كاتب الموضوع :
زهرة منسية
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
هذا الصباح لم تسمع صوت الموسيقى على الشرفة الخلفية فتوجهت إلى الباب الأمامى وقرعت الجرس
بعد نحو خمس دقائق ورغم أن السيارة متوقفة فى الكاراج رأت أن جوناثان ليس فى البيت لذا استدارت لتعود أدراجها.عليها أن تعود لاحقاً ما دام لم يلحق بها مخبرو الصحف فهى لا تريد أن تقود الصحافة إلى جوناثان و.....
- نعم ؟
جمدت مكانها لهذا الصوت الخشن المتسائل والتفتت ببطء إلى المنزل
كان جوناثان واقفاً عند العتبة شعره القاتم مبلل وقد أرتدى مئزر حمام قاتم الزرقة وبدت ساقاه عاريتين حتى الركبة كما كان حافياً
-كنت آخذ دوشاً عندما سمعتك تصلين.ما هو سبب تشريفك لى بالزيارة؟
أدركت أنه مازال غاضباً للطريقة التى أكتشفت فيها أنها فيكتورى كانان
ردت عليه بجفاء :
-الشرف لى.هل لى بالتحدث إليك لدقائق ؟
قال ببطء :
- سبق وتحدثت
وردت بحزم :
- على أنفراد
نظر حوله فلم يرى سوى مزرعة أبيها وحوالى مئتى نعجة والمنطقة الريفية غير المسكونة فقال بتهكم :
-لا أظن أن النعاج ستسبّب أى مشكلة.أليس كذلك؟
أخذت تورى نفساً عميقاً وأشتدت قبضتها على الخوذة فى يدها ثم تنهدت شاعرة بالألم والحقارة لمعاملته :
-يمكنك أن تدعونى إلى فنجان قهوة
-وهل يستوجب ما تريدين فنجان قهوة؟
أحمر وجهها استياء . ما كان لها أن تأتى إلى هنا اليوم وكان عليها أن تتركه لأولئك الجشعين.على الأقل لن يكون عليها أن تتحمل فظاظته وقلة أدبه مرة أخرى!
تراجع إلى الخلف فاتحاً الباب على مصراعيه وقال ساخراً:
-هل لك أن تتفضلى لتشربى فنجان قهوة يا.....فيكتورى؟
-شكراً
وسارت متصلبة الجسم إلى المطبخ فى مؤخرة المنزل فلطالما جلست فيه مع ماديسن لتشرب القهوة وتلعب مع كيلى . ومن المؤكد أن ما من مجاملات اليوم
حاولة ألا تنظر إلى جوناثان وهو يعد الشاى.وهذا لا يعنى فقط أنها لم تر من قبل رجلاً فى ثياب الحمام بل لأن الرجل هو جوناثان ماغواير
توقف عما كان يفعله لينظر إليها متفحصاً ثم قال :
-أظن أن الألوف لا بل الملايين يسعدهم ليلاس أن يحضروا القهوة لـ فيكتورى كانان
لكنه ليس مهم كما أقرت تورى فى داخلها.فقد بدا عليه أنه يفضل أن يفعل أى شئ ما عدا تحضير القهوة لها....ولعله يفضل أن يشنقها
-أعنى ملايين الرجال
فضاقت عيناها :
-لدى معجبات من النساء أيضاً
فرفع حاجبيه ساخراً :
-أحقاً لا يمكننى ان أفهم السبب
توهج وجهها أحمراراً وهى تحالوأن تتحكم فى طبعها...لن ينفع بشئ إذا ما أنتهى بهما الأمر إلى تبادل الشتائم وقالت باستياء :
-ربما لأن بأمكانى أن أغنى
-أحقاً ؟ لم أكن أعلم.وكما سبق وقلت لك ليس من جمهورك المتحمس
لن يجعل الأمر سهلاً بالنسبة إليها.لا بأس فهو يشعر أنه مخدوع ولكن هذا تفسيره الخاص لما حدث . أما تفسيرها فمختلف تماماً فهى لم تتعمد خداعه.إنها تورى بوكانان عندما تعود إلى الجزيرة إبنة دان وثلما بوكانان
وتناولت من يده فنجان القهوة :
-شكراً
-بالنسبة إلى مقامك العالى كان ينبغى أن أقدم لك الشاى فى فنجان الصينى ولكن...
فقاطعته بضجر وقد توهجت عيناها :
-هل لك أن تكف وتعلم أن حالنا ليس بهذا الشكل حتى أننى أعدت لك الغداء
توتر فمه وهو يجلس إلى المائدة ليقول متهكماً:
-هذا غريب
رشفت تورى القهوة المرة قبل أن تجيب ثم هتفت :
-ليس أغرب من تصرفك معى!
فأجاب مفكراً :
-هذا صحيح .كيف كانت الحفلة الموسيقية تلك الليلة؟
حاول أن يغير الموضوع برفق فألقت عليه نظرة استياء أخرى لعلمها أنه غير مهتم حقاً وإلا لما تركها كما فعل
-أسأل نفسك
وسحبت الصفحة الأولى من جريدة أبيها وبسطتها على المائدة أمام جوناثان
تحولت مالامح جوناثان وهو يقرأ المقالة ببطء من الازدراء إلى التركيز العابس ومن ثم إلى التكشير! وأنتظرت هى حتى يصل غضبه إلى حد الكلام
وقف فجأة وأخذ الجريدة ليقرأ المقالة مرة أخرى وأخيراً رفع بصره قائلاً بغضب :
-رائع ! رائع تماماً!
وقذف بالجريدة إلى المائدة ثم قبض يديه على جانبيه بعنف.أبتلعت ريقها بصعوبة :
-أنا....
فأنفجر فيها بعنف :
-ولا كلمة يا فكتورى.لا أريد منك أى كلمة....وإلا خنقتك قبل أن أفكر فى النتائج!
هذا ما ظنته لكن بدأ عليه أنه قادر على تنفيذ ما قاله الآن!
أى شخص يظن إنها تعمدت ذلك فيما لم تكن فى الواقع أكثر منه سروراً لغزوهم عزلتها.إن نظراته الملتهبة وتور فكه وخطوط الغضب المرتسمة حول فمه تدل على أنه لم يكن مهتماً بما تشعر به
-أنا...
أردف من بين أسنانه المطبقة:
-قلت إنى لا أريد أى كلمة يا فيكتورى
-"أنا" ليست كلمة إنها...
تمتم وهو يشدها بخشونة لتقف :
-لا تقولى إننى لم أحذرك يا فكتورى.مرتين
ثم عصرها بين ذراعيه حابساً أنفاسها وعانقها بوحشية
لقد عانقها جوناثان ماغواير!وبإزدراء....!
أنتزعت نفسها منه ولم يكن الأمر سهلاً وهو يضمها إليه بهذا العنف الذى شعرت معه إن كل عضلة وعصب من جسده يضغط عليها
أخذت تدفع من دون فائدة ذراعيه الفولاذيتين اللتين تحيطان بها:
-كفى....كفى.....يا جوناثان....
-ليس فى نيتى التوقف يا فيكتورى
صرخت فيه وهى تدفع ذراعيه عنها :
-إسمى تورى فإزداد اشتداد يديه الفولاذيتين وهو يقول بخشونة :
-أنت فيكتورى كانان.لا أستطيع أن أصدق أننى لم أميزك!
هز رأسه مشمئزاً من نفسه وهو ينظر إليها مضيفاً:
-منذ سنوات وأنا أقرأ عن مآثرك فى الصحف الحفلات الصاخبة الرجال والـ.....
فأشارت إلى الصحيفة الموضوعة على المائدة :
-ألا تنبءك نصف الحقيقة المكتوبة فى هذه الجريدة عن مدى صدق تلك القصص؟
نعم شاركت فى حفلات فجزء من صورتها يقتضى أن تظهر فى الحفلات مع الأغنياء والمشهورين نعم كان هناك رجال ولكن ليس كما يعنى جوناثان لأنه لم يكن لديها وقت تضيعه على مثل تلك العلاقات
تلك الصورة التى يتحدث عنها هى ما تريد أن تتخلص منه !
رغم إنها كانت ترى فى ملامح وجهه العنيفة أنه لا يريد أن يسمع تبريرها وإنه لن يصدقها إذا أخبرته عن مدى الوحدة التى تعانى منها.
من ست سنوات لم تكن هى نفسها تصدق ذلك عندما ذهبت إلى لندن تبحث عن شبح الشهرة والنجاح.كما لم يكن لديها فكرة عن الثمن الذى عليها أن تدفعه
أما بالنسبة لـ روبرت فلم تكن سوى سلم يرتقيه إلى النجاح.وبالنسبة للآخرين الذين تجرأوا على الأقتراب منها كانت تمثل غنيمةيتأبطون ذراعها لفترة.ولم يولوا تورى يوماً الحقيقية أى أهتمام
ولكن جوناثان,جوناثان الثائر الذى يعتقد أنها استغفلته لم يكن فى مزاج يسمح له بأن يصغى إلى ذلك!
حدق إليها باحتقار :
-لو أن هذه القصص فقط حقيقى....
فى الظاهر نصفها حقيقى لكن هذه القصص لم تتحدث عن عزلتها ووحدتها وكيف إنها ليلة بعد ليلة تأوى وحدها إلى شقتها الفاخرة لقد أنتهت منذ وقت طويل مرحلة التلذذ بعزلتها ولم تعد تشعر سوى بوحشتها وبالصمت المهيمن عليها ساعة بعد ساعة وليلة بعد ليلة.
عندما تعود إلى الجزيرة ومع والديها تجد الرضى والسكينة كما تجد الخلاص من تلك الوحدة المرهقة
تنهدت بصعوبة وهزت كتفيها بسأم:
-لعل ما يقولونه صحيح فالناس يصدقون فقط ما يريدون أن يصدقوه
- أتتهمينى بالتحامل عليك؟
فأبتسمت من دون مرح :
-أنا أتهمك بإنك تعاملنى كما يعاملنى أى شخص آخر....ما عدا ابوى وأسرتى وأصدقائى فى الجزيرة.....فتجعلنى مجرد رمز جنسى
قالت هذا بإشمئزاز فنظر إليها بعينين ماكرتين :
-مسكينة أيتها الصغيرة.هل هذا هو الأمر؟
أنتفضت لإزدرائه الواضح وأجابت:
-ليس لديك فكرة
-أخبرينى عن ذلك
كان يشدها بين ذراعيه فلم يسعها التفكير بشكل متزن فكيف بإفهامه الأمر!
عندما كانت أصغر سناً قبل أن تذهب إلى لندن كانت تقرأ ككل المراهقات مقالات عن الأثرياء والمشاهير الذين يشكون من الوحدة التى ترافق نجاحهم.كانت تعتقد أن أقوالهم هراء ولكنه لم يكن كذلك فقد شعرت خلال السنوات الماضية بوحدة وشوق إلى الصداقة الحقيقية لم تشعر بهما من قبل
أخذ جوناثان يراقبها بعينين ضيقتين وهو يرى المشاعر تتعاقب على وجهها وقد أصبح الآن حائراً أكثر منه غاضباً
نظر إليه من تحت أهدابها المسدلة والدموع قد علقت بأطرافها رأى هذا الرجل يهمها ولكنه لا يشعر نحوها سوى بالأحتقار
أبعدها عنه ثم نظر إلى وجهها بعينيه الفلاذيتين :
-أخبرينى.هل ينفع هذا التمثيل عادة؟
طرفت بعينيها وقد فوجئت بتجدد الهجوم عليها دون مبرر:
-لا أدرى ما تعنى....؟
-بل تدرين بكل تأكيد
ودس يديه فى جيبى بنطلونه :
-وتعلمين أن ذلك كاد ينفع.فقد ابتدأت أشعر بالآسف من أجلك ولكن بالنسبة إلى الدموع ربما كنت لأصدقك لولا أنها مبالغ فيها مع الأسف
عادت تغالب دموعها لمذنبة.تمثيل؟تمثيل....كيف يجرؤ؟من يظن نفسه؟
-أحقاً؟
منتديات ليلاس
كان صوتها الآن يرتجف غضباً وأنحنت تلتقط خوذتها حيث وضعتها على أرض المطبخ
أومأ قائلاً:
-النساء يبدأن بالتمثيل عندما تفشل الوسائل الأخرى
فتوهجت عيناها :
-لن أضجرك بتمثيلى أكثر من ذلك !
-آهـ ليست ضجراً يا فيكتورى وفى الواقع رفهت عنى كثيراً
لم تشأ أن تعلم ما يعنيه وقالت ببرودة بلهجة كاذبة:
-ومع ذلك حان وقت ذهابى.أرجو أن تستمتع بإقامتك فى الجزيرة يا سيد ماغواير
واستدارت لتخرج من المطبخ رافعة رأسها
يا له من متغطرس.....!
نهاية الفصل الرابع قراءة ممتعة للجميع
|