كاتب الموضوع :
زهرة منسية
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
2- إذا كنت تجرؤ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
منتديات ليلاس
لم يكن مزاجها قد تحسن تماماً عندما عادت إلى المزرعة لتجد أن روبرت ترك لها رسالة على المجيب الآلى
كانت تفتح الجهاز بشكل دائم كلما زارت أبويها لتتمكن من تسجيل كل مخابرة تصلها ولكن مخابرة روبرت باتلذات لم تكن تريدها . قالت له إنها لا تريده أن يتصل بها أثناء وجودها هنا . لكنه بطبيعته المستبدة لم يهتم بذلك.
-مرحبا حبيبتى
حياها بصوته الساحر فتصورته جالساً على كرسيه الجلدى رافعاً قدميه على المكتب :
-أردت فقط أن أعرف إن كنت مستعدة للعودة . إننا نفتقدك
أقفلت تورى الجهاز بقوة . تبا له إنها الآن فى بيتها أما بالنسبة لافتقادهم لها.....
لا شك أنهم يفتقدونها.....خاصة روبرت فهى التى ساعدت فى حصوله على هذا الحذاء الجلدى والبذلة الثمينة والقميص . فى الواقع كانت هى ربة نعمته أو بطاقة الإعاشة بالنسبة إليهتهالكت على أحدى كراسى المطبخ واضعة مرفقيها على المائدة ثم أراحت ذقنها على يدها فآخر ما تريده أن تكون حاقدة .ولكن ماذا يمكنها أن تفعل ؟
لهذا السبب أتت إلى هنا منذ أسبوع فهى تعلم أنها أقرب إلى الجواب هنا !
-ساعدينا يا حبيبتى رجاء
قال أبوها ذلك وهو يفتح الباب ويدخل المطبخ وذراعه حول خصر أمها التى كانت تعرج بشدة
قفزت تورى باهتمام واندفعت نحو أمها فتمكنا معاً من أن يساعدها على الجلوس على إحدى الكراسى . كان كاحل أمها الأيسر مضمداً وبدأ الألم على وجهها .
وعندما جلست الأم هتفت تورى بعنف :
-ما الذى حدث ؟
أجابت الأم مشمئزة من نفسها فى ملابسها الصيفية المؤلفة من طاقم أبيض وبلوزة وردية وقبعة من اللون نفسه :
-وقعت وأنا خارجة من الكنيسة
قال أبوها الذى لوحت الشمس وجهه الأحمر وهو يبتسم مرتاحاً لعودته إلى البيت من دون مزيد من الحوادث المؤسفة :
-كما إنها لم تشرب قطرة ماء
-التفاهة والغرور تسببا فى ذلك . ما كان علىّ أن أنتعل حذاء عالى الكعبين
قالت الأم وهى تحملق فى الحذاء الأبيض وقد بدا عليها الانزعاج البالغ لسقوطها :
-لا أتذكر آخر مرة لبست فيها حذاء كهذا بقينا نصف ساعة فى المستشفى ليصوروا كاحلى . ما من كسور والحمد لله مجرد التواء فى المفصل
قالت تورى وقد نسيت تماماً كل شئ عن روبرت :
-سأعد لكما الشاى
كانت هذه الحادثة مشكلة حقيقية رغم ابتسامة العطف التى واجه بها أبوها إصابة أمها . فأمها شريك أساسى فى إدارة المزرعة وهى لم تعد قادرة على الحركة الآن ......
-فكرة حسنة يا حبيبتى
أجابها أبوها بذلك وهو يجلس بدوره إلى مائدة المطبخ . لقد أمضت الأسرة الكثير من الوقت فى المطبخ وتناولت الوجبات كلها على هذه المائدة وغالباً ما كانوا يتمهلون فى المساء ليتحدثوا ويثرثروا . سألت تورى وهى تحضر الشاى :
-كيف كان العرس ؟
وعلى الفور رق وجه أمها وقالت باسمة وهى تتذكر :
-رااائع . أنا أحب الأعراس كثيراً
وأضاف أبوها بحماس أقل :
-وقد بدت دينيس جميلة
بدا عليه الضيق فى هذه البذلة والقميص اللذين أضطر للبسهما للمناسبة وتابع قائلاً :
-ولو أننى لا أستطيع القول أننى معجب بالشاب الذى تزوجته
ألقت الأم على أبنتها ذات معنى :
-أنتظرى حتى يأتى دورك يا تورى . لن يكون هناك رجل يستحقك أنت أيضاً !
فقال الأب بخشونة :
-الحق معك يا ثلما ما من رجل يستحق حبيبتنا تورى
ابتسمت تورى لهما بحنان وهى تناولهما الشاى
-لو كنت مكانكما لما أقلقنى الأمر فأنا لا أنوى الزواج إلا بعد سنوات . هذا إذا تزوجت !
لم يكن هذا شعورها دوماً فقد ساورتها قبل فترة آمال وأحلام بنات جيلها فكانت تحلم بزوج و أولاد وبيت دافئ كالبيت الذى نشأت فيه . لكن الأمور تغيرت الآن وكذلك روبرت ولو بعد فوات الأوان لحسن الحظ لأن روبرت الذى بقى لسنوات يقول إن الزواج لم يخلق له تغير فجأة منذ أسابيع وأصبح يحثها على الزواج منه فى كل فرصة تسنح له . لو طلب منها الزواج منذ سنوات لقبلت ولكن ليس الآن فـ روبرت لم يعد ذلك الفتى الرائع . فى الواقع أصبحت تعرفه الآن جيداً وقد شكرت الله لأنه لم يعرض عليها الزواج منذ عامين وإلا لارتكبت أكبر غلطة فى حياتها !
قالت باسمة :
-حسنا أنا مسرورة لأن العرس كان جيد رغم ما حدث لكاحلك أمى
فقالت الأم :
-إنه ذنبى أنا . كيف الحال مع شقيق ماديسن , جونى ؟
عبست تورى وهى تجلس إلى المائدة حاملة فنجانها :
-إذا أخبرتك أننى كنت أدعوه السيد ماغواير عندما أنزلته أمام البيت وكنت أفضل لو قذفته من فوق الصخور ربما يطلعك هذا على مدى أنسجامنا معاً !
فقالت أمها بقلق :
-آهـ يا عزيزتى مع أن أخته و زوجها طيبان للغاية
كانت الجزيرة مسكننا لممثلين عدة وموسيقين مشهورين ومغنين فضلاً عن مجموعة من المؤلفين الناجحين وبعض الأثرياء الأقل شهرة فتعود أهل الجزيرة ألا يستغربوا إذا ما رأوا أحدهم فى السوبر ماركت
-أنا لم.....
وسكتت فجأة حين اخذ الهاتف يرن لقد نسيت أن تعيد فتح المجيب الآلى بعد أن تلقت مكالمة روبرت ولم تكن بحاجة إلى التخمين طويلاً لتدرك أن المتكلم روبرت مرة أخرى وعندما رأى أبوها نظرة الاستياء على وجهها سألها بلطف :
-أتريدن أن أجيب عنك ؟
عودتها إلى البيت لكى يتاح لها التفكير فى وضعها هو شئ وترك أبيها يواجه مشاكلها بدلاً منها أمر أخر تماماً
-لا باس سأجيب أنا
وأختطفت سماعة الهاتف وردت بحدة بالغة :
-نعم ؟
ساد صمت قصير فى الناحية الأخرى من الخط قبل أن تسمع من يقول :
-كيف عرفت أنه أنا ؟
-لم أعرف أنه أنت
أجابت جوناثان ماغواير بشئ من الخجل مشيحة بوجها من نظرات والديها كيلا يلاحظا أحمرار وجهها
سألها ساخراً بينما بدت لهجته الأمريكية أكثر وضوحاً :
-ومن غيرى كدرك اليوم ؟
فقالت بمرح :
-لا أحد بالذات
ما الذى يريده ؟ عندما غادرته منذ ساعة لم يكن لديها شك فى رغبته فى العزلة
قال بإعجاب :
-هل أنت ماهرة جداً فى ذلك؟
فترددت :
-فى ماذا ؟
-فى الأجوبة المراوغة
ضحكت مجفلة :
-يتوقف الأمر على خبرتك فى الأجوبة المراوغة !
بعد تمضية أربعين دقيقة بصحبة جوناثان ماغواير وجدت أن معرفتها به أقل مما كانت عليه قبل أن تعرفه !
أخذ يضحك بهدوء :
-لا بأس فأنت لن تخبرينى من كدرك اليوم . لن أؤخرك طويلاً لأننى أعلم أنك متلهفة للذهاب إلى عرس أبنة خالك . أنا......هذا هو سبب أتصالى بك , فى الواقع
طرفت تورى بعينيها ثم سألته غير مصدقة :
-لا أظنك تقترح أن تأتى معى ؟
أخذت تتصور تخمينات الأسرة وهى تصل إلى العرس برفقة أمريكى طويل وأسمر ! وأن كان هذا لا يعنى إنها تنوى الذهاب من دون أمها وأبيها ولكن من المؤكد أنه لا يمكن لـ جوناثان....
لكن جوناثان قال على الفور ليزيل أوهامها :
-لا . طبعاً . لكن بعد تفكير ملى أدركت أننى مدين لك بإعتذار على سلوكى السابق
فقالت بهدوء :
-سبق وقمت بذلك
-أعتذر على عدم شكرى لك لأنك تفرغت اليوم كى تحضرينى من المطار. وأنا.....أشكرك الآن
آهـ....هذا يجرح كرامته حتماً كما خطر لها وردت عليه بمرح :
-أهلاً بك
وسمعت آهة عميقة من الناحية الأخرى من الخط :
-أنا لست عادة فظاً كما تصرفت اليوم...
فقالت ممازحة :
-لا تخبرنى....بأنك عادة أكثر فظاظة
رد بإنفعال :
-أنت لا تتسامحين فى الأمر , أليس كذلك ؟
حسنا لم تكن واثقة مما قصده لقد أعتذر وقبلت اعتذاره . ما الذى يريده أكثر ؟
سألته بحرص :
-أتظن أن علىّ ذلك؟
كل ما قاله صحيح ز فقد خصصت له وقتها وفاتها عرس ابنة خالها لتذهب إلى المطار وتحضره وإذا به يواجهها بتلك الفظاظة
فقال بإذعان :
-ربما لا . عندما ترين أمك هل لك أن تشكريها لإعدادها الفطيرة ؟ كنت جائعاً عندما وصلت إلى هنا فتناولت قطعة منها وهى لذيذة
قالت له :
-لماذا لا تخبرها بنفسك ؟ إنها جالسة هنا
خطر لها ذلك فجأة لتنهى المكالمة من دون أن تبدو قليلة التهذيب وناولت السماعة لأمها قبل أن يجيبها جوناثان
وتحركت تورى لتقبل أباها على وجنته برفق ثم قالت وهى تنظر إلى أمها :
-سأذهب إلى الأستوديو . اصرخ إذا إحتجتنى
منتديات ليلاس
وأنبأها احمرار وجه أمها بأن جوناثان يثنى دون شك على الفطيرة اللذيذة
ابتسمت تورى وهى تغادر المنزل . قد يكون الطريق إلى قلب الرجل يمر بمعدته لكن الطريق إلى قلب أمها هو مديح طهيها حتماً . وبدأ وكأن جوناثان ماغواير قد فتن فرد من أفراد أسرة بوكانان
تلاشت ابتسامته حين وصلت إلى المبنى الخارجى الذى سمح لها والدها بأن تحوله إلى أستوديو . دخلت و وقفت تنظر حولها شاعرة بماذا....؟ فأينما وقع نظرها ترى برهاناً على نجاحها . ذات يوم , كان هذا كل ما تريده . لقد تركت الجزيرة منذ ست سنوات للبحث عن هذا الحلم وبعد خمس سنوات من النجاح أدركت أن ما وصلت إليه ليس كافياً بل هى تريد أكثر
لقد خاطرت منذ ست سنوات ونجحت . فهل لديها الشجاعة الآن وهى لا تزال فى القمة لأن تتنحى وتترك تلك المهنة ؟
يعتقدها روبرت مجنونة لمجرد تفكيرها فى تلك الخطوة التى شغلت ذهنها فى الأشهر الأخيرة لكن لـ روبرت أسبابه الخاصة التى تدفعه إلى إبقائها حيث هى فالأجر الذى يتقاضاه يناسبه تماماً . ولكن هل تناسبها تلك الحياة ؟
لو إنها تعرف الجواب لما بقيت هنا فى الجزيرة ولما كان عليها أن تتعرف على ذلك الفظ جوناثان ماغواير أيضاً
|