كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
نسي بيار كليا وجود ماكس ثورنتون ، لأنه لم يعد يذكر إسمه بتاتا ، لكن تينا كانت تشعر بفضول قوي لمعرفة أخباره، لكنها لم تتجرأ أن تسأل أحدا عنه وكانت تتساءل بإستمرار أين يسكن ؟ في كالوها ؟ليس في كالوها فندق آخر إلا الذي يملكه بول وفاي ، وبكل تاكيد لا يمكن لماكس أن يعيش في منزل الكابتن روليه ولا في غرفة تينيتو المحل الوحيد في كالوها ، لا شك أنه يقطن في منزل هنري لاتور ، ولكن ، لماذا لم تجده هناك؟ هل يعيش في عزلة مع العجوز هنري ؟ فجأة شعرت بتعاطف عابر إتجاه هنري لاتور ، وماذا بعد ، لماذا كل هذه التساؤلات في شأن ماكس ثورنتون ؟ ربما غادر الجزيرة بعدما القى نظرة سريعة على متلكاته.
بعد ذلك لم تعد تشعر بالفضول في ما يخص هذا الموضوع بالذات ، مرت الأيام والأسابيع والأشهر وهي تنتظر عودة والدها.
كان جون ريمون يكتب قليلا ، لكنه في كل رحلة من رحلته كلن يرسل بطاقة تذكارية ، وذات صباح ، أي بعد شهر كامل من رحيله وصلت رسالة منه من شيكاغو .
وبسرعة فتحت تينا الرسالة بعصبية ، يقول فيها انه سيعود بعد ايام قليلة وأنه لم يبق له سوى زيارة خاطفة الى هونولولو ، وبفرح تابعت تينا قراءة الرسالة ، ولاحظت ان تاريخ الرسالة يعود الى أسبوع وأنه من المفروض ان يكون قد وصل.
وبعد ان إنتهت من القراءة ، ظلت جامدة مذهولة ، تعرفت الى الناحية الجنونية في والدها الفنان ، وفهمت بسرعة عندما إنتهت من قراءة الرسالة .
سالتها العمة ويني:
" ماذا يجري؟".
" لن يعود".
تركت تينا نفسها تسقط في المقعد وعيناها زائغتان في لمعان البحيرة.
" ماذا تعنين ؟".
العمة ويني لا تتمادى في القلق ، وضعت صحن السلطة جانبا وقالت :
" هل تريدين كأسا من عصير الفاكهة؟".
" شكرا".
تناولت تينا الكأس وتابعت تقول:
"يقول في رسالته أنه ألتقى طيدقا له يدعى كارلو جيوردينو ، وهو فنان أميركي مشهور ، لقد جاء الى تاهيتي منذ فترة طويلة ، لا يعجبني كثيرا ، إنه سيد مجتمع أكثر من كونه فنانا أصيلا".
كانت العمة ويني تأكل السلطة في هدوء وقالت:
" اوه ، نعم ، أذكره ، إنه طويل القامة يحب ضرب أصحابه بصورة مفاجئة أو يتلفظ كلام لاذع ، لقد مضى على مجيئه الى هنا أكثر من خمس سنوات".
" سيقوم بزيارة الجزر ، إنه يملك يختا ويقوم بجولة في الباسيفيك ، لقد إقترح على أبي ان ينضم اليه ، وقبل والدي عرضه ليتسنى له مشاهدة المناظر البحرية العديدة".
ومدت اليها الرسالة وقالت:
" إقرأيها بنفسك".
قرات العمة ويني بصمت وقالت:
" كم تبالغين ! ظننت أنه لن يعود أبدا!".
" لكن ، لن يعود قبل أسابيع عديدة".
" سيمر الوقت بسرعة".
نظرت المرأة العجوز الى وجه الفتاة المقطب وقالت:
" من الأ فضل أن تفترقا من وقت الى آخر".
" ألا يكفي ان نفترق شهرا كاملا؟".
" يجب أن تقبلي إستقلالية والدك ، وعليه هو أيضا أن يفهم أن إبنته لم تعد طفلة".
" ماذا تعنين؟ أتريدين القول أنني فتاة تحب التملك؟".
" الظروف جعلتكما متقاربين ، هو فقد زوجته وانت وحيدة من دون أخ أو أخت ، سوف تتزوجين يوما ما ، وقد يتزوج هو ايضا؟ إنه ما زال في ريعان الشباب".
لم تعلّق تينا ، لم تفكر في هذه الأمور من قبل ، ولم تكن تريد إظهار نفعالها .
" ومن سنختار له كزوجة؟".
" ليس هذا هو من إختصاصنا".
كانت العمة ويني تضحك وتقول:
" في كل حال ، ماذا يقول في نهاية الرسالة؟".
" لم اقرأها".
تناولت تينا الرسالة وقرأت في نهايتها ( إذهبي وإسكني عند فاي حتى يحين موعد عودتي ، كل حبي، جان ريمون".
" ولما لا ؟ إنها فكرة جيدة ، وأنا يمكنني الإهتمام بالمحترف في غيابك".
ترددت تينا وقالت:
" اعرف ، لكنني لا أريد ان أزعجك في عمل أنت في غنى عنه ، أقترح إغلاق المحترف ، لم يعد هناك سوى لوحات قليلة معدّة للبيع ، لذلك كنت ىمل أن يعود خلال هذا الأسبوع".
" لا يبدو أنه قلق على هذا".
" إنه سعيد للغاية بهذه الجولة البحرية ، وربما عقد بعض الإتفاقات المتعلقة بالعمل".
حاولت تينا الإبتسام ، فهي تعرف والدها تمام المعرفة.
" إنه في حاجة الى الراحة ليستعد للعمل من جديد".
كانت العمة ويني تضحك ولا تعلّق عل كلامها ، ثم قالت:
" إذهبي لزيارة فاي ، أفضل أن أعرف انك معها ، لقد ارهقت نفسها كثيرا في العامين المنصرمين ، عملت كثيرا مع بول ، وإضافة الى ذلك ، عليها الإهتمام بالتوأمين ، إنني أفضل أن اساعدهما ، لكنني أجد ذلك صعبا ، لا اريد أن ألعب دور الحماة الشرسة !".
ظلت تينا منغمسة في افكارها ، لقد إختارت الفندق شركة الباسفيك الجنوبية ، التي هي أهم شركة سفريات في المنطقة ، لإستقبال السياح والركاب والأغنياء الذين يسعون وراء الترف والغرابة.
سبق لبيا ران لاحظ ان شركة السفريات تبحث عن الجزر النائية وعن طبيعة غير ملوثة ، فيها الحمامات الفخمة ومصممو الشعر والطباخون الماهرون ، وفي كالوها ، عند فاي وبول ، كل هذه الشروط متوفرة ، فضلا عن مجيء أحد النجوم السينمائيين المعروفين للقيام ببعض الحفلات الخاصة وشراء ما يصنع في تاهيتي ، كل هذا يعني مستقبلا مؤمنا لبول وفاي ، إضافة الى مسؤوليات كبيرة.
لم تعد تينا تفكر في محتوى رسالة والدها ، هناك عمل في إنتظارها عند فاي. وبدأت تتخيّل نفسها أمام جدار الفندق المبني من الكلس والمرجان أو في الحدائق المليئة أزهارا وخصوصا الورد الأحمر ، كانت ترى أيضا أشجار النخيل التي تعكس صورتها في ماء البحيرة ، وفي البعيد جمال كالوها والشاطىء الممتد على طول مزروعات الفانيللا...
إنتظرت العمة ويني أن تستعيد تينا وعيها وتعود الى الواقع ، واخيرا قالت تينا :
" سأعلم بيار بالأمر صباح غد".
كان في صوتها إنفعال مفاجىء إنتابها وهي تفكر بأنها ستمضي بعض الأيام في كالوها .
وان الجزيرة تمد اليها ذراعيها...
|