقبا عن غايته
وضع الأوراق من يديه وبصره يتصاعد نحوي
تفرّسني بنظراته وأوقعني في حقبة من التوتر والقلق
تشبثت أناملي ببعضها مانعة جسدي من الارتجاف
شتّتُ نظراتي حولي , لأنني لا اريدها أن تقع عليه وترسلني إلى عالم يمرض فيه قلبي
اخذ انفاسه بصوتٍ مسموع وهو يحك ذقنه
حدقت عينيه في عيناي المتوترتين بغموض لف خيوطه عليه, قال : " الآن أريدك في مهمة أكبر من التلصص "
رصصت على اسناني بحقد تشربته نفسي وحقن هو مصلهُ السام في وريدي
بفظاظة حرك شفتيه لتطفو الكلمات عليها : " اريدك أن تتقربي منه أكثر , معرفة مايفكر فيه بعد ما اصبح بروفيسور مغرور ! "
طفح الكيل عند أخر عبارة تفوه بها هذا المعتوه, وأشتد غيظي عليه
وثبت من مقعدي صارخة, راعدة عليه : " ثمن عباراتك وأحترمه لأنه عمي "
اكفهر وجهه , ونظر إليّ باستحقار
وبشفاه صلبة اشتدت بقسوة قال : " أولا انت من يجب عليه أن يختار ألفاظه "
صاح عليَّ بصوته الناخر لطبلة أذني , بغضب افحم وجهه ذو البشرة المائلة إلى البياض
ارتعب جسدي وأنا أنصت إلى عباراته القاسية : " أنني لا أريد سماع صوتك ولا شتائمك التي اصمت عنها كثيراً , ولا تصرخي عليّ فلست أحد اطفالك , فأنا أقول ما ارغب به اتفهمين !! "
تقوست شفتاي واضقت عيناي الدامعتين بغضب
صحت عليه, وأنا أقاوم حشرجة بكاء حنجرتي :" ألا هذا فأنا لن اصمت عن شتمك لعمي ,فأنه يكفي مايحصل الآن "
لم يتردد لساني من طرح تعاسته الغاصة في صدري : " يكفي استغلالك البغيض لي , فأنا بت لا احتمل ذلك , تبا لك , فلتذهب إلى الجحيم "
انخرط في بكاء لم استوعبه
فدموعي صنعة غشائها على عيناي قبل ان تتساقط على خداي بلا توقف
تسابقت اصابعي إلى خداي, لعلها تكفكف دموعي المتساقطة
لم استطيع ألا اصدار عدت شهقات وانا ابكي , تبا , كيف لي ان ابكي امامه هكذا !
فأنا لست بالهشة والضعيفة , ادرتُ جسدي المنغمس في ارتجافه
وحثثت الخطى بإتجاه الباب مسرعة إلى الخارج
خرجت ضاربة الباب بكل قوتي محيطة جسدي بذراعيّ
رافعة رأسي إلى الأعلى لعلي اكف عن بكائي الأحمق , لماذا أبكي , لِمَ بكيتُ , لِمَ بكيتُ أمامه!
نهاية المعانقة الثانية عشر
قراءة ممتعة ونلتقي يوم الجمعة بإذن الله