-لا تخافى يا تورى.لقد جئت مسالماً كان صوتاً مألوفاً إلى حد مؤلم . وخطا جزناثان خارجاً من الظلام.حملقت فيه تورى وكأنه شبح:
-أين....؟ كيف....؟
لاحت على شفتيه ابتسامة فيما تألقت عيناه الرماديتين.سترته السوداء وقميصه الناصع البياض أبرزا رجولته الأنيقة.حول نظراته إلى الأزهار المسحوقة ورفع حاجبيه سائلاً:
-ألم تعجبك أزهارى؟
طرفت تورى بجفنيها والدوار يتملكها لوجوده المفاجئ فى الغرفة ثم نظرت إلى الورود المسحوقة.لقد ظنت....لكن هل جوناثان هو من أرسل لها الورود الحمراء؟
قال ممازحاً :
-هل ظننت أننى سأدع أول ليلة تمر دون أن أراها؟
لا الليلة الأولى ولا الثانية ولا الثالثة ولا الأخيرة....لكن جوناثان هان رغم كل شئ.
-هل رأيت المسرحية؟
أستطاعت أخيراً أن تجد صوتها رغم أنه بدا مضطرباً
فأومأ :
جلست فى المقصورة مع والديك
هزت رأسها مقطبة:
-لم أرك !
فضحك بهدوء:
-كنت أرجو ذلك.يجب أن يكون انتباهك كله على المسرح
فى نهاية العرض رفعت بصرها إلى والديها ولم يكن جوناثان معهمافى المقصورة.يبدو أنه قرأ بعض أفكارها إذ قال بصوت رقيق أجش :
-جءت إلى الكواليس بينما كنت تستمتعين بالتصفيق اللذى تستحقينه .أردت أن أقدم لك تهانىّ على أنفراد
ابتلعت ريقها بصعوبة فما زالت أعصابها مضطربة لرؤيته فى أنتظارها وتمتمت:
-كان يجب أن تكون معنا على خشبة المسرح لكى تنحنى أنت أيضاً للجمهور
فهز رأسه وقال بسعادة بالغة:
-إنها ليلتك أنت تورى,والداك مزهوان بك للغاية .أن مخاطرتك فى تغير مهنتك نجحت يا تورى.كنت رائعة!زهرة منسية
أخذت نفساً مرتجفاً وقد شعرت إنها على وشك البكاء مرة أخرى,لم تصدق بعد أنه هنا! وقالت بهدوء:
-وماذا عنك ؟هل سارت معك الأمور على ما يرام؟
كانت مشغولة طوال الأشهر الستة الماضية مما منعها من الأتصال بـ ماديسن وهذا يعنى إنها لم تسمع خبراً عن جوناثان
-أنا.....
-تورى كنت رائعة!
صاحت أمها ووالداها يندفعان إلى الغرفة بحماسة وقد أحضرا معهما ستيفن وعدداً من زملائها.وأنبأتها الضجة فى الخارج أن الأحتفال ابتدأ
عانقت تورى أمها ثم أباها وعيناها على جوناثان خشيت أن يخرج الآن من دون أمال الحديث
وعندما رأت جوناثان يتوجه إى الباب أمسكت بذراع ستيفن :
-ستيفن هذا ملحن أغانينا
وأومأت إلى جوناثان ثم قالت بلهفة :
-أظن انه يجب أن يبقى ويشارك فى الحفل ألا تظن ذلك؟
وكان جوناثان واقفاً عند العتبة الان مستعداً للخروج
-بكل تأكيد
وأفق ستيفن على ذلك متفهماً وهو يسر نحو باب الشاب. لم تر تورى ما حدث بعد ذلك فالدقائق القليلة التى حملت لها الهدوء والسلام قد أنتهت.وأمتلأت الغرفة بالمزيد من الممثلين المغتبطين فحجبوا الباب عن الرؤية
أختفى جوناثان كما أختفى ستيفن أيضاً لذا فضلت أن تكون إيجابيه فى تفكيرها . من غير الممكن أن يقطع جوناثان كل هذه المسافة ليختفى مرة أخرى قبل أن يتسر لهما أن يتحدثا أكثر!
أعلنت بحزم بعد لحظات الأبتهاج :
-حان وقت تغير ملابسنا
وتحول أهتمامها بـ جوناثان إلى قلق بعد أن مرت الدقائق من دون أثر له.
لم تدرك إلا بعد أن أصبحت وحدها مرة أخرى أن الماكياج الذى يظهرها فى دور ماريون العجوز ما زال على وجهها.ماريون المريضة حتى الموت!
ما الذى فكر فيه جوناثان؟وتأوهت فى داخلها.كانت مجرد امرأة عجوز فلا عجب أن يهرب منها جوناثان بهذه السرعة!
مدت يدها تلمس إحدى الورود التى أرسالها جوناثان....تلك الورود المسحوقة كما ذكرت نفسها بحزن.كانت تعلم أن الورود الحمراء تعنى الحب لكن جوناثان سرعان ما هرب حالما قدم لها تهانيه....
كانت الحفلة فى أوجها عندما وصلت إلى النادى مع والديها بعد نصف ساعة وسرعان ما تهافت المحتفلون عليهم.
قالت متأوهة عندما أحضر ستيفن زوجته ليعرفها بوالداى تورى
-كل ما أرجوه هو أن يوافقهم النقاد الرأى
-وكيف يمكنهم أن يفعلوا غير ذلك؟
التفتت تورى بحدة عند سماعها صوت جوناثان وراح قلبها يقفز بسعادة لرؤية وجهه.لقد إلى الحفل وقالت مازحة:
-إنها المرة الثانية هذا لمساء التى تسبب ظهورك المفاجئ نوبة قلبية
فقهقه ضاحكاً :
-إذن دعنا نرجو أن تكون الأخيرة .أيضاً عليك ألا تخافى من النقاد يا تورى فقد كنت مبدعة
بدا لها وكأنهما وحدهما فى القاعة بينما خفتت الثرثرة والضحكات ولم يبق سوى جوناثان . كان شعوراً رلئعاً يضاهى ما حملت به. أزمأت برأسها:
-شكراً لك .منتديات ليلاس
فابتسم وقال بحرارة:
تستحقين أكثر من ذلك
حارت ما تقول.ففى احلامها كانت تتكلم وتشرح أمور كثيرة وتخبره عن حبها له.ولكن حين وأجهت الرجل بلحمه ودمه شعرت بعقدة لسانها.لم تستطيع أن تتكلم فيما هة تجهل شعوره نحوها
-ألم تؤدى تورى ألحانك بشكل رائع يا جوناثان؟
أنضم ستيفن إليهما ووضع ذراعاً أخوية حول كتفيها ثم منحها ابتسامة عريضة
لاحظت تورى كيف ضاقت عينا جوناثان وهو يرى ذراعه حول كتفيها.وخفق قلبها وهى تدرك أنه لم يكن مسروراً من هذه الإلفة
أخذ ستيفن يتحدث إلى جوناثان بشكل عفوى دون أن ينتبه لتلك العينين الضيقتين :
-سيتم تسجيل الأغاى على أسطوانات بعد أسابيع.أرجو أن تكون مستعداً للثراء والشهرة بصفتك الملحن يا جوناثان
فرد ببطء:
-أشك فى أن يصل الأمر إللى هذا الحد.على أى حال تورى هى النجمة هنا
قال ستيفن:
لكنك مؤلف وملحن الأغانى
شعرت تورى بوجهها يتورد عندما نظر إليها جوناثان حسناً ما الذى توقعه؟أن تنسب لنفسها هذه الأحان؟
نظرت إليه بإهتمام :
ألم تقرأ العقد قبل أن توقعه؟
-تركت المحامى يتصرف بالتفاصيل فقد منحتك الألحان يا تورى لكى تفعلى بها ما تشائين
وضاقت عيناه مرة اخرى عندما خطرت له فكرة :
-هل أرسلت إلىّ التذكرتين لهذه الليلة بسبب الألحان؟
-أنا....
-هل لكما أن تعذرانى؟
ساد صمت بعد ذهاب ستيفن ....لم تعرف تورى من قبل ماذا تقول لـ جوناثان....أما الآن فخافت من أن تكون قد قالت الكثير!
-ظننتك فهمت بالنسبة للألحان
ونظرت إليه مقطبة مسرورة لأنها لم تبدو الآن امرأة عجوزاً فى الماكياج المسرحى.كان شعرها منسدلاً أسود لامعاً وثوبها الأسود الذى يصل إلى الركبتين يبرز جمال قوامها الرشيق
فقال بخشونة:
-فهمت ماذا؟
فهزت رأسها :
-لا يمكن أن أقبلها
-لكننى منحتك إياها
لاحت على فمها شبه ابتسامة :
-لكى أستعملها,نعم.لكننى لم أدّعى لنفسى شيئاً لم أصنعه.وستيفن على صواب .عندما تصدر الأسطوانات ستصبح رجلاً مشهوراً
-عظيم.ليلاس
تمتم بذلك فيما كانت لهجته تنبئ بالعكس.وهتفت فجأة :
-جوناثان....كيف الأحوال فى البيت الآن؟
-الأحوال؟قولى ما تعنيه حقاً تورى.السؤال الحقيقى هو هل توقفت عن الشعور بالأسى على نفسى؟
فهزت رأسها:
-لا......أنا....
فأجاب :
-الجواب هو نعم.كنت على صواب بالنسبة إلى تأثير تصرفاتى على مالكوم.إنه أبى ولطالما كان كذلك.ورغم الشهرة التى تقولين إنها وشيكة أنا عائد إلى عمل الأسرة حيث مكانى وانتمائى.وعلىّ أن أشكرك على ذلك
أضاف الجملة الأخيرة بحرارة .فأبتلعت ريقها بصعوبة وسألته:
-أنا ؟لماذا؟
منتديات ليلاس
رفعت بصرها إليه بحذر فقال بلطف:
-لماذا لم تخبينى تلك الليلة أنك متبنأة ؟
لم تستطيع أن تواجه نظراته :
-من أخبرك؟
قرأته فى مكان ما....
فسألته بحدة:
-أين؟
كانت قضية تبنيها قد ذكرت فى بداية مهنتها عندما كان الجمهور متعطشاً إلى معرفة كل شئ عنها .ولكن لا أحد يذكر مسألة تبنيها هذه الأيام
فعاد جوناثان يكرر بحزم:
-فى مكان ما .لابد أننى بدوت تلك الليلة أشبه طفل مدلل يطلب ما لا يمكن أن يحصل عليه...أريد معلومات عن أبى الحقيقى بينما أنت لا تملكين أى فكرة عن أبيك وامك الحقيقيين
-لم أرغب قط فى معرفة ذلك لكننى أدرك أن الناس لا يتصرفون بالطريقة نفسها
-لقد تصالحت مع مالكوم وجيدون.كنت أحمق لأننى تركت الوضع يتطور منذ البداية .تطلب الأمر منى شخصاً بعيداً عن الوضع ليخبرنى بذلك
-أنا؟
وعبست وهى تتذكر ما قالته تلك الليلة . أبتسم لها:
-نعم.أنت.لا تظهرى هذا القلق يا تورى فقد أدت لى خدمة جليلة بحديثك معى...بشكل....
قاطعته تعتذر:
-بشكل فظ؟
فصحح كلامها:
-بل بصدق تاما .أظن أن تغيير مهنتك سينجح تورى.وقريباً سنسمع أجراس العرس أيضاً
فرددت بذهول:
-أجرس العرس....؟
نظر جوناثان فى أنحاء الغرفة الحاشدة :
-استغرب عدم وجود مونتغمرى فى الأحتفال.ربما يأتى لاحقاً....
فقالت بحزم:
-لم نوجه إليه دعوة.لا أدرى لماذا تصورت أنه سيمون هنا.كان أنفصالنا قاسياً وهذا أقل ما يقال فيه !
وعبست وهى تتذكر ذلك الخصام الذى حصل بعد أن وافقت على أن تقابل روبرت
-انفصالكما ؟لكننى ظننت...بعد أن رأيت صورة لكما فى الصحف منذ حوالى أربعة أشهر.كنتما خارجين من مطعم معاً
لقد نسيت ذلك اللقاء العام.تذكرت تلك الصور حيث كانا يبتسمان للكاميرا فأى منهما لا يريد أن يضيف وقوداً إلى النار إشاعة أنهما لم ينفصلا على وفاق.لم يخطر فى بالها أن جوناثان سيرى هذه الصور,أيضاً....ويضع لها تفسيراً مختلفاًكلياً
-أنا....
-تورى الصحافة تريد التقاط بعض الصور
جاء ستيفن ليخبرها بذلك وهو يلهث قليلاً وقد بدا أن ردة الفعل الإيجابية على مسرحيته اكتسحته:
-وأنت أيضاً يا جوناثان
وأبتسم له فقال هذا ببطء :
-أظننى لن أشارك إذا لم يكن لديك مانع
-بل لدى مانع
وقبض ستيفن على تورى بيد وعلى جوناثان باليد الأخرى ثم سار بهما إلى حيث كان مصورو الصحف
كانت تورى شاكرة للمخرج رغم إنها لم تشعر بالمصورين ولا بالمقابلة التى أجريت.كانت أفكارها المضطربة تنحصر فى جوناثان.هل يظن حقاً أنها وروبرت صديقان؟هل هذا هو سبب عدم اتصاله بها أثناء الأشهر الستة الماضية ؟ اليوم بعد أن رأت جوناثان مرة أخرى أدركت أن حبها له مازال عميقاًوأن الأمل كان كل ما لديها .