كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
بدأ التوتر بالتضاؤل وهي تحث الخطى الى الأمام ، كانت الشمس تطل من وراء الفق متمهلة في صب حرها الحارق ، ولاحت في البعيد صفوف من التلال الواطئة ترفل في ضباب شفاف ، وإنتشرت هنا وهناك اشجار غليظة الجذوع ، مجوقة على نحو يشكل مأوى طبيعيا ، أسفت لعدم جلبها آلة التصوير ، إذ كانت ستلتقط صورا رائعة تحتفظ بها لنفسها ، وتدخل روعتها بعض البهجة على قلب والدها الحزين.
ومتى سترى الرسوم الصخرية؟ تساءلت كوري ، حتى الآن لم تجد شيئا ينبىء بوجودها ، ساورتها الآمال بالعودة من الصحراء متابطة الصور التي حلم بها والدها ، ستكون مواجهة والدها محرجة وأليمة بدون هذه الصور.
خامرها شعور أن أحدا يتعقبها ، لم تسمع وقع أقدام إذ ان سماكة الرمل كفيلة بإخماد أي صوت.
طرق أذنيها حفيف العشب الجاف ، وإنقصاف غصن يابس ، فتأكدت كوري انها ليست وحيدة كما كانت تظن ، أهو حيوان ام إنسان؟ ترددت في الإلتفات الى الوراء ، وفي ظنها ان حركة كهذه قد تؤدي الى هجوم مفاجىء.
حثتها غريزتها على الركض بأقصى سرعة ، لكنها أجبرت نفسها على السير ببطء شديد ، كانت اعصابها كالوتر المشدود ، تصارع هلعها بإرادة تلقائية إكتسبتها من مهنتها ، لقد إبتعدت كثيرا عن المخيم وعليها ان تقفل عائدة وعبر طريق جديد ، أكثر أمانا.
إنقصف غصن شجرة ، فإنتفضت مذعورة ، وإمتدت يدهاالى شفتيها تطبق عليهما وتكبت صرخة الهلع ، إستدارت تلقائيا، تبحث عن شبح يحوم حولها.
كان بويد يقف على بعد خطوات منها ، نظرت اليه شاعرة ببعض الإرتياح ، لم يخطر ببالها أنها ستبتهج يوما برؤية هذا الوجه المتورد الوجنات ، لكنها في تلك اللحظات كادت تعانقه وتحمد الله على وجوده قربها .
إختنقت الكلمات في حنجرتها:
" أنت؟ بويد.... إعتقدت ...".
فإبتسم قائلا:
" ماذا إعتقدت ؟".
تبخر إبتهاجها العفوي وهي تتمعن في عينيه الجاحظتين :
" إعتقدت أن أحدا يتعقبني ، ولم اكن مخطئة ، ما الذي أتى بك الى هنا؟".
" هل يحتاج الأمر الى شرح يا كوري؟".
بلعت ريقها ، تحاول تغيير مجرى الحديث:
" يا له من يوم جميل ، أظن انك رغبت في التنزه قليلا ".
خنق قهقهته وهو يقول:
" رغبت في أكثر من نزهة يا ملاكي الطاهر ، ولكن انت تعرفين هذا طبعا".
" لا افهم معنى كلامك".
إستبد بها الخوف وهي تفكر بالمسافة التي تفصلها عن المخيم ، تراقص بريق خبيث في مقلتيه وإستطرد:
" إن البراءة لا تلائمك ، ما أن تركت أريك هوغن حتى وقعت في احضان فريزر ".
قالت بإصرار :
" انا عائدة الى المخيم".
وبدا جسمه الضخم سدا منيعا ، يلغي امامها كل المنافذ ، فألحت عليه:
" دعني أمر يا بويد".
إبتسم :
" كفي عن التمثيل".
وتراءى لها أن هذا الرجل الضخم خفيف الحركة ، سريعها ، وما ان حاولت التقدم حتى امسك بها وشدّها نحوه ، فأطلقت كوري صرخة الم وهو يغرز اصابعه القوية في لحم ذراعها الطري ، قاتلته بعنف وضراوة ، لكن دون جدوى ، طوّقها بذراعيه بقوة حيوانية خانقة فكاد يغمى عليها ، ثم رفع راسه ليتنشق بعض الهواء:
" ما هذه المقاومة ؟ هل تفضلين فريزر علي ؟".
وإنتهزت كوري الفرصة لتلطمه على وجهه بجماع قبضتها ، فأصابت أنفه ، ورأت الشرر يتطاير من عينيه وهو يصيح :
" ستندمين على وقاحتك ايتها الشريرة".
ورماها ارضا وهي ترتجف ذعرا ، إنه ينوي إخضاعها عنوة ، ماذا تفعل ؟ هل تقاومه ؟ وكيف؟.
وتصاعدت من اعماقها صيحة مولولة حادة:
" فريزر... فريزر اين انت؟".
ولكن لا حياة لمن تنادي ، ها هو ينحني فوقها ، رفسته بجزمتها ، فلم يرتدع ، بل إزداد إصرارا وهياجا ، وأخذ يمزق ثيابها ، إستجمعت قواها لتعضه عضة موجعة ، فكشف عن أنياب حادة ، ثم رأته يفغر فاه دهشة ، وهو يرفع بصره الى أعلى.
كان مارك يقف فوقها ، يمسك بيديه شعر بويد ، ويشده نحوه ، وقرأت في وجه مارك ، رغم محنتها ، بحرا متلاطما من الغضب .
إنتصب بويد واقفا ، وزمجر:
" ماذا تفعل يا مارك ؟ هل تريد الإستئثار بكوري؟".
هدده مارك بقبضته صارخا:
" لعنك الله كم أنت بذيء".
وتشابكا بالأيدي قبل ان تتمكن كوري من التدخل ، راح كل منهما يلطم الآخر ويضربه بكل ما أوتي من قوة ، خافت على مارك الهادىء اللطيف ان يسحقه بويد سحقا بفظاظته وجلافته .
لكنها فوجئت بمقاومة مارك ، وصموده أمام اللكمات المتواصلة ، بدا غضبه العارم دافعا صلبا يضارع وزن بويد الثقيل وقوته القاهرة ، مع ذلك لم تطمئن كوري الى النتيجة ، إن بويد سينتصر في النهاية ، وتلك مصيبة فادحة لن تسمح بوقوعها ، راحت تبحث كالمجنونة عن حجر ، أوغصن شجرة لتضرب بويد ضربة محكمة.
لم يفطن أحد الى إقتراب الرجل الثالث ، عمد بسهولة متناهية الى الفصل بين الرجلين وتراجع مارك الى الوراء يلهث أعياء ، وحاول بويد الإنفلات ليشن هجوما جديدا ، غير أن قبضة حديدية سمرته في مكانه.
تنفست كوري الصعداء ، وهي لا تكاد تصدق عينيها ، تجمدت لا تدري حقيقة وضعها وقد راح فريزر يرمقها شزرا وإزدراء ، ثم حوّل فريزر إنتباهه الى الرجلين ، معلنا بصوت صارم جازم:
" لن أسمح بهذه الترهات مرة ثانية".
رد عليها مارك بعد أن هدأ روعه قليلا :
" إنك لا تفهم حقيقة ما جرى ".
فحدّق فريزر في وجه كوري بإحتقار مميت:
" إني افهم اكثر مما تتصورين ".
وهتف بويد مغتاظا:
" اريد القضاء عليه ، لا يمكنني السكوت بعد أن إعتدى علي ".
تابع فريزر بحدة:
" أنت تعرفين سبب إعتدائه ، لا أريد اعذارا واهية ، إننا فريق عمل موحد وعلينا العيش سوية ، إن شجارا كهذا يسيء الى معنويات الرجال ككل".
عقّب مارك موافقا:
" إن فريزر على حق".
فإزداد بويد عنادا :
" ليذهب بحقه الى الجحيم".
كرّر فريزر أوامره بثقة القائد :
" أريد أن تتصافحا مصافحة الرجال ، ولنضع حدا لهذه المهزلة".
هز بويد راسه متجاهلا يد مارك الممتدة لمصافحته وقال رافضا:
" لا... لن أصافحه".
الحّ فريزر :
" صافحه الآن ".
بدا بويد أقل ثقة بنفسه ، وأدرك في قرارة نفسه أن عناده لن يفيده امام إصرار فريزر وأوامره الحاسمة ، ورأته كوري يلوي فمه بإمتعاض ، ثم يستسلم للأمر الواقع معلنا :
" حسنا ، ولكن وجود إمرأة معنا كان لا سبيل الى إنكاره".
إستدار فريزر نحو كوري :
" كلنا نوافق على رأيك ( وأشار بيده) لنتوجه الآن الى المخيم".
" افضّل العودة بمفردي".
تعمدت كوري إعلان تمردها على فريزر وعنجهيته بعد أن زال الخطر عنها ، وطوّق ذراعها بقبضة محكمة:
" إن ما تفضلينه لا يعني شيئا بالنسبة الي ، سأراكما وقت الغداء يا مارك وبويد".
|