كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
تبدلت لهجته
" كوني حذرة يا كوري".
وعدته ، مدركة معنى عبارته:
" سأكون حذرة كل الحذر ".
وإستطرد:
" إن فريزر قائد جيد ، ولكنه صعب المراس أيضا ، ستتعرضين لمتاعب كثيرة إذا ما وقعت في غرامه".
لمست كوري مدى أسى مارك وإنزعاجه ، وضعت يدها بلطف على ذراعه ، وقالت مبتسمة :
" لا تقلق علي ، لا مبرر لقلقك إطلاقا".
ون صوت فريزر يناديها :
" كوري".
فإستدارت قائلة:
" نعم؟".
" أريد منك إنجاز بعض الأمور المستعجلة".
وردت :
" سمعا وطاعة".
إختارت كلماتها بدقة ، وتمعن ، لمحت في وجه فريزر جمودا رهيبا ، كانت عيناه مسمرتين على يدها تلامس ذراع مارك ، واساء فهم دوافعها ، مع ذلك، شعرت بغبطة خفية ، لا بأس من إكتوار فريزر ببعض الغيرة ، ربما كانت هذه نقطة ضعفه ، شمخت بانفها ، وإرتات إثارته أكثر:
" لينظف الصحون احد سواي".
مع ذلك نجح في إلهائها بشؤون اخرى ، قضت معه أكثر من ساع يبحثان شجون التصوير والمهمات المترتبة عليها ، كرهت في البداية طريقته الفظة في إصدار الأوامر ، ولكنها تناست حنقها وهي تزداد إنهماكا في عملها الشيق.
قال فريزر وهما في طريق العودة الى المخيم:
" ألم أحذرك من العبث مع الرجال؟".
عرفت كوري ما الذي يشغل باله ، إنه سينحو عليها باللائمة في كل ما تفعله ، إذن ، لا فائدة من إطلاعه على الحقيقة حول ذلك المشهد الذي رآه بام عينه.
إبتسمت مستفسرة :
" أنت تغار من مارك؟".
عض شفتيه إمتعاضا ، وبقبضة صلدة طوّق معصمها:
" يا لك من إمراة شريرة ".
واظبت على إغاظته :
" أنت تتهرب من الإجابة على سؤالي".
فرد بإزدراء :
" تعرفين جوابي ، لماذا أغار؟ أنت لا تختلفين عن أية إمرأة أخرى".
كان غروره لا يطاق ، ولكنها اصرت على رايها :
" أنت غيور".
ضغط باصابعه على معصمها:
" إن ذوقي ارقى مما تتصورين ، ولا أجد مبررا لتبديد وقتي على عذراء مثلك ".
إنه لا يكف عن إهانتها ، قالت بصوت خفيض:
" ليتني بقيت في المنزل ولم أشاهد وجهك في حياتي".
قال يزيد نيران غيظها وقلقها إضطراما:
" إن رأيك مشابه لرأيي ، احذرك ثانية يا كوري ، إياك وإثارة المتاعب بين افراد البعثة".
احست بضعفها وأنوثتها الغضّة في آن معا :
" لم أفعل شيئا غير لائق مع مارك أقسم لك".
اجابها بصوت مخيف :
" هذا هو رأيك ، ولكن يجب أن تعلمي أن مارك على وشك الوقوع في غرامك".
صاحت مستنكرة ، وهي تدرك في قرارة نفسها صدق كلمات فريزر:
" هذا هراء ، إن مارك مجرد صديق ودود".
وإسترسل:
" طبعا ، غير ان صداقة كهذه مليئة بالأخطار ، ولن يدرك ذلك إلا بعد فوات الأوان".
وقالت بعفوية :
" وهذا ما يوجد بيني وبينك أليس كذلك؟ مجرد صداقة ".
أجاب بتمهل:
" إن الأمور تحت سيطرتي المباشرة ، ولذلك لا خطر علي ، أستطيع البقاء معك أو التخلي عنك ساعة أشاء".
ادركت ان الإعتصام بالصمت خير وسيلة تتبعها مع هذا الرجل المتعجرف، ولكن كلماته الأخيرة افقدتها صوابها ، فقالت متحدية:
" ألست من لحم ودم مثل الآخرين؟".
طوّقها بذراعيه القويتين ، وشدها اليه بهصرها هصرا ، هل يريد عناقها أم إيذاءها ؟ وكادت تصرخ ألما عندما دفعها بعيدا عنه ، فسقطت أرضا ترتعد من الخوف ، نظر اليها بإزدراء قاتل ، تضج في صدره غرائز سافلة ، وفي عينيه بركان مزمجر ، نهضت تهمس بدعة:
" لماذا فعلت ذلك؟".
فقال بصوت أجش:
" لثبت لك انني من دم ولحم كأي رجل آخر ، ولكنني استطيع السيطرة على نفسي عندما يحلو لي ، أما أنت فلا تملكين إرادة أو أي شيء ، إنك اسيرة غرائزك".
إنفجرت غضبا:
" يا لك من وحش ضار ".
وبدأت تبتعد عنه حائرة ، مضطربة الأعصاب ، إنها انثى جميلة القوام والوجه ، تعيش بين مجموعة من الرجال وسط صحراء مقفرة ، ومن الطبيعي ان تلفت الإنتباه ، وتخلق اجواء غير طبيعية ، ماذا تفعل ؟ لم تجد جوابا شافيا ، كل ما تريده الآن تجنّب فريزر ملوري وكل ما يمثله من غرور ، ورجولة وجاذبية ، إنه يكاد يدمر طمأنينة نفسها التي لم تفقدها في كل مراحل حياتها.
لم تنبس ببنت شفة وهي تتابع سيرها ، وحتى عندما سمعته يحذرها مجددا من مغبة التورط مع مارك.
تنفست كوري الصعداء عندما تركها فريزر وشأنها ذلك اليوم ، وشغلت نفسها بعد الغداء مع بعض الرجال ، متلكئة في إلتقاط الصور الى ان رأت الشمس تتوارى وراء الأفق ، وأخذ الجميع يستعد لإستقبال الليل.
فقد ظلام الصحراء سحره ، خالت النجوم المتناثرة في الفضاء الشاسع باهتة ، تبعث على الرهبة والحزن ، حتى زئير الأسد بات قصة عتيقة تدعو الى التثاؤب عوض التيقظ والترقب ، ستنطفىء النار بعد قليل ، ويأوي الرجال الى الفراش ، وستجد نفسها وحيدة في الخيمة مع فريزر ملوري ، ورغم تصميمها على صده ، وعدم السماح له بمسها او التحدث معها ، توجست شرا وسرت في شرايينها قشعريرة مخيفة ، إن مجرد التفكير في فريزر يقلب كل حساباتها ويحوّلها الى ريشة في مهب الريح.
ترى هل ينتظر فريزر تقدم الليل ؟ خاطبت نفسها ، رأته يتحدث مع بيتر ، ولم تتمكن من سماع الحوار ، ولكن بدت عليه إمارات الود والغرتياح ، أدركت انه لا يعير إهتماما لقلقها واوهامها ، فاصيبت بخيبة أمل.
رفع فريزر عينيه وحدّق اليها كأنه أحس بها تراقبه ، وإلتقت نظراتهما برهة عبر السنة النار ، كانت برهة قصيرة خالتها دهرا ، إذ تراءى لها أنه لا يوجد احد سواهما في هذه الصحراء ، تجمّد الدم في عروقها وهي تشيح بوجهها صوب الأفق المظلم.
وتنبهت فجأة الى قرارها السابق ، لتذهب الى الخيمة لتوّها وتأوي الى النوم قبل أن يدركها فريزر ، إن مشاعرها الرقيقة لن تقوى على خوض تجربة مريرة جديدة وربما اشد غرابة.
|