كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
1-تعود كوري لاتيمر الى البيت لتجد والدها غارقا في أحلامه المحطمة ، هناك رحلة إستطلاع الى الصحراء قد يكون فيها خلاصه ، ولكن من المستحيل عليه أن يشارك فيها لأسباب تتعلق بالماضي.
كانت الأمطار تهطل بغزارة عندما اوقفت كوري سيارتها داخل المرآب وهرولت مسرعة نحو منزلها الذي تظلله أشجار جبل نييل ، وبدا الضباب المنتشر فوق القمة وبين المنحدرات كثيفا ، أبيض ، متموّجا، وترامى البحر في البعيد كتلة رمادية ترغي وتزبد بغضب هائل ، شعرت كوري أن الطقس قاتم ومكفهر مثل مزاجها تماما ، وهي تبحث في حقيبتها عن مفاتيح المنزل ، وما أن أصبحت في الداخل حتى غمرتها سعادة بالغة ، وقع نظرها على أبريق الشاي في المطبخ ، يتصاعد منه بخار ساخن ، فعرفت أن والدها سبقها الى المنزل.... والدها الذي لا يزال يتمتع بكامل نشاطه الإجتماعي وحيويته الفكرية ، رغم تقدّمه في السن ، وتقاعده عن العمل .
دخلت كوري غرفة الجلوس ن وهي تمسح بيدها قطرات المطر التي بللت شعرها ، وهتفت:
" متى عدت الى المنزل؟".
قال وعيناه مسمّرتان على مجلة يطالعها.
" منذ نصف ساعة".
فأردفت :
" الحمد لله على عودتك الآن ، إذ أن الضباب يكاد يعمي الأبصار ، ولم يكن من السهل علي قيادة السيارة في هذا الطقس! ".
وتمتم والدها ، جون لاتيمر ، دون أن يرفع رأسه عن مجلته:
" اف لهذا الطقس !".
أثار تصرّفه البارد دهشة كوري ، وهو الذي كان ينتظر عودتها بشوق ابوي ولهفة واضحة ، راحت تتمعن في ملامحه مستغربة ، حائرة ، وهي تراه غارقا في تفكير عميق ، فإستفسرت:
" هل تقرأ مقالا ممتعا؟".
رفع راسه اخيرا وقال بصوت هادىء مليء بالحنان:
" نعم ، إنه مقال ممتع ، إن فريزر ملوري ينوي القيام برحلة إستطلاع الى الصحراء".
وسألته:
" هل تعني صحراء كلهاري؟".
" بل بقعة قريبة منها ، إنظري هذه الخريطة هنا...".
تقدمت منه والقت نظرة على المجلة ، كانت الخريطة صغيرة ولكن واضحة ، تبرز مساحة من الأرض تقع في الجزء الجنوبي الغربي من افريقيا ، وهي مساحة شاسعة خالية لا إسم لها ، هذه هي صحراء كلهاري ، وكان اصبع لاتيمر يشير الى جزء ملون محاذ للصحراء.
وضعت كوري يدها بلطف على كتف والدها ، وخيل اليها أن الخريطة لا تعني أي شيء للشخص العادي ، أما هي فتعرف كل شيء عن هذه الصحراء التي نشأت على أرضها وقرات عنها القصص الشيّقة ، ولطالما سمعت عن تلك الرسوم الصخرية ، والرحلات الطويلة المضنية ووحشة العزلة تخالطها مشاعر الإكتشاف والريادة ، لقد فهمت تماما معنى هذا المقال بالنسبة الى والدها فسالته بصوت ناعم:
" هل وصلتك أخبار هذه الرحلة من قبل؟".
أجاب بصوت حزين:
" إن عمري لا يسمح لي بالإطلاع على مثل هذه الأمور او المشاركة في تنفيذها".
لم يسبق له ان أبدى إهتماما بمسائل كهذه ، إذ أن حياة جون لاتيمر كانت حافلة بالنشاط والإنجازات ، ولطالما إشترك في عدد لا يحصى من رحلات الإستطلاع ، بالإضافة الى المقالات التي نشرها عنها ، وإكتسابه بعض الشهرة ، لكن كوري ادركت مدى شعوره بالأسى لإخفاقه في مجال واحد ، فتابعت اسئلتها:
" انت لا تزال تفكر في تلك الرسوم الصخرية ، اليس كذلك؟".
قال وهو يحدق في عينيها:
" نعم ، إنها هناك يا كوري ، في تلك البقعة المجاورة لصحراء كلهاري".
صمتت لحظات معدودة ، تتمعن في وجهه المرهق الذي دبّ فيه الحماس فجأة ، فعادت بها الذاكرة الى ايام طفولتها:
" تبدو عليك علامات الثقة التامة ! ".
" انا واثق من وجودها هناك ( قال بنبرة حادة ) مع أنني لم ارها بعيني".
" وتتمنّى الحصول على صور فوتوغرافية لهذه الرسوم؟".
فكر لحظة ، ثم إنطلق بلهفة:
" إن الحصول عليها يمنح كتابي شكله النهائي ، إنها كل ما كنت أحتاج اليه طوال هذه المدة ، يا كوري ، إذ انها تضع اللمسات الأخيرة على كل ابحاثي ، المخطوطة باتت جاهزة منذ أشهر ، ومع ذلك كنت دائما أشعر بوجود نقص ما ، بوجود رسوم الحيوانات الصخرية هذه ، وان...".
" وإن فريزر ملوري ( قاطعته بهدوء ) سوف يقوم برحلة الى الصحراء".
أجابها مطرقا براسه:
" إنها سخرية الأقدار ، أليس كذلك؟".
قالت كوري بحذر:
" كلا ، لنفترض ان المجال مفتوح امامنا لتحويل هذه الرحلة لصالحنا".
عضّ والدها على شفتيه قائلا:
" هذا مستحيل ، حتى لو لم يكن عمري ضدي ، فإنني آخر رجل يفكر فيه فريزر لضمّه الى مجموعته".
لمست في صوته نبرات تدل على ذلك العداء القديم ، وإستعادت كوري كل ما سمعته عن تلك الرحلة التي نظّمها والدها مع فريزر ملوري ، قاما بتلك الرحلة منذ أكثر من عشر سنوات ، عندما كانت لم تبلغ الثانية عشرة ، ولذلك لم تعد تذكر تفاصيلها كما رواها والدها ، تذكرت بعض المماحكات الكلامية حول الرسوم الصخرية ، كان طموح والدها الأساسي ، حتى في ذلك الوقت ، دراسة الرسوم وتدوينها".
وكانا على وشك العثور على الرسوم ، أوهكذا ظن والدها ، عندما بدات الأحوال الجوّية تزداد سوءا ، مما أدّى الى إصدار فريزر ملوري على مغادرة الصحراء بأقصى سرعة ، ابدى والدها إعتراضه ، وحاول قدر المستطاع تأجيل هذا القرار ، لكن فريزر تمسك برأيه وإتخذ الخلاف الذي أعقب ذلك طابع العنف ، الى درجة أشد مما كانت تتصوره أنذاك ، وخرج فريزر ملوري منتصرا.
|