كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
ثم توقفت عن الكلام ، خشية أن يزل لسانها فتقول لجوليا أنها كانت تريد الهرب من البيت ، ولكنها تابعت بعد أن رمقتها جوليا بنظرة إستفهام لتشجيعها على المضي بالحديث:
" سرت ساعات وساعات كنت اتوقف بينها لأنال قسطا من الراحة".
" هل أحببت المكان؟".
" هذا الشاطىء ، نعم بالتأكيد ، فهو في الحقيقة ساحر جدا ! ".
" السكان يجدونه موحشا مهجورا".
" ولكنني وجدته جذابا ومريحا".
في الواقع إن الانا لم تكن تقصد ان تقول شيئا من هذا القبيل ، ولكنها تعمدت ذلك حتى لا تثير الشكوك في نفس جوليا ، التي لم تعلق على هذا الكلام ، بل قالت:
" سوف أحضر لك كاسا أخرى".
ثم خرجت برشاقة وخفة ، وبدات ألانا تأكل، ولكنها سمعت اصواتا آتية من زاوية النافذة ، من الخارج ، لم تكن تقصد أن تستمع لما يدور من حديث ، ولكن لقرب المسافة ، كان الكلام يصلها واضحا مفهوما.
" إنها زوجة السيد كونون ! لماذا تاتي الى هنا ، طالما السيد دونيس لا يحب زوجها؟".
وعندما وجدت ألانا ان الحديث يدور حول زوجها ، تركت الطعام لتصغي ، وأدركت على الفور ان خادمتين هما اللتان كانتا تتكلمان وباللغة الإنكليزية ، بجودة وطلاقة ، ومن الواضح أنه لم يتطرق الى ذهنهما أن بإمكانها ان تسمع حديثهما .
وعادت تقول الواحدة للأخرى:
انا لا اعرف ، ولكنني كثيرا ما رايتها تسير في الطريق ، والكآبة تبدو على وجهها ، فهي لا شك تعيسة ، وأظن أنها تخاف ذلك الرجل السيء الذي تزوجت منه".
" ولكن من الغريب أننا لا نعرف شيئا عنه ".
" إبن عمي يعيش في باتموس ، وقبل ثلاثة أسابيع جاء في زيارة الى هنا ، وقال ان السيد كونون حاول أن يقتل زوجته الأولى ! ".
" يقتلها ! ولكنك لم تخبريني بذلك يا تولا".
" لقد اخبرت السيدة بذلك ، فغضبت ، وقالت لي ألا أنشر مثل هذه الإشاعات ، التي قد تكون غير صحيحة".
" السيدة جوليا لا تريدنا أن نقول شيئا عن أي إنسان ، فهي إمرأة طيبة ".
" ولكنني أظن أن السيد دونيس يعرف من قبل ، ن السيد كونون حاول ان يقتل زوجته".
" لماذا تظنين ذلك؟".
" لأنني سمعت السيدة مؤخرا تخبره بما قلت لها ، فلم يبد اية دهشة ، وأظن ان هذا ما يجعله لا يحب السيد كونون ".
" وانا أظن أنه لا يحبه لأن السيد كونون لا يحب العلاقات الإجتماعية ، فقد رفض دعوا السيد دونيس ، كما كان وقحا في الرد ايضا".
ثم اخذت المراتان تثرثران بلغتهما الأصلية وحيث لم تعد الانا تستطيع أن تفهم شيئا أكثر ، وعند رجوع جوليا سألتها إن كان جميع خدمها يتكلمون اللغة الإنكليزية.
" لقد علّمت البعض منهم".
اجابت جوليا بإرتباك ، وأضافت:
" لماذا تسألين؟".
" لقد سمعت إثنتين منهما خارج النافذة ، وعجبت من إستعمالهما اللغة الإنكليزية في حديثهما".
حوّلت جوليا نظرها الى زاوية النافذة ، وتمتمت:
" إنهم يحبون ان يتمرنوا على الحديث".
ثم نظرت الى ألآنا مباشرة ، وسالت:
" عن أي شيء ،كانتا تتكلمان؟".
هزت ألانا كتفيها ، وقالت بلامبالاة:
" لا شيء له أهمية...".
وتلاشى صوتها وهي تنظر الى عيني جوليا الثاقبتين ، وعرفت ان كلامها غير الصحيح لم يفدها في شيء ، فأن جوليا عرفت أنها كانت تكذب ، وحتى لا تترك لها مجالا لأسئلة اخرى رشفت ما تبقى في كاسها ، ووقفت تقول:
يجب أن أذهب".
تظاهرت بأنها تأخرت كثيرا ، وقالت:
" سيتساءل زوجي عما حدث لي ، الى اللقاء سيدة جوليا ، وأشكرك على لطفك وكرمك".
لم تقل جوليا شيئا ، ولكنها رافقتها حتى البوابة الخارجية ،وهناك أخذت تذكّرها أنهما يرحبان بها في لقصر في أي وقت تشاء.
" شكرا سيدة جوليا".
" لا تتاخري".
إبتسمت جوليا لها ، ووجدت ألانا نفسها تقول:
" لن أتأخر ، إنني اعدك".
إلتفتت جوليا عندما سمعت وقع اقدام ، فرأت ألانا عينيها تشعان وهي تنظر الى دونيس آتيا اليهما.
" هل تشعرين بتحسن؟".
سألها بأدب ، وعيناه تتفحصان وجهها الشاحب وأضاف:
" هل تحبين ان نقلك الى البيت بسيارتي؟".
هزت راسها ، وقالت:
" إنه لطف منك ، فانا اشعر أنني احسن بكثير الآن ، وأنا أفضل المشي ".
" لقد طلبت من السيدة ألانا أن تزورنا كلما ارادت".
قالت جوليا توجه الكلام الى زوجها ، وتابعت:
" ووعدت أن تفعل".
كان التأكيد في رنة صوتها ، ولكن على شفتي زوجها كانت تبدو إبتسامة باهتة ، فأدركت آلانا انهما يشكان بأنها تستطيع أن تقبل الدعوة التي صدرت عن جوليا ، ثم قال زوجها بصوت منخفض ، غريب النبرات ، أنهما سيكونان سعيدين إذا جاءت لتراهما ، وأاف بفخر:
" في المرة القادمة ستقابلين ولدنا ، لقد اصبح عمره سنتين ، وها انت تجدين أنه اصبح شابا !".
ضحكت جوليا ، وهي تمسك يد زوجها بمودة ، وقالت:
" كيف تجرؤ أن تقول عنه أنه شاب ، أنه لا يزال طفلي !".
إبتسم لها إبتسامة شاحبة بوقار ، فلاحظت الانا كم كان الشبه عظيما بينه وبين زوجها ، مع أن دونيس كان زوجا سعيدا ، وابا فخورا ، بينما كونون كان تعيسا حزينا ، لا يعرف الحب طريقه الى قلبه ، ولا السعادة الى نفسه سبيلا ، لعله يستمتع بما يعانيمن آلام ، بالجراح التي تثخن قلبه ، بالحقد الذي غرز صدره ، يعيش عقله في الظلام لا يعرف النور اليه سبيلا ، وروحه قد غشيتها عتمة الليل والقمر في المحاق، فإرتدت ثوب السواد.
وجدت الانا نفسها تبتلع ريقها بصعوبة ، وإغرورقت عيناها بالدموع ، ولم تعد تستطيع التفكير بوضوح اثناء الطريق ، فكل ما كانت تراه هو تعاسة زوجها ، وإنطواؤه على أحزانه ، تلك التي لا يحاول الهروب منها.
كانت قد إقتربت من المنزل عندما أخذت تستعيد ما سمعت من المرأتين ، وشعرت أن الأمر أصبح معروفا لدى الجميع ، بأن كونون حاول أن يقتل زوجته الأولى ، وتساءلت ، ترى ما رأي دونيس وزوجته في ذلك؟ هل سمعا فقط جانبا من القصة؟ فكونون لم يسكن في هذه الجزيرة إلا من مدة قصيرة ، ولذا ، فهل من الممكن أن يفكر بأنه قاتل؟ هكذا بكل بساطة؟
قررت ألانا أن تخبر جوليا القصة بحذافيرها ، في أول لقاء ، سوف تخبرها عن كونون الذي عرفته منذ سنوات عديدة.
|