كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
جزيرة ليروس اكبر بكثير من غيرها تستلقي قريبا من شاطىء تركيا ، يفصلها عن كاليمنوس مضيق ضيق ، وتضيق المسافة بينهما أكثر في بعض النقاط حتى أنه يمكن للمرء ان يقطعه سباحة ، وعلى سفوح التلال تبدوالبيوت البيضاء لامعة تحت أشعة الشمس التي تخترق الغيوم البيضاء المتناثرة .
" سانتا هيلانة!".
تمتمت الانا وهي تقرأ الإسم المحفور على قطعة خشب صغيرة ، مثبتة على جذع شجرة الى جانب البوابة.
لم تكن هناك معالم للحياة داخل البوابة ، وبتنهيدة عميقة تدل على الأسف ، تابعت طريقها الى الشاطىء ، حيث دخلت المنطقة المهجورة الصخرية.
فجأة ألقت الانا نظرة دهشة وعجب ، وكأنها لا تصدق ما ترى ، فقد إنتصب امامها تمثال برونزي من تماثيل الأساطير القديمة يتوهج تحت أشعة الشمس ، كان تمثالا لأمرأة تحمل قيثارة ، اقيم على قاعدة صخرية ، كانت المرأة كئيبة حزينة ، ولكنها ساحرة خلابة ، وأستغربت الانا من الإنسان الذي يصنع مثل هذا التمثال ، غاية في الإتقان والجمال ، ثم يضعه في هذا المكان المهجور بعيدا عن أعين الناس!
نظرت الى ساعتها ، وعرفت انه قد مضى وقت طويل منذ غادرت أراضي زوجها ، فإستدارت على مضض ، واخذت تسير على مهل ، فقد كان التفكير بدخول ممتلكاته أمرا مزعجا ، لم تشعر مطلقا أنها في بيتها ولم يفرحها الإحساس بانها شريكة المالك.
عادت الدموع تفيض غزيرة من عينيها ، وأخذت تبطىء بأكثر ما تستطيع غير عابئة بالجوع الذي تحس به ، ولا بفمها الذي جف من شدة العطش.
لا شك أن وقت الغداء قد مضى منذ وقت طويل ، ولا شك ايضا ان كونون يبحث عنها ، وهو يعجب من أنها بالرغم من تحذيره تخرج كما تريد وتتأخر كيفما تريد.
بعد قليل وجدت نفسها مرة أخرى أمام بوابة القصر ، وفوجئت بكلب كبير يقفز من فوق السياج الى الطريق مما جعلها تصرخ ، وجعل الكلب يقف جامدا في مكانه ، رافعا أذنيه ، لاويا راسه ، وكأنه يتساءل لماذا خافت منه ، او لماذا يخاف أي إنسان آخر منه ، ولكنه عاد يعوي بعد لحظات قليلة بينما سمعت صوت رجل يقول بلهجة الآمر:
" جاسون ، تعال هنا".
وعلى التو إستدار الكلب ودخل من البوابة التي كان صاحبه قد فتحها من قبل.
وتابع الصوت:
" إنني آسف ، لا تخافي ، فهو لا يؤذي أحدا مطلقا".
توقف لحظة عن الكلام ونظرت آلانا لترى أمامها رجلا يونانيا وسيما طويلا ، يبدو شيء من التجهم على وجهه ، ثم أضاف:
" إنني آسف مرة اخرى ، لا شك انه أزعجك".
وزاد تجهمه وهو يرى دموع ألانا لا تزال كحبات الندى على خديها ، وقال:
" دخلي وإستريحي بضع دقائق".
صوته كان عميقا تشيه نبراته صوت زوجها ، تحمل في طياتها شيئا من الغضب ، ثم إلتفت الى الكلب يخاطبه:
" جاسون ، طباعك اليوم على غير عادتك ، إنني أخشى ان تكون سيدتك قد أفسدتك ".
ارخى الكلب ذنبه ، في اللحظة التي قدمت فيها فتاة شابة جميلة ، فإنحنى فرحا وإتجه نحوها مسرعا:
" ماذا هناك؟".
توقفت قبل أن تكمل ،وهي تنقل النظر من ألانا الى زوجها ، ثم تابعت السؤال:
" هل أنت مريضة؟".
" جاسون ارعبها".
ولكن ألانا قاطعته وقالت:
" لم يفعل شيئا، فارجو ألا تلوماه ، فقد كان غباء مني ان أخاف الى هذا الحد".
إتجه الكلب نحوها ، وبحركة آلية وضعت يدها على شعره الناعم ورببت على راسه ، ثم اضافت:
" إنه جميل جدا وذكي ، فلا توبخاه".
جاسون حرّك ذنبه ، واخذ ينتقل بين سيده وألانا ثم إستقر عندها كانه فهم ما قالته.
دعاها الرجل ثانية وقبلت ألانا الدعوة ، ووجدت نفسها داخل البوابة ، لاحظت نظرات غريبة يتبادلها الزوج مع المراة الشابة ، بعدما قدم نفسه معرفا .... دونيس لوسين وزوجته جوليا ، فقالت الانا:
" أنا زوجة كونون ، لقد جئت مؤخرا للعيش على هذه الجزيرة".
" زوجة السيد كونون مافيليس!".
رددت جوليا ، وهزت راسها بإستغراب ، مع أنها ايقنت أنه لا بد وأن تكون كما قالت ، فالسواح لا يمكن ان يأتوا الى هذا الشاطىء البعيد المهجور.
وبعد هنيهة صمت ، تابعت جوليا:
" نحن لا نعرف زوجك جيدا".
كان صوتها باردا ، أما زوجها فقد كان فمه مطبقا وجبينه مقطبا ، لقد لاحظت ألانا بعض تعابير غامضة تمر على وجهه مما أكد لها أنه لا يحب زوجها ، وغريب ألا يكون وفاق بين الرجلين ، لما رأته من الشبه بينهما في كثير من الأمور ، فكلاهما تبدو فيه جلية روح السلطة والسيطرة ، ونفس طابع الأرستقراطية الموروث عن الأجداد اليونانيين ، نعم كانا متشابهين كثيرا ومن العجيب ألا يكونا صديقين.
أحست ألانا بالقلق يساورها لهذا الصمت الذي ساد بينهم ، ولما لم يكن لديها اية فكرة عن أية اسباب يمكن أن تكون هناك لعدم نشوء صداقة بين زوجها وبينهما ، قالت:
" في الواقع إنه منطو على نفسه".
تجاهل دونيس ذلك وطلب من زوجته ان تذهب مع الانا الى الداخل وتقدم لها بعض المرطبات.
" آه ، لا ، شكرا".
تمنعت الانا ، غير مرتاحة لبرودة الزوجة ، وأضافت:
" لا اريد إزعاجكما".
صدر صوتها غريبا عنها لا تكاد تعرفه ، وكأنها لاحظت شيئا ما يدور في عيني جوليا اللتين أظلمتا بشيء من الإشفاق.
لكن جوليا هزت راسها قائلة:
" لا ، ليس هناك أي إزعاج ، تفضلي بالدخول ، انا متأكدة انك بحاجة الى شيء تشربينه".
" في الواقع إنني عطشى ".
|