المنتدى :
المنتدى الاسلامي
الأسباب العشرة الموجبة لمحبة الله تعالى
الإمام ابن القيم رحمه الله”
وسط هذا الجو المزدحم والزاخر بالماديات، والتثاقل إلى الأرض وطينها.. يحتاج المسلم إلى السمو والرفرفة في عالم الروح؛ حتى تكون حياته متوازنة، فلا يربو جانب على آخر، فهو يبتغي بين هذا الطريق وذاك سبيلاً.. هو السبيل الذي أراده الله لعباده.
ومن ثم يأتي كتاب الدكتور عبد العزيز مصطفى كامل: “شرح الأسباب العشرة الموجبة لمحبة الله تعالى كما عدّها الإمام ابن القيم رحمه الله“.
يبدأ الكتاب بحديث صحيح رواه البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: بينما أنا ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- خارجين من المسجد، فلقِينا رجلاً عند سدة المسجد فقال: يا رسول الله، متى الساعة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أعددت لها؟» قال: ما أعددت لها كبير صلاة ولا صيام ولا صدقة، ولكني أحب الله ورسوله. قال: «فأنت مع من أحببت».
وهذا يبين أن الصدق في محبة الله تعالى ورسوله -صلى الله عليه وسلم- يدرك به العبد منزلةً قلما توصِل إليها الأعمال، فعمل العبد كثيرًا ما تلحقه الآفات والفترات والنقائص، أما إذا استجمع الإنسان في قلبه محبة صادقة خالصة دائمة لله ورسوله، فإن ذلك يعوّض نقصان عمله، ويبلغه المنازل العالية التي ربما قصرت عن بلوغها همته، وتقاصرت عن استشرافها قامته.
ولهذا السبب قام الدكتور عبد العزيز كامل بدراسة وشرح الأسباب العشرة التي عدّها الإمام شمس الدين ابن قيم الجوزية في كتابه “مدراج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين”، وذكر أنها تستوجب محبة الله للعبد، وهاك بيانها:
السبب الأول: “قراءة القرآن بالتدبّر والتفهم لمعانيه وما أُريد به، كتدبّر الكتاب الذي يحفظه العبد ويشرحه ليتفهم مراد صاحبه منه”.
من الأسباب الجالبة لمحبة الله عز وجل، قراءة القرآن بخشوع وتدبر وتفهم، ولا عجب أن يكون القرب من كتاب الله من أعظم القرَب الموجبة لمحبة الله، فإذا كان الله تعالى قد شاء بحكمته أن يكون إيماننا به من الإيمان بالغيب، فإنه سبحانه قد شاء أيضًا أن يكون خطابه لنا وحديثه إلينا من أمر الشهادة، فنرى كلامه مسطورًا ونسمعه مقروءًا ويتكرر وقعه بلفظه ومعناه على القلوب والأفئدة، فالقرآن هو الدال على الله وعلى محابّ الله، فمن القرآن نعرف صفات الله، وأسماءه، وما يليق به، وما يتنزه عنه، وما أمر به، وما نهى عنه، من الشرائع المفصلة الموصلة إلى محبته ورضاه. والتدبر وسيلة المعرفة ودلالة المحبة، وأهل القرآن هم أهل الله وخاصته.
السبب الثاني: “التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض”.
من المعلوم أن أداء الفرائض هو أفضل ما يتقرب به العبد إلى ربه، وحسب مؤدي الفرائض على تمامها، فضلاً عن أنه موعود بالفلاح، فوزًا بالجنة ونجاةً من النار. فمؤدي الفرائض كاملة محبٌ لله، ومؤديها وبعدها النوافل محبوب من الله، فللمتقرِّب إلى الله بالنوافل إذًا خصوصية وميزة تجعله أعلى مرتبةً من مؤدي الفرائض فقط؛ ذلك لأن الفرائض مطلوبة من العبد أصلاً، وهو مكلف بها وآثم بتركها والتفريط فيها.
فهناك صنفان من الفائزين الناجين:
الصنف الأول: المحب لله، فهو دائمًا مؤدٍ لفرائض الله، وقَّافٌ عند حدوده. والصنف الثاني: المحبوب من الله، وهو المتقرب بعد الفرائض بالنوافل. وهذا ما قصده ابن القيم بقوله: “التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض، فإنها موصلة إلى درجة المحبوبية بعد المحبة“.
فالمحبون المتقربون بالفرائض، والمحبوبون المتقربون بالنوافل بعد الفرائض، هم أولياء الله وأصفياؤه وخيرته من الخلق. وفي هؤلاء وأولئك، تنزلت الآيات ووردت الأحاديث. ونخلص إلى أن أولياء الله المقربين، من تقربوا إلى الله بأداء الفرائض، ومن تقربوا إلى الله تعالى بعد أداء الفرائض بالنوافل، وهؤلاء أهل درجات السابقين المقربين.
ثم يوجز الكاتب النوافل في الصلاة والصيام وصدقة التطوع والتطوع في الحج والعمرة.
السبب الثالث: “دوام ذكره على كل حال، باللسان والقلب والعمل والحال؛ فنصيبه من المحبة على قدر نصيبه من الذكر”.
نعم، فذكر الله تعالى شعار المحبين له المحبوبين منه، حيث صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله عز وجل يقول: أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه»، وصاحب الأذكار مذكور عند الله بالثناء والمحمدة والمحبة وموعود بالمغفرة والأجور العظيمة.
السبب الرابع : “إيثار محابّه على محابّك عند غلبات الهوى، والتسنُّم إلى محابّه وإن صعب المرتقى”.
فمما لا شك فيه أن إيثار رضا الله على رضا غيره، وإن عظمت فيه المحن، وثقلت فيه المؤن، وضعف عنه الطوْل والبدن، هو سبب في محبة الله تعالى للعبد، فإن إيثار محاب الله على محاب غيره تتجلى آثاره في أمور ثلاثة، وهي: قهر النفس، ومخالفة هوى الناس، ومجاهدة الشيطان وأوليائه.
السبب الخامس: “مطالعة القلب لأسمائه وصفاته ومشاهدتها ومعرفتها وتقلُّبه في رياض هذه المعرفة. فمن عرف الله بأسمائه وصفاته وأفعاله أحبه لا محالة”.
فالمعرفة مقامٌ سامٍ من مقامات المؤمنين، ومنزلة من منازل السائرين إلى دار الفائزين.
السبب السادس: “مشاهدة بِرِّه وإحسانه وآلائه ونعمه الباطنة والظاهرة, فإنها داعية إلى محبته”.
فالعبد أسير الإحسان كما يقولون، فللإنعام والبر واللطف معانٍ تسترق مشاعر العبد وتستولي على أحاسيسه وتدفعه إلى محبة من يسدي إليه النعمة ويُهدي إليه المعروف.
ولا منعم على الحقيقة ولا محسن إلاّ الله، فهذه دلالة العقل الصريح والنقل الصحيح، فلا محبوب في الحقيقة عند ذوي البصائر إلاّ الله تعالى، ولا مستحق للمحبة كلِّها سواه.
السبب السابع وهو من أعجبها: “انكسار القلب بكليته بين يدي الله تعالى، وليس في التعبير عن هذا المعنى غير الأسماء والعبارات”.
فابن القيم في هذا السبب يحوم حول معاني الخشوع والتذلل والافتقار ومراعاة الأدب مع الله تعالى، وكلُّها معانٍ يجتمع فيها معنى الانكسار.
السبب الثامن: “الخلوة به وقت النزول الإلهي؛ لمناجاته، وتلاوة كلامه، والوقوف بالقلب، والتأدب بأدب العبودية بين يديه، ثم ختْم ذلك بالاستغفار والتوبة”.
فإذا أراد أحدنا اللحاق بقافلة المحبين لله المحبوبين من الله، فليُعجِّل إلى مرضاته، وليجْعَل إخلاص النية وصلاحَها أولى خطواته، وليستعنْ بالله، فإن من استعان بالله أعانه.
السبب التاسع: “مجالسة المحبين الصادقين والتقاط أطايب ثمرات كلامهم كما ينتقى أطايب الثمر، ولا تتكلم إلاّ إذا ترجحت مصلحة الكلام، وعلمت أن فيه مزيدًا لحالك ومنفعة لغيرك”.
نعم، إن محبة المحبين الصادقين ومجالستهم من موجبات محبة الله تعالى. ولا عجب في هذا، فإن البشرى قد زُفت إلى أهل المحبة عبر وحي يوحى. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله عز وجل: وجبت محبتي للمتحابين فيّ، والمتجالسين فيّ، والمتزاورين فيّ، والمتباذلين فيّ». رواه الإمام مالك بإسناده الصحيح.
فمحبة المسلم لأخيه في الله ثمرة لصدق الإيمان وحسن الخلق.
السبب العاشر: من أسباب المحبة كما عدّها الإمام الحافظ ابن القيم: “مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله عز وجل”.
فلا خيار للإنسان إذا أراد محبة الله إلاّ أن يسعى للمحافظة على قلبه سليمًا من كل آفة وعيب وفساد ينافي ما يحبه الله.
|