لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء


وحان اللقاء

وحان اللقاء . لفت خصلة الشعر القرمزية المميزة على أصبعها السبابة اليمنى في لفات متتالية بينما غاص عقلها في الذكريات , أمازال يذكرها ؟ ليس لأنه قد مرت

إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 29-03-12, 02:21 AM   المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Jan 2012
العضوية: 234358
المشاركات: 14
الجنس أنثى
معدل التقييم: مفك العدة عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 17

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
مفك العدة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

المنتدى : القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
Hello وحان اللقاء

 


وحان اللقاء .


لفت خصلة الشعر القرمزية المميزة على أصبعها السبابة اليمنى في لفات متتالية بينما غاص عقلها في الذكريات , أمازال يذكرها ؟ ليس لأنه قد مرت أربعة عشر عاما عليه أن ينساها تماما , على الأقل سيتذكر بعض الأمور التي كانت من نوع الذكريات التي لا تنسى . لطمتها كلمات بنت خالتها عبير لطمات متتالية : لكن ياويلك من خطيبته رشا , لو درت بما تكنينه له من مشاعر فهي لن ترحمك أبدا , أخافتها هذه الكلمات أول الأمر ثم أرعبتها جدا بعد ذلك , ليس لأنها تخشى من أذية رشا لها , بل لأنها تعلم أن نفوذ والد رشا يمكن أن تدمر عزام مهنيا ولفترات طويلة قد تمتد لعشرات السنين للأمام كون السيد عطية والد رشا أخطبوط السوق المتحكم بها داخل مدينتهم الحيوية الحركة . جاءها صوت المضيفة التي يبدو أنها ظلت تنظر إلى وجهها فترة طويلة تنتظر الجواب , أعجب المضيفة أكثر ما أعجبها في هذه الفتاة عينيها الجوزيتين الرائعتين بلونهما البندقي الحلو , يبدو أن الفتاة تحاول أن تخفي نفسها تماما بهذا الإيشارب الطويل الفضفاض مما لا يمكن الناس من ملاحظة مدى جمال عينيها إلا بعد طول تمحيص , ها يا آنسة تريدين شيئا للقراءة ؟ التفتت بهز رأسها هزتين خفيفتين يمنة ويسرى وتذكرت كتابها الذي مازال رابضا على حجرها على صفحة 175 بعنوان خطوات على درب النجاح , الكتاب الذي استطاعت من إدمان قراءته أن تتناسى فكرة أن عزام قد نسيها لما وصلت إليها أنباء خطبته لرشا , لم تلمه , ماذا عليه أن يفعل وقد انقطعت أية صلة له بها منذ سفرها من أربعة عشرة سنة عندما سافرت إلى أميركا ؟ لم تستطع نسيانه , بل لم يكن عليها أن تبذل أي مجهود يسمى التذكر لأن عزام كان نور عينيها التي تبصر بهما , بل كان هو عينيها , لقد جاء عليها وقت ذهبت فيه عند طبيب والدها النفسي ( جاك بيتر نورس ) لأنها ظنت أن إدمان حبها لابن عمها ماهو إلا إشارة لاضطراب في شخصيتها , لم تستطع أبدا نسيان حبها الطفولي له رغم أنها إنسانة اجتماعية أميريكية ناجحة بنسبة ألف في المائة , هي تضحك , تتكلم , تندمج مع الجماعة , تلبس على أحدث دور الأزياء , تفرح مع الفرحين , تحزن مع الباكين , تروح وتجيئ وتتنفس , لكنها أبدا لم تستطع يوما أن تترك عادة الكتابة في دفتر مذكراتها أي عبارة أو جملة تصف فيها لنفسها فيها مقدار الحب في قلبها له وكأن الأمر فرض واجب عليها , كما تكتب أمنيات سخيفة بالاجتماع والزواج وإنشاء أسرة ..........إلخ . لقد أخبرها والدها أن عليها في آخر الأمر القبول بخطبة جواد لها , جواد رجل عربي مثلها يحمل الجنسية الأمريكية ومستقر بأميركا ولقد صرح لها أكثر من مرة بحبه لها , مازالت تحتفظ ببطاقته الأكثر جرأة من بين البطاقات التي كان يضعها في الهدايا التي يعطيها لها والتي وضعها على هدية عيد ميلادها العشرين ( أنا أتمنى أن أقبل التراب الذي تمشين عليه جهرة وأمام كل الناس وأصرخ وأصرخ بأعلى صوت لي أعشقك وسأظل حتى آخر يوم في عمري ) لقد كانت هذه البطاقة من ضمن الأشياء التي وقعت عيناها عليها مؤخرا بينما كوليت مربيتها تحزم لها أمتعتها , إنها ستبقى فترة ثلاثة أشهر كحد أقصى , هكذا أعلمها والدها , لقد طلبت منه مهلة لتتأكد من صدق عواطفها لجواد , لقد استطاعت بصعوبة أن تقنع نفسها بذلك , لقد سمعت من صديقاتها أن الحب المتأجج داخل القلوب والذي يكون الحبيب غائب فيه عن العين فترة طويلة سرعان مايخبو وينطفئ مع أول لقاء لهذا الحبيب , ثم إذا توالت اللقاءات يتأكد المبتلى بهذا الحب أنه حب وهمي لأنه يشعر بموت هذا الحب تجاه حبيبه المزعوم ويجده شخصا عاديا حيث ينقشع عن عينيه القناع السحري الذي كان يصور له الأمور على غير حقيقتها . كم تتمنى أن يكون ماسمعته حقيقة , لذا عليها أن تراه الآن على كل حال لتتأكد من حقيقة مشاعرها هذه والتي ظلت على أساسها تبني آمالا لها في أمريكا طوال أربعة عشر عاما , رفعت رقبتها للأعلى وعلا صوت قائد الطائرة يعلن قرب انتهاء الرحلة , عليها أن تمنع هذه الارتعاشات التي تهز أطراف أصابعها كلما تذكرت عزام , المضحك في الأمر أنها الآن وقد صارت قريبة منه تأبى هذه الارتعاشات الحمقاء أن تتوقف , في أمريكا كانت تعزو الأمر لبعد المسافة , والآن ؟؟؟؟ أحيانا كثيرة نكره ضعفنا الذي يبدو لنا في تصرفاتنا ويأخذ أشكالا عدة , لقد جاءت وحدها , ولم تشأ أن يعلم والدها زوجة عمها بحضورها ووعدها ألا يفعل ذلك , لكنها تشك في الأمر . وفي صالة الوصول بحثت عيناها يمنة ويسرى , بحثت لفترة كافية , لكنها لم تجد أحد في انتظارها , ما يعني أن والدها نفذ لها ما أرادت , شعرت بخفقات قلبها المتضاربة والتي تنذرها دائما باضطرابها الوجداني الشديد بينما كانت تتقدم وهي تحمل حقيبتها الكبيرة وحقيبة يدها الصغيرة تشير لأحدى سيارات الأجرة أن تتوقف . البيت يقع الآن في حي البساتين الر اقي , جلست خلف مقعد الراكب في الليموزين , لكنها طوال الطريق الذي استغرق قطعه حوالي العشرين دقيقة تركت لخيالها العنان لينطلق كما يشاء فلم تتبن معالم الأشياء على جانبي الطريق , لقد بدأت أطراف أصابعها ترتعش مرة أخرى لمجرد التذكر من جديد , إنه الضعف الذي لازمها طوال الأربعة عشر السنة مقدار عمرها في أميركا . أطراف أصابعها نحيلة جدا بأظافر طويلة تعتني بها جيدا تحاول بها الآن أن تثبت لتوقف هذه الارتعاشات , أدخلت أصابعها من تحت الإيشارب البني وسحبته للأمام فلاحظت تناقص تلك الارتعاشات قليلا , وصلت إلى الفيللا , يالله إنها الفيللا الأميز بين الفلل المجاورة لها , لقد انتقلت أسرة عمها من بيتهم في حي الفيصلية إلى هنا , عمها , لا تذكرملامحه جيدا لولا أنها تذكر قول جدها لها وهي صغيرة : إن والدك هو الشبيه الكربوني لعمك , هذا يعني أنهما متشابهان تماما لولا أنها ترى من خلال الصور خفة الشبه بينهما , والدها الأصغر بسبع سنوات . ساعدها السائق في إنزال الحقائب ورفضت الانتظار حتى يحصل على فكة من مكان قريب ويعيد لها المبلغ الصغير المتبقي وقالت له : هو لك , فأمطرها بعبارات الشكر والثناء والمديح ودعوة صغيرة صادقة بأن يوفقها الله اعتبرتها أجمل ماسمعت حتى الآن . رن جرس جوالها الموضوع في حقيبتها الذي غيرت شريحته لتستقبل مكالمات والدها , تعرفه لن يتركها دون أن يتصل في فترات متباعدة للاطمئنان عليها رغم حريتها شبه الكاملة التي أعطاها لها في أميركا والمخلوطة بتمام الثقة , كأنه يريد أن يبعدها عن شيء ما , يحميها من شيء ما , لاتعرف , ولما فتحت الخط وسمعت صوت والدها على الطرف الآخر يكلمها بلغة عربية واضحة ضربت على زر الجرس الأحمر فسمعت صلصلة جرس متوسطة البعد عن مكان الباب , بابا أنا بخير لقد وصلت وها أنا أضرب الجرس .
والدها : أدخلت ؟
زينب : سأدخل بعد أن يفتحوا الباب , وضحكت لتخفي توترها عن والدها .
ظهر خادم يرتدي زيا أسودا مخطط بخيوط ذهبية .
الخادم : أي خدمة ؟
زينب : عفوا أنا أريد ...... وتعلثمت ....أنا أرغب ..........
الخادم ينظر وينتظر عندما ظهرت زوجة عمها نظيرة مرحبة : زينب الصغيرة , غير معقول .
تنحى الخادم جانبا ليفسح الطريق أمام زوجة عمها ثم تقدمت هي بدورها خطوتين للأمام لتسمح لعناق زوجة عمها أن يحتويها مرحبة , لقد باتت تنظر لزوجة عمها بعين مختلفة الآن عن الماضي ففي الماضي كانت تنظر لها على أنها زوجة عمها , المرأة التي تحمل لها مشاعر محايدة لا حب ولا كره , الآن ترى إمرأة طيبة القلب تحاول جهدها أن لا تجعل من أحد أن يحمل لها أية ضغينة في قلبه , شعرت بفرح قلبي للقاءها , نظرت الآن في عيني زوجة عمها نظيرة فوجدت فرحة صغيرة تتراقص في عينيها حيث قالت : من غير المعقول أن تكوني أنت أنت زينب البنت الصغيرة التي غادرتنا في عمر العاشرة , انظري إلى نفسك لقد غدوت فاتنة , تفضلي , وأشارت للخادم الذي فتح الباب أن يحمل حقائب زينب .
تقدمت تدفعها يد زوجة عمها في حنو للأمام حيث دلفت إلى صالة فخمة واسعة مؤثثة بأثاث مختلف في أرجاءها الكبيرة حيث تناهى إلى سمعها في واحدة من زواياها المترامية صوت ضحكات متصاعدة متتالية , تقدمت إلى حيث دفعتها يد زوجة ثانية في حنو شديد , كان عزام ورشا وأسعد ومعه فتاة أخرى وابنة عمها بالرضاع سمية فيما يبدو , وكانت اللقاء , اسرعت عينيها تحتوي الموقف كاملا ففي زاوية الأريكة الكبيرة على يمينها يجلس عزام ويرفع يده اليمنى على ظهر الأريكة ليجعلها فوق خطيبته رشا ثم تجلس سمية ابنة العم من الرضاع وفي الأريكة المفردة تجلس فتاة لا تعرفها ولم ترها في أي من الصور المرسلة ثم أسعد في أريكة منفصلة , تفصل بين الأريكتين طاولة صغيرة فوقها طفاية سجاير , ثم أريكة منفردة ثالثة ثم أريكة كبيرة مزدوجة مقابلة للأريكة التي يجلس عليها كل من عزام ورشا وسمية , سمعت اسمها يخرج من فم عزام بينما وقف وقفة كاملة معتمدا على ظهر الأريكة : غير معقول زينب , وقد تهدلت ملامحه على وجهه في تفاعل مشاعر لا تعرفها , وتقدم منها مادا يده للمصافحة , ووضعت يدها ذات الأصابع شديدة الارتعاش في يده , كانت تشعر بارتعاشات يدها المتتابعة وهي بين يديه , من أين لها بقوة تمنع ارتعاشات يدها هذه , والأدهى والأمر أن أطرافها ترتعش الآن وهي في يده , واحتوتها عيني عزام , تحاشت النظر المباشر لعينيه , وتمنت أن يقصر وقت اللقاء , الحقيقة لم تكن ارتعاشات يدها هي الشيء الوحيد الذي وترها فهي الآن لا تعرف هل هذه الدفعات غير المنتظمة في قلبها ملحوظة للجميع , مازالت يدها تقبع في يديه , وما زالت تشعر بنظراته تتفحصها في صمت , من سيكون منقذ ها من هذه الأجزاء البسيطة لثواني الدهر والتي هي الأطول فيما مر عليها من وقت ؟ لما لمحت سمية تصرخ باسمها كان عليها أن تحاول تخليص نفسها من قبضة يد عزام لتتقدم لعناقها , وهكذا في وقت لاحق بينما هي تجلس على سرير كبير مريح في الغرفة المخصصة لها عرفت أنها جاءت في الوقت الملائم بالنسبة لهم لأنه بعد يومين سيكون موعد زفاف أسعد من تماضر وهي الفتاة التي كانت تجلس معهم ولم تعرف من تكون , في حين أن عزام ورشا سيتزوجان بعد ذلك بشهرين , كما تأكد لها أنها لا تحب ولا تكره سمية ابنة عمهم بالرضاع على الرغم من أنها في صغرها كانت تبكيها كثيرا لأنها دائما تسبب لها مشاكل بأنواع مختلفة مع ولدي عمها عزام وأسعد , أما عزام وأرخت رأسها بين ركبتيها وشعرت بالبؤس يحل في مكان ما من روحها , أيعقل ذلك ؟ لم على المرء أن يكتب على نفسه الشقاء بنفسه ؟ لو علم والدها بما قد توصلت إليه بعد الدموع الكثيرة التي ذرفتها من ساعة ما دخلت هذه الحجرة وحتى الآن لربما أقدم للمرة الأولى في حياته أن يصفعها على وجهها , كم هي الآن يائسة بائسة , مازالت تسمع وجيب قلبها الذي أبى أن يهدأ , عزام ابن عمها وقف في قامة تفوقها طولا بمراحل , في رجولة مكتملة , وملامح لطالما أعجبتها في طفولتهما , أما الآن فهي تعذب نفسها بها أكثر , لقد شعرت بملابسها الآن لأول مرة بعدما دخلت هنا , ما زالت لم تنزعها عنها , كما أنها أخبرت زوجة عمها عبر التليفون الداخلي بأنها متعبة وأنها لا ترغب بأن تتناول طعام العشاء معهم , كانت تريد أن تعتذر لهم جميعا عن حضور حفل زفاف تماضر وأسعد , لكن الأمر سيبدو سخيفا جدا , كما وأنها إلى أين ستتجه لو لم تحضر هذه المناسبة ؟ ليس لها إلا العودة إلى أميركا لمواجهة قسوة والدها , فوالدها لم يعطها تلك الحرية المطلقة إلا ليأخذ منها تسليم زمام كامل ومطلق لحياتها التي سيرسم لها نقطة البداية فيها كما يريد هو لتواصلها هي مع جواد كما تشاء بعد ذلك . لذا ليس أمامها من طريق غير مواجهة ما ستلقاه هنا بقوة . القوة هي السلاح الذي واجهت به كل الصعاب في أميركا خاصة بعد وفاة أمها , لماذا الآن تشعر بها تتخلى تماما عنها ؟ أحست بالوهن والضعف ينخران في ركبتيها هاتان اللتان تحضنهما الآن بيديها وتريح رأسها الذي بدأ يعاني من صداع من كثرة البكاء , لا ليس صحيحا أن لقاء الحبيب يداويك من حبه , إنها خرافة , لأن حبها له قد زاد أضعاف ما كانت تشعر به في أميركا , من الطبيعي أن تكرهها رشا فلو استطاعت أن تدخل رأسها في صدرها وتنظر لهذه المشاعر التي يمتلأ بها قلبها لربما أقدمت على أقدم حماقات النساء عند التنافس على حبيب واحد , ستبدو عند ذلك أكبر حمقاء تأتي بقدميها إلى مكان موتها , هنا ماتت , وهنا وأدت أي رغبة لها في الحياة , لقد ظل عزام بعد ذلك ينظر لها بهدوء تام بنظرات لم توحي لها بشيء , طبعا ليس عليها أن توحي لها بشيء فقلبه يبدو أنه ممتلئ حتى الفيضان بالزهو حبا وعشقا برشا , إنها حمقاء حقا فقد جاءت لتتعذب , عاودتها موجة جديدة من البكاء , وكرهت نفسها أكثر عند ذلك , عليها أن تستحم الآن وتخلد للنوم , وعندما خرجت من الحمام تناولت من حقيبتها الحبة المهدئة التي كان طبيب والدها النفسي الذي تولى علاجها لفترة من الوقت صرفها لها , لن تستيقظ طوال الليل لأي نوع من الذكرى , وهذا ما تريده الآن على الأقل .
اليوم الثاني .
كانت تتناول طعامها في صمت بينما انسدلت غرة شعرها على جانبي وجهها وغطت جزء كبير من وجهها ليزيد صمتها غموضا بالنسبة للجميع . لاحظت زوجة عمها نظيرة صمتها , كانت تريد أن تتناول الطعام بسرعة لكنها ستظهر انفعالاتها للجميع . لقد كانت تأخذ وقتا أكثر من المعتاد لفعل أي شيء كردة فعل على قول ما , إقتراح ما , لأنه يبدو أنها لا تريد أن يقال عنها أمور قد تظهرها بصورة تحرص على ألا يتوقعها عنها الجميع خاصة بعد هذه الغيبة الطويلة , أما عزام فقد تغيب عن تناول وجبة الفطور , إنها من المرات القلائل التي يفعل فيها ذلك وعلى الرغم من أنه موجود في الفيللا إلا أنه لم يخرج من حجرته حتى الآن , أما رشا فإنها تتصل للمرة الثالثة حتى الآن وقد أعلمتهم أن عزام أغلق هاتفه . تذكرت زينب أنه عليها أن تتصل بوالدها بنفسها لتبين له أن لا شيء مما رأت أوسمعت قد شغلها عنه , بينما كان أسعد يتناول طعامه بمرح هائل يعكس في صفاء جلي مدى سعادته ربما لقرب موعد زواجه , ربما لأسباب أخرى , لكن السعادة تشبه الحقيقة في أنها شيء الجميع يرآه بوضوح ولا يحتاج أن يبحث عنه في قلب أحدهم لأنه يظهر بجلاء , أما هي , أجفلها تذكر أمرها وتنبهت , عليها أن تظهر كل براعة لديها لتخفي مشاعرها تجاه عزام وخاصة في وجود رشا , قبلت على مضض اقتراح زوجة عمها نظيرة للبقاء اليوم في الفيللا لتتعرف على مرافق الفيللا من جهة , ومن جهة ثانية لتتناول طعام الغداء معهم وأخيرا لتحضر مع الجميع عملية التسوق الأخيرة لما قبل الفرح خاصة بعدما عرفوا أنها لم تحضر معها فستان يليق بتلك الليلة .
بعد الفطور تولت أبلة نظيرة بنفسها التجول بها عبر أرجاء الفيللا وقد بدآ بالدور الأرضي : هنا ياحبيبتي غرفة المكتبة , تحزرين, من هو أكثر شخص تفقدينه فتجدينه فيها ؟ هه أعرفت من هو ؟
زينب : من هو يا أبلة نظيرة ؟
زوجة عمها : عزام , كما وأني أحب أن تقولي لي عمة نظيرة أو ماما نظيرة ,لكني أعرف أنك لن تحبي أن تقولي لي ذلك , قلت لي مااسم مربيتك؟
زينب : كوليت .
زوجة عمها : أمريكية ؟
زينب : نعم ولكنها مربيتي من البداية .
زوجة عمها : وهذا هو ركن البيانو , لقد جاء دور أسعد لأخبرك أنه مفتون بهذا الركن , الحمد لله أن تماضر تحب حبه للبيانو بل أن نصف عشقها له لأجل ذلك .
وجب قلبها الآن مرة ثانية بشدة لما ذكرت زوجة عمها كلمة عشق , يبدو أنها هي الأخرى تعشق عزام ,نعم ليس حبا بل هو في مرتبة أعلى , عشق بل وجد وهيام .
زوجة العم : تريدين رأيي بصراحة , تماضر هي أكثر النساء ملائمة لأسعد , بينما رشا لا .
يالله ماذا تفعل بها هذه المرة ,لقد كاد قلبها المثقل بالأحمال أن يخرج من صدرها مرميا تحت قدميها على الأرض . نظرت إليها زوجة عمها تنتظر منها تعليقا ما على ما قالت , كان على صوتها أن يخرج طبيعيا من غير هذه الحشرجة التي تشعر بها في حلقها , قالت : لا , لماذا ؟
زوجة عمها : من البداية وأنا أراها الفتاة الأكثر تنافرا معه , إنها تتعبه الآن , وستتعبه أكثر لو جمعهما بيت واحد , وسيصاب بالجنون لو عاشا تحت سقف واحد مدة من الزمان .
زينب وهي تفتح عينيها في دهشة :........................................................... .............
زوجة العم في صوت خفيض وكأنه تكلم نفسها : هو بحاجة لامرأة أخرى , تختلف شخصيتها بمقدار 360 درجة عن شخصية رشا , إمرأة رقيقة , قوية , ذكية , تعرف كيف تكون الأنثى الكاملة لرجل كامل الرجولة كعزام , إمرأة تعيش عمرها في حبه .
زينب لم يعد قلبها يخفق بل صار على وشك التوقف لفرط ماقرع ضرباته التي كانت في قوتها كالطبول , هل هي إمرأة عاشت كل عمرها في حب عزام ؟ كم عمرها الآن ؟ أربعة وعشرون عاما , لقد أمضت عشرة سنين منها تعيش بالقرب من عزام , يلهوان ويلعبان , يتشاكسان , يجر لها ضفيرتي شعرها فتغضب ثم يعود فيدفعا دفعات قوية للهواء على الأرجوحة فتسامحه من كل قلبها . يقرصها في يدها ثم يعود ليقتص لها من أسعد فترضى , يتآمر عليها مع أسعد ثم يرفض أن يكون ضدها مع سمية فتفرح , وأمضت أربعة عشرة عاما تتذكر هذه السنوات العشرة حتى تكونت لديها عاطفة توق مدمرة جعلتها تتوجه للدكتور ( جاك نورس ) طبيب والدها تفضي له بهذا التناقض الذي يعتمل في روحها .
كانتا الآن تتجولان في الممر الطويل في دور الفيللا العلوي : هذه حجرتي مع عمك رحمه الله , لا لن أريك إياها لأنني يعلم الله كم جاهدت وقاومت وكافحت حتى استطعت أن أمضي حياتي متخلصة من ألم ذكرى فراق عمك .
يا ألله , هل هذه المرأة تعطيها إشارات لما ستكون عليه حياتها بعد عودتها من هنا ؟
توقفت بها عند الباب الثاني قائلة : وهذه هي حجرة , لم تسمع فقد انفتح باب الحجرة وظهر عزام , تصنمت , توقف قلبها عن الخفقان فترة من الزمن ثم عاد يهدر بضربات أقوى من قرع الطبول, كان عزام يقف فارع الطول بمراحل لم تستطع تخيلها , حتى وهو يرتدي بجامته كان هائلا ضخما , لكنه الآن ظهر في باب حجرته غير حليق الذقن , لم يحلق ذقنه هذا الصباح , بل وقف يوزع النظر بينهما هي وأمه ويمط شفتيه فيما يشبه ابتسامة ساخرة , كان أسفل عينيه منتفخ , أمه تعرفه , يحدث له ذلك عندما لا ينام , قال : أهلا زينب , ها قد عدت أخيرا ,
ماهذا ؟ لقد قال لها هذه العبارة وأمثالها ليلة أمس , يبدو كأنه رجل قد نسي ما قال , ومد يده إليها مرة ثانية يريد أن يصافحها من جديد , تصرفاته بدت للمرأتين غريبة , لكنه لم يعطها فرصة أن تفسر سر غرابة تصرفاته لأنه مد يده وجذب يدها وصافحها هازا ليدها بين يديه فترة ثم توقف عن هز يده بل أبقى يدها في يده ثم مد يده الثانية ليغطي بها يدها التي في يده , أرادت أن تسحب يدها التي صارت أسيرة يديه وقد أوجعها صدرها لأن خفقات قلبها قد وصلت لأقصى درجاتها التي لم تعهدها من قبل , من المحتمل أن يعقب هذا التسارع في ضربات قلبها نوبة قلبية تصاب بها تدخل على إثرها إلى المستشفى , لم تستطع سحب يدها من بين يديه تحت نظرات أمه الفاحصة جدا بل قالت في خفر واضح وقد تلون خدها بلون قرمزي واضح : شكرا لك عزام , أشعرتني كأنني في بيتي .
عزام : هاهاهاهاهاهاهاهاهاهاهاهاهاهاهاهاهاهاهاهاهاهاهاهاهاهاها تشعرين أنك في بيتك , هاهاهاهاهاهاهاهاهاهاهاهاهاهاهاهاهاهاهاهاهاهاهاهاهاهاه.
أمه : عزام , ماهذا ؟ مابك ؟
عزام : تقول أنها تشعر كأنها في بيتها بينما هي غائبة أربعة عشر سنة كاملة .
شعرت زينب بدوار من نوع ما يلفها إذ غابت الرؤيا عن عينيها وشعرت بأنها على وشك أن تسقط على الأرض فأرجعت نفسها إلى الوراء لتستند بالحائط الذي خلفها كي لا تقع من قوة الدوار الذي لف الدنيا بها لفا , لاحظت زوجة عمها ما ألم بها فأسرعت إليها تمد لها يدها تمنعها من السقوط وهي تقول : زينب , ما بك ياابنتي ؟
زينب : لا شيء .
لم يخف الدوار فمدت يدها إلى يد زوجة عمها الممتدة إليها التي سارعت تقول : عزام يبدو أنها ستفقد الوعي , ساعدني .
اكتسب وجهه جدية وأسرع ناحية زينب لكنه فاجأ أمه بما فعل حيث أسرع وانتزع زينب من على الجدار حاملا لها بين يديه وتوجه بها إلى حجرتها التي أعطيت لها , فتح بابها بطرف أصابع يده اليمنى ثم تقدم ناحية سريرها ووضعها على السرير ببطء شديد وتراجع خطوات للوراء حيث تقدمت زوجة عمها منها قائلة : زينب , يابنتي , مابك ؟
زينب في صوت ضعيف : لا شيء .
زوجة العم : هل نطلب الطبيب , طبيب العائلة ؟
زينب وهي تحاول التنفس بهدوء : لا داعي لذلك .
سمعتا صوت عزام القوي الأجش من خلف السيدة نظيرة : بل يجب فعل ذلك .
السيدة نظيرة : أجل ياعزام , أرجوك افعل ذلك والآن .
تقدم عزام ناحية السرير مرة أخرى , فهرب اللون من وجه زينب تماما وبدت في بياض مختلط بزرقة يشبه بياض الأموات .جلس إلى جوارها على السرير فأوجعها قلبها من قوة ضرباته المتلاحقة , زاد وهنها ولم يغادرها الدوار , أسرع يطلب رقم الطبيب وطلب منه الحضور إلى الفيللا .
رفض عزام مغادرة الحجرة وكذا السيدة نظيرة حتى جاء الطبيب وفحصها في فحص روتيني مطمئن وأكد لهم أن ما شعرت منه مرده للتعب والإنهاك البدني الذي عانت منه فقد قطعت رحلة طويلة من أميركا إلى هنا , وأوصاها بتناول هذه الأدوية لكنه أمرها بتناول غذاء غني صحي ذا فائدة وأن لا تلغي أية وجبة , وابتسم في وجهها واقفا وغادر الحجرة , تقدم منها عزام بعدما شيع الطبيب وقال في ابتسامة واهنة : سأحضر الدواء .بينما انحنت عليها زوجة عمها وقبلتها وخرجت بمرافقة ابنها الذي أغلق الباب ببطأ .
اليوم التالي .
يوم الزفاف , ازداد شعورها بالنفور الكلي من رشا , كانت الأخيرة ترميها بنظرات كالشرر , كأنها تحذرها من عاقبة الاقتراب من عزام , بينما تقربت منها سمية محاولة تحسين صورتها القديمة لديها وكأنها تريد منها أن تعود إلى أمريكا بأحسن شيء من الذكريات عنها , ازداد تعلقها بزوجة عمها نظيرة , بينما لم تستطع لا أن تحب أو تكره تماضر وإن تهيأ لها أن تماضر لو لم تكن متوترة بسبب قرب موعد زفافها من أسعد لكانت أبدت نوعها من الاهتمام قرب بينهما . أعلمتها سمية أن موعد زفاف عزام ورشا تأجل أكثر من مرة بطلب من عزام نفسه لأسباب مجهولة , لقد لاحظ الجميع شدة التصاق رشا بعزام فهي لا تكاد أن تفارقه مطلقا طوال اليومين اللتين قضتهما هنا فبعدما زارهم الطبيب وفحصها سمعت بمجيء رشا إلى الفيللا على غير عادتها من الخادمة التي أحضرت لها الدواء , حيث وجدت على علب الدواء إرشادات واضحة لموعد وكمية الجرعات , وفي المساء زارها الجميع بما في ذلك عزام الذي فضل أن يقف وراء الجميع وأن يكتفي بملاحظة ما يجري فحسب دون أن ينطق بأية كلمة . طلبت من السيدة نظيرة أن تنقل لوالدها أفضل الأخبار عنها فيما لو اتصل بها شخصيا ليطمئن عليها كما أنها تلقت مكالمة مربيتها كوليت التي أحزنتها لأنها ستكلفها ثروة خاصة وأنها لم تتصل بها من فيللتهم كما أخبرتها كما وأعلمتها أن جواد ينقل لها تحية خاصة وأنه لن يتصل بها كما وعدها لكن ذلك لن يمنعه من أن يقول لها أنه يحبها جدا , ضايقها الأمر , أمر جواد ففي الوقت الذي كانت تتنظر من نفسها أن تعلن لها برأها من حب عزام والالتفات إلى شخص جواد والبدأ في تقديره إذا بها تغوص أكثر في حب هذا الرجل الذي غطى في عقلها كل شيء .
أصرت زوجة عمها أن تتولى ماجدة زينتها أسوة بها وبسمية ورشا في حين تشرف حنان على تسريحة شعرها , اقترحت عليها حنان تسريحة معينة الغرض منها إبراز جوزية عينيها الحلوة , وافقت على مضض فقد أرادت أن تزين نفسها بنفسها وتسرح شعرها بشكل بسيط لكن ما باليد حيلة أمام حسن تعامل ورقة زوجة عمها رحمه الله , وأخيرا انتهت منها حنان فأسرعت ترتدي ثوبها الخمري التافتاه الذي كانت قد اشترته في رفقة زوجة عمها وسمية ورشا خطيبة عزام ورفضت بشدة أن تقبله كهدية من زوجة عمها لكنها لم تستطع أن ترفض الهدية التي قدمتها لها زوجة عمها والتي كانت زجاجة عطر غالية الثمن .
في ساحات الفيللا الواسعة حيث وزعت الزينات والأضواء وانتشر الخدم يحملون أكواب العصير وأطباق المقبلات الخفيفة ظلت تنظر في أعياء لكل هذا الأمر , لقد اتعبت نفسها حقا , فبدلا من أن تستمع إلى نصيحة والدها وتمتنع عن المجيء إلى هنا أرادت أن تختبر عاطفتها الطفولية نحو عزام والتي تحولت إلى حب جارف اتعبها وحملها من الهموم ما لا تطيق , هاهي الأيام تمضي بها ببطء هنا , وكلما مضى يوم ازداد يأسها وقنوطها من حبها وإمكانية البوح به لأحد , وهكذا وكأنها قد حكمت على نفسها بموت بطيء فبينما قد تيقنت من تعلقها بعزام في أمل حبه لها إذا به بعد فترة من زواج أخيه أسعد سيتزوج ويتنعم مع رشا , هو يستحق السعادة وكل خير مع رشا أو مع غيرها , وهي تستأهل ما سوف يحدث لها , أكانت تظن أنها ستاتي لذراعين مفتوحتين , واعترافات بالحب والهيام ؟ أم كانت تظن أنها ستأتي لرجل ينتظر ؟ تذكرت أنها ولا مرة تواصلت معه مباشرة , بل كانت الصور التي يتراسلون بها مابين عمها ووالدها حتى توفي عمها فجأة بأزمة قلبية ووري جثمانه الثرى بسرعة بناء على طلبه مما لم يمكن والدها من حضور جنازته هي وسيلة التواصل الوحيدة بينهم , كانت قد تولت الاحتفاظ ببعض الصور التي لم يكن والدها يمانع في احتفاظها بها تظهر عزام بوضوح كامل لها , كما وأنها كانت تحرص أن يرسل والدها لهم أجمل صورها , أين صورها الآن ؟ لا شك أنها عند زوجة عمها , ولربما هي هنا أو هناك مما يدل على انعدام اهتمام أحد بها هي أو والدها . لم يكن هناك غير عبير ابنة خالتها التي كانت تنقل لها بوضوح التطورات المتوالية في حياة عزام حتى أخبرتها بخبر خطبته لرشا , كانت عبير تأتي لأمريكا في فترات متباعدة , وكانت زينب كلما أخبرتها أنها تتمنى العودة للبلد للاستقرار بشكل نهائي تدعو الله أن لا تفعل ذلك لأنها لو فعلت فلن يسمح لها بالسفر لأمريكا لأنها هي العذر والحجة والذي بسببه تسافر إليها . هاهي عبير تعبر أمامها مرتدية فستان أسود بفصوص خفيفة تلمع برقة تحت الأضواء وقد تولت عنها بعد أن نفحتها أكبر وأوسع وأصدق ابتسامة لها وتوجهت ناحية الحديقة والتي يتوزع فيها المدعوون هنا وهناك .
كانت فرقة موسيقية قد اتخذت لها من ركن الصالة الفسيح القريب من البيانو مقر لها تعزف لحنا هادئا عندما توجهت السيدة نظيرة ناحية الفرقة وطلبت منها أن تعزف لحنا معينا ,وبسرعة تناهى إلى سمعها موسيقى أغنية من أحب وأفضل الأغاني إلى قلبها , اعتذرت من ماد يده نحوها يدعوها للرقص دون أن تكلف نفسها عناء النظر بعمق إلى وجهه , بينما فضلت مراقبة الراقصين والراقصات بهدوء حزين , كان عزام ورشا اثنان من أجمل الراقصين , بدأ عزام يوجه رشا وهي في يديه في رشاقة تامة بينا تهيأ لها أنها تدور في يديه كالفراشة , انتهت الأغنية , توجه أحدهم للفرقة وطلب أمرا ما فبدأت الفرقة تعزف نفس الأغنية من جديد , يبدو أن حابي هذه الأغنية كثر , مدت يد نحوها ولما رفعت رأسها لترفض وجب قلبها بقوة لأنها وجدت أن تلك اليد التي مدت لها إنما هي يد عزام , كان ينظر إليها في ثبات وبدون أية بسمة بينما وقفت خطيبته رشا وبجانبها والدته , رشا تنظر بهدوء حاقد والسيدة نظيرة تنظر مبتسمة نحوها بحنان ودفء , فهمت الآن , إن السيدة نظيرة هي التي دفعته وحثته أن يطلب من زينب الرقص ولم تستطع رشا أن تحتج , ولو رفضت لتقدمت منها السيدة نظيرة تقطع عليها رفضها لتكن إرادتها هي الحكم والفيصل , فلم تتعب نفسها إذن ؟ لتبرهن لهم أنها إنسانة عادية لا تعاني من حب أحد , ووقفت واضعة يديها بين يديه فأصابتها حرارة حلوة وصلت إلى قلبها , فسحبها إليه وقربها منه فأحست بموجات من الدفء تحيط بها وتغطيها من كل جانب , نظر إليها بهيام شديد , وبدأ يدور بها , هي انقطعت عن الزمان والناس الذين أحاطوا بالمكان , ولم تع إلا لحقيقة واحدة أنها الآن بين يديه , وهو أخذت نظراته تبحث عن شيء ما في وجهها بضياع , قال لها : لقد بدوت اليوم الأجمل بين كل النساء .
هي : شكرا لك . ولم تزد على ذلك , وشيئا فشيئا كان هو يقربها منه وهي تقرب دون أن تلحظ حتى إذا ما انتهت الأغنية كانت تقريبا ملتصقة به , لم تعتد ذلك أبدا من قبل , وعندما توقفت الموسيقى تماما ابتعدت بسرعة عنه وأسرعت نحو الحجرة التي خصصتها زوجة عمها لإعادة تبرج النساء , ولجتها ووقفت أمام واحدة من مراياها الكثيرة تحدث نفسها بأنها سرعان ما ستغادر وتعود لأمريكا ولن تعود .
زفت تماضر من أعلى الدرج مع أسعد التي بدت أجمل عروس وقعت عيون زينب عليها وأخذت تصورها بهاتفها النقال ابتداءا من أول الدرج حتى وهي ترقص مع أسعد , طلب أسعد زينب للرقص فلم ترفض وكأنها تقدم له تهنئة خاصة من نوع ما بمناسبة روعة زفافه وبعدما انتهت الأغنية عاد أسعد في الأغنية التالية يرقص مع عروسه بينما تقدم عزام منها هذه المرة وحده دون أن تدفعه أمه لفعل ذلك ,لم يعطها وقت لترفض بل عاد يطوقها بذراعيه ويرقص بها دون أية كلمة وهو يصارع شيئا ما يبدو جزء منه واضحا لعين أمه على ملامحه ثم تركها بعد انتهاء الأغنية مرة واحدة وأخذ يتخلص من توتر ما اعتراه بتخليل أصابعه بين خصلات شعره , ثم ولاها ظهره وارتقى الدرج متوجها للأعلى بينما سمع الجميع صوت رشا تناديه بدلال وتملك وتتبعه نحو الأعلى دون مراعاة لأقاويل الناس وهمساتهم .
اليوم الخامس .
هذا اليوم كان عليها أن تشارك الجميع وداع أسعد وتماضر في فناء الفيللا اللذان سيتوجهان للمطار للسفر لماليزيا في رحلة شهر العسل , سيرافقهما عزام ورشا وقد اقترح عليها عزام أن ترافقهما لوداع أسعد وتماضر لكنها أسرعت ترفض بهدوء وحزم , رضخت زوجة عمها بعد أن أبدت قليلا من الاعتراض فقد أرادت لها أن تذهب معهم لوداع ابن عمها لتكون لديها أكبر مخزون من الذكريات تسترجعها هناك في أميركا مما جعل نظرة عزام تطول وتثبت وهو ينتظر ردها لكنها ردت بعزم وهدوء وادعت أنها تشعر بتعب بسيط مما جعلت زوجة عمها تسلم أمرها فقد بات الجميع يلاحظ وهنها وضعفها وطول فترات صمتها وندرة ضحكها , غادر أسعد وتماضر برفقة رشا وعزام اللذان عادا بعد ذلك وهما يتشاجران .
رشا وهي تصرخ : لا والله لست مخطئة , ألا تلاحظ على نفسك ؟ صرت تعتذر بكثرة محتجا بحجج واهية , ألم تلاحظي ذلك نينا ؟
عزام : هذا ماتصوره لك مخيلتك المتعبة , لا بأس لو أجلنا الخروج هذه المرة , لقد مررنا كلنا بفترات تعبنا فيها , الاستعداد للزفاف , السوق , عملي .
رشا : وبالطبع استقبال بنت عمك الغالية .
هنا تدخلت أم عزام : رشا , ماهذا الكلام ؟ لا ينبغي عليك قول هذا .
رشا : بلى علي قول هذا وأنا أشعر بالغيرة تكاد أن تخنق قلبي وأنا أرى ولدك الهمام والذي سأصبح زوجته وهويخص هذه ( وتشير بطرف أطبع يدها اليمنى بقرف نحو زينب ) بنظرات خاصة ,لو لم أكن أعرفه لقلت عنها نظرات عشق وهيام حتى التخمة .
شعرت زينب بالتوتر الشديد , ياليتها رافقتهم لوداع تماضر وأسعد وغادرت معهما من نفس المطار ولكن على أمريكا . ستنسحب الآن , لن تقو على سماع حمقات رشا , وقفت تهم بالمغادرة عندما سمعت عزام يقول : أرجوك يازينب لا تجعليها تستفزك انت الأخرى , والتفت لرشا يقول : لقد سئمت , سئمت منك حقا , لابد لما تفعلنه من نهاية , لا بد له من آخر . وغادر هو المكان , وسرعان ماالتفتت رشا نحوها ونظرت لها نظرة جمعت فيها حقدا لو وزع على كل من في الفيللا كفاهم ليقتل بعضهم بعضا بهذا الحقد ويفني بعضهم بعضا وولتها ظهرها متوجهة ناحية باب الفيللا وغادرت , سمعت المرأتان باب الفيللا يصفق بقوة قتنهدت السيدة نظيرة قائلة : ألم أقل لك إنها تتعبه , وسيتعب أكثر لو لم تظهر له الحقيقة .
شعرت زينب بخوف ما يجتاح قلبها ببطء شديد من كلام السيدة نظيرة , إنها تصر في وجودها على ترديد عبارة أن رشا لا تصلح له وأنها ستتعبه جدا إن تزوج بها .
قالت لها السيدة نظيرة وهي تبتسم : على فكرة حتى الآن لم أريك باقي مرافق الفيللا , قومي معي .
أرادت أن تعتذر لكنها لم تجد نفسها إلا وهي تتبعها بصمت . وقفتا أمام حجرة في نفس الدور , حركت السيدة نظيرة مقبض بابها فوجدتها مغلقة بالمفتاح ,قالت : ها كما توقعت .
زينب : توقعت ماذا ؟
زوجة عمها : أتعرفين ماهذه ؟
زينب : ماهذه ؟
السيدة نظيرة : هذه حجرة الرسم الخاصة بعزام .
زينب : ......................................
السيدة نظيرة : أليس غريب أنها مغلقة وعزام بداخلها ؟
اصابتها الدهشة الحقة , ليس من كون عزام بها , بل لأنها حسبته عندما تعارك من خطيبته قد توجه لحجرته لينفرد بنفسه فعادة المحبين إذا تعاركوا أحب كل واحد أن يختلي بنفسه ليراجع موقفه مع حبيبه ويعتذر المخطئ بعد ذلك .
السيدة نظيرة وقد اقتربت منها وكأنها تفضي إليها بسر رهيب : إنه يرسم بداخلها .
زينب : يرسم ؟ وأي نوع من الرسومات ؟
أم عزام : أشياء كثيرة , وجوه , ومناظر طبيعية , وأشكال مجردة .
زينب : جيد , ما المشكلة إذن ؟
الأم : المشكلة أنه لا يسمح لنا بدخول الحجرة إلا بعد أن يحرص على إخفاء لوحات معينة يحرص على ألا نراها مطلقا .
أصابتها الدهشة التامة الآن فسألت : ولماذا ؟
الم : نحن لا نعرف على وجه التحديد لم يحرص على أن يخفي هذه اللوحات .
زينب : ولكن كيف عرفتم بأمر هذه اللوحات .
الم : واحد من خدم البيت والمتخصص في تنظيف هذه الحجرة أخبرنا بوجود لوحات معينة داخل حجرة صغيرة جدا تشبه المخزن في داخل هذه الحجرة .
زينب : هل رآها ؟
الأم : قال إنه لم يرى مادة تلك اللوحات لكنه رأى اللوحات مقلوبة على ظهرها في ذلك المخزن بعدما نسي ابني عزام غلق ذلك المخزن بالمفتاح لكنه سرعان ما تذكر أنه نسي غلقه بالمفتاح فعاد بسرعة بينما ذلك الخادم مازال ينظف وأغلق المخزن أمام عينه وغادر .
زينب : شيء غريب , لا شك أنه يرسم شيء يريد أن يفاجئكم بروعته عقب الانتهاء منه .
الأم : أو أنه يرسم شيئا يئس منه .
زينب : يئس منه ؟
الأم : نعم , لكن آن الأوان لنكشفه أمام نفسه .
زينب : لا أفهم .
الم : أنا سأخبرك وافعلي ما أقوله لك بالحرف الواحد , اجعلينا نخلصه مما يعانيه .
وجب قلبها للمرة المليون خلال هذه الأيام التي كانت فيها في زيارة بيت عمها ,لقد انهكتها تماما المشاعر التي صارت تجاهد وتغالب نفسها وتصارعها حتى تقتلها بداخلها , بعد الآن لن تعود مطلقا إلى هنا أبدا لا في أفراح بيت عمها ولا في غير ذلك , لقد أخبرتهم أنها ستعود في فرح عزام , لكنها لن تعود أبدا كما سترفض الزواج بجواد . إنها متعبة , يائسة , لاترغب بشيء قدر أن يغيب كل شيء الآن له علاقة بهذه الفترة من حياتها عن ذهنها .عليها الآن أن تنفذ للسيدة نظيرة ما أمرتها به .
من حجرتها وضعت هاتفها النقال على أذنيها بعد أن طلبت رقم عزام فجاءها صوته مضطرب مليء بالعاطفة وكأنه كان في صراع تجاه شيء ما : نعم . يبدو أنه لم يكلف نفسه عناء النظر للرقم المتصل , قالت بصوت شعرت به مضطرب بدوره : عزام هذه أنا زينب أرجو أن تحضر لهنا لحجرتي في شيء هام .
سارع يقوم : سأحضر حالا وتوجه مندفعا من مرسمه وغادره دون أن يحرص هذه المرة أن يغلقه بالمفتاح وسارع يصعد الدرج فأسرعت أمه ودخلت الحجرة ونظرت ناحية كرسيه فوجدت لوحة كان يرسم فيها لأن رائحة الألوان الزيتية مازالت قوية بينما وجه زينب بداكامل الاستدارة فيها تحيط به خصلات من شعرها البندقي الشوكلاتي تظهر فيه تلك الخصلة القرمزية المميزة وهي تنظر نظرة عميقة باسمة , الصورة يبدو عليها أنها صورة عمل بها قديما وهو يعاود تكملتها الآن وعلى الطاولة التي عن يمينه كانت الورقة الأولى من الدفتر المفتوح مكتوب عليها موضوع عنوانه ( كان لا بد أن نلتقي ) قرأت فيه : كان لابد أن ألتقيها مرة ثانية لأعرف هل ماكنت أشعر بها تجاهها حقيقة أم محض خيال , إنني أعتب عليها بشدة لأنها ولا مرة فكرت أن تتصل بنا لا برسالة أو حتى بالهاتف , لا ألومها فلا بد أن حياة المدنية الأمريكية قد أخذتها بالكامل , لا تلوموني فلقد كنت أحسب أني قد نسيتها , لكني لم أفلح في اقناع نفسي بذلك , هي في ذهني الطفلة الأكثر جمالا على وجه الأرض , ومن خلال الصور التي كانت تصلنا من عمي لهما هي المرأة الأكثر أنوثة من بين كل النساء اللواتي عرفتهن , أحبها , لا أنا لا أحبها بل أنا أعشقها حتى التعب , لكنني ولفترة طويلة أفلحت في تناسي حبها , أفلحت في إدعاء نسيانها , لطالما أفرحت نفسي بهذه الادعاءات حتى ذلك اليوم الذي عادت فيه حيث عاد حبها للحياة في قلبي من جديد , تبا للحب لا يعرف حدود الزمان أو المكان , لا يعرف إلا أن يظهر نفسه وبقوة في نظرات العيون وفي نهايات الجمل وبداياتها بل ومحتواها كله , كنت أخشى ما أخشاه أن تلحظ رشا خطيبتي عظم حبي لزينب ابنة عمي فتقدم على أذيتها فلطالما آذتني أنا وأنا أحاول إرضاء عجرفتها وغرورها بكل الطرق فما بال هذه الفتاة التي لن تقو على مواجهة غرورها وصلفها وهذا مااتضح لي يوم ذلك الشجار المقيت, لقد كانت نفسي تغالبني للسفر إليها قبل الآن في أمريكا لولا أنني تمنعني أمور عدة تظهر لي تباعا أمر إثر آخر حتى فاجاءتني هي بالقدوم , أفلحت عدة مرات في تأجيل موعد زفافي من رشا المرأة التي أتعبتني بشدة , لكنني الآن أشعر باليأس الكامل الذي يجعلني أرمي بنفسي في أحضان أمرأة بينما أنا أذوب عشقا لامرأة أخرى , لقد خطر على بالي ألف مرة خاطر أن أبوح لابنة عمي بحبي لها , ابنة عمي الرقيقة الصغيرة ذات الضفيرتين الطويلتين المستطيلتين زينب , لطالما شاكستها , لطالما جريت خلفها لأشد لها ضفيرتيها , لطالما كنت أسابق نفسي لأحظى بفرح دفعها للهواء عاليا على أرجوحتنا القديمة , لطالما كنت أجعل أسعد يشاكسها لتستنجد بي فأنتشي أنا فرحا لذلك , ما كان عليها أن تعود , وما كان علي أن أحبها , لكن الحب هو الشعور الوحيد الذي يفرض وجوده على قلبك حتى وأنت كاره , إنني ....
لم تكمل بل رفعت رأسها تنظر إلى كل من عزام وزينب اللذان دخلا من باب الحجرة معا وأخذا ينظران إليها في هدوء ورفعت الدفتر الذي فيه هذه الرسالة لأعلى فاستطاعت عينا زينب أن تلتطق العنوان ( كان لا بد أن نلتقي ) ثم تحولت عيناها تجاه اللوحة التي احتل وجهها كل أجزاءها , دفعت الأم نفسها نحو الغرفة الصغيرة التي وجدت بابها غير مقفل بالمفتاح كذلك وفتحتها حيث وجدت عشرات اللوحات على ظهرها فسحبت إحداها وقلبتها لتجد صورة زينب , والثانية صورة زينب , والثالثة صورة ثالثة لزينب , يبدو أن كل تلك الصور لزينب , نظرت ناحيته وهو يقف على الباب ومن وراءه زينب التي تجمد وجهها تماما دفعته بعيدا عنها وهي تجر واحدة من لوحاته لخارج الحجرة الصغيرة ووقفت أمام زينب وقلبت وجه اللوحة إليها وقالت : لقد حان موعد اللقاء لتعرفا أنكما تحبان بعضكما البعض بالقدر الذي يجعلك بعد الآن لا تخشى والد رشا , إعلن للجميع حبك , أعرفك يابني شجاع , فلتكن شجاعا لآن .
اليوم الأخير .
هذا اليوم هو اليوم الأخير لزينب كآنسة وهو اليوم الأول لها كحرم السيد عزام حيث وقف والدها إلى جوارها ينتظر منها أن تنهي تقبيل زوجة عمها لأنها ستتوجه مع عزام زوجها للمطار لتلحق بأسعد وتماضر في رحلة شهر كامل لعسل أحلى من العسل وبعد أن قبلت خد زوجة عمها التفتت ناحية عزام الذي لف حول عنقها عقدا ذهبيا منقوش عليه : وحان اللقاء .

انتهت / بقلمي / الفضاء الواسع .

 
 

 

عرض البوم صور مفك العدة   رد مع اقتباس

إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
اللقاء, وجان
facebook




جديد مواضيع قسم القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 02:21 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية