المنتدى :
الخواطر والكلام العذب
بعد العشاء.. عن منيرة المهدية والفلسفة والتماثل
بعد العشاء..
عن منيرة المهدية والفلسفة والتماثل
كان المساء هادئا وآسرا على أنغام أغنية "بعد العشاء" لمنيرة المهدية..
- غريب !
- وما وجه الغرابة؟
- أن يستمع شاب مثلك لأغنية مثل هذه؟
- آه.. إنك لا تستطيع النفاذ إلى عمق أغاني البدايات.. الدفء والأداء الجيد المسترسل الغير المستعجل وإتقان مخارج الحروف واللحن الذي يقبع في الخلفية..
- اسمع إني لا أسعى لعقد موازنة بين غناء الأمس وغناء اليوم.. كما سعى لذلك طه حسين في موازنته بين أدب الصيف وأدب الشتاء..
- مختصر القول.. أحسني كائنا قديما (وعندنا في المغرب يقولون: فلان قديم وغشيم).. نعم أنا قديم على خلاف العالم المُحدَث.. وربما كنت غشيما..
- دعك من الفلسفة والحديث عن قدم العالم أو حدوثه والصفات الأزلية والسرمدية.. وما إلى ذلك مما شبعت منه في دراستي..
- آه إنك فيلسوف إذن.. وهل كانه المعري.. اعلم حفظك الله ورعاك أن الفرق ظاهر بين أن تكون فيلسوفا أي أن تكون لك أفكار مفصلة عن قضايا الوجود والمعرفة والجمال.. وبين القول بمجرد تأملات هنا وهناك من دون صدور ذلك عن تصور فلسفي عميق كما هو شأن المعري؟
- آه أفحمتني.. لنعد إلى منيرة المهدية.. ما خطبها؟
- نعم.. طيب.. إن أغانيها على الأقل تبدو كأنها تبحث عن نور في ظل.. الظل مصدر إلهامي.. كما هو عند اليابانيين.. أكره الإضاءة الكثيرة.. إنها تؤذي بؤبؤ عيني حيث أخبرني طبيبي الخاص بأنه لا يغلق كله لذلك أشعر بالدوار كلما زادت درجة النور عن المعدل..
- آه قل إنك صاحب ليل.. خفاش أعني.. نعم أحب الليل بل أصدقك القول أنني كنت أعشقه عندما كنت في فجر شبابي.. أما الآن فما زالت بعض الآثار من ذلك العشق في حياتي..
- مثل ماذا؟
- بعد الغداء أتمدد في غرفتي المضاءة قليلا على أنغام الطرب الأندلسي ونوباته: غريبة الحسين، انصراف قدام الماية، عراق العجم.. وغيرها من زمان الوصل بالأندلس..
- يقال إن هذه الموسيقى تقوم على فوضى منظمة.. تُعزف آلات جمة لتلتقي نوتاتها في تناسق عجيب.. في حين تقوم نظيرتها السمفونية على الصراع..
- ربما.. فالأندلسية تمتح من حضارتنا.. ومن قواعدها التوحيد والتماثل والإيمان.. على نقيض السمفونية التي تهتبل بصراع الآلهة والتناقض والقتال..
- التماثل تعجبني هذه الكلمة كثيرا.. إنها سرّنا نحن المسلمين.. سرنا الكبير بل شفرتنا التي تفضل شفرة دافنشي بكثير.. أنظر إلى المقرنصات التي تجدها فوق أبواب المساجد.. تلفيها مسلسلة يشد بعضها بعضا وفي المركز تجد تشكيلا يريحك كثيرا.. لو لم يكن لشعرت بخلل ما.. التماثل في كل شيء.. حتى في ذواتنا.. ما يوجد على اليمين في الغالب يوجد على اليسار.. وفي الشعر العمودي والعمارة والفن..
- لقد استطردت كثيرا ونأت بك صروف الدهر عن مقصدنا..
- وما ذاك؟
- بعد العشاء لمنيرة المهدية..
السبت 26 غشت 2006
8:30 مساء
|