كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
قررت كوري أنها حلّت كل الإشكالات ، وبدات بفتح الباب ، فسمعته يحذرها مرة أخرى:
" دعي رجالي وشأنهم ! إن اية مشكلة تثيرينها بأسلوب النساء المعروف ، ستضطرني لجلدك جلدا موجعا".
وبعينين يتطاير منهما الشرر ردت كوري:
" أنك ستجد متعة في جلدي ، تماما كما إستمتعت بإبراز عضلاتك أمامي ، أليس كذلك؟".
ووافق بهدوء:
" بالضبط ، يسعدني أننا نفهم بعضنا الآن ".
ساد المخيم جوجديد تلك الليلة ، لاحظت كوري هذا الإختلاف منذ ان ترجلت من سيارة الجيب بعد حديثها الطويل مع فريزر ، تبدلت نظراتهم ، وتغيرت أصواتهم ، فكرت كوري ان الرجال اصيبوا بصدمة مفاجئة وهم يكتشفون هويتها على هذا النحو .
إعتقدت أن الأمور ستعود الى مجراها الطبيعي بعد مرور ساعات قليلة ، ما أن تغيب الشمس ويباشرون بشيّ اللحوم فوق ألسنة اللهب حتى تكون قصتها الغريبة في خبر كان.
كم كانت مخطئة ، إزدادت قصتها مع مرور الوقت غرابة وحدّة ، ظل الرجال يتصرفون ظاهريا بأسلوب متّزن وودي ، لكن لم يفتها التحفظ وبعض التكتم ، بعد أن كانوا يطلقون العنان لألسنتهم ، ويتندرون بشتى النكت البذيئة لا يقيّدهم وجود أنثى تعكر صفو أحاديثهم .
لم تعد تبدر عن أي منهم كلمة نابية أو إشارة جارحة ، حملوا اليها طعامها ، وكل ما تحتاج اليه لتناول وجبتها ، ثم تركوها بمفردها وكانها لا تنتمي الى عالمهم.
إنها سحابة صيف عابرة ، خاطبت نفسها ، ما زالوا يعانون من الصدمة ، ويصعب عليهم التكيف معها ، ولا بد لهم أن يتجاوزوا ردة فعلهم الأولى ،
لم تعد تبدر عن أي واحد منهم كلمة نابية أو إشارة جارحة ، حملوا اليها طعامها ، وكل ما تحتاج اليه لتناول وجبتها ، ثم تركوها بمفردها وكأنها لا تنتمي الى عالمهم.
إنها سحابة صيف عابرة ، خاطبت نفسها ، ما زالوا يعانون من الصدمة ، ويصعب عليهم التكيف معها ، ولا بد لهم أن يتجاوزوا ردة فعلهم الأولى ، ويصبح وجودها مسألة طبيعية ، كم ستكون حياتها حرجة وموحشة إذا رفض الرجال قبولها كواحد منهم ؟ تمنت ان يكون صباح الغد التالي عاديا ، وتمر الأزمة بسلامة ، لكنها كانت بالغة التفاؤل.
وحده فريزر ملوري ظل كما هو ، وكان شيئا لم يكن ، ظل يخاطبها بلهجته المعتادة ، مثبتا لها ان آراءه وتصرفاته لا تؤثر فيها انثى خبيثة.
إنها في ورطة حقيقية ، إمرأة وحيدة وسط مجموعة من الرجال في صحراء نائية ، إلتحقت بالرحلة للإبتعاد عن تعقيدات العلاقات العاطفية ، ولا ترغب في تقييد حياتها ثانية ، إن فريزر ملوري لا يدرك مدى تصميمها على التمسك بحريتها ، وحتى مارك مع إعجابها به ، لن تتعجل في التورط معه.
وإرتسمت صورة فريزر في مخيلتها ، بوجهه الأسمر وملامحه الخشنة ، وبكل سطوته وقوة رجولته ، وفجاة سرت في جسمها قشعريرة غريبة ، فكادت تنفجر غيظا ، وإزدادت إلتصاقا بموقد النار.
" هل تشعرين بالبرد؟".
إستدارت كوري ، وصوت مارك يرن في أذنيها ، إبتسمت :
" قليلا".
" يجب أن تلتفّي بسترة الصوف".
" اعرف ، سامضي وأجلبها ".
" لا حاجة لذلك ، خذي سترتي".
وقبل ان تبدي أي إعتراضها ، كان مارك يلف كتفيها بسترة صوفية سميكة ، قالت محتجة:
" لا تتعب نفسك ، من السهل علي جلب سترتي من الخيمة".
ورد بصوت بالغ العذوبة:
" اريدك ان ترتديها".
فكرت كوري قليلا ، قررت عدم المضي في الإعتراض ، إن مارك صديقها الوحيد في المخيم ، لم تشأ جرح مشاعره ، فقالت ممازحة :
" هل كنت تعرض عليّ سترتك ليلة امس؟".
سمعته يشرح بصوت مداعب:
" ليلة أمس كنت كولن ، كنت فتى لطيفا ، ولكن هذا كل شيء ( تابع بجدية) هل صحيح ما قاله لنا فريزر يا كوري؟ انك أتيت للحصول على بعض الصور لوالدك ؟".
" نعم ، هل تدينني من أجل ذلك ؟".
وأجاب بصوت اجش:
" أدينك؟ لا يمكنني إدانتك لأي سبب ( وإنحنى يحضن يدها بين كفيه ) أعتقد انك اشجع فتاة عرفتها ، واشدهن جمالا ".
كان عمل كوري قد اتاح لها الإحتكاك بعدد من الرجال ذوي المسلك الراقي والمظهر الانيق ، ولم يكن اريك اول رجل صادفته ، ولكنه صدف ان حاز على إهتمامها اكثر من الآخرين ، وطالما تغزل بها الرجال ، وتغنوا بجمالها ، ومع ذلك وجدت هذه الكلمات البسيطة التي نطق بها عالم في قلب صحراء افريقية ، أعذب وأرق ما سمعته .
وصوت رقيق دافىء قالت:
" لماذا يا مارك ؟ ما أعذب كلماتك".
" وما هي الكلمات المعسولة التي يهمس بها صاحبنا مارك في اذن سيدة؟".
لم يشعرا ببويد وهو يقترب منهما ، أحست كوري بإشمئزاز وهو ينحني مقرفصا بجانبها ، وخاطبته محاولة تجاهل عبارته:
" مرحبا يا بويد ، كنت ومارك نتبادل أطراف الحديث".
وقال بلهجة مبطنة :
" اعرف ، وأحاديث حميمة على ما يبدو، ما رأيك بنزهة قصيرة يا ملاكي؟".
احست كوري بمارك يحبس انفاسه ترقبا ، فقالت بتمهل:
" لا ، شكرا، تبا للكسل ".
وإزداد بويد وقاحة:
" يا للكسل ! لا باس ، يمكننا التوجه الى الخيمة ".
وصاح مارك بحدة وغضب:
" إخرس يا بويد ، كيف تجرؤ على مخاطبة كوري بهذه اللهجة؟".
قهقه بويد بفظاظة:
" لا تحتد كثيرا يا عزيزي! إن كوري فتاة ناضجة ، وتعرف كيف تتصرف ، ما رايك يا ملاكي الطاهر؟".
إذن لم يطرا أي تغيير على بويد ، فكرت كوري ، لم تصدق فريزر عندما حذّرها منه ، وارادت ان تكلمه ، وتشرح له عدم رغبتها في التورط معه ، ولكن مارك سبقها بقوله:
" لن اسمح لك بمخاطبة إمرأة محترمة بهذا الأسلوب".
وضحك بويد:
" إمرأة محترمة؟ ما هذا الهراء يا مارك؟ إنها إمرأة لعوب تحب أن يشاطرها الرجال خيمتها".
فقد مارك أعصابه:
" إنني أحذرك ، دعها وشانها".
" وماذا ستفعل إذا عصيت أوامرك؟".
وضعت كوري يدها على ذراع مارك تتوسل اليه ليخفف حدة غضبه ، وقد خافت عليه من بويد وقبضته الحديدية.
وانقذ الموقف صوت فريزر وهو يصيح:
" كوري ، بيتر أعد لك طبقا شهيا ، هيا الى هنا".
رفعت بصرها ونظرت اليه ، لم تلمح تعابيره في الظلام ، ولكنها تبينت شموخ رأسه المتغطرس ، وقررت كوري أن فريزر تعمّد التدخل في هذه اللحظة ، ويجب عليها وضع حد لهذه العجرفة ، فأجابت:
" اشكر بيتر عني ، لست جائعة الآن ".
هز فريزر رأسه علامة السخرية ، ثم خاطب بويد:
"هل تسمح بكلمة معك على حدة ؟".
رد بويد بشراسة:
هل تحاول فض المشكلة؟".
" لا أبدا ، اريد مناقشة بعض الشؤون المتعلقة ببحثنا العلمي ( وتابع مؤكدا سلطته )، بويد... اريد أن اراك ".
وهرول بويد وراءه ، لا يلوي على شيء.
إعتذر مارك لكوري من فظاظة بويد ، فقالت:
" لا تهتم، أستطيع تدبر أمري".
وتوجها الى المخيم حيث تحلق الآخرون ينشدون اغنية مسلية.
|